جمشيد الكاشي
شهرته أقل من إنجازاته
ولد غياث الدين جمشيد بن محمود بن محمد الكاشي في 781ه – 1380م في مدينة كاشان بوسط إيران ويلقب بالكاشي أو الكاشاني نسبة إلى «كاشان». كان والده من علماء الفلك والرياضيات. فانكبَّ بدوره على دراسة الرياضيات وأدهش علماء عصره بقدرته على الاستيعاب وحسن التعبير. ودرس مصنفات ثابت بن قرة والكرخي والخيام والطوسي. وعُرف بكثرة تنقله لطلب العلم، فتنوّعت معارفه.
ابتكر الكاشي آلات رصد جديدة حققت المزيد من دقة الرصد، وأظهرت المخطوطات أنه كان من أهم علماء الرياضيات والفلك في زمانه، ويكفيه أنه أول من استخدم الكسور العشرية في العالم، وله الكثير من المؤلفات التي ساعدت الإنسانية على التقدم. نذكر منها كتابه الرائع «مفتاح الحساب» و«رسالة المحيطية» و«رسالة في الحساب»، و«رسالة في الهندسة». وله في علم الفلك كتاب «زيج الخقانيّ»، الذي دقق في جداول النجوم التي وضعها علماء الفلك في مرصد مراغه تحت إشراف الطوسي، وكتاب «في علم الهيئة»، ورسالة «نزهة الحدائق»، وهي مشتملة على كيفيّة عمل آلة حساب التقاويم، وكيفيّة العمل بها.
تمكّن الكاشي من حساب طول وَصِفات محيط أرخميدس، كوسيط حسابي بين محيط المضلعات المسجلة والمحسوبة بشكل صحيح لمتعدد الزوايا مع الرقم 3 · 228. ومما أعطاه أن الرقم الأقرب لـ 2π يقترب من الرقم 6,2831853071795865. وأن هذه القيمة صحيحة في جميع المؤشرات الـستة عشر العشرية، وبذلك كان له فضل في صناعة الآلة الحاسبة.
في علم الفلك وضع البنية التي تمكّن من تحديد خطوط الطول والعرض للنجوم، وأبعادها عن الأرض.
توفي جمشيد الكاشي عام840ه – 1436م، مخلفاً هذا الإرث العلمي القيّم الذي يضعه عن جدارة على قدم المساواة مع كبار العلماء المسلمين، رغم قلة نصيبه من الشهرة.
مصطفى أحمد عبدالقادر البواب
دمشيت -مصر
عقارب صماء
كم بدوت جباناً هذا الصباح أمام طبيب الأسنان إذ طلبت منه تخديري قبل الشروع في معالجة الضرس المشاكسة المتعنتة، التي حملت لواء العصيان في الليلة السابقة دون سابق إنذار، ولم تأل جهداً لمنع الكرى من ملامسة أجفاني.
– دكتور، أرجوك قليلاً من التخدير قبل حشو فمي بهذه العقارب السامة.
– ههههه.
– هل فيما قلت ما يضحك.
– أستاذ، أين أنت من قول الفرزدق: «خلعُ ضرسٍ أَهونُ منْ كتابةِ بيتٍ منَ الشِّعرِ».
تجلدت وتمددت أمامه على السرير المتعرج مستسلماً للعقارب الصماء عديمة الرحمة، وأنا ألعن في قرارة نفسي من أبقى على بيت الفرزدق هذا حياً إلى يومنا هذا، تباً لك أيتها الأرَضَة لِمَ لَمْ تلتهميه وتريحينني من تبعاته..
– افتح فمك جيداً.
– حاضر؛ هاهو مُشرَع تماماً مثلما يشرعه نواب الأمة تحت قبة البرلمان.
بلمسة بسيطة من يده، أخذت العقارب المعدنية القاسية، تنبش وتنهش وتدغدغ الضرس وهي تصدر زعيقاً مخيفاً حيناً، وزمجرة عنيفة حيناً آخر:
زززز جججج ززززز جججج زززززز كخخخ..
بينما كان الطبيب ينشر وينجر الضرس الملعونة، كنت أنا أخوض حرباً ضروساً مع طرفي الصراع، العقارب الآلية العنيفة، والسوسة اللعينة المستميتة في الدفاع عن حماها. ومن جهة أخرى أخذت على عاتقي أن أضبط إيقاع جسمي لكبح جماح فرائصي في الاصطكاك، بيد أني خسرت الحرب في كلتا الجبهتين، إذ راح كل جسدي يرتج ارتجاج هاتف خلوي وسط صينية. ودقات القلب المتسارعة كادت تمزِّق نياطه دافعة به إلى الحلق.
– أستاذ، تماسك ..اهدأ..
– اممممممممممم.
– على سلامتك.
– الله يسلمك دكتور.
– حاول أن تكسب الحرب في الجولتين المقبلتين.
– أقلت جولتين أخريين؟
– نعم!
– اللعنة على التتار الهمجيين!
– الذين أبقوا على بيت الفرزدق حياً.
أحمد بلقاسم