صوت المطر
فيروز معوّض، معلمة أطفال، جدة ـ مدارس الأندلس
أحب صوت المطر، للمطر أصوات لا نهائية، كلما تساقط على سطح ما أحدث صوتاً بنغمة معينة. عندما يسقط على أرض جرداء أو على عشب أو على الشارع الإسفلتي يحدث صوتاً مختلفاً. لصوته عندما يتساقط على البحر سحر خاص، تمتزج الأصوات، يحدث «هارموني» بين صوت سطح الماء وحبات المطر المنهمرة عليه، لا تكون هناك لحظات من الصمت، الصوت يملأ كل ثانية، بل وأجزاء الثانية. صوت متصل، له إيقاع ينتظم ويتبعثر حسب درجة انهماره، لكن ثمة روحاً واحدة لنغمة الصوت الذي يحدثها. هناك دوماً ثلاثة أصوات متداخلة تحدث عند هطول المطر: صوت قريب تكاد تحصي عدد ضرباته على السطح النازل عليه، مصحوباً بخرير وجريان، وصوت بعيد هو وشوشة متصلة ممزوجة بصوت الريح البعيد، وصوت ثالث في الخلفية تماماً هو صوت الرعد، يأتي قوياً أحياناً ويأتي خافتاً أحياناً أخرى، لكنه دوماً يكمل حفل المطر. والمطر الذي يأتي دون صوت الرعد أذكر مرة غضبت السحب كثيراً، فاسودت، وأخذ البرق يخترقها، فزاد غضبها، وعندما بدأت تهطل شعرت بأنها تبكي بكاء مراً، تصرخ وتنتحب وتنوح. أيقنت لحظتها أنها تفعل ذلك بسبب أمرين: أولهما أنها تريد أن تشاركني أحزاني، وثانيهما أنها تلوم من حولي وتقول لهم لماذا تفعلون ذلك.
هدير مشجعي كرة القدم
محمد الحيمي، الرياض ـ تاجر
أحب صوت الجماهير في الملاعب الرياضية، هو صوت الحماس والثورة والحيوية والتوحد والمؤازرة، هو صوت عظيم مبهم يجعلني أستعيد أصوات المعارك التي شاهدتها في أفلام حروب الرومان والفايكينغ، يجعلني أتخيل كيف كان صوت الجنود المقاتلين في حروب الفتوح الإسلامية مع محمد الفاتح ومع صلاح الدين الأيوبي. صوت الجماهير في الملاعب يعلو ويخفت بحسب خطورة اللحظة. أحب أن أستمع إلى هذه الأصوات مجردة دون تعليق المعلّق، وأحياناً دون أن أشاهد الشاشة إذا كانت المباراة غير مهمّة، فقط أسمع الهدير المزلزل الذي تحدثه الجماهير. للجماهير الإنجليزية أصوات فظيعة، لا سيما عندما تكون اللعبة لإحدى الفرق الكبيرة: ليفربول، أو مانشستر، أو تشلسي، أو الأرسنال. تكون الجماهير في أعلى درجات حماستها، فيتصاعد هتافها، أحياناً يصبح غناءً، عندما يطمئن جمهور الفريق إلى أنه متسيد الموقف ومسيطر على مجرى المباراة، وأحياناً يكون هتافاً عصبياً محموماً ومتوتراً يعلو حتى يصم الآذان مع هجمة خطيرة أو تمريرة في وضع حرج.
إيقاع مضخَّة السقاية
ظافر قنّاص، موظف بنك – أبها
أحب صوت طقطقة مضخَّة سحب الماء في المزارع الغافية هناك في الصمت. إنها تُحدث نوعاً من المناجاة مع المزروعات، مع طيور الحقل، مع الريح، مع الأرض، مع الصمت المهيب الذي يحيط بالبستان، خصوصاً إذا كان الوقت ضُحىً، حيث هدوء النهار والفصل صيفاً، حين تكون الشمس في أوج سطوعها. طقطقة مضخَّة السقاية منتظمة ولا يضاهيها أي إيقاع منتظم آخر سوى إيقاع وجيب قلب الإنسان. لذلك عندما أتماهى بالسمع معها أشعر بأن دقات قلبي أخذت تندغم مع صوت الطقطقة، وأخذ الاثنان يكوِّنان موسيقى إيقاعية.
صوت المضخَّة حنون ولا يكون مزعجاً البتة، حتى لو كنت قريباً من المضخَّة وتقف بجوار البئر التي تسحب منه الماء، إنه وديع، يترك لك مجال الاستماع إلى الأصوات الأخرى في المزرعة، ولا يصم أذنيك إذا ما أردت أن تتحدث مع رفيقك، بل أحياناً يذكرك بأغنية ينسجم لحنها وإيقاعها مع صوتها فتجد نفسك تغني وتدندن دون إرادة منك.
الأروع عندما تشغل الماكينة بنفسك وتراقب السِير الذي يدور بين المضخَّة والبئر، فإذا انتظم السير في الدوران انتظم صوت المضخَّة، تغمرك عندها بهجة الطقطقة الحنون.
صوت الشاحنة
علي بن سعد، جدة ـ مـدرِّب غوص وسائق تاكسي
أحب صوت الشاحنات التي تعبُر في الطريق السريعة القريبة من بيتنا. لكل شاحنة صوت معيَّن، وكل شاحنة تحمل قصة، شحنة تريد نقلها من مكان إلى مكان. يبدأ الصوت خافتاً ثم يتصاعد حتى يقترب ويصبح بمحاذاة نافذتي في الطابق الثاني من المنزل. لحظة وصوله إلى قمة قوة الصوت تكون لحظة عاصفة، لكنّ تدرُّج الصوت قبل تلك اللحظة وبعدها آسر، ويوحي لي بالسفر والمغادرة والرحيل والتلاشي والاختفاء والتواري وكثير من معاني الغياب. لذلك هو صوت حزين محمل بقصة حزينة. الأب الذي ترك أطفاله ليقود شاحنته وليوصل هذه البضاعة. السائق المطحون الساهر ليلاً يقود الشاحنة حتى يصل في الموعد.
سنوات طويلة وأنا أستمع إلى هذه الأصوات التي تصدرها الشاحنات، ولا أدري متى عشقتها، ولكني الآن عندما أسمع صوت شاحنة ينتابني ذلك الحنين الحميمي، لتلك الأيام الوحيدة التي كنت أجلس فيها قرب نافذتي وتأتي الشاحنات عابرة بسرعات مختلفة وتحدث ذلك الصوت الذي يكون مصحوباً أحياناً بصوت هدير أبواقها. أصبحت أعرف صوت الشاحنات من ماركة «مرسيديس» أو «رينو» أو «إيسوزو» وغيرها، بل إلى حد ما أستطيع أن أخمِّن إذا كانت الشاحنة فارغة أو محملة، لأنها عندما تكون فارغة تسمع صوت ارتطام مفاصل حديد العربة بعضها ببعض.