الثقافة والأدب

احتمال وارد
خالد الصامطي يفي بأكثر مما يعد

  • 80a
  • 81a
  • 83a
  • 85a

«احتمال وارد» مجموعة قصصية هي الأولى للقاص السعودي الشاب خالد الصامطي.
ولأن القراءة المتأنية لهذه المجموعة التي تتضمَّن خمس عشرة قصة قصيرة، وبعضها قصير جداً، تؤكد موهبة تستحق التوقف أمامها، الأمر الذي لم يحصل بشكل منصف في الإعلام المطبوع، تعرض لنا فاطمة الجفري قراءتها لهذا العمل، وتختار لنا اثنتين من قصص المجموعة التي تجعلنا ننتظر الثانية.
إن كانت مجموعة خالد الصامطي الجديدة «احتمال وارد» أمامك على رفوف المكتبة، فثق أن عينيك لن تغفل عنها وتتجاوزها لتتصفح غيرها.

ربما كان لهذا علاقة بالغلاف المبتهج بألوانه، المفعم بروح فتية تحذرنا ضمن ما تحذرنا منه على الغلاف، بملصق «قابل للكسر»، إلا أنه تحذير لا يقوم على إيمان حقيقي بأن محتوى الكتاب هش فعلاً ويمكن أن يتعرَّض للكسر بسهولة، بقدر ما هو آتٍ من أن القاص نفسه يبدو وكأنما لا يأخذ تجربته في عالم الكتابة والنشر بجدية المكافح الآمل في مساحةٍٍ ما وسط الزحام. فهو -كما يبدو من حديث له في أحد منتديات الإنترنت- مقدمٌ عليها بنوع من المزاجية المترفعة التي تأتي وتذهب كما يروق له.

ولكن القارئ لقصص الصامطي يدرك بسهولة أن هذه المزاجية والاستغناء عن مطاردة حلم الانتشار تتوقف بشكل مفاجئ وقاطع أمام حدود ما يكتبه قلمه. نرى الجدية والإحكام، والعمل الدؤوب المتأني في كل قصة من القصص الخمس عشرة التي تحتويها المجموعة، والتي تبدأ بقصص متوسطة الطول تحتل صفحتين أو ثلاث من القطع المتوسط، وتمر بقصص قصيرة جداً لا تتجاوز مساحتها صفحة، وتختم بقصة طويلة نسبةً لبقية قصص المجموعة وإن لم تتجاوز صفحاتها العشر. وعلى الرغم من الهدوء النسبي الذي قوبلت به المجموعة المقتصر على احتفاء متابعي الكاتب ومعجبيه بها وفرحتهم بصدورها على صفحات الإنترنت، إلا أن المجموعة تستحق الالتفات والدراسة بجدية كنموذج ناجح للمجموعات القصصية السعودية الصادرة مؤخراً.

عالم قصصي وارد
تبدأ المجموعة بمقدمة كتبها القاص الشاب منصور العتيق. والمقدمة استثنائية في توائمها مع لغة المجموعة وروحها، دون ذكر إحساس الصداقة الذي يتسلل إليك من المقدمة فيصيبك بالعدوى وتشعر بأنك إلى جانب صديقين طالما كنت ثالثهما.

يصف العتيق أبطال المجموعة القصصية بأنهم ثائرون مهمشون، ويقدمون على أفعال غير متوقعة دائماً، وإن كانت محدودة في نطاق ضيق هادئ. وبالفعل، فإن المحور الأولي المباشر الذي يجمع بين غالبية أبطال القصص هو أنهم لم يحوزوا شرف «العادية». ليس منهم من هو عائل أسرة يكد ويسعى ليحصل على قوته وقوت أولاده، وليس منهم من هي فتاة تقف بين أن تتزوج الفقير الذي تحب أو الغني الذي تحبه عائلتها، وليس منهم العجوز الذي تركته أسرته يقاسي برد الوحدة في آخر عمره. حياة أبطال الصامطي قصص في حد ذاتها، قبل أن يقرر كاتبها أن يحكي خيطاً واحداً من عشرات الحكايات المنسوجة في عالمهم. وربما لا يخرج الكاتب في هذا عن بقية القصَّاصين الذين رفعوا راية المهمشين في الأرض، وكرَّسوا مساحات واسعة من إنتاجهم للتعبير عنهم، إلا أن المجموعة تتميز بجملة سمات تتزاوج فيما بينها لتقدم خلطة متقنة ومتفردة قد يتعود القارئ على نكهتها، وسريعاً ما يعرفها باسم كاتبها، خاصةً إذا تتابع إنتاج الكاتب على الوتيرة نفسها.

فعلى سبيل المثال، للافتتان بحالة «الدروشة» -إذا جاز لنا أن نختصرها بهذا التعبير- مكان واضح في قصص خالد الصامطي. إذ من بين خمس عشرة قصة، نجد أربعة متفوقة منها تستكشف هذه التيمة: الدرويش في «حالة استطراد طويلة»، البله في «أشعث أغبر»، المهووس في «مجرد قارئ جيد»، المتشرد في «ترقُّبْ»، وكلها تنويعات على وتر يعرفه القارئ. الرجل الذي غوته فكرة ما فأفقدته عقله، أو جزءاً منه.. أو على الأقل هذا ما يراه الناس فيه، بينما يجرؤ الصامطي بكل بساطة أن يتعايش مع ما وراء الدروشة، فيقدم تبريرات أو شروح -أيهما تفضل- لهذه الحالة.

هذه القصص الأربع من القصص المهمة في المجموعة، إلا أننا نتناول هنا قصة «أشعث أغبر»، التي يطلب فيها الكاتب من قارئه تجميعاً لقطع مختلفة من لعبة «بزل» حول بلاهة القرية، وتراوح هذه القطع بين تلخيص لما يراه أناس مختلفون في مواقع مختلفة في هذا الرجل المتطاول الذي يقف على الأرض العطشى مخاطباً السماء ومطالباً بالمطر، وما يستخلصه القارئ مما يقوله هؤلاء أنفسهم، فهم في نهاية الأمر تطوعوا أو اضطروا إلى أخذ موقف ما من تطاوله في نظرهم. وقد يكون اختيار الكاتب لهذا الأسلوب تحديداً مغامرةً غير محسوبة جيداً إن استخدمه في قصة أخرى، أما في هذه القصة بالذات فيصعب أن نعود ونتخيل كيف يمكن له أن يُبدع تأثيراً أجمل من هذا التأثير، بحذفه بعضاً مما يمكن أن يُقال كي يوصل إلى القارئ كل ما لا يمكن أن يُقال.

من جهة ثانية، تقدِّم هذه القصة، مع بقية القصص الأخرى، سمة أخرى من سمات عمل خالد الصامطي. فهو لا يستجدي عطفاً من أي نوع على أبطاله. على الرغم من هامشيتهم وأحوالهم البائسة. فأنت لا تشفق على هؤلاء الأبطال، بل تجلهم كما ينبغي أن يُجل البطل، وقد تدرك أن من تقرأ عنه يستحق عطفك، ولكنك لكبرياء قلم الصامطي لا تستطيع أن تشعر بهذا من الكلمات. فقصة مثل «يرحلان» الحافلة بتفاصيل ذكية حزينة، تنجح في أن تفلت من قبضة إشفاقك مع أن كل شيء فيها يدعوك إلى الوقوع في الأسر، بدءاً من الوصف الدقيق للأخ الأكبر القابض بيد متعرقة على ريالين بشكل عبثي، والأصغر الذي يختار نوعاً جديداً من الحلوى في كل مرة يدخل فيها الدكان، مررواً بالجمل القصيرة المفاجئة بعد مجموعة من الجمل الطويلة، وانتهاءً بالحدث المكثف في مقابل الوصف المطول.

بين صوت الكاتب وحضور مدينته
يُدرك القارئ الحضور الدائم للصامطي في خلفية المجموعة. وإن لم يكن هذا الحضور مستفزاً، إلا أنه في أحيان يطغى على صوت القصص.

ثقافته المتنوعة، على سبيل المثال، تفرض نفسها ضمن مفردات سرده، فهو يشير إلى رواية موريسون ولقاء الماغوط في «منتصف الليل والوطن والأشياء الأخرى»، ورواية العطر ومعزوفة فانغليز في «هنا»، كما يشير إلى بيكاسو وباخ وإبراهيم الكوني وأعماله عن الصحراء وسط حديثه عن الجدة صفية الأمية في «في جيدها عقدٌ من بلد». وإن كانت هذه الإشارات مقبولة أو متوقعة في القصتين الأوليين، إلا أنها أيضاً مقبولة وجميلة وغير مقتحمة في معرض الحديث عن صفية، تلك التي في جيدها حبلٌ من بلد، والتي أعتبرها من أجمل قصص المجموعة.

وهناك حضور آخر بقامة مهيبة هذه المرة نراه في حضور الرياض في قصصه، حتى في تلك التي لا تذكرها صراحة. الرياض كانت البطل المهيمن في «خط البلدة لا ينتهي»، والرياض كانت الإطار الأكبر الذي يعلو على حدود المكان الضيقة في «هنا».. وكلما أتى ذكر الرياض، اكتسبت كلماته ثقلاً يشي بما تعنيه المدينة له.

قصص المجموعة القصيرة جداً، تلك التي لم تتعد كلماتها نصف الصفحة، كقصتي «سقوط» و«أعمى» اختلفت في نوعيتها عن بقية القصص، وقد يرى البعض فيها بساطة جميلة تروق له أكثر من إحكام قصصه الأطول، إلا أن الثقل في كفة الميزان الأدبي يميل لصالح الأخيرة، ويعود جزء من هذا إلى ظهور أسلوب الكاتب وتميز بنائه القصصي فيها. أما «هنا»، القصة الأطول بين قصص المجموعة والتي اختار الصامطي أن يختم بها مجموعته، فقد كانت تغريداً خارج السرب، حيث أطلق الكاتب لقلمه العنان في استطراد لم يتفق مع بقية قصص المجموعة، ولم يضف حقيقةً لبناء القصة ذاتها.

مجموعة «خالد الصامطي» الجديدة لا تُشترى فحسب، بل تُقتنى. وليس من الضروري أن يفتنك غلافها، أو تعجب بحرفية رسومها الموزعة على قصصها المختلفة، بل وليس من الضروري أن يضاف اسم كاتبها إلى قائمة كتَّابك المفضلين. هناك سبب آخر يمكنك أن تتعلق به إن فاتتك الأسباب البديهية التي قد تدفعك إلى اقتناء كتاب. وذلك أن المجموعة من بدايتها وحتى نهايتها تموج بنضارة التجارب الأولى. يبدأ هذا من دار النشر الشابة «رحلة حياة» بقيادة أحمد عثمان، ويمر بمصممة الغلاف أروى العمر والرسامة نورة العفالق، وينتهي بالكاتب خالد الصامطي في تجربته الأولى التي وضعتنا في حالة انتظار للثانية.

خالد علي الصامطي
• قاص سعودي من مواليد الرياض في الخامس من مارس عام 1981م.
• حصل على بكالوريوس الترجمة في اللغة العبرية من جامعة الملك سعود في الرياض.
• حصل على المركز الأول في مسابقة القصة القصيرة بمهرجان الشباب العربي العاشر بالخرطوم عام 2005م، وكذلك مسابقة جمعية الثقافة والفنون في الأحساء للقصة القصيرة في العام نفسه.
• رسام كاريكاتوري نشرت رسومه في الملحق الثقافي الأسبوعي لجريدة الاقتصادية.
• يدرس حالياً الماجستير في تخصص نظم المعلومات في جامعة ديبول في شيكاغو الأمريكية.

مقتطفات
في جيدها عقدٌ من بلد

إنها جدتي.. ولقد ماتت..

صفيّة، التي لولا أنها وجدت نفسها -على سبيل القدر- امرأةً قرويّةً، ترعى الغنم، تطرحُ القصب لبقرتها، وتذهب كل صباح للسقايّة، ولولا أنها أيضاً كانت تحصد «الخَضير» وتصدحُ بأهازيج المزارعين، لكانت شيئاً آخر لا يختلفُ كثيراً عنها، مثلاً: سيّدةً إنجليزيةً نبيلة، تجمع أسطواناتٍ موسيقيةٍ لباخ، وتحب لوحات بيكاسو وموديلياني النادرة، تكتب مذكراتها اليومية وتجاربها القديمة بكل جرأة، أو لكانت في بيئةٍ مقاربةٍ لبيئتها، مثلاً: كعجوز أسكتلندية تجلس على كرسي هزاز، تستظل بمدخل منزلٍ ريفي، تغزل شالات صوفية وهي تنتظر عودة جدي من المزرعة، الذي بالتأكيد لن يكون مختلفاً عن «سراج» النائم في غيبوبة تامة منذ وفاتها، مثلاً سيكون «وليام» المحارب القديم الذي يروي دائماً حكاية قتله لخمسة جنود إنجليز، بثلاث رصاصات فقط!

لكنها -ببساطة ودون الحاجة إلى أي تبرير- جدتي صفيّة التي ماتت.

أعني أنها هي كما عاشت حقيقةً، لذا كانت تضحك راضيةً، وعندما تفعل ذلك، تظهر أسنانها مكتملةً بيضاء، كعقدِ لؤلؤ. أكدت لي يوماً أنها ليست نادمةً على شيء، أو بالضبط؛ خلال ثمانين سنة لم ترغب بعيشةٍ أخرى، وكما قلت: كانت تضحك، رغم أنها تحزن عندما تحكي قصة «الأغراب»، أولئك الذين قالت عنهم: (كلامهم يابس، أتوا من الصحراء، لا فيها مطرٌ يرطب أصواتهم، ولا هم يحصدون).

متأكد من أنها كانت تستمتعُ باسترجاع الماضي، عدا تلك الفترة الناتئة على سطح ذاكرتها الصلبة، الفترة التي جاء فيها «مطرف» ورجاله، تتذكر اسمه جيداً كما يفعل أهل القرى المحيطة جميعهم، وعلى كلٍ، فإن نسيانها لهذا الاسم يُعد أمراً غير واردٍ على الإطلاق، إنه الشخص الذي أطلق عليها في الحقل لقباً رافقها حتى ماتت.

أذكر أنني كنت جالساً جوار قدميها حينما تنهدت: (قديماً يا إدريس، كنا ورجال القرية نرعى سوياً، نزرع ونسقي سعداء، كما فُطرنا عشنا، لكنهم جاءوا ومنعونا، قالوا بأن ما نفعله من عمل الشيطان، بعض النساء امتثلن لأمرهم، فذهبتُ إلى كبيرهم «مطرف»، رجوته بألا يمنعنا مما جُبلنا عليه من الحق، لكنه تجاهلني، واستمر يردد الكلام الجديد والوعيد. وذات يوم لحق بي رجال رجموني حتى تفطَّرت قدماي).

ولأن جدتي أُميَّة، فمن المنطقي أنها لم تقرأ ما يكتبه «الكوني» عن الصحراء. وتنفي بكلامها -من حيث
لا تدري- فلسفته. ولكيلا تُتهم بتبني مبادئ متطرفة، يجب أن أقول إذا أتينا للحق، إن جدتي ماتت وهي لم تسمع مسبقاً بالصحراء الكبرى ولا «الطوارق» وتظن أن «تركيا» امرأة، وأن اليهود من الجن!

في إحدى المرات، وكمحاولةٍ لممازحتها ومشاكستها، كنت أتحدثُ بما لا تفهمه عن العولمة، إنفلونزا الطيور، والإنترنت، فقاطعتني وكأنها تكملُ حديثاً سابقاً: ( لم أترك الزراعة أبداً، ولم يجبرني جدك على بتر جذوري الضاربة عُمقاً في الأرض، بل لم يكترث مثلي بما لقبوني به، وكان يمازحني باللقب أحياناً، حتى أنني أحببته عندما يقوله هو، وذلك عندما «أنغزه» في خاصرته، الأمر الذي يجعله يقفز بشكلٍ مضحك ويحاول أن يستفزَّني. إن جدك يا إدريس إنسان رائع، لم يتخل عني أبداً، ولم يتخلَّ عن مزرعته إلا بعد أن قطعها الإسفلت، كنا نعمل بها غير مبالين بكلام الأغراب، ولا الذين تبعوهم من أهل القرية، أجزم بأنهم لم يقتنعوا، لكن الحديث الذي انتشر حينئذ.. أرهبهم).

كنت أستغل شرودها وتأملها، أتأكد من أنها ليست منشغلةً بتلاوة ما تحفظ من سور، أحرِّضها على الحديث، ليس لرغبتي وحرصي على حكم ووصايا الجدات، بل لأنها تملك مشاعر دافئة، وحساً كوميدياً بريئاً، يشرحُ صدري ويركنُ كلَّ تعبٍ خلَّفهُ الترحال. الآن، لم تعد الجنوبُ «صفيّة» لأزورها، ماتت، كشجرةِ زيتونٍ اجتثت من مكانها. ماتت وهي تصلي، تماماً كما قررت وجهرت في أدعيةٍ مضت. ثمة الكثير مما أريد قوله كتأبين متأخر لروحها بطريقتي، ولكني لا أريد أن أبدو كمن يحاول أن يجعل من جدته رمزاً لثورةٍ ما. كل ما في الأمر، أن ثمة عجوز أسنانها مكتملة بيضاء كعقدِ لؤلؤ، عجوز اسمها صفيّة.. ماتت.

في زيارتي الأخيرة، أذكر أنها قامت لتتوضأ، اتجهت إلى جدّي الذي بالكاد يسمع، جدّي الذي طرحتهُ الأمراض وغاب وعيهُ بعد وفاتها، عندما مرت جوارهُ أفزعته وهي «تنغز» خاصرته وتقول: (قم صلّ يا سراج).
نظر إليها وهو يعتدل جالساً، ابتسم، ثم قال بصوتٍ مبحوحٍ وساخر: (من؟! حمّالة الحطب!).
ضحكتْ جدتي، فبانت أسنانها مكتملةً بيضاء كعقد لؤلؤ.

13 نوفمبر 2005
يرحلان

يخرجان. يفعلان ذلك كل يوم، وفي أوقات غير محددة. يذهبان إلى الدكان في آخر الحارة، الأكبر هو الذي يطوي في يده اليسرى بشكل عبثي ومتعرق «ريالين»، يمسك بيده الأخرى الأصغر الذي أحياناً لا يرتدي حذاءه، الأصغر ذا القميص البني، وطاقية بيضاء كالسحب. الكبير ينتعل حذاءً أبيض ومتسخاً ماركة (أديداس) مقلَّدة، قميصه رمادي وطاقيته مخرمة. يسيران في أزقة الحارة بمعرفة، يرحلان بصمت إلى أحلام بعيدة وهما ينظران إلى القطط على حافة برميل الزبالة الكبير، إلى النوافذ، يركل الأكبر الحصى في الطريق، يسأله الأصغر:
هل يؤلمك ذلك؟
فيجيب بالنفي، ثم يتحدثان عن الأشياء في الطريق، ويضحكان.

في الدكان، يقف الكبير على رؤوس أصابعه أمام الثلاجة، يتناول عصير برتقال، في الوقت الذي يكون الصغير قد اختار نوعاً جديداً من الحلوى، وإذا ما صرَّح برغبته في شرب «عصير» في طريق العودة، فإن الكبير يمنحه نصف عبوة من عصير برتقال. أحياناً، في منتصف الطريق يتسابقان إلى البيت، في كل مرة يصل الصغير أولاً، الكبير يخشى الفوز، لكيلا يلتفت عند خط النهاية فلا يجد أخاه الأصغر.
لأسباب لا يتقنان فهمها؛ لا يستطيعان اللعب مع غيرهما، ولأسباب يجهلها الآخرون، يرحلان.

منذ سنة، لم تشاهدهما القطط على حافة برميل الزبالة الكبير، ولا النوافذ. الحصى على الطريق يفتقد ركلة حذاء أبيض متسخ، ثلاجة العصير تأن، تمعن في التساؤل عن طفل بقميص رمادي كان يأتي في كل يوم ويقف على رؤوس أصابعه، يتناول عصير برتقال، وبجواره طفل آخر بقميص بني يمسك بنوعٍ جديد من الحلوى.
5 يوليو 2006

أضف تعليق

التعليقات