مع تكاثر المواقع الاجتماعية على شبكة الإنترنت، والازدياد المتواصل في أعداد الملايين الذين يشتركون فيها، تزايدت الحوادث التي ما كانت لتواجه من واجهها لولا تخليه أمام شاشة الكمبيوتر عن الحذر الذي يلازمه في علاقاته بالآخرين في حياته الواقعية. مرام عبدالرحمن مكاوي،
تحدثنا عن خطورة الاستهتار بأي شيء ندوِّنه عن أنفسنا على شاشة الكمبيوتر، والثقة المفرطة بالقدرة على إبقاء معلوماتنا الخاصة محصورة ضمن الأطر التي نريدها، وتضرب لنا أمثلة عديدة عمَّا أدى إليه هذا الاستهتار، وتعرض سلسلة من التدابير الاحترازية التي يتوجب علينا اتخاذها، مع التركيز على سبيل المثال، على واحد من أشهر هذه المواقع وأسرعها نمواً في وقتنا الحاضر: الفيسبوك.
في صيف 2006م سافر أندرو فيلدمر، وهو معالج نفسي كندي يبلغ من العمر 66 عاماً ويمارس مهنته منذ 38 سنة، إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث يعيش اثنان من أبنائه، ففوجئ بأنه أَوقف من قبل سلطات الهجرة الأمريكية في المطار، لتبدأ عملية بحث غوغلية عنه (باستخدام محرك البحث غوغل)، وليصدر قرار يفيد بأنه ممنوع من دخول أمريكا!
أما السبب فكان متعلقاً بمقال نشره في دورية علمية خاصة بالطب النفسي عن بعض الأدوية النفسية المحظورة، صرَّح فيها بأنه أجرى بعض التجارب على نفسه باستخدامها في الستينيات من القرن الفائت. وبالرغم من مضي عقود على تلك التجارب، ومرور سنوات خمس على المقال المذكور والمنشور على الشبكة مقترناً باسمه، اتُهم الرجل بأنه يتعاطى عقاقير مخالفة لأنظمة البلاد وأُمر بالمغادرة.
تدل هذه الحادثة على خطورة معلوماتنا المتاحة على الشبكة مقارنة بتلك التي نقولها لشخص ما، أو نكتبها في رسالة، أو تُحفظ عنا في ملف طبي في مستشفى. ففي هذه الأخيرة، يمكنك بسهولة أن تتخلص من الرسالة أو تحذف الملف أو أن تنكر ما قلته، لكن الوضع ليس كذلك على الإنترنت. ومع ظهور ما يعرف بالشبكات الاجتماعية على الويب غدت المشكلة أكثر تعقيداً.
لقد أصبحت الشبكة العنكبوتية في جيلها الثاني منصة وبيئة تفاعل وعمل متكاملة وعلاقتنا بها لم تعد علاقة مستخدم بشري بآلة، بل علاقة مستخدم بمستخدم آخر، من خلال استخدام الكمبيوتر كأداة لهذا التواصل الإنساني. والشبكات الاجتماعية مثل الفيسبوك و ماي سبيس و بيبو ، هي أمثلة على التطبيقات التي شكلت وتشكل هذا الجيل.
الفيسبوك: أحدثها وأسرعها نمواً
مضت أقل من سنوات خمس على ظهور موقع الفيسبوك إلى حيز الوجود في فبراير 2004م، وقبلها كان موقع ماي سبيس الأكثر انتشاراً ما بين الشبكات الاجتماعية على الإنترنت، إذ إنه ظهر في 2003م، ولكن في أبريل من العام الماضي، فاق عدد مشتركي الفيسبوك نظيره في ماي سبيس.
ولاقى موقع الفيسبوك تحديداً رواجاً كبيراً بين الشبان والشابات في بلادنا العربية. وهذه الشبكة هي من تصميم وتطوير شاب أمريكي كان طالباً آنذاك في جامعة هارفارد، وعمره اليوم 24 عاماً فقط، ويدعى مارك جوكربيرج ، وهو حسب مجلة فوربس أصغر بليونير في العالم، إذ تقدر ثروته بأكثر من مليار ونصف المليار دولار أمريكي!
وفكرة الفيسبوك بسيطة جداً، وخلاقة جداً. فهي عبارة عن موقع لشبكة من العلاقات الاجتماعية التي تربط طلاب الجامعات في المقام الأول بعضهم ببعض، وتتيح لهم مشاركة زملائهم وأصدقائهم بصورهم، وأخبارهم، ونشاطهم، وتبقيهم على اتصال حتى بعد أن يتخرجوا. وقد كان هذا الموقع في البداية متاحاً فقط لطلاب جامعة هارفارد، ثم أصبح متاحاً لطلبة جامعات في أمريكا وحول العالم لينفتح لاحقاً على العالم وليصبح متاحاً للجميع.
واليوم، عندما تشترك في الفيسبوك، يصبح لديك ملف خاص أو صفحة إلكترونية مخصصة تتضمَّن صورتك ومعلومات أخرى عنك، كما تحتوي على جدار (افتراضي) تشخبط فيه كما تشاء أو يترك لك أصدقاؤك عليه رسائلهم، وهناك ألبومات صور وملفات فيديو وموسيقى وأمور أخرى. فمثلاً هناك تطبيقات متعددة يمكنك أن تضيفها لتثري صفحتك، وغالباً ما تكون بسيطة ومصصمة للمرح ليس إلا، مثل التطبيق الذي يخبرك عن تاريخ زواجك المحتمل، أو ذلك الذي يقول لكِ أيٌ من أميرات عالم ديزني تشبهين أكثر: حورية البحر أم الأميرة النائمة؟ وكمستخدم للفيسبوك لديك قائمة بالأصدقاء، الذين تضيفهم أويضيفونك، وبالتالي يستطيعون مشاهدة ملفك وكل ما تعرضه في مساحتك وفق ما تسمح لهم بالتحديد. فمن أهم ما يميز الموقع -كما يقول مصمموه- إنه يوفِّر درجة عالية من الخصوصية ويتيح للمشترك أن يتحكم بعرض ما يريد عن نفسه للآخرين، أو حجبه، بحيث لا يراه إلا هو فقط، أو هو وأصدقاؤه. وهناك إعدادات أخرى تتيح لك أن تضع أشخاصاً بعينهم ضمن قوائم خاصة تتحكم بموجبها فيما يشاهدونه وما لا يشاهدونه.
للفيسبوك حسناته التي تقف بالأساس وراء شعبيته، إذ إن الكثيرين شعروا بالدهشة والحماسة والفرح، حين وجدوا أنفسهم يتواصلون مع أصدقاء أو زملاء من أيام الطفولة أو الدراسة الذين باعدت بينهم الأيام، على نحو لم يكن متاحاً من قبل. بل إن بعض الجامعات والمؤسسات العلمية ذاتها، قام بنقل بعض مجموعات البحث إلى الفيسبوك، لأنه وجد أنه يتيح تواصلاً أفضل بين الطلبة والباحثين مما حققته أدوات الاتصال الشبكية الخاصة بها.
ويتزايد عدد المستخدمين لهذا الموقع من فئة الشباب بشكل خاص يوماً بعد يوم بل ساعة بعد أخرى. ففي بريطانيا مثلاً وحسب إحصاءات موقع أوفكوم ، فإن أربعة من بين عشرة بريطانيين يستخدمون هذه الشبكات الاجتماعية على الإنترنت للتواصل، متفوقين بذلك على أقرانهم في دول أوروبية أخرى في فرنسا وألمانيا وإيطاليا. ومع ذلك يبدو أن الكثيرين يقومون بتنحية حذرهم الفطري على أرض الواقع حين يتعلق الأمر بالواقع الافتراضي. فقد أظهر استبيان أجري على ألفي شاب وشابة تراوح أعمارهم بين (17 و25 عاماً)، أن %60 منهم قاموا بنشر تواريخ ميلادهم على هذه الشبكات، و%25 صرحوا بمسمياتهم الوظيفية عليها و%10 وضعوا عناوينهم البريدية، في حين اعترف ثلثا هؤلاء الذين شملهم الاستبيان بأنهم قد أضافوا أو قبلوا إضافة أشخاص لا يعرفونهم إلى قائمة أصدقائهم على هذه الشبكات. وقبل محاولة إقناع المستخدم بأخذ الاحتياطات اللازمة أثناء استمتاعه بالإبحار والتواصل على الإنترنت، فلا بد من إقناعه أولاً بحجم المخاطر الناتجة عن الإهمال والثقة الزائدة أو اللامبالاة.
بصماتك وآثار أقدامك في العالم الرقمي
تكمن إحدى مميزات الجيل الثاني من الويب في مقدرة أي شخص على نشر أي شيء في أي وقت على الشبكة، بغض النظر عما إن كان يحق له ذلك قانونياً أو أدبياً أو اجتماعياً أو دينياً (لنتخيل زوجاً يطلِّق زوجته ثم ينشر صورها الخاصة على الشبكة بدافع الانتقام!) أو عما إذا كانت صحيحة أو لا. وبالتالي فإن هذه الميزات لا تخلو من العيوب. فبالرغم من أنه يمكن إزالة تلك المعلومات لاحقاً، إلا أنه قد يكون من سوء طالع المرء، على سبيل المثال، أن تكون تلك المعلومة السيئة موجودة حين يكون في دائرة الهجرة أو يستعد لعبور الحدود، لا سيما في عالم اليوم المستنفر أمنياً.
فلنتخيل أن أحدهم قرر أن ينشئ صفحة كاملة عنك (أو عنكِ) على الفيسبوك ويضع فيها صوراً وبيانات لا تمت لك بصلة، فمن سيكون قادراً على تكذيب ذلك، إن لم تدري به أصلاً! وإذا كان ما حصل في قضية المعالج الكندي كشفت بالفعل بأن آثار أقدامنا الإلكترونية لا تُمحى، فإن حوادث عديدة تشير إلى أن الآثار قد لا تكون أصلاً لنا.
تانر آكام هو أستاذ تاريخ تركي كان يعمل كأستاذ زائر في جامعة مينيسوتا الأمريكية، وحين سافر من مينيسوتا إلى مدينة مونتريال الكندية احتجز لثلاثة أيام في المطار من قبل السلطات الكندية للاشتباه في علاقته بالإرهاب. أما السبب، فقد اتضح لاحقاً بأن مخرِّباً يختلف معه في أحد الآراء الأكاديمية البحثية المنشورة في الدوريات العلمية قد قام بوضع معلومات خاطئة عنه على الوكيبيديا تربطه بالإرهاب!
ولهذا السبب، تعد الويكبيديا مرجعاً غير موثوق أكاديمياً، ومن باب أولى ألاَّ تكون مصدراً موثوقاً أمنياً، بسبب قدرة أي مستخدم (بغض النظر عن مؤهلاته ومعارفه) على أن يغير فيها، وسيمضي بعض الوقت حتى يفطن الآخرون لذلك ويقوموا بإجراء ما يلزم، وأيضاً لطبيعتها المتغيرة (Transitive). فما تستشهد به اليوم في بحث علمي قد لا يكون موجوداً غداً حين يأتي أحدهم ليتأكد من مصادر معلوماتك.
ولذلك يركِّز الخبراء على أنه مع الجيل الجديد من الويب فإن هويات الناس على الشبكة لا يجب أن تؤخذ كمسلمات. وهكذا، فكل ما تطلقه على الشبكة أو يطلقه الآخرون عليها سيطاردك بقية حياتك سلباً أو إيجاباً. وهذا ما يكشف عن مدى الظلم الذي لحق ويلحق بعض الأفراد مادامت سلطات الهجرة في بعض البلدان تستخدم محرك غوغل لتتحكم بحرية الناس في السفر. والأمر نفسه ينطبق على المواقع والشبكات الاجتماعية.
فقد أظهرت تقارير في بريطانيا أن بعض العاملين في مجالات التوظيف والمصادر البشرية يبحثون عن شخصية المتقدم للوظيفة عن طريقة مشاهدة ملفه على الشبكات الاجتماعية. وقد أدى ذلك في بعض الأحيان إلى اكتشافهم جوانب أخرى من شخصيته (ما كانوا ليعرفوها من المقابلة الشخصية أو من ملف السيرة الذاتية) فأدت إلى أن يصرفوا النظر عنه. فلتتخيل مثلاً بأنك (كرب العمل أو موظف في الموارد البشرية) عرفت بأن المرشح للوظيفة أو المنصب له ميول مختلفة عن قناعات المجتمع أو أخلاقيات العمل، فهل ستتغاضى عن ذلك؟
وحتى على المستوى الاجتماعي، هناك بعض القصص المحلية والعالمية التي تروي حدوث حالات طلاق بعد رؤية الزوجة/الزوج لملف الآخر على الفيسبوك، واطلاعهم على شبكة معارفهم. بل الأخطر هنا هو أنه يمكنك أن تدفع حياتك ثمناً لذلك. ولعل الحادثة الأسوأ في هذا المجال هي حادثة قتل السيدة إيما فروستير (34 عاماً وأم لطفلين) من قبل زوجها واين فروستير في مطلع العام 2008م بسبب تغييرها لحالتها الاجتماعية على الفيسبوك من متزوجة إلى عازبة إثر خلاف مع زوجها، وبعد يوم واحد من رحيله عن المنزل، فكانت بذلك أول ضحية حقيقية لسوء استخدام الفيسبوك.
بعد التجربة الشخصية التي تعرَّض لها كما تقدَّم، قال أندرو فيلدمر: عليَّ أن أحذِّر الناس بأن البصمات الإلكترونية التي يتركونها على الشبكة سوف تستخدم ضدهم، إنها غير قابلة للإزالة! . ويضيف بأنه في العصر الرقمي يبدو أن لكل منا آثار أقدامه الرقمية، والمشكلة تكمن في غياب ما يثبت بأننا قمنا بأنفسنا بترك هذه الآثار أو اخترعها أحدهم لنا!
وإدراكاً منها لحجم هذه المخاطر على الخصوصية وأمن المعلومات، أطلقت الحكومة الأمريكية تحذيرات رسمية على موقعها الخاص بفريق أمن الحواسيب الطارئ (www.us-cert.gov)، لتؤكد على الثغرات الأمنية التي تتضمنها هذه المواقع، ولتشير بالتالي إلى التحديات الأمنية الحقيقية للشبكات الاجتماعية خصوصاً، والويب عموماً.
الجامعات والشركات: هل المنع هو الحل؟
بالنسبة للشركات، فقد كان عليها أن تواجه بالإضافة إلى مشكلات الشبكات الاجتماعية الأمنية، البعد الاقتصادي المتعلق بإهدار الوقت. فهذه الشبكات وما تتيحه من تواصل وتفاعل متعدد الأبعاد على مدار ساعات اليوم تؤدي ببعض المستخدمين/الموظفين إلى إدمانها. وقد قدِّر حجم الخسائر الناجمه عن إهدار الوقت وانخفاض الإنتاجية بسبب الشبكات الاجتماعية في بريطانيا مثلاً بالملايين في اليوم الواحد. بل أكثر من ذلك فإن بعض التطبيقات المستخدمة على الفيسبوك شكَّلت ضغطاً على اتصال الشركة بالإنترنت. وهذا ما دفع خمسين بالمائة من هذه الشركات إلى منع دخول هذه المواقع من موقع العمل. فهل المنع هو الحل الأنسب؟
قد تكون سياسة الحجب والمنع فعَّالة في الوقت الراهن، ولكن لأمد قصير جداً، لأن هذه الشركات ستكون في مواجهة قناعات ومتطلبات أجيال بكاملها، وضد الطريق الذي تسير فيه التقنية وتطبيقات الجيل الثاني بشكل عام، مما سيؤثر سلباً على سمعة الشركة وعلى رضا الموظفين فيها وبالتالي على ولائهم لها وأدائهم الوظيفي.
ولذلك، يرى البعض أن عمليات الحجب هذه ليست فقط ردة فعل مبالغ فيها، بل قد تفوِّت فرصاً ذهبية على الشركة في مجال الأعمال أيضاً. فكما أن الفيسبوك يمكن أن يستخدم لإرسال تهنئة إلى صديق، أو تبني حيوان أليف تخيلي، فمن الممكن أن يستخدم أيضاً في مجالات الدعاية والإعلان، والعلاقات العامة، وتسويق المنتجات، وبدء شراكات جديدة.
لذلك قد يكون الحل الأنسب في وضع قوانين تنظِّم عمليات الاستخدام خلال أوقات الدوام بدلاً من الحجب. فقد عمدت إحدى الشركات إلى السماح بالدخول إلى الفيسبوك من أجهزة عامة موضوعة في غرف استراحة الغداء، وأخرى ربما تسمح باستخدامه ما لم يتجاوز ذلك وقتاً محدداً. أما بالنسبة للجامعات فكان عليها أن تتعامل مع مشكلات أخرى، وهي سلوكيات الطلبة تجاه بعضهم أو تجاه أعضاء هيئة التدريس أو منسوبيها بشكل عام.
والحقيقة أنه كان على الجامعات أن تتخذ قرارات أحياناً حازمة بشأن بعض ما يعرضه الطلبة كما حصل في جامعة نوتنجهام البريطانية، حيث قامت مجموعة من الطلبة بنشر صور مسيئة لبعض المسؤولين في السكن الجامعي، الأمر الذي ردَّت عليه الجامعة باعتبار كل طالبٍ مسؤولاً عما يقوم به في عالم الفيسبوك، وبأنها لن تتوانى عن تطبيق العقوبات الجزائية على من يسيء استخدام التقنية التي يوفِّرها الموقع.
استفد من هذه المواقع وحافظ على أمنك
بعد إدراكنا مخاطر الشبكات الاجتماعية على خصوصيتنا وأمننا الشخصي في العالم الرقمي بشكل عام، فإننا
بلا شك لا نزال نرغب باستخدامها، إذ إن لها أيضاً فوائد، فهي تصلنا بأصدقائنا حول العالم، وتمنحنا فرصة للمشاركة في نقاشات واجتماعات مختلفة. فمؤخراً نجح الشباب من الجنسين في مدينة جدة مثلاً بتسخير إمكانات الشبكة للترويج للفعاليات وأوجه النشاط الاجتماعية الثقافية والدينية والإنسانية. فما الحل الذي يتيح لنا الاستفادة من هذه المواقع من دون التعرض لمشكلاتها الأمنية؟
لا أحد يستطيع أن ينكر أن الفيسبوك مثلاً فكرة إبداعية، والحل لا يكمن في مقاطعتها من قبل الشركات والأفراد، وإنما في أخذ بعض الاحتياطات وإجراءات الأمن والسلامة البسيطة، وفي عدم تخلينا عن حدسنا الفطري بالأخطار لأننا في عالم افتراضي.
وفي هذا الإطار، يقدِّم ديفيد هوبسون المدير العام لشركة أنظمة الأمان الشامل بعض النصائح المفيدة بهذا الخصوص كما ذكرت نشرته الجمعية البريطانية للحواسيب، ويمكن تلخيصها كما يلي:
إن كل شخص يقوم بإعداد صفحة في الفيسبوك ، بيبو أو حتى لنكد إن (وهو موقع يعنى بشكل رئيس بوضع السير الذاتيه عبر الشبكة للتواصل في مجال الأعمال والشراكة أكثر من التواصل على صعيد شخصي واجتماعي كما هو الحال في الفيسبوك)، يحتاج إلى التفكير في الأشخاص الذين سيشاهدون هذه الصفحات بكل ما فيها من صور وبيانات وتعليقات بل ومزحات أيضاً! وهؤلاء المشاهدون قد يشملون الآباء والمعلمين والرؤساء في العمل والأزواج والزوجات والأصدقاء (وأصدقاء الأصدقاء) والأقارب والجيران بل وحتى السلطات. فمجرد الاعتقاد بأنه بإمكان الأصدقاء المقربين فقط مشاهدة ما تضمنه حسابك هو اعتقاد ينطوي على قدر كبير من السذاجة. فعليك أن تتذكر بأن لا شيء على هذه المواقع هو فعلاً خاص، فكل ما تضعه هناك قد خرج عن نطاق سيطرتك، وأصبح ملكاً للعالم ليراه. ولذلك، تأكد تماماً من أن ما تضعه هناك ليس شيئاً يهمك عادة أن تخفيه عن شخص غريب تلتقيه لأول مرة.
تتضمَّن الشبكات الاجتماعية درجات من الإعدادات المتفاوته الشدة فيما يتعلق بالأمن والخصوصية، وتترك هامشاً لا بأس به للتحكم بهذه الإعدادات، ومن الأفضل أن يتم وضع درجات الأمن في أقصى درجة ممكنة، بحيث تترك لك مساحة لتتحكم في من يطلع على معلوماتك.
مرة أخرى، كما في كل التطبيقات الأخرى على الشبكة، لا بد من المحافظة على أمن كلمة السر، فلا يطَّلع عليها أحد، ويجب تغييرها بشكل دوري، مع مراعاة خلط الأرقام بالحروف. ومن البديهي القول بألاَّ تختار كلمة السر بناءً على معلومة موجودة على صفحتك في الموقع (مثلاً تاريخ الميلاد).
لا تقابل شخصاً التقيت به على الفيسبوك أو الإنترنت عموماً للمرة الأولى وحيداً، التق به بصحبة شخص آخر أو في مكان عام. فقد وقعت فعلاً جرائم عديدة من خلال لقاء شخص التقى شخصاً آخر ذا حقيقة مختلفة تماماً عن مزاعمه على الشبكة.
كن على حذر فيما يتعلق بالمعلومات الشخصية المتاحة على صفحتك. فالكثير منها يمكن أن يستخدم في عمليات انتحال الشخصية على الشبكة. فلا تسجِّل تاريخ ميلادك الكامل، اسمك الكامل (الرباعي مثلاً كما في حالتنا العربية إذ يعتبر الاسم الرسمي في تعاملاتنا الرسمية في المملكة)، أو اسم عائلة الوالدة (في الغرب تغير الأم اسمها بعد الزواج، لكن يظل الأبناء يستخدمون هذا الاسم الذي يصبح بعد فترة منسياً من الكثيرين كأحد المفاتيح الأمنية في البنوك وغيرها). ولذلك يفضِّل ألاَّ تعطى هذه الأسماء الكاملة لا في غرفة محادثة ولا على الصفحة الشخصية أو المدوَّنات أو على الفيسبوك.
كن حذراً من التطبيقات والبرامج التي تقوم باستخدامها أو تنزيلها على جهازك الشخصي من هذه المواقع. فبعضها يحتوي على ملفات تجسس أو فيروسات، وباستطاعة أي شخص أن يقوم بتطوير ما يريد على هذه الشبكة من تطبيقات ويجعلها متاحة (مجاناً) لجمهور المستخدمين! وبالتالي فكيف
لا تخشى من برامج غير مرخصة ؟ وهي تختلف حتى عن برامج المصادر المفتوحة التي تلتزم بميثاق شرف وتخضع لقوانين خاصة للملكية الفكرية. بعض هذه التطبيقات تستحيل إزالتها بالفعل بعد ذلك إلا من خلال إعادة تهيئة شاملة للجهاز.
لا تصدق كل ما يقوله الآخرون عن أنفسهم على هذه الشبكات، فكما أن هناك من يكذب ويضخم ويبالغ بل ويحتال في الحياة الحقيقية، فإن هؤلاء موجودون أيضاً على الشبكة. وقد اعترف مشاهير ونجوم تلفزيونيون بقيامهم بذلك. فالكذب على الشبكة يغدو سهلاً جداً، إذ أي شخص يمكنه أن يدعي أنه شخص آخر.
اقرأ اتفاقية الحماية الأمنية المتعلِّقة بخصوصية المعلومات للشبكات التي تقرر الاشتراك فيها.
ولا تعتقد تلقائياً بأنهم يعطونك ضماناً لسرية المعلومات. فبعضها ينص صراحة على أن هذه المعلومات ستكون متوافرة لشركائهم أو للشركات الإعلانية وغيرها. وبالتالي فهي مسؤوليتك أنت أن تقرر ما يناسبك، وأن تحمي نفسك.
تذكر دائماً مرة أخرى، أن أي شيء تجعله متاحاً على الشبكة قد خرج عن سلطتك، وعن ملكيتك الفكرية، وصار متاحاً بدوره للجميع على الشبكة. فبالرغم من أنك قد تقوم بإجراء حذف أو تطوير أو تغيير لموقعك الإلكتروني على الخادم المستضيف، إلا أن المعلومات التي سبق وأن وجدت على هذا الموقع ستكون قد حفظت على خوادم أخرى في عملية الكاشنغ (Cashing) التي تهدف إلى جعل الوصول إلى صفحة ما أسرع وأسهل، بتقديمها من الخادم المحلي عوضاً عن الضغط على الخادم الأصلي.
يجدر بك أن تتذكر أيضاً أنه يمكن للشركات أن تغيِّر مستقبلاً من إتفاقياتها وقوانينها. وكما يمكنها أن تحتفظ بمعلوماتك و بصماتك الإلكترونية إلى الأبد، يمكنها أن تقوم أيضاً بحذف أو تضييع معلوماتك من دون سابق إنذار. فلا تستخدمها كمستودع وحيد لتخزين صورك المميزة.
المزعجون الذين يقومون بتصدير السبام أو البريد غير المرغوب فيه، يجدون الكثير من المعلومات المفيدة لهم في هذه الشبكات مثل البريد الإلكتروني، وبالتالي توقع الكثير من الرسائل المزعجة تملأ صندوق الوارد أو ملف السبام!
وسأضيف هنا نقطة خاصة بنا كمجتمع عربي تشكِّل فيه المرأة الحلقة الأضعف وتثير أية قضية متعلقة بها حساسية خاصة، وهي أنه ينبغي توعية المراهقات بشأن هذه المخاطر، بحيث لا يحرمن من استخدام هذه الشبكة مثل إخوتهن الذكور، ولكن ربما من الأفضل أن يكن أكثر حذراً في هذا المجال.
ختاماً، هناك حقيقة يجدر بنا جميعاً أن نتذكَّرها حين نتعامل مع هذه الشبكات الاجتماعية، وهي أنها لم تخترع لتجعل حياة الناس أفضل، أو على الأقل إنها
لا تبقى على قيد الحياة بفضل ذلك فقط. بل إنها تدر أموالاً طائلة من المعلنين وغيرهم (مدخولاتها تقدَّر بالبلايين)، ولذلك ليس من المستبعد أن تبيع معلومات مشتركيها في سبيل ذلك. قد
لا يُعد ذلك بالضرورة شيئاً سيئاً، فهناك من يعتبر أن قدرة المعلن أو صاحب الخدمة أن يقوم بتخصيص الإعلانات التي تصله وفقاً لهواياته هي أمر جيد، بل ومطلوب. وهذه مدرسة فكرية معتبرة، لكن في الوقت نفسه إن كنت من المدرسة الأخرى التي ترى بأن أي تسريب لمعلومات شخصية، على تفاهتها (مثل أن فلان يحب القراءة) هي انتهاك شديد لخصوصية المرء، فقد تكون في أوج غضبك الآن وتطالب بمقاطعة شاملة لكل هذه الشبكات (وربما للإنترنت ذاته!). والراجح أن معظم الناس ستكون في حالة وسط بين المدرستين، وفي هذه الحالة، فإننا لا نملك إلا أن نعيد على مسامعك نصيحة الوالدة في أول يوم تركتك تذهب فيه وحدك إلى المدرسة: استمتع بيومك وانتبه لنفسك ، ولذلك نتمى لك إبحاراً ممتعاً.. مفيداً و…آمناً!