يمثِّل الموقع الإلكتروني «إيباي» حكاية مختلفة تماماً عن حكايات المواقع الإلكترونية الناجحة، وحتى عن باقي مواقع التجارة الإلكترونية. فما بدأ في العام 1995م كموقع منزلي أصبح اليوم أكبر سوق إلكترونية في العالم، ونموه الأسطوري حوَّله إلى نموذج يقلَّد، الأمر الذي ينبئ بالتحولات الجذرية التي بدأت تطرأ على تجارة التجزئة في العالم، والتي ستنحرف بها بعيداً جداً عن التجارة التقليدية كما عهدناها في الأسواق التقليدية.
عبود عطية يعرض خصائص هذا السوق العالمي الجديد والميزات التي كانت وراء نجاحه، واحتمالات جذب تجارة التجزئة في العالم بأسره نحو منعطف يصبح فيه الدكان وموقعه والبائع والمتسوق بمهاراتهما التقليدية جزءاً من الماضي.
حتى سنوات قليلة مضت، كانت «المخازن الكبرى» قبلة أنظار المتسوقين في المدن، نظراً لتنوع السلع التي تعرضها، بما يرضي أكبر عدد ممكن من الأذواق وأصحاب القدرات الشرائية المختلفة. ولكن أكبر المخازن الكبرى في العالم يصبح اليوم أشبه بدكان القرية الصغير إذا ما قارناه بكمية السلع المتنوعة التي يعرضها موقع «إيباي» الإلكتروني.
وللتأكيد على أن هذه المقدمة لا تحوي أية مبالغة، نشير إلى أن هذا الموقع يعرض للبيع كل أنواع السلع من ضروريات وكماليات (أي كل ما يمكن للمال أن يشتريه) باستثناء ما هو ممنوع قانوناً مثل المخدرات والأسلحة (غير الأثرية) والعاج وما شابه ذلك.
ولإعطاء صورة أوضح عن معروضات هذا المتجر العالمي، ولأن عمليات تسجيل سلع جديدة وبيع أخرى تتواصل بالآلاف خلال كل دقيقة على هذا الموقع، كان علينا في لحظة محددة إلقاء نظرة على عدد المعروضات في بعض الأقسام، علماً بأن هذه الأرقام لا تختلف إلا قليلاً عمَّا يمكن أن نحصيه في أي وقت.
ففي 21 أبريل الماضي تضمنت فئة الملابس والأحذية 4,048,322 قطعة، والكتب 3,351,149 كتاباً من ضمنها، على سبيل المثال، أكثر من 117 ألف كتاب لهواة جمع الكتب النادرة. وفي فئة المجوهرات والساعات كان هناك 2,076,098 قطعة، من ضمنها أكثر من 119 ألف حجر كريم. كما يجد هواة جمع التحف والأشياء القديمة أكثر من 216 ألف قطعة من ضمنها 16 ألف سجادة، وأكثر من 10 آلاف أطلس وخريطة قديمة. أما الباحث عن الإلكترونيات فسيجد أكثر من 730 ألف قطعة، وهو العدد نفسه تقريباً الذي يجده من يريد هاتفاً جوالاً. وإذا شئت أن تشتري زورقاً، فستجد على هذا الموقع 2,790 زورقاً، من ضمنها 167 زورقاً شراعياً و743 زورق صيد، و1,765 زورقاً سياحياً بمحرك.. وإذا شئت قطعة فنية من الخزف أو الزجاج فستجد نحو ربع مليون قطعة، وإذا شئت عقاراً فستجد نحو ثلاثة آلاف عقار.. وقس على ذلك أي شيء يمكن للمال أن يشتريه. وقبل الغوص في تفاصيل التحولات التي يمكن أن يحملها هذا الموقع على تجارة التجزئة، يجدر بنا التوقف أمام تاريخه القصير جداً.
من موقع منزلي إلى شركة عالمية
تأسست «إيباي» في شهر سبتمبر من العام 1995م، على يد شاب فرنسي من أصل إيراني يدعى بيار أوميديار يعيش في مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية. فقد خطر لهذا الشاب أن يصمم جزءاً من موقعه الشخصي على الإنترنت لبيع الأشياء بالمزاد العلني. وكان أول ما باعه جهاز ليزر محطم بمبلغ 14.83 دولاراً، وبسبب دهشته من بيع شيء لا يعمل بمثل هذا المبلغ، اتصل بيار هذا هاتفياً بالمشتري ليسأله إن كان قد انتبه إلى أن الجهاز معطل، فكان جواب المشتري: «أعرف ذلك، ولكنني أجمع أجهزة الليزر المعطلة».
أدرك بيار من هذا الجواب فوراً أن أي شيء في هذه الدنيا قد يكون مطلوباً من قبل البعض إذا عرفوا بوجوده ومكانه وثمنه. وخلال أشهر قليلة، في مطلع العام 1996م، تم تعيين أول موظف في الشركة الوليدة، وأيضاً تعيين أول رئيس لها. وفي العام التالي 1997م، حظيت الشركة بتمويل استثماري من شركة «بنشمارك» قيمته 5 ملايين دولار. وفي سبتمبر من السنة نفسها غيَّرت الشركة اسمها من «مزاد الشبكة» إلى «إيباي». وبعد ذلك بسنة واحدة، في سبتمبر 1998م، أصبحت «إيباي» شركة مساهمة، وبلمح البصر أصبح أوميديار ورئيس الشركة من أصحاب المليارات. ومنذ ذلك الحين لم تعرف هذه الشركة أية انتكاسة تذكر، بل استمرت في النمو.
فبالإضافة إلى مقرها الرئيس في كاليفورنيا، راحت تفتح مواقع محلية في عدد من البلدان (للأداء باللغات المحلية) حتى وصل عدد هذه المواقع الفرعية إلى 38 في 38 بلداً من الهند والصين إلى المكسيك مروراً بهولندا وتركيا وبولندا وغيرها.. وعلى هذه المواقع يمكن لأي شخص أن يبيع أي شيء في أي وقت.
1900 دولار كل ثانية
يبلغ عدد مستخدمي موقع «إيباي» حالياً أكثر من 84 مليون شخص (من باعة ومشترين). وفي العام 2007م، بلغت قيمة السلع التي بيعت من خلال هذا المتجر الإلكتروني حوالي 60 مليار دولار. أي إن مستخدمي هذا الموقع تبادلوا من السلع ما توازي قيمته 1900 دولار كل ثانية، أي ما تعجز عن عده والتعامل معه صناديق عشرات المخازن الكبرى دفعة واحدة.
أسرار النجاح.. ليست سرية جداً
من خلال تجارب شراء أو بيع بسيطة على هذا الموقع، أو حتى من خلال تصفحه فقط، يمكن للمرء أن يكتشف العوامل التي أدت إلى نجاحه بهذا الشكل الساحق.
أولاً: هناك تنوع المعروضات الذي أشرنا إليه في البداية، ولا داعي لضرب المزيد من الأمثلة.
ثانياً: التوجه إلى مختلف الزبائن مهما كان الشيء الذي يسعون وراءه، ومهما كانت موازناتهم. فعلى هذا الموقع يمكنك أن تجد طبقاً من خزف أو قميصاً مستعملاً بـ 90 سنتاً أمريكياً، ويمكنك أن تجد منجم ذهب في أريزونا للبيع بـ 20 مليون دولار، وحلي أحد ملوك الفرس من القرن الأول قبل الميلاد بمبلغ مشابه تقريباً.
ثالثاً: جاذبية نظام المزاد العلني، الذي يسمح للمشتري أن يحدد الحد الأقصى الذي يمكن أن يدفعه لشيء يرغب به. فإذا لم يزايد عليه أحد، يمكنه أن يحصل على هذا الشيء مهما كان السقف الذي وصل إليه المزاد متواضعاً.
رابعاً: بموازاة نظام المزاد العلني، هناك طريقتان أخريان للبيع على هذا الموقع، هما:
1 –
«اشتريه الآن»، حيث يكون الثمن محدداً، ومهلة البيع محددة أيضاً. فإذا رغب الشاري بالشيء عليه أن يدفع هذا الثمن المحدد.
2 –
«اشتريه الآن، أو أفضل عرض»، وفيه تكون السلعة مرفقة بسعر محدد قابل للمساومة. فيمكن للمشتري أن يقدِّم عرضاً (أقل) وعلى التاجر أن يجيب على عرضه ضمن المهلة المحددة رفضاً أو قبولاً. وعندما يكون هامش المساومة معقولاً (نحو %30 من الثمن المعلن) فإن جواب البائع يكون غالباً قبولاً بالبيع.
خامساً: إن معظم السلع المعروضة مرفقة بوصف جيد يعطي فكرة واضحة عن نوعيتها ومستواها. وفي معظم «المتاجر» يكون الوصف بالغ الدقة، خاصة إذا كان التاجر من الباعة الدائمين. بحيث لا يبقى غير مجال ضيق لاحتمال إصابة المشترين بخيبة أمل.
سادساً: إمكانية رد السلعة إلى البائع في حال عدم مطابقتها للمواصفات الواردة في الحديث عنها، وبعض التجار يسترد بضاعته من دون سؤال عن السبب ويعيد المال إلى المشتري. وقلة قليلة جداً تعلن أن وصف سلعها بالغ الدقة، ولا ترحب باسترداد بضاعتها.
أي لو كان ممكناً اختصار ميزات «إيباي» بجملة واحدة، لقلنا إنها تبدو وكأنها استطلعت كل ميزات التسوق التقليدي، وجرَّدته من سلبياته وحافظت على إيجابياته. فمن دون تعب، ومن غرفة نومك يمكنك أن تجول على بضائع العالم من سنغافورة إلى أمريكا، ومن روسيا إلى الأرجنتين وتنتقي منها ما ترغب به مقابل مبلغ تستطيع دفعه، ليصلك إلى باب بيتك في غضون أيام معدودة.
السوق المحمية جداً
غير أن ما قد يكون أهم من كل ما تقدَّم، هو تمكن «إيباي» من وضع نظام حماية يحفظ حقوق المشتري والبائع، ويقيهما مطبات التجارة الإلكترونية وخاصة الاحتيال، خاصة وأننا هنا أمام مئات آلاف المتاجر وملايين المتسوقين التي يمكن لبعض المحتالين أن يندسوا بينهم. ومن أبرز وسائل الحماية نذكر ما يأتي:
1 –
حماية الموقع إلكترونياً ضد القرصنة: إذ إن لكل متعامل «اسم مستخدم» يعتمده عند التسجيل، ويظهر في الصفحة الرئيسية عند دخوله على الموقع. إضافة إلى كلمة السر الضرورية. وإذا حاول قراصنة اختراق الموقع، تتولى «إيباي» إخطارهم فوراً، إضافة إلى نشراتها الخاصة المحذرة من بعض أنماط القرصنة الإلكترونية الجديدة. وبشكل عام، لم نسمع بحالات نجح فيها القراصنة باختراق هذا الموقع واعتراض عملياته.
2 –
تقييم التاجر: بالقرب من اسم كل بائع يوجد رقم يشير إلى نسبة مئوية، ورقم آخر، مثل فلان الفلاني %99.4 إيجابي (22,440). أي أن التاجر حظي حتى الآن بـ 22,440 تقييماً، يشكِّل الإيجابي منها %99.4. إذ بعدما يشتري المتسوق سلعة ما وتصله، عليه أن يقيم العملية من خلال تقديره ما إذا كانت إيجابية – عادية – سلبية. وعليه أن يشرح بكلمات قليلة سبب موقفه. كما أن عليه أن يقيِّم (من 1 إلى 5 درجات) أمانة البائع في وصف القطعة وحسن التواصل معه، والسرعة التي شحن بها السلعة، وتكلفة الشحن.. وبشكل عام يمكن للمشتري أن يثق بكل التجار الذين يتجاوز تقييمهم الإيجابي نسبة %99. أما ما دون ذلك فيعني أن بعض المشكلات قد تلوح في الأفق.
كما يمكن للمشتري أن يستطلع أخبار هذا التاجر ووضعه وتاريخ بدء تعامله مع «إيباي» من خلال صفحة خاصة به. واستطراداً نشير إلى أن التجار الناشطين منذ أكثر من سنة أو سنتين هم أهل للثقة أكثر من الطارئين الساعين إلى بيع بعض الأشياء والخروج من السوق غير مكترثين لسمعتهم.
ولكن ماذا لو شاء محتال أن يعرض بضاعة وهمية لمن يرسلها، ليضرب ضربته ويهرب؟ والجواب هو أنه لن ينجح. لأن «إيباي» وضعت أفضل نظام ممكن لحماية أموال المشتري والبائع، عبر اعتماد طرف ثالث يتم الدفع بواسطته. وهنا نصل إلى حكاية «بايبال» (PayPal).
ضمان الأموال والعملية
يعلن بعض التجار على صفحاتهم أنهم يقبلون الحوالات البريدية والمصرفية وبطاقات الاعتماد مباشرة. ولكن «إيباي» تحذر من استخدام مكاتب تحويل الأموال التي لا يمكن التأكد من هوية المستلم عبرها. ولذا نجد أن أكثر من %99 من التجار يشيرون إلى قبولهم الدفع عبر «بايبال»، وبعضهم لا يقبل غير هذه الوسيلة. ولذا يُعد تسجيل المشتري في خدمة «بايبال» أمراً ضرورياً لحماية أمواله وحقوقه من التعرض للاحتيال.
و«بايبال» هي شركة خدمات مالية مقرها الرئيس في كاليفورنيا. وليست مصرفاً في أمريكا، ولكن عبر فروعها في أوروبا تدار كمصارف انطلاقاً من فرع اللوكسمبورغ الذي يحمل صفة المصرف. وعلى المتسوق أن يسجِّل اسمه وبطاقة الاعتماد المصرفية التي يمكلها (فيزا، ماستركارد، أمريكان اكسبرس)في هذه المؤسسة. وعندما يشتري سلعة ما، يدخل على موقع «بايبال» ويعطي أمراً بالدفع. وخلال أقل من دقيقة، يمكنه أن يعود إلى بريده الإلكتروني ليجد رسالتين: واحدة من «بايبال» تؤكد أنه دفع، وأخرى من البائع يشكره لأنه دفع. ولكن «بايبال» تحتفظ في الواقع بالمبلغ لمدة 45 يوماً، إفساحاً في المجال لكي يستلم المشتري سلعته، فإذا سارت كل العملية على ما يرام وكان المشتري راضياً، تحرر «بايبال» المبلغ لصالح البائع.
أما إذا وجد المشتري فرقاً ملحوظاً بين ما كان موعوداً باستلامه وما استلمه فعلاً، أو إذا لم يستلم سلعته، فيمكنه أن يعلن وجود «خلاف». وإذا لم يُحل «الخلاف» خلال مهلة محددة ببضعة أيام، يمكنه أن يرفع الخلاف إلى «شكوى». وعندها يتدخل المراقبون في «بايبال» شخصياً، وليس من خلال البرامج، لحسم الخلاف، ورد المال إلى المشتري إن كان على حق في شكواه.
وقد دفع النمو الهائل الذي عرفته «إيباي» إلى شراء «بايبال» برمتها في أكتوبر من العام 2002م (كما أنها اشترت الموقع الإلكتروني الأسرع نمواً في العالم للمحادثة الشفهية عبر الإنترنت «سكايبي»). وفي الربع الأول من العام 2008م، بلغ مجموع الأموال التي دفعت عبر «بايبال» نحو 14.4 مليار دولار، أي ما يشكِّل نحو %9 من حجم التجارة الإلكترونية العالمية.
حماية نظام المزاد
لقد تمكنت «إيباي» من وضع نظام لحماية سلامة المزاد العلني يمكن وصفه بأنه أسلم من أنظمة المزاد التقليدية في القاعات. وأكثر من ذلك، فهو أكثر جاذبية من غيره. فعندما يرى المتسوق شيئاً يرغب بشرائه، يسجِّل في خانة محددة المبلغ الأقصى الذي يرضى بدفعه ثمناً لهذا الشيء. فعلى سبيل المثال، قد يجد هاتفاً محمولاً يبدأ عليه المزاد من 10 دولارات، فيسجِّل هو 25 دولاراً، ولكن هذا لا يعني أن كل المبلغ الذي سجله هو ما سيصبح عليه ثمن الهاتف. إذ يرى أن الكمبيوتر رفع السعر دولاراً واحداً فأصبح 11 دولاراً. فإذا وضع مزايد آخر 15 دولاراً كحد أقصى، يسجل الكمبيوتر على صاحبنا 16 دولاراً ويبقى هو الفائز. أما إذا وضع أحد مبلغ 26 دولاراً كحد أقصى، فيتبلغ صاحبنا بأن أحداً زايد عليه، وأن عليه أن يرفع الحد الأقصى إذا شاء أن يربح الهاتف.
ويغفل برنامج المزاد أسماء المزايدين ويعطيهم رموزاً تتبدل من مزاد إلى آخر، بحيث يمنع المزايدين من التنسيق ما بينهم وفق قاعدة «اترك لي هذه القطعة وسأترك لك تلك».. فلا يظهر اسم «الرابح مؤقتاً» إلا للمشتري وللبائع.
قد يقول قائل إن الباعة يمكنهم أن يسجلوا أسماء مشترين غير حقيقيين ليزايدوا على سلعهم ويرفعوا أسعارها. ولكن على البائع أن يدفع للشركة نسبة مئوية من كل ما يجنيه. فإذا فعل ذلك مرة واشترى بنفسه بضاعته، فلا يمكنه أن يكررها، لأنه في النهاية يدفع مالاً ثمناً لبيع شيء غير مرغوب فيه بمثل هذا الثمن المرتفع.. واستطراداً نشير إلى أن «إيباي» تجني أرباحها من الباعة عند تسجيل بضائعهم على الموقع، وبعد بيعها، ولا تحمِّل المشتري أي عبء مالي إضافي.
إن نظام المزاد هذا هو ما يجعل «إيباي» في غاية الجاذبية، خاصة في مجال الكماليات. فالسلعة المطروحة في المزاد العلني ستباع حكماً عند نهاية الوقت المحدد بالساعة والدقيقة والثانية. وقد يجد المرء أشياء كثيرة لم يتهافت عليها المزايدون، فيخطفها خطفاً بدراهم قليلة. فمن الممكن أن يصل ثمن سجادة معينة إلى ألف دولار مثلاً، ولكن المتجر نفسه قد يعرض سجادة مماثلة تماماً للأولى، فترى أنها بيعت بخمسين دولاراً فقط لأنه لم يكن هناك مزايدون كفاية لرفع سعرها. ولذا يلاحظ المدقق أن بعض المتسوقين يسجلون مزايدتهم بمبالغ زهيدة جداً على عدد كبير من السلع، أقل من قيمتها الحقيقية، ويتوقعون أن يخسروا معظمها، ولكن إذا فازوا ببعضها يُعد الأمر مكسباً خالصاً.
عبقرية تصميم الموقع
قد يوحي ما تقدَّم أن عملية الشراء والبيع على هذا الموقع بالغة التعقيد، ولكن الحقيقة هي عكس ذلك تماماً. حتى أن البعض ممن لا عهدة لهم بأي شكل من أشكال التجارة الإلكترونية، سجَّلوا في «إيباي» و«بايبال» وأنجزوا عمليات تسوقهم خلال دقائق.. فتصميم الموقع مدهش في وضوحه وتطوره وسهولة استخدامه، بحيث لا يترك أي مجال أمام المتسوق للتكهن حول ما يجب عليه عمله لاحقاً.
وأكثر من ذلك، فالموقع «مؤنسن» إذا جاز وصفه بذلك. إذ يشعر المتسوق وكأنه في حوار أو حديث دائم مع «إيباي» كوسيط بينه وبين البائع. فالصفحات تخاطبه باسمه المستخدم. مثل «هاي يا فلان.. هل هذا أنت؟» التي تطالعه عندما يدخل الموقع، إلى «مبروك يا فلان، اقتربت نهاية المزاد ولا تزال أنت الرابح». إلى «آسف يا فلان، لقد خسرت هذه القطعة لأن شخصاً آخر قد زايد عليك». وخلال مجريات المزاد، يمكن للمتسوق أن يتلقى إشعارات «إيباي» بالتطورات من خلال الرسائل الإلكترونية أو الرسائل الهاتفية كما يريد. كما يشعر المتسوق أن «إيباي» شبه متواطئة معه ضد البائع وتتمنى له الحصول على سلعته بأقل ثمن ممكن..!!
الجاذبية حتى حدود الإدمان
عندما يسجل المتسوق اسمه لأول مرة في «إيباي» يطالعه تحذير يقول إن التعاطي مع هذا الموقع قد يسبب «الإدمان». والأمر صحيح، لأكثر من سبب. فهناك الرغبة الدفينة في نفس كل إنسان بامتلاك أشياء محددة غير متوافرة في المتاجر المحيطة بمكانه. ولكن هذا الموقع يضعها في متناول يده ولو كانت في الطرف الآخر من العالم.
وهناك الرغبة الفطرية في كسب شيء ثمين مقابل مبلغ زهيد. وهذا الموقع يوفر الفرصة لتحقيق ذلك. وأيضاً هناك المجال الواسع لتصفح كل بضائع العالم من غرفة النوم، كما أشرنا، من دون متاعب الجدل مع التاجر والمساومة التقليدية، والدفع بواسطة ضغط زر على موقع «بايبال» فلا يشعر المرء أنه صرف أموالاً نقدية حقيقية (إلا عندما يأتيه كشف حساب بطاقة الاعتماد).
بين الفتوة والنضوج..
إن الشوط الكبير الذي قطعه الموقع البسيط الذي أسسه بيار أوميديار قبل أربعة عشر عاماً، ليصبح حالياً «زعيم» التجارة الإلكترونية في العالم، يوحي بأن «إيباي» بلغت مرحلة النضوج.. وقد تكون فعلاً كذلك، تدل على ذلك أرقام أعمالها. ولكن المشتركين في «إيباي» يلاحظون التعديلات المستمرة التي تطرأ على تنظيم صفحات الموقع، وعمليات التطوير التي تتوالى شهرياً، وأحياناً أسبوعياً. وبعضها يتجاوز هيكلة الصفحات، ليصل إلى جوهر عمل الشركة. ومن ذلك، على سبيل المثال، عزمها على أن تتولى بنفسها قريباً فض النزاعات بدلاً من «بايبال».
ختاماً، نذكر أن حكاية «إيباي» وتطورها خضعت لقراءة معمقة من قبل مجلة «بزنس ويك» التي رأت في هذه الشركة «ما لا يقل عن اقتصاد عالمي منظم ذاتياً». ومن دون الانجراف إلى المصادقة على هذا التقييم، يمكن الجزم اليوم بأن «إيباي» تمكنت من إعادة هيكلة تجارة التجزئة في العالم وأرست نظاماً جديداً لها، أما مسألة تعميم هذا النظام فتبقى مسألة وقت، ليس أكثر.
نصائح للمتعاملين الجدد
إضافة إلى الكمية الكبيرة من النصائح التي يطالعها المتعامل على الصفحات المختلفة في موقع «إيباي»، فإن التجارب العملية تمكننا من إعطاء بعض النصائح للمتعاملين الجدد.
1 –
عدم التسرع في شراء أية سلعة مهما كانت جذَّابة، بل فتشوا عن سلع مشابهة وقارنوا النوعية والسعر، والموقع يسمح بذلك من خلال خانة «ابحث عن شيء مشابه».
2 –
افحص نوعية التاجر وصدقيته. واحصر تعاملك مع الباعة الذين حظوا بتقييم إيجابي يزيد على %99.
3 –
توخَّ الحذر عند التعامل مع تاجر سجل نفسه على الموقع قبل شهر أو شهرين فقط.
4 –
إعطاء الأفضلية للتجار الذين يبيعون نوعية محددة من السلع وبكميات كبيرة، لأن مصير أعمالهم يكون مرتبطاً بصدقيتهم وحسن تعاملهم مع المشترين.
5 –
قراءة وصف السلعة بدقة. وأيضاً قراءة كلفة شحنها إما عبر البريد أو بواسطة شركات الشحن السريع.
6 –
عند أي غموض في نوعية السلعة، أو تكاليف شحنها، على المشتري أن يستوضح من البائع كل التفاصيل قبل الشراء.
7 –
الدفع عبر «بايبال»، وعدم إعطاء رقم بطاقة الاعتماد للتاجر مباشرة.
8 –
إتمام جميع الاتصالات بالبائع عبر موقع «إيباي»، وليس من خلال البريد الإلكتروني المباشر.
9 –
الاحتفاظ بنسخ عن كل المراسلات مع البائع، حتى استلام السلعة. وانتهاء الصفقة بالشكل المرضي، لأن هذه المراسلات قد تكون ضرورية لحسم الخلاف إذا ظهر ما يستدعي الخلاف.