مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
سبتمبر – أكتوبر | 2019

قبل أربعة عقود من الزمن..
أحوال الحياة الثقافية


في عددها لشهر ربيع الأول 1402هـ (يناير – فبراير 1982م) نشرت قافلة الزيت مقالة بقلم الأستاذ عبدالرحمن شلش، بعنوان “نظرة على الواقع الثقافي في المملكة العربية السعودية”، نعيد هنا نشر ما يتسع له المجال منها، لعل في ذلك ما يعطي فكرة عما تم تحقيقه والمسافة التي اجتازتها الحياة الثقافية في المملكة منذ آنذاك وحتى اليوم.

أصبح مفهوم الثقافة في عصرنا الراهن شاملاً لكل المعارف من أدب وفن وعلم، حيث اهتمت الثقافة بالنشاط الفكري للإنسان متكاملاً. وإذا كانت عملية تشييد المصانع وإقامة الجسور من السهولة بمكان، فإن بناء الإنسان سيظل عملاً صعباً. ومن هنا تتعاظم أهمية الثقافة في بناء الإنسان، الثروة التي لا تدانيها أي ثروة أخرى عند الأمم. وإذا كانت الغاية من إعداد الإنسان في كل مكان وزمان أن يكون عضواً نافعاً في مجتمعه فإن الثقافة بهذا المفهوم لم تعد ترفاً، بل صارت مطلباً ضرورياً من ضروريات الحياة، وهو مطلب مثله مثل الغذاء والماء والهواء.
وإذا كانت المملكة العربية السعودية تعيش تطوراً حقيقياً في كافة مجالات الحياة، فإن هذا التطور يأتي مواكباً لمتطلبات العصر، وله مؤثراته ودلائله. إذ تشهد المملكة نهضة سياسية واقتصادية واجتماعية، كما تشهد في الوقت نفسه نهوضاً ثقافياً وليد الظروف المحيطة به، التي تؤثر فيه، وتتأثر به في آن واحد.
وحينما ننظر إلى الثقافة من خلال متابعة الواقع الثقافي المحلي والتأمل فيه، نستطيع أن نتعرف على صورة هذا الواقع عن طريق أبرز الملامح التي تتحدد في الأوحه التالية:

الإذاعة المسموعة والإذاعة المرئية
ليس الهدف الأساسي للإذاعة المسموعة والإذاعة المرئية هو الإعلام الإخباري فحسب، بل إنهما تستهدفان إلى جانب ذلك تحقيق الثقافة ونشرها بين الجمهور العريض بنوعياته المختلفة.
وتتنافس الإذاعة المسموعة والإذاعة المرئية في المملكة على تقديم البرامج الثقافية الجادة مثل: “كتاب الأسبوع” و”الكلمة تدق ساعة” و”مجلة التلفزيون”.
ولا تشغل هذه البرامج الثقافية على أهميتها مساحة زمنية كافية، إذ نجد نسبة ساعات البرامج الثقافية قليلة بالقياس إلى مجمل ساعات الإرسال.
ونرى توسيع رقعة البرامج الثقافية سواء في المجال المسموع أو المجال المرئي، كي تؤدي خدمة ثقافية أكبر للمتلقين.

الأدب والنقد
يمثل الأدب المعاصر وجهاً مشرقاً من أوجه الواقع الثقافي في المملكة. ويتصدر الشعر الفنون الأدبية عند رواده أمثال: محمد حسن عواد، ومحمد فقي، وأحمد قنديل، وحسن القرشي، وطاهر زمخشري، وغيرهم، ولا غرو، فهو فن العربية الأول. أما جيل الشباب فهم أكثر ميلاً إلى التجديد، ومنهم: أحمد صالح “مسافر”، وسعد الحميدين، وعلي الدميني.
ويأتي فن الرواية بعد الشعر، ومن رواده: أحمد السباعي، وحامد دمنهوري، وإبراهيم الناصر. وللشباب محاولات في هذا الفن.
ثم تجيء القصة القصيرة متطورة على أيدي بعض الشباب الذين يميلون إلى التجديد، ومن كتابها المجيدين: محمد علوان، وعبدالعزيز مشري، وجار الله الحميد، وعلوي الصافي، وفوزية البكر، وسواهم.
أما النقد أو الوجه المعادل للأدب، ففيه دراسات لرواده ومن بينهم: عبدالله عبد الجبار، وعبدالله بن إدريس. وتميل كتابات الأجيال التالية للرواد إلى التحليل والتعمق ومنهم: الدكتور منصور الحازمي، ويوسف الكويليت، وعبدالكريم العودة.

الكتب
تقوم الكتب بدور التعريف بملامح الثقافة المحلية. فنجد حركة نشطة في مجال نشر الكتب الأدبية والفنية والعلمية، ومعظمها يطبع في مطابع ودور نشر موجودة في المملكة بعد أن كانت من قبل تطبع في أقطار عربية، وإن كانت تكلفة الطباعة مرتفعة مما يجعل أسعارها بالتالي مرتفعة.
وتوجه عناية خاصة لنشر كتب التراث بعد تحقيقها، ولإقامة معارض محلية، وأخرى دولية للكتاب. ويا حبذا لو خرج الكتاب المحلي إلى الدول العربية كي يكون في متناول القارئ العربي في كل مكان. أما الترجمة من اللغات الأخرى إلى العربية، فليس هناك نشاط بارز في هذا المجال في الوقت الحاضر.

الصحافة
تشكل الصحف اليومية والمجلات التي تصدر أسبوعياً أو شهرياً والدوريات، علامة بارزة على طريق المسيرة الثقافية، فتحدد لنا ملمحاً آخر. ولعل أكثر المجلات التي تصدر تكون شاملة، كالمنهل، وقافلة الزيت، والعرب، والفيصل، والمجلة العربية، واليمامة، واقرأ، وغيرها. وهناك دوريات متخصصة مثل مجلات: الدارة، عالم الكتب، البناء، وسواها. بالإضافة إلى الملاحق الثقافية والأدبية والفنية التي تصدر بشكل أسبوعي في الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية.
ويطل من هذه النوافذ الثقافية المثقفون من أبناء المملكة بقصائدهم وقصصهم ومقالاتهم ودراساتهم ولوحاتهم وبحوثهم، ويشاركهم المثقفون من أبناء الأقطار العربية بنشر نتاجهم في هذه الدوريات التي تفتح صدرها مرحّبة بهم.
وتتميز غالبية الأعمال التي تنشـر فيها بالنضج والجودة، وإن كانت هناك أعمال دون مستوى النشر، ويؤخذ عليها كثرة أخطاء اللغة خصوصاً عند المبتدئين من الكتّاب.

المسرح
لئن كانت المملكة حديثة العهد بالمسرح، إلا أن هناك محاولات مسرحية واعدة قدّمها الشباب من هواة هذا الفن ودارسيه.
ومثلما اهتم المسرح في كل دول العالم في بدايته بتناول القضايا النابعة من البيئة المحلية، اهتم ما يمكن أن نسميه بالمسرح السعودي بالقضايا المحلية سواء في الأعمال المسرحية المؤلفة أو المعدّة عن أعمال أجنبية، فتمت سعودتها لتناسب البيئة كما حدث مثلاً في مسرحية “طبيب رغم أنفه” لموليير التي سعودت باسم “طبيب بالمشعاب”.
ومن الأعمال المسرحية التي قدمت وتمثل بدايات المسرح في المملكة مسرحيات: “قطار الحظ” و”آخِر المشوار” و”بيت من ليف” و”باقي الغسيل” و”سقوط الحساب” وغيرها من عروض قدمتها الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، والمسرح الجامعي، والمسرح المدرسي.
ولعل الحاجة ماسة لإنشاء معهد عال للمسرح يتخصـص فيه الجيـل الجديـد في سائــر مجـالات هذا الفن.

الفنون التشكيلية
تمثل الفنون التشكيلية ملمحاً بارزاً من ملامح المسيرة الثقافية في المملكة، إذ تأخذ هذه الفنون موقعها على خريطة الثقافة، ويعبر الفنانون التشكيليون عن رؤاهم للبيئة من خلال أعمال جيـدة في معظمهـا شكلاً ومضموناً.
ونلمس مشاركة من الفنانين بأعمالهم في المعارض المحلية والقومية سواء كانت فردية أو جماعية، كما نلمس الاهتمام بإيفادهم في بعثات إلى الخارج لدراسة الفنون التشكيلية والتخصص فيها.
ويبدو واضحاً عند بعض الفنانين استلهامهم للتراث العربي والإسلامي في أعمالهم التي تؤكد الارتباط بالتراث العريق، إلى جانب ارتباط الغالبية بتصوير الطبيعة، وإن كانت النهضة المعاصرة جديرة كذلك بالتصوير والتعبير عنها.

ملامح أخرى
تجدر الإشارة إلى ملامح أخرى في المسيرة الثقافية، ونجملها في النقاط التالية:
• الإعلان عن جوائز الدولة التقديرية في العلوم والآداب ومنحها للبارزين. بالإضافة إلى جائزة الملك فيصل العالمية التي تمنح منذ فترة للأعلام من الرواد المعاصرين الذين يعملون في خدمة الإسلام والدراسات الإسلامية والأدب العربي.
• إنشاء كثير من المكتبات العامة بوصفها مَواطن للمعرفة، وذلك تشجيعاً للاطلاع والبحث، وتضم عديداً من الكتب الأدبية والفنية والعلمية، عدا الدوريات، ولم يزل عدد هذه المكتبات غير كافٍ بالنسبـة إلى عدد السكـان، ويستوجب هذا مزيـداً من الاهتمام.
• الاهتمام بالفنون الشعبيّة من أغنيات ورقصات وتجميع للتراث الشعبي حتى لا يندثر. والتساؤل الذي يطرح هو: ماذا تعني هذه الملامح الثقافية؟ إنها – في نظرنا – دلائل على ما يمكننـا إيجـازه في ما يلي:
• نشاط الحركة الأدبية من جهة، مع حركة نقدية تحاول أن تثبت وجودها. إلى جانب بدايات الحركة الفنية من جهة أخرى، مع إرهاصات في مجال النقد الفني.
• إطلالة على التيارات العالمية السائدة في الإبداع سواء في الأدب، أو الفن، وإسهام الأجيال الجديدة بدور مباشر.
• خروج ألوان من النشاطات الأدبية والفنية من الدائرة المحلية إلى الدائرتين الكبيرتين: الدائرة العربية، والدائرة الدولية، وذلك عبر المهرجانات والمؤتمرات والتبادل الثقافي.
• نمو وعي ثقافي لدى المثقفين الذين يُقبلون على وسائل الثقافة ممثلة في: الكتاب، والمجلة، والصحيفة، والمسرح، والمعرض، والإذاعة المسموعة، والإذاعة المرئية، وغيرها من وسائل نشر الثقافة وتحقيقها.
• تباشير ازدهار ثقافي لا يقتصر على الأدب وحده، أو الفن وجده، أو العلم وحده، بل يضمهم جميعاً.

ملاحظتان أخيرتان
تلك وجهة نظر استهدفت رصد الواقع الثقافي المحلي: ملامحه ودلائله، من خلال رؤية أساسها الموضوعية.
وتبقى لنا ملاحظتان أخيرتان على هذا الواقع الثقافي، فأولاهما: توزع المسؤولية الثقافية بين أكثر من جهة، مما يدعو إلى ضرورة التنسيق المستمر في ما بينها: تخطيطاً وتنفيذاً ومتابعة. وثانيهما: تأرجح بعض الخدمات الثقافية تأرجحاً غير متوازن بين الكم والكيف، فيغلب الأول على الثاني كما في مجال نشر كتب الأندية الأدبية.
ويحدونا أمل كبير في أن تتضاعف جهود الأجيال، رفداً لينابيع الثقافة العربية، وإثراء لها: أخذاً وعطاءً.


مقالات ذات صلة

يستطيع المتأمل في تجربة محمد الفرج بسهولة ملاحظة ملمح يتكرَّر في أعماله، وهو أن الفنان لا يتورَّع عن كشف الذهنية التي أوصلته إلى تنفيذ عمله الفني.

صاحب حركة النهوض التي عاشتها الثقافة العربية، أثناء القرن التاسع عشر وامتدادًا إلى العقود الأولى من القرن العشرين، تدفق عدد من المفاهيم أوروبية المنشأ التي قُدّر لها أن تغيّر مسار الثقافة العربية نتيجة لجهود العديد من المترجمين والباحثين والمفكرين لا سيما من تعلم منهم في أوروبا أو أجاد لغات أجنبية. وهذه المفاهيم كثيرة ومتنوعة تمتد […]

من الملاحظات المهمة التي سمعتها من عدد من الفلاسفة الذين شاركوا في مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة في ديسمبر 2021م، أن الحضور الغالب كان من غير المحترفين في الفلسفة. والمقصود بالمحترفين هنا هم أساتذة الجامعات وطلاب الدراسات العليا تحديدًا. فالمعتاد في مؤتمرات الفلسفة في العالم هو أن يحضرها أسـاتذة الجامعات الذين يقدمون أوراقًا علمية في المؤتمر […]


0 تعليقات على “قبل أربعة عقود”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *