حياتنا اليوم

الأثاث صديقاً للبيئة

fur1بطريقة ما يمكننا القول إنّ «الأثاث الصديق للبيئة» أو «الأثاث الأخضر» أو «الأثاث المستدام» كان موجوداً منذ مئات السنين، حين كان الناس يلجؤون إلى بناء منازلهم وأثاثهم المنزلي بأنفسهم. ولكن مع الانفجار السكاني وزيادة الاستهلاك، كثر التصنيع. ودخلت الأساليب المضرة بالبيئة في صناعة الأثاث.

ولكن، شهدت الآونة الأخيرة اهتماماً متزايداً بالأثاث الصديق للبيئة وذلك لسببين: أولهما، أن عدداً كبيراً من الناس بدأوا يهتمون بما يسمى بالبصمة الكربونية، وثانيهما، التطوُّر اللافت الذي طرأ على التصاميم الجديدة لقطع الأثاث الصديقة للبيئة، فبات هناك تنوع كبير في الأسواق من قطع الأثاث المختلفة بدءاً بالمزهريات والأباريق والثريات المصنوعة من المواد المعاد تدويرها، وصولاً إلى السجاد المحاك من خيوط البلاستيك المذاب، إلى الكراسي المصنوعة من أخشاب بقيت عليها ثقوب المسامير الصدئة. وهناك بعض المفاهيم يمكنها أن تُرشدنا إلى اختيار الأثاث الصديق للبيئة.

أخشاب صديقة للبيئة وأخرى ليست كذلك
يوجد اليوم ما يعرف بمفهوم «الحراجة المستدامة»، وهي الحراجة التي تحافظ على التوازن بين الطلب المتزايد على الأخشاب وصحة الغابات وتنوعها. وقد أنشئت شركات تُعنى بالحراجة المستدامة، كما تمّ تشكيل مجلس عالمي للإشراف على الغابات «FSC»، وهو هيئة عالمية لا تبغي الربح، تشجِّع تلك الشركات بمنحها شهادة يمكن وضعها على الأخشاب التي تنتجها. ومن خلال تلك الشهادات بالإمكان التأكد من أن الأخشاب تطابق المواصفات الموضوعة من قبل المجلس وتحافظ على سلامة البيئة.

fur2يالإضافة الى ذلك، هناك ما يُعرف بـ «الخشب المستصلح»، فإذا ما تمّت العناية بالخشب أو لم تتم، يمكن للأخشاب أن تبقى بحالة جيدة لمدة طويلة، أو قابلة للإصلاح. لذلك يمكننا الاستفادة من معظم الأخشاب المصنَّعة الموجودة. وهناك عديد من المصمِّمين الذين يعتقدون بأنهم يستطيعون القيام بذلك. وعادة ما تأتي هذه الأخشاب من قطع الأثاث والأبنية القديمة والأخشاب التي تحتوي على عيوب، ومن بقايا الأخشاب في المصانع. حتى إنّ بعض الأخشاب يمكن أن تُستخرج من قيعان الأنهر. ولكن مهما كان المصدر، فقطع الأثاث المصنوعة من الأخشاب المستصلحة هي مثال ممتاز عن الكفاءة في استخدام الموارد. إلى ذلك، أصبح الخيزران (البامبو) العنوان غير الرسمي لكثير من المصممين الذين يهتمون بصناعة الأثاث الصديق للبيئة. إذ يمثِّل الخيزران مجموعة من الأعشاب التي تتراوح في أحجامها من الصغير إلى الكبير وباللون من الأخضر إلى الكستنائي. فهو ينمو بسرعة كبيرة ويأتي معظمه من الصين. يمكن للخيزران النمو دون استخدام المبيدات، على الرغم من أنّ بعض المزارعين يلجؤون إلى استخدامها. وعلى الرغم من أنّه يستهلك كثيراً من المياه وأنّ حصاده بسرعة كبيرة قد يستنزف خصوبة التربة إلا أنّه يُعد، بالإجمال، من أكثر الأخشاب رفقاً بالبيئة. ويمكن استخدام الخيزران في الأرضيات وفي صناعة عديد من قطع الأثاث وكستائر للنوافذ، أو حتى بالإمكان بناء منزل كامل منه. ويمكن لاستخدام الخيزران في الأبنية أن يُكسب المهندسين نقاطاً في الـ «LEED» أي القيادة في الطاقة والتصميم البيئي، وهو برنامج لتوثيق المباني الخضراء التي تلحظ أفضل الاستراتيجيات وممارسات البناء التي تحافظ على البيئة.

المفاهيم المتعلِّقة بالمعادن والمواد البلاستيكية
بما أنّ المعادن ومعظم المواد البلاستيكية قابلة لإعادة التدوير، على الأقل من ناحية المبدأ، يمكن اعتبارها مواد صديقة للبيئة لتستخدم في صناعة الأثاث. وتتطلب المواد المعادة التدوير معالجة أقل وكمية أقل من الموارد، كما أنّ التطوّر في التقنيات أدى إلى تحسّن نوعية المعادن والمواد البلاستيكية المعادة التدوير. ولكن الأمر لا يتعلق فقط بالمواد المستخدمة، لذلك هناك بعض النقاط التي يجب أن تؤخذ في الحسبان عند اختيار قطع الأثاث.

1 – قطع قابلة لإعادة التدوير والتفكيك والتجميع
على قطع الأثاث الصديقة للبيئة أن تكون سهلة الإصلاح والتفكيك وإعادة التجميع، بالإضافة إلى إمكانية إعادة تدويرها عند انتهاء فترة استخدامها. لهذا السبب، يجب الابتعاد عن القطع المصنَّعة بطريقة المزج الكلي بحيث يصعب تفكيكها مما يعني صعوبة إصلاحها. وتُعد المنتجات التي تحمل شهادة الـ «Cradle 2 Cradle» المثال الأجدى على الأثاث السهل الإصلاح وإعادة التجميع والتدوير. والـ «Cradle 2 Cradle» هي منظمة لا تبغي الربح، تشجِّع على التصميم المتجدد، وتؤكد على أنّ صناعة الأثاث يجب أن تحافظ على توازن الطبيعة البيولوجي وتُغني النظم الإيكولوجية. وهذا لا يعني أنّه يمكن التخلي عن عنصر المتانة في قطع الأثاث المزمع شرائها. فمن أهم مزايا المواد الصديقة للبيئة، المتانة، لأنّه حتى المواد القابلة لإعادة التدوير تتطلب طاقة وموارد لإعادة المعالجة والاستبدال. وإذا كانت القطعة متينة وسهلة الإصلاح في الوقت عينه، فإن ذلك يعني بأنّ هناك احتمالاً أقل لأن ينتهي بها الأمر في المكب. كما أنّ القطع المتينة أوفر من الناحية المادية حتى لو كانت أغلى ثمناً، ويمكن توارثها من جيل إلى آخر. وحتى لو تغيّرت الموضة ولم تعد تلك الطاولة، مثلاً، تلائم ذوق المقتني، ستبقى الطاولة المتينة تجذب شخصاً آخر، ولكن الأمر لا ينطبق على طاولة مكسورة أو غير قابلة للإصلاح.

2fur3 – الأثاث الذي لا يحتوي على المواد السامة
عند شراء أي قطعة أثاث ووضعها داخل المنزل، من المرجح أنّها، مهما كانت المواد المصنوعة منها، ستبث مواد في الهواء. وكلّ الأجسام، تقريباً، تبث مواد في الهواء قد لا تكون بالضرورة مواد سامة. ولكّن المواد الصناعية أو حتى تلك المعالجة بمواد صناعية يمكنها أن تبث مواد سامة. وتُعد المواد العضوية المتطايرة من أكثر المواد الكيميائية التي تبث في الهواء، والتي ارتبطت بالتشوهات الخلقية واختلال الغدد الصماء والأمراض السرطانية. ومن أكثر المواد العضوية المتطايرة شيوعاً «الفورمالديهاد» و«مثبطات اللهب». وقد تزداد خطورة هذه الانبعاثات في حال كان المنزل أو المكتب معزولاً بشكل جيد للحدّ من الحرّ أو البرد أو الضجيج. وقد أظهرت الدراسات بأنّ نوعية الهواء داخل المنازل أسوأ من نوعيته في الخارج. لذلك يجب الانتباه جيداً إلى نوعية المواد الكيميائية التي تدخل إلى المنازل خصوصاً في حال وجود الأطفال. وهناك بعض الوسائل الجيدة التي تساعد في المحافظة على نوعية الهواء الداخلي، لا سيما فيما يتعلق بالأثاث الذي يجب أن يكون غير معالج أو معالج بمواد طبيعية مثل طلاء الخشب الطبيعي والجلود المدبوغة بشكل طبيعي والقطن الطبيعي. أمّا الطريقة الأخرى لتجنب المواد السامة، فهي في شراء الأثاث القديم الأصلي (Vintage)، أو المستخدم الذي قد يكون استنفد طاقته على بث المواد السامة في الهواء. وبالإمكان إدراك هذه النقطة بطريقة واضحة إذا ما تذكّرنا رائحة السيارات الجديدة.

3 – شراء الأثاث المحلي
قد نستغرب المسافة التي يمكن أن تقطعها المواد المستخدمة في صناعة الأثاث لتصل إلينا. لذلك، ومن أجل المحافظة على البيئة، من المفيد شراء الأثاث المصنوع محلياً الذي من شأنه دعم الاقتصاد المحلي وتشجيع الحرفيين المحليين بالإضافة إلى تخفيض التكلفة البيئية للشحن.

ومع ازدياد توفر الأثاث الصديق للبيئة، ومع وجود بعض الشهادات التي تؤكد كونه «أثاثاً أخضر»، أصبح الاختيار سهلاً، لا سيما مع وجود طاقات إبداعية مميزة استطاعت إنتاج قطع مستدامة جميلة وعملية ومريحة.

أضف تعليق

التعليقات

Mohammad Shamass

مقالٌ رائغْ. بُرِكْتِ سَيِّدَتي ألفاضِلة وبُركتْ أعْمالُكِ. أدامَك ألله مَنبعاً للعِلمِ و ألثقافة و نوراً لهاذهِ ألدُّنيا ألقاتمة. وفَّقَكِ ألله ورَعاكِ. مُحَمَّدْ شَمَصْ

ابراهيم

اشكركم على هذا المقال الرائع .. استفدت منه