حول التواصل الثقافي
يتم التواصل بين الأفراد على مستويين، وهما مستوى داخل الثقافة نفسها ومستوى عبر الثقافات. أما التواصل ضمن الثقافة الواحدة فذو مواصفات معيَّنة أهمها أن هؤلاء الأفراد يتفاعلون وسط رموز لغوية وثقافية واحدة. ولا يتطلب هذا النوع كثيراً من الجهد والتيقظ الشعوري، فهو يتم ضمن إطار ثقافي معرفي واحد. ومع هذا كله يتخلل هذا النوع من التواصل أحياناً حصول سوء تفاهم مهم لأسباب لغوية أو نفسية أو سياقية معينة. غير أنه يمكن التعامل معها بصورة سريعة ومناسبة لإصلاح الخلل التواصلي.
أما التواصل عبر الثقافات، فهو تواصل بين أفراد ينتمون إلى ثقافتين مختلفتين ويستخدمون إحدى لغتي هاتين الثقافتين، مثل اللغة العربية ليتواصل بها الألماني الذي تعلمها كلغة أجنبية مع العربي، أو اللغة الإنجليزية ليتواصل بها العربي الذي تعلمها كلغة أجنبية مع البريطاني. إن هذا التواصل ليس سهلاً على الإطلاق كما يظنه الكثير. فالمسألة ليست استخدام رموز مثل كلمات وجمل لاستيفاء الغرض المطلوب. بل هو أكثر من ذلك، إنه عملية تفاعلية معقَّدة تتطلب التيقظ الشعوري وتطال المستويات النفسية والاجتماعية والثقافية واللغوية.
من الواضح، على سبيل المثال، أن التكرار في ثقافتنا العربية الإسلامية أمر مقبول خلال التواصل مع الآخرين ضمن هذه الثقافة وهو أمر طبيعي. غير أن استخدام هذا الأسلوب، أي التكرار، للتواصل عبر الثقافات يبدو أمراً غير مقبول، وخاصة عند التواصل مع الأوروبيين. مثال ذلك ما حصل مع كاتب هذه المقالة عندما ذهب إلى أمريكا لمواصلة الدراسات العليا. فمع انتهاء الفصل الدراسي الأول توجَّه إلى إدارة التسجيل في الجامعة ليستفسر عن درجاته في المقررات التي سجل فيها في ذلك الفصل. وفيما يلي وصف للحوار الذي جرى بين الطالب وموظفة الاستقبال:
– الطالب: لو سمحت أريد أن أعرف درجاتي لهذا الفصل.
– الموظفة: أنا آسفة. إن النتائج غير متوفرة الآن وعليك الانتظار إلى حين إعدادها.
– الطالب: ولكنني أريد معرفتها لأنني على وشك التقديم لبعثة دراسية.
– الموظفة: قلت لك إن الدرجات غير متوفرة ولا أقدر أن أعطيك أي شيء الآن.
– الطالب: ولكن إذا كان بالإمكان الحصول عليها بأي شكل كان لتسهيل التقدم لتلك البعثة الدراسية.
– الموظفة: لقد قلت لك إن النتائج غير متوفرة وإذا لم تقبل هذا الجواب فسأضطر للاتصال بشرطة الجامعة.
– الطالب: شكراً ( مغادراً).
أيقظ هذا الحوار الطالب أخيراً من غفلته وأدرك الهوة الكبيرة التي تفصله عن الموظفة.
إن التعثر في التواصل عبر الثقافات يكون مرده بالدرجة الأولى سبب ثقافي / اجتماعي. فقد تجد أمراً مقبولاً في ثقافة معيَّنة لكنه لا يكون مقبولاً في ثقافة أخرى. أما السبب اللغوي فهو فشل المتكلم في استخدام الكلمة أو العبارة الصحيحة للتعبير عن المعنى الذي يرغب في إيصاله إلى المستمع من الثقافة الأخرى.
عبدالله حامد حمد
الرياض
أول مخطوط عربي في أدب الطفل
يخطئ من يظن أن أدب الأطفال لم تعرفه الحضارة العربية والإسلامية إلا بعد معرفة الغرب له. فقد عُثر على أول مخطوط إسلامي اهتم بأدب الأطفال، ويرجع تاريخه إلى القرن العاشر الهجري، ويضم 64 ورقة، وعدد سطور كل منها 21 سطراً. وقد نقل هذا المخطوط من أروقة أحد المساجد في القاهرة إلى مكتبة الأزهر الجديدة.
المخطوط بعنوان (تحرير المقال في آداب وأحكام وقوانين يحتاج إليها مؤدبو الأطفال)، ومؤلفه هو الشيخ العالِمُ الكبير أحمد بن محمد ابن علي بن حجر الهيتمي السعدي الأنصاري، وهو فقيه وعالم مصري ولد عام909هـ (1504م) بإحدى قرى محافظة الغربية في مصر تدعى (محلة أبي الهيتم) وتُوفي في مكة المكرمة عام 974هـ (1560م). ولابن حجر الهيتمي عديد من المؤلفات المخطوطة، منها: (مبلغ الأرب في فضائل العرب) و(الجوهر المنظم) و(تحفة المحتاج لشرح المنهاج في فقه الشافعية) و(الفتاوى الهيتمية) و(أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل) وغيرها. وقد تمّ تسجيل المخطوط بمكتبة الأزهر في نطاق علم التربية والأخلاق، ويحمل رقم 743 خاص، ورقم 34106 عام. والمخطوط نفيس في بابه، وهو دليل على تفتّح العقلية العربية على آفاق الإبداع والتأليف في الفنون المستجدة.
والسبب في تأليف هذا المخطوط النادر الذي يُعد باكورة أدب الأطفال في الإسلام؛ أن أحد المؤدِّبين في مصر أرسل إلى المؤلف يستفتيه في بعض الأمور مثل موقفه من الطلبة الذين يتغيّبون عن حضور حلقات تحفيظ القرآن الكريم وتعلُّم العلوم الأخرى؟ وهل يرسل لهم من يُعيدهم للانتظام في الدراسة؟ وهل يجوز الصرف في هذا المجال من أموال الوقف المرصود للكتاب أم على نفقة المعلم أو المؤدب؟ وهل يجوز للمعلّم أن يضرب من يتخلّف عن دروس التحفيظ أو من يأتي تصرفات لا تليق بتصرفات من يتلقون العلم الإسلامي؟
محمد عبد الشافي القوصي
القاهرة