ديوان اليوم

أبيات مغناة لا تُنسى

  • 76a

على الرغم من كل ما يقال أن رديء الشعر المغنَّى غلب جيده في عصرنا هذا، فإننا نصادف بين حين وآخر أغنية بشعر فصيح يهز مشاعرنا، ولا يقل أهمية عن عيون الشعر التي تحتفظ بها دواوين الكبار. والشاعر هنا ليس فقط هو البطل، بل هو أول ثلاثي ناجح يضم إليه الملحن والمغني. وهؤلاء الثلاثة هم الذين يجعلون قصائد دون غيرها أو أبيات محدَّدة دون غيرها، قريبة من وجداننا، وحيَّة في ذاكرتنا، نطرِّز بها أحاديثنا. الكاتب السوداني
محمد إبراهيم يصحبنا في جولة على قصائد مغناة بعضها قديم وبعضها الآخر حديث، ويعرض لنا ما يراه مميزاً بشكل استثنائي من وجهة نظره ومزاجه الشخصي، فحفظه واستمتع به.
بين أعمــــال أم كلثــــــوم وعبـــــــد الوهـــــــاب وعبــــد الحلـــــــيم حــــافظ وفيروز ووديـــع الصافي أغانٍ كثيرة اعتمدت في كلماتها على الشعر الفصيح، قديمه وحديثه.. وقد يطول الحديث عن كل منهم وما قدم من غناء، إلا في حال اقتصارنا على أغانٍ تميزت بتفردها وجمال مفرداتها عن بقية أعمالهم، وهذا يعود في المقام الأول إلى الذوق الشخصي لا إلى الحكم النقدي الصارم. فعلى سبيل المثال، من بين أغاني أم كلثوم الفصيحة جميعها، تروق لنا أغنية «أغداً ألقاك؟» بسؤالها الحائر الملهوف المتردد من كلمات الشاعر السوداني الهادي آدم وتلحين محمد عبدالوهاب، وتصل ذروتها حينما تعلنها صريحة فتقول:
أنا لولا أنت.. لم أحفل بمن راح وجاء.
أنا أحيا في غدي الآن بأحلام اللقاء،
فأْتِ أو لا تأتي.. أو فافعل بقلبي ما تشاء..
هكذا أحتمل العمر، نعيماً.. وعذابا،
مهجةً حرّى وقلباً، مسّه الشوق.. فذابا.

أما عبدالحليم حافظ، فبالإضافة إلى ما غنَّاه من قصائد للشاعر الجميل نزار قباني، يغني أغنية جميلة للشاعر المصري كامل الشنّاوي وألحان محمد عبدالوهاب بعنوان «لا تكذبي» ويقول مطلعها:
لا تكذبي.
إني رأيتكما معاً.
ودعي البكاء.. فقد كرهت الأدمعا.
ما أهون الدمع الجسور إذا جرى
من عينٍ كاذبةٍ فأنكر وادعى.

أما فيروز، فتتألق في غناء الموشح الأندلسي حيث تقول:
يا غصن نقا مكللاً بالذهبِ
أفديك من الردى بأمي وأبي
إن كنت أسأتُ في هواكم أدبي
فالعصمة لا تكون إلا لنبي

وعلى يد المطرب والملحن وديع الصافي نتفاجأ بشاعرية صاحب برنامج «العلم والإيمان» المفكر المصري مصطفى محمود في أغنية من أجمل أغانيه وأكثرها رقة وشاعرية.. حيث يقول:
الليل يا ليلى يعاتبني
ويقول لي: سلِّم على ليلى
الليل لا تحلو نسائمه
إلا إذا غنّى الهوى ليلى
إلى أن يقول:
رجعت ألم أحلامي
وأحيا بين أنغامي
وغاب ربيع أيامي..
وليلى لم تزل ليلى

وننتقل من زمن الفن الجميل لنطل على فن جميل آخر ولكن من الخليج هذه المرة، حيث نسمع موالاً جميلاً حزيناً بالفصحى يغنيه المطرب السعودي علي عبدالكريم، ويقال إنه من كلمات الشاعر السوداني إدريس جمَّاع، بينما يؤكد آخرون أنه من كلمات الشاعر المصري عبدالحميد الديب. ورغم تداخل تفاصيل الصورة التي تبنيها الأبيات إلا أن بلاغتها تُستمد من وضوح تفاصيلها في مخيلة من يسمعها لأول مرة. يقول الموال:
إن حظي كدقيقٍ فوق شوكٍ نثروه
ثم قالوا لحفاةٍ يوم ريحٍ: اجمعوه
صعب الأمر عليهم ثم قالوا: اتركوه
إن من أشقاه ربي كيف أنتم تسعدوه؟

ومن الخليج أيضاً وهذه المرة من قطر، يأتي المطرب علي عبدالستار ليلحن أبياتاً جميلة للإمام الشافعي، ويسهم اللحن المتسارع في إيقاعه بخفة مع الكلمات لتأكيد معنى التسليم بالقضاء والقدر والإيمان بالله..
دع الأيامَ تفعل ما تشاء
وطب نفساً إذا حكم القضاء
ولا تجزع لحادثة الليالي
فما لحوادث الدنيا بقاء

ومن اليمن يغني المطرب الجميل محمد مرشد ناجي على إيقاع آلة العود أبياتاً رقيقة عامرة بالوجد والعاطفة قالها يزيد بن معاوية:
على شاطئ الوادي نظرت حمامةً
أطالت عليَّ حسرتي وتندمي
أغار عليها من أبيها وأمها
ومن لجة المسواك إن دار في الفم

أما كاظم الساهر الذي أمد المكتبة الغنائية العربية بكثير من القصائد المغناة التي يعود أغلبها إلى الشاعر نزار قباني، فيتحفنا بقصيدة خفيفة في بنائها، ثقيلة في دلالتها، فيقول كريم العراقي على لسان الساهر وألحانه:
كثر الحديث عن التي تهواها.
كثر الحديث.. من التي تهواها؟
شقراء أم سمراء؟ عيناك أحلى أنتِ أم عيناها؟
إلى أن يقول:
عيناها بيتي وسريري
ووسادة رأسي أضلعها…
ضميني يا أحلى امرأة
لو صمتت قلبي يسمعها
بغداد.. بغداد..
وهل خلق الله مثلك في الدنيا أجمعها؟

وأخيراً نختم بمفاجأة سمعناها في مقدمة أحد المسلسلات.. حيث يقدم مسلسل «التغريبة الفلسطينية» أغنية استثنائية في جمالها وتميزها وقوتها وتحكي عن الشهيد الفلسطيني. لا عجب في ذلك، فوراء كلماتها الشاعر الفلسطيني الكبير إبراهيم طوقان. تقول الكلمات:
لا تسل عن سلامته.
روحه، فوق راحته.
بدلته همومه..
كفناً، من وسادته.
إلى أن يقول:
صامتٌ لو تكلما
لفظ النار والدما.
قل لمن عاب صمته:
خَُلق الحزم أبكما.

وهذه الاختيارات استمدت قوتها من بقائها في ذاكرتنا رغم مرور السنوات، علماً بأننا لم نسمع بعضها منذ مدة طويلة.. ولكل منا أغانيه وقصائده الخاصة التي لو فتحنا كراساتها سنجدها مليئة باختلاف مدهش وغنى متنوع..

أضف تعليق

التعليقات

ياسر

الليل يا ليلى هى للشاعر اللبناني مصطقى محمود القعقور وليست للدكتور مصطفى محمود صاحب برنامج العلم والأيمان

مالك القعقور

ورد في المقالة أن كاتب قصيدة الليل يا ليلى يعاتبني المفكر المصري مصطفى محمود والصحيح أن كاتبها هو الشاعر اللبناني مصطفى محمود (القعقور) وهو اشتهر باسم مصطفى محمود وغنى له كبار المطربين

سامر عبد العزيز - اليمن

أؤيد ما ذهب إليه الأخوين ياسر ومالك القعقور، وهذا الاخير يبدو على صلة قرابة بالشاعر اللبناني مصطفى محمود (القعقور)، من ان القصيدة المغناة (الليل يا ليلى) لا تمت بصلة للمفكر المصري الراحل مصطفى محمود

سامر عبد العزيز - اليمن

تكملة:
ولا يذكر أن المفكر المصري الراحل كتب شعراً أو قصائد مغناه مع أن له مؤلفات مسرحية. ويبدو مثار اللغط هو تشابه الأسمين وعدم شهرة الشاعر اللبناني مقارنة بالمفكر المصري، وقد أوردت لكم هذين الوصلتين