قصة مبتكر
قصة ابتكار
وليـم بيـركن
فرشاة الأسنان
عُرف عن وليم بيركن نبوغه الدراسي الذي جعله يلتحق بالكلية الملكية لعلوم الكيمياء في لندن وهو في الخامسة عشرة من عمره، ويعرف عنه أيضاً أنه مبتكر طريقة تحضير اللون الأرجواني كيميائياً. ولكن عبقريته لم تقتصر على ذلك، بل تمثلت أيضاً في قدرته الكبيرة على استشراف المستقبل، والتقاطه الفرصة السانحة، وقدرته على تطويع العلم الصرف لخدمة الحياة اليومية. ولد وليم هنري بيركن في لندن عام 1838م، والتحق بمدرسة مدينة لندن حيث انتبه معلمه توماس هول إلى ميوله العلمية مبكراً، وأوصاه بدراسة الكيمياء. وبالفعل، التحق وليم بالكلية الملكية لعلوم الكيمياء، حيث درس على يد الكيميائي المعروف أوجست فون هوفمان، الذي سرعان ما عين تلميذه النجيب مساعداً له. كان هوفمان يسعى آنذاك إلى تصنيع الكينين كيميائياً، وهو الدواء اللازم لمحاربة الملاريا. فأوكل إلى وليام إجراء سلسلة من التجارب في هذا الإطار. وذات يوم من العام 1856م، اكتشف أن الصبغ الأزرق الداكن المستخرج من قطران الفحم، يتحول إلى الأرجواني إذا ما استخلص بواسطة الكحول. ولأن هذا الاكتشاف يخرج عن المهمات التي حددها له أستاذه، راح وليم بمساعدة أخيه وصديق له يطورون اكتشافه في معمل صغير أنشأه سراً في أحد الأكواخ. أطلق بيركن على اللون الجديد اسم «موفين»، وحلم بإمكانية استخدامه في صباغة الملابس. ففي عصره، كانت كل الأقمشة تصبغ بالألوان المستخرجة من مواد طبيعية. والألوان الزاهية كانت قليلة جداً نظراً لارتفاع تكلفتها. أما اللون الأرجواني الذي كان يستخرج من أصداف الموريكس فقد كان باهظ الثمن، وكان ارتداء الملابس الأرجوانية
لا يزال كما كان قبل ألفي سنة، علامة الغنى والأرستقراطية. حصل بيركن على المال من والده لإنتاج اللون الجديد صناعياً، وأقنع مصممي الأقمشة أن الفتيات من كل الطبقات سيقبلن على ارتداء الملابس الأرجوانية أسوة بالإمبراطورة الفرنسية أوجيني والملكة فيكتوريا. وبذلك نجح في ترويج ابتكاره نجاحاً باهراً. ولاحقاً عمل بيركن على تصنيع الصباغ البنفسجي ثم الأخضر، كما نجح في تحضير بعض العطور كيميائياً، ويروى أن سكان لندن كانوا يتطلعون إلى قناة الماء الجارية بالقرب من معلمه، ليعلموا أي لون يطوره بيركن. حظي بيركن بلقب فارس، ونال ميداليات عديدة، إضافة إلى الثروة التي جمعها من اللون الأرجواني. وعندما توفي عام 1907م، كانت ملابس العالم بأسره تبتعد شيئاً فشيئاً عن الألوان القاتمة التي كانت تميزها منذ قرون، لتصبح زاهية وملونة أكثر فأكثر.
ذات صباح، قرَّر ويليام آديس أن الطريقة التي يستخدمها لتنظيف أسنانه، لم تعد مريحة ولا مجدية. كان آديس تاجراً إنجليزياً، وكانت الطريقة التي يستخدمها الناس في ذلك الوقت من القرن الثامن عشر لتنظيف أسنانهم، هي حكها بواسطة قطعة من القماش بعد غمسها في الملح. فكر آديس في ابتكار أداة مخصصة لهذه المهمة، تقوم بتنظيف الأسنان بسهولة وكفاءة أكثر من هذه الطريقة التقليدية. وبعد أيام من التفكير والعمل، ظهرت الفكرة الجديدة إلى النور. كانت فرشاة صغيرة، مصنوعة من قطعة من العظم، وقد ثبتت عليها مجموعات متلاصقة من الشعيرات القصيرة، التي أخذها آديس من ذيل حصانه. بعد أن رأى الفائدة من استخدام فرشاته، قرَّر آديس أن يجرِّب الفائدة الأبعد التي يمكن أن يحصل عليها إذا قام بإنتاجها وبيعها على نطاق واسع. وفي عام 1780م أسَّس شركته الخاصة لإنتاج وتسويق ابتكاره. فلاقت الفرشاة نجاحاً كبيراً، وانتشر استخدامها في بريطانيا كلها، حتى أصبح عدم امتلاكها واستخدامها شيئاً غير مقبول اجتماعياً. وخلال السنوات التالية، انتقلت فرشاة الأسنان إلى بلاد أخرى غير وطنها الأم. فانتشر استخدامها، وكذلك إنتاجها، في فرنسا وألمانيا واليابان ثم الولايات المتحدة الأمريكية. ظلت فرشاة الأسنان لسنوات عديدة على الصورة نفسها التي ابتكرها بها وليام آديس للمرة الأولى. لكنها تطورت مع التقدم الصناعي الذي تسارعت عجلاته في القرن العشرين. فقد حلَّ البلاستيك محل العظام في صناعتها. ثم ظهرت عام 1938م أول فرشاة أسنان تُصنَع شعيراتها من مادة النيلون. تلك المادة التي أنتجت عام 1935م في معامل شركة دوبون، لتقدم للعالم لأول مرة مصطلح الألياف الصناعية. قُدِّر عدد براءات الاختراع الخاصة بفرشاة الأسنان، والتي ظهرت على مستوى العالم في الفترة ما بين العام 1963 إلى العام 1998م بنحو ثلاثة آلاف براءة اختراع. وحتى الآن ما زال مصنِّعوها يتنافسون لإنتاج تصميمات مطورة تنال رضا مستهلكيها، وتحقِّق أكبر قدر ممكن من الأرباح في هذا السوق العملاق. فمنذ أن صممها ويليام آديس في صورتها الأولى، احتلت فرشاة الأسنان مكانة مهمة في حياة البشر اليومية، حتى وإن كنا بحكم اعتيادنا عليها لا نتوقف كثيراً أمامها. إلا أن استطلاعاً للرأي قامت به منظمة «ليملسون» الأمريكية المعنية برعاية الابتكار، قد أكد اعتراف الملايين من مستخدميها بأهميتها. حيث احتلت فرشاة الأسنان المركز الأول في قائمة الابتكارات التي لا يستطيع الإنسان الحياة من دونها، متقدمة على مجموعة أخرى من الابتكارات التي نستخدمها في حياتنا اليومية كان من ضمنها السيارة، وفرن الميكروويف، وحتى الكمبيوتر، والهاتف المحمول.