علوم

غنيٌ جداً ولكنه حسّاس للغاية
التنوّع البيولوجي البرّي في المملكة

ثمة ادّعاء واسع الانتشار، أن في البيئة السعودية قدرٌ قليل من التنوّع البيولوجي، فيفترض كثير من الناس أن الصحاري هنا خالية من الحياة. والحقيقة، هي أن البيئة البريّة السعوديّة تحتوي على تنوّع بيئي ثري بالمقاييس العالمية. إذ تؤوي المملكة ألوف الأنواع من النبات والحيوان، كل منها شهادة حيّة بالقدرة الطبيعيّة على تخطّي مصاعب الحياة في الصحراء. غير أن هذا النظام البيئي المدهش حسّاس على نحو لا نتخيّله، وهو مهَدَّد. لذا، علينا أن نتنبّه للحاجة إلى حماية هذا التنوّع البيئي الثمين، وأن ندعمه.

حتى اليوم، سُجِّل وجود ما لا يقل عن 505 أنواع من الطيور في المملكة، وأكثر من 100 نوع من الزواحف، وأكثر من 75 نوعاً من الثدييّات، وبضعة ألوف من أنواع النبات، وحتى أسماك المياه العذبة والبرمائيّات.
ويتميّز التنوّع البيولوجي المدهش في المملكة بتشيكلة طيور رائعة. مثلاً، فإذا قارنّا أكبر 12 بلداً في العالم، يمكننا أن نرى أن لدى المملكة من أصناف الطير في الكيلومتر المربّع أكثر من معظم الدول الكبرى الأخرى، ومن ضمنها تلك التي اشتُهِرَت بتنوّع طيرها، مثل الولايات المتّحدة وأستراليا، وحتى البرازيل. ومع أن في بعض البلدان أصناف طير أكثر في المجموع (مثلاً في كولومبيا أكثر من 1,800 صنف)، إلا أن الرسم 1 يُثبت أن المملكة ليست حتماً أرضاً جرداء خالية من الحياة البريّة، بل إنها ذات مخزون طبيعي تفخر به ويستحق الحماية.
يهاجر أكثر من 200 صنف من الطيور عبر المملكة كل عام، حيث تتوقف من أجل الغذاء، أثناء مرورها بين مناطق التكاثر والشتاء. ويُظهر هذا العدد الهائل من الأصناف المهاجرة موضع شبه الجزيرة العربيّة الأساسيّ في الكرة الأرضيّة: فهناك ثلاث طرق للطيور المهاجرة (تسمّى مجازاً مسارات طيران) تلتقي فوق الجزيرة العربية، على النحو الذي يجعل طيوراً من كل أصقاع الأرض تُمضي جزءاً من عمرها على الأقل في المملكة.

مع الأسف، تتّجه نسبة كبيرة من الأصناف المقيّمة نحو الانقراض. إذ يُقَدَّر أن ثلث جميع النباتـــات والحيوانات في السعوديّة مهدَّد بأن ينقرض في زمننا… إلاَّ إذا اتخذنا إجراءات منسّقة لحمايتها

وعلى سبيل المثال، فإن طيوراً مثل نسر السّهوب تهاجر في محورٍ شمالي/جنوبي، فوق مسار البحر الأسود، من شمال أوروبا، عبر السعودية، إلى إفريقيا. كذلك، طير مثل الشِقِرَّاق الهندي (الذي لا يستطيع الطيران من الهند شمالاً، بسبب وجود جبال الهملايا) يهاجر في محــورٍ شمالي/غربي إلى جنوبي/شرقي، من الهند وسريلانكا، عبر السعودية إلى أوروبا. وأخيراً، الطيور في شمال/شرق آسيا (وحتى من ألاسكا) مثل القُلَيعي المطوَّق السيبيري (الذي لا يستطيع الطيران جنوباً بسبب جبال الهملايا)، يهاجر في محورٍ شمالي/غربي إلى جنوبي/شرقي، من شرق آسيا، عبر السعودية إلى إفريقيا.
وفي المجموع، من 2 إلى 3 بلايين طائر من كل أنحاء الكرة الأرضيّة، تهاجر عبر المملكة كل عام، وكل منها يعتمد على المملكة في توفير الغذاء، والماء، والمأوى، ومواطن الأعشاش.
ويطوف كثير من هذه الطيور بحثاً عن الغذاء في المناطق التقليدية التي تجد فيها نتاجاً وافراً، مثل الأراضي الرطبة والمستنقعات المالحة، ومنابت الطحالب، والرِّياض، والوديان، والسواحل، والجزر. ويتزايد استخدام الطيور المهاجرة الأراضي الرطبة الاصطناعية، ومنها أحواض أرامكو السعوديّة للتبخير ومياه الصرف المعالَجَة. وبنتيجة ذلك، سُجِّل وجود 265 صنفاً من الطيور في حي أرامكو السعوديّة في الظهران (كما جاء في الدليل الميداني للتنوّع البيولوجي في الظهران). ويمثّل هذا نحو نصف طيور المملكة، ويدلّ على الدور المهم الذي يمكن أن تلعبــه الصناعــات الكبرى في حماية التنوّع البيئي ودعمه.

التنوّع البيولوجي السعودي فريد
كما يتبيّن من الجدول 1، نحو %14 من تشكيلة الحيوان والنبات هي مستوطِنة (أي فريدة) في شبه الجزيرة العربيّة، وهذا يعني أن هذه الأصناف غير موجودة في أي بقعة أخرى من العالم. وبتعبير آخر، حيثما انتقلنا في البلاد، يكون واحد من كل ستة نباتات وحيوانات نراها، فريدة الوجود في شبه الجزيرة العربيّة وحدها. فإذا انقرضت هنا، فإنها تنقرض تماماً من الكرة الأرضيّة… في كل مكان… إلى الأبد. ويتركّز هذا المستوى من الاستيطان على الأخص، في البرمائيات وسمك المياه العذبة، التي يكون %63 و%86 منها على التوالي، فريدة الوجود في شبه الجزيرة العربيّة وحدها.

التنوّع البيولوجي في المملكة مجهول على نطاق واسع
حتى اليوم، فإن نحو %95 من جميع النباتات، و%77 من جميع أصناف الحيوان في المملكة، لم تُقَيَّم بعد رسمياً لدى علماء البيئة المستقلّين. بحالة التنوُّع، أو الوفرة، أو الحماية، للكثرة الغالبة من الأصناف في المملكة. وبعبارات أخرى، لا نعلم إن كانت هذه الأصناف وافرة، أو نادرة، أو على وشك الانقراض؛ كما لا نعلم إن كانت تتزايد، أو تستقرّ على حال، أو تتناقص، وما إذا كانت تنتشر أو تنحصر في بقعة معيّنة. ولهذا، تعمل إدارة حماية البيئة في أرامكو السعودية على رسم خريطة توثق توزُّع ووفرة التنوّع البيولوجي المهم، من خلال تضافر العمل الميداني والمسوحات عن بُعد.
إن نقص المعلومات الأساسيّة عن تنوّع المملكة البيولوجي يَبرز بوضوح باستكشاف بعض الأمثلة لتشكيلة الزواحف البديعة، التي منها 45 صنفاً من أصل 102 صنف، لم تُقَيَّم بعد. فمثلاً، الثعبان المسمّى باسمه العلمي في اللاتينيّة Lytorhynchus gasperetti معروف فقط بوجود ثلاث عيّنات منه فقط، لكن لم يُسَجَّل وجودٌ له منذ 35 عاماً؛ والثعبان المسمّى Sarso Island Racer، ثمة منه عيّنة واحدة وُجِدت عام 1964م على جزيرة من أرخبيل فرسان؛ وسَقَنقور يسَمَّى Skink Leviton’s وهو عظاءة رباعية الأرجل، ومعروف أيضاً من خلال عيّنة وحيدة من مكان واحد (الخسويّة، قرب جازان) – وقد وُصِف عام 1978م على أساس عيّنة واحدة موجودة في متحف. بعبارات أخرى، لم يَرَ أحد هذه الأصناف حيّة.
في الجانب المُشرق، يوحي هذا النقص من المعلومات الأساسيّة، بأن الراجح جداً أن أصنافاً عديدة من الزواحف في هذه المملكة الشاسعة لا تزال تنتظر أن تُكتَشَف. وقد تم حديثاً تصنيف أحد الزواحف الجديدة ويُسَمَّى Tropiocolotes wolfgangboehmei في الثمامة (قرب الرياض) عام 2010م. وإذا كانت أصناف جديدة قد وُجِدَت على هذا القـرب من العاصمــة، فمن شبـه المؤكّد أن كثيراً من الأصنـاف ستُكتشَــف في المواقع البعيدة عن المنطقة.

التنوّع البيولوجي في المملكة العربية السعودية مهدَّد
للأسف، تتّجه نسبة كبيرة من الأصناف المقيّمة نحو الانقراض. إذ يُقَدَّر أن ثلث جميع النباتات والحيوانات في السعوديّة مهدَّد بأن ينقرض في زمننا… إلا إذا اتخذنا إجراءات منسّقة لحمايتها.
إن طبيعة التنوّع البيولوجي الهشّة والمحفوفة بالمخاطر تتمثّل في حالة الثدييّات. فالثدييّات الكبيرة، في المعتاد، تعطي إشارة واضحة إلى صحّة النظام البيئي. إذ يشير العدد المستقر لقطعان الثدييّات إلى وجود كثير من النبات للحيوانات العاشبة، وفرائس كثيرة للحيوانات اللاحمة. وبالتالي، يدلّ تناقص قطعان الثدييّات الكبيرة في الغالب، على أعراض نظام بيئي مضطرب. لذلك، فإن من دواعي القلق أن 11 من 12 حيواناً برياً ثدييّاً كبيراً في المملكة، إما أنها تتناقص، أو أنها انقرضت (أو أعيد توطينها بعدما كانت قد انقرضت في البريّة سابقاً). فإذا كانت الحيوانات الكبيرة، التي تَسهُل مشاهدتها، تختفي من أرضنا، فإن كثيراً من الحيوانات الأصغر، غير المقيّمة جيداً، ربما تختفي أيضاً.

الحاجة إلى دعم هذا التنوُّع
يدلّ المقال أعلاه، على أن المملكة تملك مجموعة مثيرة للإعجاب من أصناف التنوّع البيولوجي البري، وأن كثيراً من هذا التنوّع فريد الوجود في المملكة. وغنيٌّ جداً مع الأسف، كثير من أصناف هذا التنوّع، إما غير مدروسة كفاية، أو مهدَّدة بالانقراض. لذا، نعيش ونعمل في بيئة فريدة لها مكانتها المحترمة دولياً، وغير معروفة، ومعرَّضة للخطر. وعليه، لا بد من أن تتجنّب أعمالُنا الإسهام في الممارسات التي تضرّ بالتنوّع البيولوجي.

أضف تعليق

التعليقات