كتب عربية
مكتباتهم
تأليف: محمد آيت حنا
الناشر: دار توبقال للنشر والتوزيع في المغرب، 2018
كما يقول بورخيس “إن المكتبة أبدية”، يقول المؤلف في مقدمة كتابه هذا: “وحدها الكتب كانت لتبرّر وجودهم بالنّسبة لي”، وذلك في معرض حديثه عن أسرته وما ورثه منها، مؤكداً على أن الكتب التي كان يحصل عليها مدينة له، إذ إنه منحها صوتاً: “كتب ما كانت لتنطق يوماً لو أنها ظلت في مكانها”. فكان يعشق جمعها كتاباً بعد الآخر، ويقول: “كان عليَّ أن أجمعها قطعة قطعة، وأشكِّل بنفسي هيكلها الهلامي”. ويضيف في مكان آخر: “تلك المكتبات، مكتبات الآخرين، التي أقتات عليها كطائر قَمّام، هي المادةُ الخامّ لهذا الكتاب، نسيجها الخيالُ والتّأويل وكثير من الأكاذيب، والقليل فقط من الحقائق”.
يأخذنا هذا الكتاب في رحلة مع ما يقارب الأربعين مكتبة لأسماء لمعت في دنيا الفلسفة والآداب، فيقرأ وظيفتها والأدوار التي أدَّتها، و”حياة” الكتاب في كل منها، إن جاز التعبير. فحول مكتبة الفيلسوف شوبنهاور، يستعير المؤلِّف قوله: “أثناء مسار القراءة يلتصق بنا بعض الموتى من حيث لا ندري”. ويضيف قوله: “عملياً، يستطيع القيّم على المكتبة أن يحسب الوتيرة التي يغادر فيها الكتاب قبره. إذ هناك من الكتب ما لا يستعيره قارئ إلا مرَّة كل سنوات، ومنها بالمقابل ما لا يكاد يعيده قارئ حتّى يستعيره قارئ آخر – موتى لا يستريحون أبدأ – وهناك أيضاً كتب لم تُستعر يوماً، موتى مذ دفنوا لم يزرهم أحد!”.
وحول مكتبة أومبرتو إيكو يقول :”في كل مكتبةٍ كتاب ملعون بدرجة أو بأخرى، كتاب لا يرغب صاحب المكتبة في أن نتصفحه”. ويضيف أن بعض الكتب “ينشب أظافره في الذاكرة، فلا يعود اللسان يرطن بسواه. ثَمَّة أناس لم يقرأوا طيلة حياتهم إلا كتاباً واحداً”. وفيما يتعلق بمكتبة دريدا، يستعرض المؤلِّف الأهمية التي أولاها هذا الفيلسوف الفرنسي لأدوات الكتابة – الأقلام والآلات الكاتبة – راسماً تاريخاً شخصياً لعلاقته بهذا الفعل المعقَّد: فعل الكتابة.
أما مكتبة بورخيس، فيتناولها آيت حنا من خلال مناقشة أعماله الروائية والقصصية، متحدثاً عن شخصيات القرّاء في قصصه، وليس قرّاء قصصه، فهم الذين “يحوزون أهمية تفوق بكثير أهمية الكتّاب”.
ويستعرض هذا الكتاب المنابع التي غذت عقول مجموعة من عباقرة الفكر والفلسفة والأدب، ويقدِّم لكل واحدة من مكتباتهم واختلاف تأثيراتها على كل منهم، سواء أكان أفلاطون، الذي قال عنه: “إن أفلاطون لم يمتلك مكتبة، أو إن امتلكها فقد كانت مكتبة مخجلة”.
الذهب: التنافس على أكثر معادن العالم إغراءً
تأليف: ماثيو هارت
ترجمة: محمد مجد الدين باكير
الناشر: سلسلة عالم المعرفة، 2018
على الرغم من أن المؤلف يُقرُّ في كتابه بأن سطوع الذهب وسهولة تشكيله ومقاومته للتآكل جزء من عوامل جاذبيته، إلا أنه يستغرب المكانة التي يحتلها هذا المعدن في العالم ويصفها بالمضحكة لأنه: “إلى جانب المجوهرات وبعض الاستخدامات الصناعية، لا توجد أسباب أخرى لامتلاكه”.
فهذه المكانة هي التي جعلت الذهب والجريمة صنوان عبر التاريخ. ولإظهار ذلك، يعرض المؤلف لسلسلة من المحطات المهمة تتراوح بين الحاضر والماضي، أولها زيارة إلى منجم “مبونينغ” في جنوب إفريقيا، “أعمق حفرة من صنع الإنسان على الأرض”، كما وصفها، حيث يعمل العمال في الظلام والحرارة الخانقة. ويصف المؤلِّف شعوره لدى نزوله إلى هذا المنجم في الظلام الدامس، حيث تتساقط المياه مثل المطر الخفيف، بقوله إن الجو هناك كان يكفي لجعل بدنك يقشعر من الخوف. ويشير إلى أنه من ذلك المنجم كان اللصوص يسرقون حوالي مليار دولار في السنة من الذهب الخام أو ربما ضعف ذلك.
وقد تكون حملة فرانسيسكو بيزارو على شعب الإنكا في إمبراطورية البيرو القديمة، من أغرب الأحداث في التاريخ. وبيزارو هذا هو أحد المغامرين الأوروبيين الطامحين إلى المجد والشهرة والثروة. وتمكن 168 مقاتلاً تابعين لبيزارو من الإطاحة بإمبراطورية مدعومة بجيش قوامه 80 ألف جندي. وبعد تلك الهزيمة تم أسر الملك، وطالب بيزارو بفدية على شكل ذهب من أجل إطلاق سراحه. وهكذا غمرت القطع الذهبية من جميع أنحاء الإمبراطورية خزائنه. ولكن، وعلى الرغم من ذلك قام بإعدام الملك. وتظهر تلك الواقعة ارتباط الذهب بالجريمة على نطاق فريد من نوعه في التاريخ.
ومن ثم ينتقل المؤلف إلى الصين، “أكبر منتج للذهب في العالم”، وهي البلد الذي تم تعدين الذهب فيها منذ عام 1300 قبل الميلاد على الأقل. ويشرح كيف تم تأسيس جيش يبلغ قوامه حوالي 20 ألفاً من المنقبين عن الذهب يُعرف باسم “جيش الذهب”، وكان ينتشر على جميع أنحاء الأراضي الصينية، وكيف كانت حكومة الصين تمنع شركاءها الغربيين من إخراج الذهب من البلاد. كما يرسم صورة حية لجحافل عمَّال المناجم غير الشرعيين، والعصابات المتنافسة التي كانت تخوض معارك ضارية لحيازة الألغام بالمسدسات والأسلحة الآلية والمدفعية لتبسط سيطرتها على مناجم الذهب.
ومن خلال كل هذه المحطات، يستمر المؤلف في تكرار مفهوم الذهب كمسبب للفتن، ويستمر بطرح تعجبه من قيمته المرتفعة في العالم، على الرغم من أنه يقول إن كثيراً من أثرياء العالم اليوم قد تحوَّلوا من اقتناء الذهب إلى اقتناء الأعمال الفنية من أجل تثبيت أصولهم. لكن هذه الرسالة لم تصل بعد إلى مالي أو السنغال، إذ في هذه البلدان لا يزال عمَّال المناجم يردِّدون كلمات المنقب الأمريكي الذي قال لهارت ذات مرَّة: “إذا تمكنت من العثور على الذهب، فسيكون كل شيء على ما يرام”.
المياه وظلالها
تأليف: أمين صالح
الناشر: مسعى للنشر والتوزيع، 2019
يستخدم الروائي أمين صالح لغة شعرية وبصرية في “المياه وظلالها”، ويسبغها على خمسة شبَّان يعشقون البحر والمدينة: “في هذا الوقت اعتاد الشبَّان الخمسة الوسيمون، ارتياد المرفأ بمرافقه وملحقاته، واستنشاق رائحة البحر والصخور والسراطين الزاحفة ذهاباً وإياباً دونما اكتراث بالمعارك الطفيفة الدائرة على مراقبة منها”.
تقوم هذه الرواية على بناء سردي يحاكي مدينة تطارد المحبين بواسطة مليشيات تقتل بعشوائية: “أفراد من الميليشيا هنا وهناك، يراقبون في تجهُّم. أصابعهم على الزناد. يتفحَصون الوجوه في ريبة. يرصدون المارة بنظرات مهدّدة. إيماءاتهم فيها كثير من الوعيد”.
يونس هو الشخصية المحورية في الرواية: “يستدير يونس، الأكثر وسامة، والأكثر حزناً، والذي لم يتجاوز الخامسة والعشرين، فيستدير الآخرون. يتمشون على مهل، فيما يتحدث يونس بنبرة منخفضة، مفعمة بالأسى: حلُمت البارحة أنني متُّ، غير أني كنت واعياً لكل ما يحدث حولي”، وهو يتبع أحلامه ومناماته التي يتذكرها: “يونس يلج الحُلم، تاركاً الباب مفتوحاً خلفه. أصداء جلبة من بعيد. خطواته على العشب تمتحن مواطئ الغواية، ولها وقع الأنداء على مساء طريّ. شيئاً فشيئاً تبدأ كائنات الحُلم في الظهور”، “ثَمَّة طفلة تطفر من عين الحُلم مع دمعة في شكل زورق”.
تُشعرك الرواية وأنت تجوب صفحاتها بأنك تشاهد أحد الأفلام المليئة بالأساطير والرؤى القديمة، حيث البيوت الموحشة وضجيج الأسواق، وحالة الفضول التي تجمع شخصيات تلك المدينة أمام الحكايات، “قيل في المرأة أيضاً أن بها مسّاً من الجنون”، “تبسط المساء كالحصير عند عتبات بيتها وتخرج”.
“مدينة منذورة للنسيان وللتوحشّ. لا جبل يعصمها ولا برج… سوف تعود إلى ما كانت عليه في الأصل: أرض مقفرة موحشة معتمة”، بهذا الوصف يدخل أمين صالح الجزء الثاني من الرواية، الذي يضم تسعة أبواب تخلو من الحوارات، وتعتمد السرد فقط، “يمضون إلى حيث تأخذهم الريح مع دعاباتها، تاركين وراءهم مدينة تستريح على فراء الجريمة، والمحن تقرضها جذراً جذراً”.
ويختم صالح روايته بصورة سينمائية تشعرك بحركة السفينة في البحر وتلاطم الأمواج: “أمواج على هيئة خيول جامحة تسوق الطرائد نحو مكائد الطريق”، ويقول في النهاية التي قد تكون بداية: “أنا الذي كنت أروي كل هذا، وأسرد ما تسرده الغرانق على سلالتها، عن المدينة الشائخة وأبنائها، عن المياه وظلالها، أقتفي… أثر الأشباح الذين تناثروا في أرجاء البقاع”.
ناطحات السحاب: تاريخ أروع مباني العالم
تأليف: جوديت دوبريه
ترجمة: أحمد محمود
الناشر: مشروع “كلمة” للترجمة، 2019
تشير المؤلِّفة جوديت دوبريه في هذا الكتاب إلى أن ناطحات السحاب تقوم بأدوار كثيرة. فهى أيقونات المدن، ونجوم مشاهد السينما، ورموز قوة الشركات، وأماكن يتوجه إليها كثيرون كل صباح للعمل. وهذه المشاهد تعبِّر عن آمال الأمة وأحلامها الضخمة. وعلاوة على ذلك، فهي حلول للتمدن في أنحاء كثيرة من العالم، حيث يتوافد الناس على المدن من أجل الفرص الاقتصادية. ومن هنا جرى تصدير ناطحات السحاب إلى أنحاء العالم المختلفة بعد أن كانت شكلاً فنياً تنفرد به أمريكا. وبينما كانت نيويورك وشيكاغو معملين كبيرين لتصميم ناطحات السحاب في القرن الماضي، فإن المدن الناشئة اليوم في الشرق الأقصى والشرق الأوسط هي الصفحات البيضاء الجديدة. ذلك أنها شهدت اكتمال العشرات من المباني هائلة الارتفاع.
وتلفت الكاتبة إلى أن هذا الكتاب ليس دليلاً شاملاً، وإنما استعراضاً انتقائياً لناطحات السحاب البارزة التي دفعت فن البناء شديد الارتفاع إلى أعلى. وهو مرتب زمنياً لتبيان التطور الأسلوبي لناطحات السحاب منذ البدايات من الناحية الإنشائية في ثمانينيات القرن التاسع عشر في شيكاغو، إلى إبداعات مانهاتن المسرفة التي ترمز إلى عصرها الذهبي بين الحربين العالميتين. وبعد ذلك من خلال ظهور الطراز الدولي، وإعادة تدوير ما بعد الحداثة النشط، وإلى تهجين الأساليب الحداثية وما بعد الحديثة والمحلية. كما يعرض الكتاب عديداً من ناطحات السحاب التي تتحلّى بالمسؤولية البيئية، من الناحيتين العملية أو الخيالية، والتي تبشر بالأبراج الخضراء التي لم تأتِ بعد.
كما يتوقف الكتاب عند المباني التي ظلَّت تتنافس على لقب “أجمل ناطحات السحاب في العالم”، وفي القائمة هناك: “برجيّ بتروناس”؛ ناطحتا السحاب التوأمان في كوالالمبور، اللتان أصبحتا رمزين لماليزيا منذ افتتاحهما عام 1999. كما تضم القائمة المبنى الرئيس لجامعة موسكو الحكومية الذي ظل الأعلى في أوروبا لنحو أربعين عاماً، حتى انتزع منه هذا اللقب برج “ميسي تروم” (المعرض) في مدينة فرانكفورت الألمانية. وعلى الرغم من ذلك، لا يزال هذا المبنى – كما يُعتقد – الأعلى بين مختلف المباني المخصصة للأغراض التعليمية في العالم بأسره. وظل برج “تايبيه 101″، الذي صممته شركة “سي واي لي” وشركاؤها، ويطل من علٍ على مدينة تايبيه التايوانية، المبنى الأكثر ارتفاعاً في العالم، حتى استكمال تشييد برج خليفة في دبي عام 2010. ويذكر الكتاب أن برج خليفة هو أعلى بناء على الأرض وهو من الارتفاع بحيث يلقي بظله على السحب تحته. وقد خلق ارتفاعه الأسطوري إحساساً بالعجب تجاه البناء وموقعه البارز على مقربة من الشاطئ.
كتب من العالم
الصداع النصفي: تاريخ
Migraine: A Historyby Katherine Foxhall
تأليف: كاثرين فوكسهول
الناشر: Johns Hopkins University Press، يونيو 2019
منذ زمن طويل، تحدَّث الناس عن اضطراب صحِّي قوي يُسمى الصداع النصفي. واليوم، أصبح هذا النوع من الصداع مصدر معاناة لحوالي مليار شخص حول العالم. ولكن حتى الآن، لم يُسجّل التاريخ الفعلي لهذه الحالة الطبية بطريقة ملائمة.
في هذا الكتاب، تكشف المؤرِّخة كاثرين فوكسهول عن الأفكار والأساليب التي استخدمها الأشخاص العاديون والمهنيون الذين يعملون في المجال الطبي لوصف الصداع النصفي وتفسيره وعلاجه منذ العصور الوسطى. وهي تنظر في النظريات الكلاسيكية التي تربط الصداع النصفي باضطرابات المناعة الخلطية، وسبل المعالجة المعتمدة على إراقة بعض دماء المريض التي كانت متَّبعة في العصور الوسطى، بالإضافة إلى العلاجات العُشبيَّة القديمة، وتأثير التقدُّم في علم الأعصاب، وصولاً إلى الممارسات المتطوِّرة للتجارب العلاجية. ومن خلال كل ذلك، تحاول فوكسهول التأكيد على أن معرفتنا الحالية بالصداع النصفي تستند إلى تاريخ اجتماعي وثقافي وطبّي، يمتد على مدى قرون. وتوضِّح أن هذا التاريخ لا يزال يصوغ بعمق معرفتنا بهذا المرض المعقَّد، ومواقفنا تجاه المصابين به والتدابير الصارمة التي نتخذها في بعض الأحيان لمعالجة الألم.
باختصار، يقدِّم الكتاب نظرة معمَّقة إلى كيفية تغيُّر المواقف الثقافية والممارسات العلاجية بشكل جذري استجابة للتطوُّرات الطبية والصيدلانية. وتعتمد فيه فوكسهول على مجموعة كبيرة من المصادر التي لم يتم استكشافها من قبل.
الليالي الصعبة
(Raunächte (Insel-Bücherei
by Urs Faes
تأليف: اورس فاس
الناشر: 2018 ,Insel Verlag
بعد غياب طويل، يعود بطل الرواية مانفرد إلى قريته وقد قرَّر أن يتحرَّر من ذكريات الماضي التي كانت تطارده طوال فترة غيابه. كانت قريته التي تقع في الغابة السوداء محاطة بتلال متسلسلة يغطيها الثلج في أيام الشتاء. وبين تلك التلال، كانت هناك عدة مزارع تعود إحداها إلى شقيقه سباستيان الذي لم يره ولم يتواصل معه لسنوات عديدة. ولكنه قرَّر أن يرى أخاه الأصغر بعدما أخذ هذا الأخير المزرعة التي ورثاها عن والديهما، وبعد أن تزوج من حبيبته الوحيدة مينا. عاد مانفرد المجروح إلى قريته التي كانت جزءاً لا يتجزأ من طفولته، واستأجر غرفة في الفندق الوحيد في المنطقة.
وفي كل ليلة من تلك “الليالي الصعبة” قبل رؤية شقيقه، كان يمشي على الثلج في تلك التلال ويتذكر طفولته والعلاقة مع شقيقه الوحيد، وأول مشاجرة بينهما، ووالدتهما ورنين صوتها في أرجاء المنزل. كان يتذكر مينا، حبه الحقيقي الوحيد الذي فقده. وهناك على تلك التلال كان مانفرد يتساءل: هل يبقى المرء شقيقاً دائماً تماماً كالابن والابنة والأخت والأم والأب؟ هل يمكن التحرر من الانتماء العائلي؟ وما هو الانتماء الحقيقي؟ وإلى أين سننتمي في المستقبل؟ وهل هناك عودة؟ وهل يمكن قتل الكراهية؟ كلها أسئلة كانت تتساقط فوق رأس مانفرد تماماً كالثلج الذي يتساقط على تلك التلال الجميلة، لتزيد أفكاره حيرة وتخبطاً.
الطيور التي غنّوها: الطيور والناس في الحياة والفن
The Birds They Sang: Birds and People in Life and Art by Stanislaw Lubienski
تأليف: ستانيسلو لوبينسكي
الناشر: 2019 ,The Westbourne Press
ألهمت الطيور البشر منذ فجر التاريخ. فكانت هي النوتات الموسيقية وراء عبقرية موزارت، والألوان وراء لوحات الفنان الأمريكي الشهير أودوبون والملهمة لرقصة الباليه على موسيقى “بحيرة البجع” .
في كتابه “الطيور التي غنّوها”، يسلِّط الكاتب البولندي ستانيسلو لوبينسكي الضوء على أهم التفاعلات بين الإنسان والطيور في التاريخ، من مراقبي الطيور التاريخيين في معسكر الأسرى الألماني، إلى بطل الرواية الشهيرة(A Kestrel for a Knave) الإنجليزي بيلي كاسبر، الفتى الصغير الذي كان يعمل في منطقة تعدين يشار إليها بـ “المدينة”، والذي كان يعاني من اضطرابات في المنزل وفي المدرسة أيضاً إلى أن وجد العزاء في مصادقة صقر سماه “كيس”، وإلى طيور ألفرد هيتشكوك في فِلْم “الطيور”، وإلى القصة الحقيقية وراء أفلام “جيمس بوند” التي تقول إن مؤلِّف سلسلة روايات جيمس بوند الروائي البريطاني أيان فليمينغ كان في منزله عندما قرأ نسخة من كتاب “طيور جزر الهند الغربية” لمؤلِّفه جيمس بوند فقرَّر استخدام الاسم نفسه لبطل رواياته الشهير. ومن ثم ينتقل لوبينسكي إلى واقع الطيور غير المشجع في عصرنا الحالي، ويشهد للصعوبات التي تواجهها الطيور اليوم، لأن الناس لم تعد تهتم بها وتأويها في وقتنا الحاضر.
وإجمالاً يُعد هذا الكتاب استكشافاً لحضور الطيور في الآداب والفنون، حيث تناول عالماً من الأصوات والألوان والمعاني، العالم المتكامل لا يشعر فيه البشر بالوحدة.
تاريخ القراءة
A History of Reading
by Steven Roger Fischer
تأليف: ستيفن روجر فيشر
الناشر: 2019 ,Reaktion Books
يتتبع هذا الكتاب القصة الكاملة للقراءة، من الوقت الذي تحوَّل فيه الرمز إلى إشارة حتى النصوص الإلكترونية في يومنا هذا. ويصف فيشر أشكال القراءة القديمة، ويتحوَّل إلى آسيا والأمريكيتين ليناقش أشكال وتطورات أنظمة الكتابة والمخطوطات المختلفة.
ففي العصور الوسطى في أوروبا والشرق الأوسط، ظهرت أشكال مبتكرة للقراءة مثل: القراءة الصامتة، ونشأت مهنة القارئ، وازداد التركيز على القراءة في التعليم العام. بينما أدت الطباعة إلى تغيير موقف المجتمع بأكمله من القراءة. ويعرض فيشر لازدهار تجارة الكتب في تلك العصور وزيادة جمهورها وتنوّع الموضوعات التي تناولتها، ويصف ظهور الجرائد والصحف والقراءات العامة، ويتتبع تأثير تصميمات الخط الجديدة على الوضوح في النصوص المقروءة.
ويناقش هذا الكتاب أيضاً أهداف محو الأمية العامة في الإصلاحات التعليمية الشاملة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ويلاحظ ظهور المكتبات المجانية والاختلافات بين الجنسين في مواد القراءة والإعلانات العامة. وأخيراً، يقيم المستقبل الذي من المرجح أن يتخطى فيه التواصل بواسطة القراءة التواصل الشفهي من خلال استخدام الكمبيوتر الشخصي والإنترنت، وينظر إلى “اللغة المرئية” والنظريات الحديثة حول كيفية معالجة القراءة في الدماغ البشري، ليسأل في النهاية كيف يمكن للقارئ الجديد إعادة تشكيل مستقبل القراءة؟
الطريقة التي نأكل بها الآن
The Way We Eat Now by Bee Wilson تأليف: بي ولسون
الناشر: 2019 ,Fourth Estate
يُعدّ الطعام واحداً من متع الحياة المهمة، ولكنه اليوم تحوَّل إلى مصدر قلق وإرباك بالنسبة لعديد من البشر. وترى المؤلفة بي ولسون، المؤرخة المتخصصة في تاريخ الطعام، أنه خلال عقدين من الزمن شهد العالم تحولاً كبيراً في ما يختص بالطعام، وانتقل من حصرية الوجبات الغذائية التقليدية المحدودة إلى طرق أكثر عولمة له، من شاي الفقاعات إلى الكينوا، ومن مشروبات إزالة السموم إلى مجموعات الوجبات الغذائية المجهزة. وفي عصرنا الحالي، تلاشت الساعة المخصصة للغذاء وأصبح الوقت المخصص لطهي الطعام وإعداده ضيقاً، وبرزت زيادة سريعة في خدمات توصيل الطعام.
ومن المفارقات أن نظامنا الغذائي أصبح صحياً أكثر من جهة، ومضراً من جهة أخرى. فبالنسبة للبعض، لم يكن هناك عصر غذائي أسعد من يومنا هذا، حيث وفرة الأعشاب والبهارات المتنوِّعة وانتشار أسواق المزارعين وتنوُّع وصفات الطعام على الإنترنت. ومع ذلك، فإن الطعام الحديث يقتل أيضاً. فمرض السكري وأمراض القلب وكل الأمراض المتعلقة بسوء التغذية هي في ارتفاع في كل مكان على وجه الأرض.
يستكشف هذا الكتاب القوى الخفية وراء ما نأكله، وكيف أدت ثورة الطعام هذه إلى تغيير أجسامنا وحياتنا الاجتماعية والعالم الذي نعيش فيه. وفيه تؤكد ولسون أنه من أجل استعادة الطعام كشيء يمنحنا الفرح والصحة على حد سواء، فإننا نحتاج إلى معرفة أين نحن الآن، وكيف وصلنا إلى هنا، وما الذي نتشاركه فعلاً من الناحية الغذائية.
مقارنة بين كتابين
حول الصمت والتخفي في عصر الضجيج والانكشاف الدائم
(1) كيف تختفي: ملاحظات حول التخفي في عصر الشفافية
تأليف: أكيكو بوش
الناشر: 2019 ,Penguin Press
How to Disappear
Notes on Invisibility in an Age of Transparency
By Akiko Busch
(2) الصمت: التاريخ الاجتماعي لأحد العناصر الأقل فهماً في حياتنا
تأليف: جين بروكس الناشر: 2019 ,Houghton Mifflin Harcourt Silence
A Social History of One of the Least Understood Elements of Our Lives By Jane Brox
نحمّل صورنا الشخصية على فيسبوك وانستغرام، وننقل تفاصيل حياتنا عبرها، ونتواصل بشكل دائم ونسمح لشتى شركات التكنولوجيا الاطلاع على بياناتنا الشخصية، كما أننا نعيش وسط صخب دائم، ونتكلم بصوت عالٍ، ونستريح في المقاهي المكتظة، ونجول في ساحات المدن العامة. وأعظم هدايانا للعالم هو هاتف محمول يرافقنا طوال الوقت ويصدر التنبيهات والرنات المتواصلة.وكان لصدور كتابين حديثاً حول قيمة التخفي والصمت في زمن الانكشاف الدائم والضجيج المتواصل، أثرٌ مثل العثور على علبة مسكن جيوب بعد المعاناة من صداع مزمن.
فبالنسبة للمؤلفة أكيكو بوش صاحبة كتاب “كيف تختفي” فإن التخفي ليس سلبياً ولا هو نقيض الظهور. بل إن احتجاب شخص عن الظهور يتضمَّن تجارب لها “معناها وقوتها” الكامنة الخاصة. إذ يمكن للتخفي أن يكون قوة، خاصة في عصر يسوده الاعتقاد أن القوة تعني الصراخ أكثر من أي شخص آخر على تويتر، أو النشر على الملأ عبر إنستغرام كيف نعيش حياتنا بأفضل طريقة. وفي ذلك تشير بوش إلى الثعلب القطبي الذي يعيش في القطب الشمالي والمعروف بفروه الأبيض الكثيف الذي يساعده على التمويه والتماهي مع الثلج، والقبقب والحرباء وكل الحيوانات الأخرى التي تلجأ إلى التمويه من أجل البقاء. وتقول إنه بالنسبة لتلك الحيوانات “لا يكون التخفي موازياً لكونها غير موجودة، بل هو استراتيجية لجذب شريك الحياة ولحماية مساكنها وللصيد والدفاع عن النفس. فالتمويه في العالم الطبيعي ليس مجرد ميزة غريبة وساحرة، بل هو قدرة دقيقة ومبدعة وعملية ومتميزة”.
وبينما تتحدث بوش عن التخفي كوسيلة للاحتماء من الانكشاف المتواصل، تتحدث جين بروكس في كتابها “الصمت” عن قدرة الصمت على تشكيل العقل البشري، إن كان في السجون أو دور العبادة أو في الحياة الخاصة. وتسلِّط الضوء على السبل العديدة التي يؤثر فيها على مختلف الأفكار حول الذات والروح والمجتمع، حيث يكون بالنسبة للبعض هدفاً يُسعى إليه هروباً من ضجيج العالم ومجالاً للتأمل، وبالنسبة لآخرين بمثابة عقاب للنفس.
تعود بروكس إلى تاريخ “سجن الولاية الشرقية” الذي شُيِّد في 1829 في ولاية فيلادلفيا الأمريكية، وحيث كان الصمت الكامل الوسيلة الوحيدة للعقاب. ومن ثم تنتقل إلى تجربة المفكِّر الأمريكي توماس ميرتون عندما قرَّر العزلة في أحد الأديرة في موقع جغرافي جميل وسط طبيعة خلابة ليحيا حياة من التأمل الهادئ. لكنه أدرك أن ذلك الصمت الذي لجأ إليه شكَّل معضلة بالنسبة له، لأنه كان يعرف أن ليس من الصواب تجاهل حصته في مشكلات العالم. ومن هذه المعضلة تستنتج بروكس، أن الصمت أكثر تعقيداً من أي شيء آخر.
تؤكد بوش وبروكس في هذين الكتابين أن الصمت والتخفي يشكِّلان جزءاً أساسياً من حياتنا اليومية، إذ نجدهما في المكان الذي يتجوَّل فيه عقلنا عندما نتنزه في الطبيعة، وفي متعة الإحساس بالذوبان بين الجموع في شوارع المدن المكتظة. وغالباً ما نَعُدُّ هذه المحطات، أو هذه اللحظات من الزفير، أمراً مفروغاً منه، لكن علينا أن نتمسك بها، لأنها درعنا الواقي أمام تزايد الضجيج والانكشاف المتزايد في العالم حولنا.
اترك تعليقاً