علوم

الآن، ولأول مرة على شاشات العلماء

ثقب أسود يلتهم غمامة فضائية

black_hole_space_outer_spaceحدث كوني هائل وقع قبل 260 قرناً، يراقبه اليوم علماء الفضاء: الثقب الأسود الذي يتوسط مجرتنا: درب التبانة، بدأ منذ الصيف 2013م في التهام غمامة فضائية ضخمة وزنها يساوي ثلاثة أضعاف وزن الكرة الأرضية. إنه مشهد لم يَرَ مثله علماء الفضاء من قبل.

وقعت الحادثة الكونية العملاقة منذ 26000 سنة. لكننا نحن على كوكب الأرض بدأنا نرى ما حدث في الصيف الماضي فقط، ثم بدأ هذا المشهد الكوني في الاكتمال في بداية سنة 2014م. لأن الأمور تحدث في مركز مجرتنا، درب التبانة، على مسافة تبلغ 26 ألف سنة ضوئية، أي إن ما حدث آنذاك قد بدأت تصل صورته إلينا حديثاً. فما هي قصة هذا الحدث الفلكي وما مدى أهميته؟

الشمس التي تدور من حولها كرتنا الأرضية، هي واحدة من مليارات النجوم التي تقع في مجرة درب التبّانة. وفي مركز مجرتنا هذه ثمة ثقب أسود هائل الحجم اسمه: «القوس أ» (Sagittarius A)، ضبطه علماء الفضاء في الصيف الماضي، وهو يستعد لالتهام غمامة فضائية اجتذبها وأخذ في ابتلاعها. الثقوب السوداء عموماً هي ظواهر فلكية ناجمة عن انهيار كتلة إحدى الشموس بحيث يتكون مجال جذب رهيب لا يسع حتى الضوء الإفلات منه.. ومن هنا كانت التسمية.

أما ثقبنا الأسود «القوس أ» فوحش كوني مرعب في حجمه، فهو يساوي في وزنه 4,3 مليون مرة وزن الشمس. أما الغمامة التي أخذ يلتهمها فوزنها يساوي ثلاثة أضعاف وزن كرتنا الأرضية، أي 18,000 مليار مليار طن.

يقول ستيفان غيلسن، الباحث في معهد ماكس بلانك لأبحاث الفضاء، الذي كان فريقه أول من تنبه للأمر: «إنه حدث فريد. فنحن لم نشاهد مثله من قبل على الإطلاق».

صحوة «القوس أ»
ففي نهاية سنة 2011م، استطاع عالم الفضاء غيلسن، وزملاؤه في المرصد الجنوبي الأوروبي أن يتوقعوا حدوث ما يحدث الآن، بفضل مرقاب كبير جداً (Very Large Telescope VLT). فقد لاحظوا كتلة «صغيرة» من الغازات، سموها «ج 2» وهي تتحرك على مدار يبدو متجهاً مباشرة صوب الثقب الأسود «القوس أ» في مركز مجرتنا. وشرع هذا الفريق من علماء الفضاء في إصدار إعلانات علمية في هذا الشأن منذ بداية العام 2012م، ذكروا في أحدها أن حسابهم الفضائي، يحدِّد صيف 2013م موعداً لبدء التهام «القوس أ» كتلة الغاز «ج 2». ووضعوا سيناريوهات لما يتوقعونه. بل صوروا فِلماً بالأبعاد الثلاثية، يُظهر ما يعتقدون بأنه سيحدث، منذ بداية التهام الوحش فريسته الفضائية، حتى سنة 2020م.

وقد نفذ الفِلم عالم الفضاء كريس فراجيل، من معهد تشارلستون، مع زميله بيتر أنينوس، من مختبر لورانس ليفرمور الوطني (بجامعة كاليفورنيا). وتوقع الفِلم بداية الالتهام «في منتصف عام 2013م وبداية عام 2014م»، حين تصل الغمامة الغازية «ج 2» إلى أقرب نقطة من وحش «القوس أ»، أي على مسافة 40 مليار كيلومتر من مركز الثقب الأسود. ويقول فراجيل، إن هذه المسافة (على كبرها) كافية لبدء عملية الالتهام.

كل مليون سنة؟
هذا الحدث يُعد من أندر الحوادث الكونية؛ لأن ثقب مجرتنا الأسود «القوس أ» يكاد يكون هامداً، ويعد أقل الثقوب السود المعروفة «شراهة». وقد أجاب غيلسن، حين سئل: كم يمكن أن ننتظر لنرى حدثاً كونياً مشابهاً، فقال: «لدي أرقام تراوح بين 1000 سنة ومليون سنة. والأمر المؤكد هو أن هذه هي أول مرة نشاهد فيها مثل هذه الحادثة، منذ بدء الرصد الفضائي العالي الدقة قبل 10 سنوات».

helix_nebula_ngc_7293_planetary_fogهل سيكون المشهد مخيباً للآمال التي تتوقع مشاهدة منظر فريد؟ ذلك أن المعروف أن أي مادة تقترب من ثقب أسود، وتدخل في مجال جاذبيته التي ليس بعدها من عودة، تغوص فيه وتختفي في سواده، ولا تظهر للعيان، ولا يكون من أثر إلا زيادة وزن الثقب الأسود، وهو أمر لا ترجمة بصرية له. لكن علماء الفضاء يتوقعون مشهداً لن يخيب آمالهم، مع أنه لن يكون ظاهراً للعين المجردة. فالمسافة بعيدة جداً، وشكل مجرة درب التبانة يكاد أن يكون مسطحاً، تتراكم فيه النجوم، وتكاد تخفي وسطه. وبين الثقب الأسود وبيننا غمامات كونية هائلة وكثيرة، تحجب كثيراً من الرؤية بالمراصد الفضائية.

غير أن الحدث سيكون مدهشاً مع ذلك. فقبل أن تغوص الغمامة الضخمة في فم الغول الكوني الكبير، ستُحدث ما يشبه الألعاب النارية وتضيء فضاءها المجاور. وستتخذ النار الناتجة من ذلك شكلاً لولبياً. ويقول فراجيل، إن المشهد سيكون براقاً جداً بأشعة إكس. وسيتعاظم المشهد شيئاً فشيئاً مع تسارع الغازات المقتربة من الثقب الأسود.

المراصد جاهزة
The VLT´s Laser Guide Starكل «العيون الفلكية» في مراصد الأرض استعدّت للحدث الكبير. ويقول خورخي كوادرا، من قسم الفلك وفيزياء الفضاء في الجامعة الكاثوليكية في تشيلي: «هذه أول مرة سيتسنى لنا فيها أن نشاهد كيف تتصرّف المادة، فيما يجتذبها مجال جاذبية ثقب أسود. ومن وجهة نظر عامة، سيكون هذا مفيداً جداً لنفهم كيف يتعاظم حجم الثقوب السود بابتلاعها المادة».

كذلك ستتيح مراقبة الحدث العظيم لعلماء الفضاء، التعرف بشكل أفضل إلى هذه المنطقة من المجرة، التي يكاد علم الفضاء لا يعرف شيئاً عنها.

وستحاول معاهد علم الفضاء من خلال هذه التجربة النادرة، الرد على عدد كبير من الأسئلة، مثل: لماذا هذا الثقب الأسود هامد لا يتسم «بالنهم» لابتلاع المواد «القريبة» منه؟ ما هي خصائصه، من كثافة ودرجة حرارة ومواد؟ وما هي النجوم التي تقع على مسافة ثابتة من الثقب «القوس أ» تكفي لتدور من حوله دون أن يبتلعها؟ مجتمع علوم الفضاء مستنفر بحماسة لمراقبة الحدث ومعرفة الأسئلة الكثيرة التي يطرحها.

أضف تعليق

التعليقات

.إكرام

يإلاهي سبحان الله يخلق مايشاء انا فعلا مندهشة من كل هده الحسابات!!!!!!