منذ أن بدأت التقنية تحلُّ محلَّ الإنسان في تنفيذ بعض الأعمال، ظهرت تساؤلات حول مستقبل الأعمال، وما الذي سيبقى منها معتمداً على المهارات البشرية. ونظراً لتسارع وتيرة التطور التكنولوجي، ازدادت هذه الأسئلة إلحاحاً، وباتت تفرض استشراف مجالات العمل المستقبلية والتخصصات المطلوبة لها. ولهذه الغاية، نظَّمت القافلة بالتعاون مع الهيئة الملكية بالجبيل، جلسة نقاش تحدث فيها متخصصون في دراسات المستقبل والموارد البشرية وممثلو جهات حكومية وشركات وطنية حول وظائف المستقبل على المستويين الوطني والعالمي. وهدفت الجلسة إلى تعريف قرّاء المجلة بالتغيرات المستقبلية التي ستطرأ على الموارد البشرية ومهاراتها، وعرض رؤية بعض الجهات الرائدة في هذا المجال.
بعد الكلمة الترحيبية بالمتحدثين والحضور التي ألقاها رئيس التحرير، وأشار فيها إلى أهمية استشراف التحوُّلات المرتقبة في الموارد البشرية المطلوبة مستقبلاً على ضوء التطوُّر العلمي والتقني الحاصل حالياً، كان مشروع نيوم المنطلق الأفضل لتناول هذا الموضوع.
وبعد لمحة عامة عن هذا المشروع العملاق واستقطابه لنخبة من العقول والمواهب أصحاب التخصصات والمعرفة والتقنية وتهيئتهم، مما سيجعله مقراً عالمياً للعقول والمواهب، استعرض المدير التنفيذي للموارد البشرية في مشروع نيوم الأستاذ أمين بخاري قطاعات المشروع، مشيراً إلى أنه تم إنشاء 16 قطاعاً داخل نيوم، هي: الطاقة، والماء، والتنقل، والغذاء، والتقنيات الحيوية، والتصنيع، والإعلام، والترفيه والثقافة والموضة، والسياحة، والرياضة، والعلوم والتقنية الرقمية، والصحة، والتعليم، والمعيشة، والخدمات، والتصميم والبناء. وذكر أنه في كل قطاع مجالات مختلفة وتخصصات مختلفة. ولكن مجالات الأعمال ستكون مواكبة لأقصى ما توصل إليه العلم والتقنية. وأضاف: “وفي الوقت نفسه سنعمل على تحدي ذلك، وسنحاول تجاوزه إلى ما هو أبعد، إلى المستقبل الحقيقي”.
ولفت بخاري إلى “أن انعقاد الندوة في مدينة الجبيل الصناعية يذكرنا ببداية نشأتها قبل 40 سنة، حين كانت مجرد فكرة أيضاً مثل نيوم، حتى عملت عليها الهيئة الملكية للجبيل وينبع فأنشأت مدينة مختلفة ومتقدِّمة عن بقية المدن. ونيوم –إن شاء الله– ستتقدَّم على جميع مدن العالم بمراحل”.
لكن ما المواهب التي تحتاجها “نيوم” اليوم؟
يوضِّح بخاري أنهم يسعون إلى استقطاب الفئات التالية:
• أصحاب المواهب والأفكار الإبداعية. لأن نيوم لن تفكر في التخصصات أو الشهادات التي يحملها الشخص أو سنوات خبرته بقدر تفكيرها بالقيمة المضافة التي سيحققها، وبكونه عاملاً مهماً في التغيير والابتكار والتحديث.
• ذوو التخصصات المتعدَّدة؛ الذين يتعلمون أموراً مختلفة ومتعدِّدة بدلاً من الاقتصار على تخصص واحد.
• الحالمون، والمبتكرون، والشغوفون؛ “فنحن نبحث عن أشخاص طموحين لبناء المستقبل. الطاقة التي يجلبها المتقدِّم إلى قاعة المقابلة الشخصية من أول الأمور التي نقيمها في المقابلات الشخصية؛ هل الشخص لديه طاقة إيجابية في طريقة تحدُّثه؟ هل لديه شغف لتحقيق هذه الأهداف؟”.
الثورة الصناعية الرابعة
زوال 75 مليون وظيفة وظهور 130 مليوناً
بعد ذلك، تحدث المستشار في الموارد البشرية في أرامكو السعودية المهندس هيثم البلوي عن الثورة الصناعية الرابعة التي نعيشها. وقال: “إن هذه الثورة حصلت بشكل سريع غيّر من المنحنى الذي تسير به الوظائف. وفي الوقت نفسه، أحدثت سرعة الحصول على المعلومة أثراً كبيراً، فتغيرت منظومة العمل بسبب سرعة الوصول إلى المعلومة، وهذا ما منح العالم معلومات لم يكن يحلم بالحصول عليها سابقاً. وأصبحت المعلومات عن الشيء أو الشخص تتكوَّن بلا حدود، وتتدفَّق من جميع الاتجاهات. مما يتيح فرصاً عظيمة في هذه الثورة الصناعية.
وتابع البلوي: “أصبح الإنسان ينظر إلى قوة جهاز الكمبيوتر كنعمة وكوسيلة لاستغلالها، فتم تشكيل الذكاء الاصطناعي، الذي لا يقصد به أن الكمبيوتر ذكي! بل المقصود أننا استطعنا استثمار طاقته لجعله يفكّر كما يريد الإنسان”.
وبلغة الأرقام، ذكر البلوي أن 75 مليون وظيفة سوف تختفي خلال الخمس سنوات المقبلة استناداً إلى منتدى الاقتصاد العالمي. وأغلب هذه الوظائف هي التي يغلب عليها النمط التكراري. إلا أنه في المقابل سوف تُخلق 130 مليون وظيفة جديدة بسبب تغيُّر طريقة طرح الوظائف وإعدادها. وهذا يعني توسع شريحة الوظائف المتاحة، على الرغم من إزاحة بعض الوظائف المكرَّرة، فمن لم يستطع العمل كسائق أجرة في السابق أصبح الآن يعمل كسائق أوبر، ومن لم يستطع العمل في خدمة العملاء في مبنى إحدى الشركات أصبح بإمكانه أن يعمل بالوظيفة نفسها من منزله!
وضرب البلوي مثلاً عن الوظائف التي ستُزاح والتي من طبيعتها التكرار، وهي وظيفة المعلومات والبيانات، حيث لن تكون هناك حاجة لإدخال المعلومات والبيانات، بل سيتم ذلك عن طريق الأتمتة وجمع المعلومات عبر البيانات الضخمة (Big Data).
وأوضح أن أي وظيفة تحتاج إلى القدرة على التفكير والتخطيط والعاطفة لن يستطيع الكمبيوتر أن يستبدلها. وذكر من بين الوظائف التي ستخلق وظائف الطاقة المتجددة، وهندسة الروبوت، وهندسة الطباعة ثلاثية الأبعاد، والتصميم، وكذلك في قطاع الخدمات اللوجستية: مثل خدمات التوصيل، وخدمات التحاور مع الزبائن وإقناعهم، ووظائف مواقع التواصل الاجتماعي.
وخلص إلى القول إن أرامكو السعودية تسهم في إعداد البحوث في هذا المجال بالتعاون مع المنتدى الاقتصادي العالمي، وتسعى في إعداد الجيل القادم لهذا التغيير، مركِّزة على بناء المهارات المتعدِّدة أكثر من بناء المعرفة في مجال واحد. فهي تريد إنشاء جيلٍ يتبع سلوك التعلُّم مدى الحياة لأن عيب التخصصات الجديدة أنها تختفي فجأة إذا حلَّت محلها تقنية جديدة.
أثر تطور الوظائف على التعليم والتوجهات الصناعية
الأستاذ هاني أشقر، رئيس التطوير الجامعي بجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، والأستاذ ذعار المطيري مدير إدارة تطوير القوى العاملة بالهيئة الملكية بالجبيل، كانا على وشك المشاركة في هذه الندوة إلا أن ظروفاً قاهرة منعتهما عن المشاركة بعد أن أعدا كلمتيهما.
فحول أثر تطوُّر الوظائف على التعليم، يبيِّن الأستاذ هاني أشقر أن الثورة الصناعية الرابعة أوجدت حاجة ماسة لبرامج أكاديمية محدثة. الأمر الذي يستوجب من المؤسسات الأكاديمية التي تأمل في أن تظل قادرة على المنافسة، أن تكون سبَّاقة في تحديث برامجها الأكاديمية. وتواجه الجامعات كذلك منافسة من الشركات الرائدة، حيث تتمتع شركات التكنولوجيا بوضع أفضل من الجامعات لتثقيف الطلبة حول أهم الابتكارات التكنولوجية في العالم. مما يستدعي من الجامعات تحديث درجاتها الجامعية.
ويضيف: تبقى درجات الماجستير الأكثر شيوعاً، مع التركيز على تطوّر المهارات التي يطلبها سوق العمل. وهناك تصور بأن درجة الماجستير المتخصصة يمكن أن تساعد في تقديم المهارات المطلوبة التي يحتاجها المتقدِّمون للوظيفة. كما ستستمر برامج التعليم عن بُعد والبرامج التعليمية على الإنترنت في اكتساب قوة دافعة، مما يحتم على المعاهد والجامعات، تضمين تقنيات الواقع الافتراضي في برامجها، لتوفير بيئة تساعد في تحديث المهارات وتسهيل عملية التحوُّل الوظيفي للطلبة.
ومن جهته، وحول ارتباط التوجهات الصناعية بالوظائف المستقبلية أوضح الأستاذ ذعار المطيري أن المشاريع المقبلة في مدن الهيئة الملكية ستفتح المجال لنوعية مختلفة من الوظائف، مثل الهندسة البحرية وهندسة الطيران والوظائف الفنية التخصصية التي تعتمد على التقنيات العالية، في ظل أبرز المؤثرات على مستقبل الوظائف مثل الذكاء الاصطناعي واستخداماته المتعدِّدة في الصناعة. ولفت إلى أن تأثيرها سوف ينعكس على المهارات المستقبلية المطلوبة لسوق العمل. فوفقاً لدراسة أجرتها مؤسسة (QS) لتصنيف الجامعات في العام 2018م، تأكد أن وجود فجوة حالية بين المهارات وسوق العمل، وأن الشركات ترى أن أهم ثلاث مهارات مطلوبة حالياً في سوق العمل هي: حل المشكلات والعمل الجماعي ومهارات التواصل والاتصال. وأن المهارة الأقل توفراً في سوق العمل هي القدرة على التكيف مع التغيير، وأن الشركات الصغيرة تتطلب مهارات مثل الوعي التجاري، بينما الشركات الكبيرة تتطلع إلى المهارات القيادية بقدر أكبر من المهارات الفنية والتخصصية.
وظائف تعتمد على التقنية:
مجالاتها ونسبة الاعتماد عليها
وكانت دراسة المنتدى الاقتصادي العالمي حول المهارات المطلوب توافرها مستقبلاً منطلق الكلمة التي ألقتها محللة الأنظمة والبرامج في الإدارة الاستراتيجية وتحليل الأسواق في أرامكو السعودية الأستاذة سوزان العُمري، وجاء فيها أن هذه المهارات تنقسم إلى قسمين: مهارات تقنية، ومهارات إنسانية. وذكرت أن إجادة استخدام التقنية من تصميم وتطوير وإنتاج تُعدُّ من المهارات الأساسية، بالإضافة إلى المهارات الإنسانية كالابتكار، والانتباه إلى التفاصيل، والإقناع. وجميعها مهارات مطلوبة لتكمل المهارات التقنية.
وذكرت أن الدراسة أشارت إلى أن نسبة الاعتماد على الإنسان مقابل الأجهزة في الإنتاج، هي حالياً %71 مقابل %29 على التوالي. لكن الدراسة تتوقَّع تغيُّر هذه النسبة على المدى القريب لتصبح بنسب متقاربة، بمعنى أن معدَّل الاستخدام للعامل البشري والأجهزة سيكون بنسب متساوية في المستقبل القريب.
ومن دراسة داخلية أجرتها أرامكو السعودية، استعرضت العُمري بعض القطاعات الاقتصادية التي تعتمد بشكل كبير على الأيدي العاملة، مثل قطاع الجملة والتجزئة، وقطاع السياحة، وقطاع التشييد والبناء.
ففي قطاع التجزئة والجملة، أظهرت هذه الدراسة أن نسبة الاعتماد على التقنية تتراوح ما بين 20 و%30. ولكن توجد توقعات كبيرة بزيادة الاستفادة من التقنية واللحاق بالدول المتقدِّمة عن طريق تبنِّي التقنيات الحديثة، مثل المتاجر الافتراضية التي نلاحظ تزايدها في الوقت الحالي. أما قطاع السياحة؛ فإن نسبة الاعتماد فيه على التقنية حالياً تصل إلى %40. وهناك أيضاً مجال كبير لزيادة الاستفادة من التقنيات في عمليات الحجز والدفع والشراء والواقع الافتراضي والسفر الافتراضي، كما في تجربة هيئة السياحة باستخدام تقنية الصورة الثلاثية الأبعاد (Hologram).
وبالنسبة لقطاع التشييد والبناء، هناك إمكانية كبيرة لزيادة استخدام التقنية في المستقبل لتسريع عمليات التصميم والإنتاج والهندسة، وأيضاً استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد كما رأينا في تجربة وزارة الإسكان لإنتاج وحدات سكنية، وزيادة الاعتماد على هذه التقنية سوف تزيد بدورها من الطلب على العمالة المؤهلة ذات القيمة المضافة العالية.
الإمكانات المستقبلية
والنمو المتسارع للمنظمات والقيادة
استناداً إلى ما توقَّع “معهد المستقبل” (IFTF) قبل 10 سنوات أن يحدث اليوم، انطلق قائد التعلُّم والتطوير العالمي في شركة سابك الأستاذ سعيد القحطاني في حديثه، مؤكداً أنهم توقَّعوا كل شيء تقريباً من أوبر إلى نيتفليكس، حين لم يكن أحد ينظر في ذلك أو يأخذه على محمل الجد. وقال: “لقد وضع المعهد بالتعاون مع مؤسسة مسك، ورقة بحثية مهمّة استنتجت أمرين عن صورة المستقبل، هي نوعية المهارات المطلوبة ومناطق الأداء، التي تمثل:
منطقة الأداء الأولى: التعريف عن الذات!
كما نعلم اليوم؛ فإن الحسابات على تويتر أو انستغرام أو فيسبوك وغير ذلك، حساسة جداً. إنها تمثل هوية الفرد، ومستقبله مرهون بهذه السمة التي يصنعها! وثمة منصّة اسمها “أبوورك” (Upwork) يمكن للفرد الإعلان عن مهاراته فيها، ليتلقَّى أعمالاً من أشخاص آخرين من كل أرجاء العالم.
منطقة الأداء الثانية: مصادقة الآلة!
متاهة المستقبل، هي أن الإنسان سيدير آلات، وستديره الآلات كذلك! وقد يكون مديره آلة! وسيكون عليه أن يتفاعل كثيراً مع الآلات، بصفة مساعدين شخصيّين، مثلاً بالنسبة لأولادنا الأمر عادي لكن بالنسبة إلينا قد يمثِّل الأمر تحدِّياً.
منطقة الأداء الثالثة: تكوين الطاقم!
إن أحد التحديات التي تواجهها المنظمات عادة، هي المعركة بين المنظمة الممتازة، والتوجّهات الجديدة. فحين ظهرت أوبر انهارت أعمال النقل تقريباً. هذه أنماط من التحوّل.
وفي تفصيل هذه النقطة، أشار القحطاني إلى كتاب “المنظّمات الأُسِّيَّة” لمؤلفه سليم إسماعيل من جامعة سينغولاريتي، وأبرز مواصفات هذه الفئة من المنظمات، وهي:
إن أي وظيفة تحتاج إلى القدرة على التفكير والتخطيط والعاطفة لن يستطيع الكمبيوتر أن يستبدلها.
- موظفون عند الطلب:
تحتاج “بروكتر أند غمبل” مثلاً، إلى جيش من المسوِّقين القادرين على بيع مزيد من منتجاتها الخاصّة، فتستخدم هذه الشركة بعض العاملين في “وولمارت” مثلاً، وتتيقّن من مكان وضع البضاعة في متاجرهم، وتدفع لهم بضعة دولارات من أجل تزويدها بتقارير فوريّة، فالمنظمات تستخدم “موظفين عند الطلب” لأنها لا تريد أن تعتمد على موظفيها فقط. وهذا هو ما يُعرف بـ “استعمال خدمات خارجيّة”؛ تحصل عليها فقط حين تحتاج إليها.
- المجتمع والحشد:
تحتاج كل المنظمات إلى أن تتعلَّم كيف تستخدم الحشد، أي الأشخاص الذين هم على اتصال بالزبائن. فقد صار معهوداً في الشركات أن تُشرِك كل شخص له علاقة بعملها. بدلاً من أن تعتمد فقط على مهندسيها. ويقوم ذلك على وضع نماذج أولية لمنتجات جديدة، يُدفع بها إلى الأسواق، كمصدر مفتوح أمام مجتمع عالمي لتطويره.
- حساب العدّ (الخوارزميّات):
مثل، التعلّم العميق والتعلّم بالآلة. فشركة مثل “يو بي أس” مثلاً، لديها 55 ألف شاحنة تؤدي 16 مليون عملية تسليم في اليوم. هذا عمل هائل! لذلك استخدموا الخوارزميّات لاحتساب إنتاجيتهم.
- رفع الموجودات:
المثال واضح؛ “تك شوب” هو معرض صانعين في سان فرانسسكو، حيث لا تحتاج لأن يكون لديك مصنعك أو مواردك. وبدلاً من هذا، تستخدم المنشآت الموجودة هناك. وثَمَّة أمثلة كثيرة لشركات تستخدم هذه المقاربة، مثل “أبل” و”أمكس” وغيرهما.
مزيدٌ من النمو في العمل الحر
وشركات تنشىء كليات افتراضية
وتحدث في الجلسة أيضاً نائب محافظ الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة المهندس سامي الحصيّن، الذي رأى أن بعض ما بشرت به الثورة الصناعية الرابعة هو أن كل فرد إمبراطورية وقوة بحد ذاته، بمعنى أن أي فرد منا قادر على تأسيس شركة تكون قيمتها بالمليارات تُغيِّر أسلوب حياتنا وأسلوب عملنا.
وتناول المتغيرات التي ستصنع صورة الأعمال في المستقبل، وهي:
- المحركات: مثل خدمات التواصل العالي الذي يربط الناس بعضهم بعضاً، وتمتلك قوة عالية كما هو الحال في شبكات التواصل الاجتماعي.
- الهيكل الاقتصادي: مثل العولمة التي تمكننا من الوصول إلى العالم أجمع في غضون لحظات.
- تمكين الإزاحة: حيث يمكن لأي منا اليوم امتلاك منصته الإلكترونية الخاصة ليعرض بها خدماته ويستقبل من خلالها عروض العمل من جميع أنحاء العالم ويتقاضى الأجر كذلك بعملات متنوعة.
- المشهد الناشئ: وأقوى مثال عليه “الاقتصاد الفردي”، حيث يمكن لشخص واحد أن يطلق شركة كبيرة.
وتوقَّع الحصيّن أن يتجه 230 مليون شخص إلى العمل الحر بحلول عام 2025، وسيجد 60 مليون شخص وظائف قريبة من مهاراتهم. فإحدى المشكلات الموجودة الآن هي أن نسبة كبيرة من خريجي الجامعات لا يجدون وظائف تناسب تخصصهم، فيهدر ذلك خمس سنوات من أعمارهم ثم يعملون بتخصص مختلف! كما أن 200 مليون شخص من الموظفين حالياً في عمل جزئي ستكون لهم فرص عمل في المستقبل. وهذا النمو في التوجه إلى العمل الحرّ وصل حالياً %43 من وظائف العالم، ويتوقع أن تصل إلى %50 بحلول عام 2020م في الدول المتقدِّمة.
وأشار الحصيّن إلى أن التخصصات تغيَّرت تماماً كما تغيَّرت منصات العمل. وذكر منها تخصص “مطوّر واقع افتراضي” ومهندس سيارة قيادة ذاتية”. وقال إن هذه التخصصات لا نجدها في الجامعات. بل تقوم الشركات الكبيرة مثل “مرسيدس” و”غوغل” بتقديمها كشهادات. فهناك شركات تفتح في إيرلندا مثلاً 48 أكاديمية في العام الواحد، جميعها افتراضية. وبمجرد تسجيل العدد المطلوب، تقوم بإقفال التخصص، من دون الحاجة لاستئجار مبنى وإنفاق المليارات على استحداث تخصصات جديدة. هذه هي الشهادات متناهية الصغر (Nanodegree) التي تُكلف الشخص نحو 200 دولار في الشهر تقريباً. وفي حال أتم الدراسة في الوقت المحدَّد يعيدون إليه %50 من المبلغ المدفوع. وإذا لم يجد وظيفة خلال ستة أشهر يعيدون له بقية المبلغ! فهذه الشركات تثق بأن المستفيد سوف يجد وظيفة؛ لأن هذه هي التخصصات المطلوبة في الوقت الحالي. ولكي يتوجه الشخص منا إلى سوق العمل الرقمي، لا بد له من التوجه إلى هذا النوع من الشهادات متناهية الصغر؛ إذ إنه لو أمضى 5 سنوات في دراسة أحد التخصصات سيجد أن الاحتياجات تغيرت خلال سنوات الدراسة.
التعامـل مع تحوّلات الوظائف استراتيجياً
“في المملكة، واستناداً إلى دراسة أعدتها مؤسسة “ماكنزي”، فإن %41 من الوظائف الموجودة قابلة للتحوُّل إلى الأتمتة من ناحية نظرية. أما من الناحية العملية، فنحن بحاجة إلى الاستثمار في التقنية وتجهيز البنية التحتية واحتساب التكلفة ومدى توافر المبرمجين والمتخصصين في هذا المجال.. إلخ. بمعنى أنه كلما تقدَّمت الشركات في مجال التقنية، فإن البعض من هؤلاء الـ %41 من الأشخاص سوف يفقدون وظائفهم”. بهذه الملاحظة، بدأ الرئيس التنفيذي لمجموعة يس تو ديجيتال ومركز مقاربة الأبحاث الدكتور عمار بكار حديثه، وتساءل: هل نحن جاهزون لمواكبة هذا التطور؟ وما هي الحلول التي تحقق لنا مواكبة هذا التطور على مستوى المملكة، كدولة وكشباب باحثين عن الفرص الأفضل في حياتهم العملية والشخصية.
تبشر الثورة الصناعية الرابعة بأن كل فرد إمبراطورية وقوة بحدِّ ذاته، بمعنى أن أي فرد منَّا قادر على تأسيس شركة تكون قيمتها بالمليارات تُغيِّر أسلوب حياتنا وأسلوب عملنا.
يرى الدكتور بكار أن في رؤية المملكة 2030 ثلاثة أمور أساسية تصب في هذا الموضوع، أولها تطوير البنية التحتية الرقمية، مما يعني أننا سنكون جاهزين في عام 2030 من الناحية التقنية. كما أن في الرؤية تركيز على استقطاب الاستثمارات في المجال الرقمي، مما يعني أن الشركات الكبيرة ستجد طريقها للاستثمار في المملكة. وإلى ذلك يضاف أن المملكة تريد أن تكون مركزاً للقدرات والخدمات اللوجستية بين آسيا وإفريقيا وأوروبا. فما علاقة ذلك بالذكاء الاصطناعي والتقنية؟ عملياً، كل الخدمات اللوجستية في العالم تعتمد اليوم على التقنية والذكاء الاصطناعي، مما يعني أنه إذا أرادت المملكة أن تحقق هذا الهدف، فعليها أن تستثمر في هذه التقنيات بشكل كبير، وسيكون هناك احتياج كبير للطاقات والكفاءات في هذا المجال.
تطابق المهارات مع احتياجات أصحاب العمل
أما المديرة التنفيذية للإطار الوطني للمؤهلات بهيئة تقويم التعليم والتدريب الدكتورة خلود أشقر فتحدثت عن التوجه الحكومي لتطوير المهارات، وأعلنت عن وجود نظام تقني في هيئة تقويم التعليم والتدريب لتسجيل جميع المؤهلات الموجودة في المملكة، التي تم بناؤها من خلال معايير محدَّدة ومصنَّفة عالمياً، وحقنها بمهارات وجدارات في منظومة تقنية تمكّن أصحاب العمل، الطلاب، وأولياء الأمور من أن يدخلوا إلى الموقع الإلكتروني للاطلاع على المؤهلات المُعترف بها على المستوى الوطني.
وأضافت: “إن أي مؤهل لا يتماشى مع هذه المعايير لن يتم تسجيله. فجميع المؤهلات يجب أن تتسق مع هذه المعايير ليتم تسجيلها ضمن منظومة المؤهلات الوطنية، بالإضافة إلى مؤهلات الكادر الوطني التي ستربط مع حساب أبشر للمواطن، بحيث يستطيع الشخص الدخول إليه عن طريق رقم الهوية الشخصية لتظهر له جميع المهارات والجدارات والشهادات والمؤهلات التي حصل عليها”.
ولم تنس أشقر أن تشير إلى “عقدة الشهادة الجامعية”. ولفتت إلى أن من أهداف نشر ثقافة التخلص من هذه العقدة، هو إثبات أن سوق العمل لا يحتاج فقط إلى الشهادات العلمية، وأن أي نوع من أنواع اكتساب المعرفة والخبرة سيتم الاعتراف به.
لن يحتاج سوق العمل إلى الشهادات العلمية فقط بل سيعطي الأولوية للمواهب وتعدُّد الخبرات.
تساؤلات وإجابات
وسأل المشارك عبدالرحمن باسميح الذي يعمل محلل تخطيط للقوى العاملة في الهيئة الملكية بالجبيل عن كيفية تطوير القوى العاملة لشغل الوظائف المستقبلية التي تتصف بأنها قصيرة، فأجابه المهندس الحصيّن بأنه يمكن اتباع تجربة (Upskills)، حيث أجريت دراسة للتوجهات المستقبلية، أعقبها الاتفاق مع الجهات المسؤولة، ثم وضع التخصصات المطلوبة لكي تقوم الحكومة بتغطيتها. وإليه أضافت الدكتورة أشقر أنه أصبح هناك تحفيز للشباب على اكتساب العلم والمهارة والمعرفة من خلال الممارسة ودعم التعلم المستمر، بالإضافة إلى التعلم عبر الإنترنت الذي أصبح الآن من قنوات اكتساب المهارة والجدارة والمعرفة.
وسألت المشاركة فاطمة التي تدرس نظم معلومات إدارية: “هل من المنطقي توجيه جيل كامل إلى التخصص والشغف والعمل نفسه؟ ماذا لو كان لديَّ أربعة أطفال، هل أوجههم إلى التخصصات التقنية مثلاً؟! فأوضح الدكتور بكار أن الاعتقاد السائد بأن دراسة التقنية تقتصر على مجال واحد فقط غير صحيح أبداً. فالتقنية فقط ليست هي المستقبل، هناك البعد الإبداعي والبعد التحليلي وهناك المجال الإداري. لكن ما سيحصل حقيقة أن كل المجالات ستتطور في اتجاه التقنية. والشخص الذي سيدرس الطب مثلاً، سيكون ملماً بكل الأمور التقنيّة لكن تخصصه طب وليس تقنية!
ما الوظيفة التي ستختارها لابنك أو ابنتك!
بعد كلمات المتحدثين، أدار الأستاذ محمد العصيمي حواراً بدأه بسؤال وجهه إلى المتحدثين، وهو: “لو أن أمام كل واحد منكم نموذج طلب قبول في الجامعة لابنه أو ابنته الباحث عن وظيفة ضمن إطار الاقتصاد السعودي في عام 2025م، ولديه خياران فقط. فماذا سيختار؟”.
وجاءت الإجابات على النحو التالي:
• المهندس سامي الحصيّن: المهارات التقنية كالبرمجة. وكما قال الرئيس الأمريكي السابق أوباما “هي لغة الحلم الأمريكي”، إذا تعلمتها مع أي تخصص آخر سوف تُبدع وستكون أمامك خيارات كثيرة. كذلك تخصصات اللغات ستكون مطلوبة.
• الدكتورة خلود أشقر: رؤية المملكة 2030 تعطينا بعض الملامح عن الوظائف المطلوبة في الأعوام المقبلة، ومنها: الأمن السيبراني، والذكاء الاصطناعي، والطاقة، والتعليم، والصحة وتقنية المعلومات.
• المهندس هيثم البلوي: سأختار تخصصاً يتعلق بتحليل الأنظمة، والسبب أنني أحب هذا المجال، وليس فقط لأنه سيكون مهماً في المستقبل. وأعتقد أن اختيار التخصص يجب أن يكون مبنياً على رغبتك في أن تكون مبتكراً وليس عاملاً فيه.
• الأستاذ سعيد القحطاني: سيكون توجه المملكة باعتقادي نحو الطاقة المتجدِّدة، الطاقة الشمسية، إضافة إلى البرمجة وتحليل البيانات وقيادة طائرات الدرونز. كما أن المستقبل سيكون في الشهادات متناهية الصغر.
• الدكتور عمار بكار: هناك ثلاثة مجالات رئيسة ينبغي أن يلمسها الإنسان في نفسه ليتوافق مع المستقبل وتوجهاته، أولها التقنية والتعامل معها وتطويرها، ثم القدرات التحليلية، وهي إحدى القدرات التي ستبقى للإنسان ولن تتمكن الآلة من القيام بها. وأخيراً البعد الإبداعي. فإذا كان صانع القرار لديه قدرة إبداعية مميزة أنصحه بالتوجه إلى الصناعات الإبداعية؛ لأنه سيكون لها دور كبير في المستقبل ولن تطغى عليها التقنية، بل ستحتاجها باستمرار.
• الأستاذة سوزان العُمري: يجب أن يتخصص ابني في مجال يحبه، وعليّ أن أدفع به إلى تعلم التقنية التي تدخل في جميع القطاعات. وأعتقد أن علوم الفضاء وعلوم الصحة والطاقة المتجدّدة هي المستقبل.
التوصيات
وفي ختام الجلسة، أدلى المشاركون بتوصيات مختلفة، ومما حظي بالإجماع في هذه التوصيات ما يلي:
تعزيز التعلم المستمر.
تعزيز الدوافع عند الشباب لدخول سوق العمل، بتطوير قدراتهم وإمكانياتهم.
توجيه أصحاب المواهب والأفكار الإبداعية إلى خلق القيمة المضافة، ومشاركتهم في التغيير والابتكار والتحديث.
التركيز على بناء المهارات المتعدِّدة أكثر من بناء المعرفة في مجال واحد.
تفعيل الإطار الوطني للمؤهلات لمعالجة كثير من القضايا التي يطرحها سوق العمل، وضرورة دعمه من الشركات الكبرى في القطاعين العام والخاص.
ترسيخ القناعة في نفوس الشباب بأنهم هم من سيصنع الفرق وليس الآخرين.
توجيه الشباب إلى الشهادات متناهية الصغر التي تمثِّل التخصصات المطلوبة في سوق العمل، بتكاليف أقل ومدة دراسة قصيرة جداً.
الاستثمار في مجال القدرات اللوجستية والتقنيات المرتبطة بها.
تنمية المهارات التقنية التي أصبحت تدخل في جميع التخصصات، وتطويرها.
تمكين القدرات التحليلية التي لن تتمكن الآلات من القيام بها، بينما يمكن للإنسان القيام بها.
اترك تعليقاً