مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
سبتمبر – أكتوبر | 2019

نبتة الجاتروفا تقود إنتاج الوقود الحيوي


إيمان عبدالله

تتوسع صناعات الوقود الحيوي واستخداماته بشكلٍ ملحوظ في أنحاء مختلفة من العالم. لكن هذا الوقود السائل المشتق من النباتات والمحاصيل أو الأشجار، أثار اعتراضاتٍ كثيرة، وأهمها يتعلق بالجدل القائم حول الوقود مقابل الغذاء، بسبب تخصيص إنتاج مزارع الذرة وفول الصويا وغيرها لإنتاج الوقود الحيوي. لأن نقص إمدادات الغذاء من هذه المحاصيل يؤدي إلى رفع أسعارها التي لا يمكن أن تتحملها الشعوب الفقيرة. ولذا، وفي إطار البحث المستمر عن مصادر بديلة، برزت شجرة الجاتروفا. فإنتاج الوقود الحيوي من هذه الشجرة لا يتعارض مع الأمن الغذائي وسلامة البيئة لأنها لا تؤكل، إضافة إلى أن لها مزايا واستخدامات مستدامة عديدة.

ظهر الاهتمام بجاتروفا كوركاس كمصدر لإنتاج وقود الديزل الحيوي، نتيجة لقدرتها على النمو في المناطق شبه القاحلة وذات المتطلبات الغذائية المتواضعة سواء في الري أوالتسميد. وتحتوي بذورها على 35 % تقريباً من الزيوت التي لها خصائص مناسبة لصنع وقود الديزل الحيوي

تمثل الطاقة الحيوية %14 من مصادر الطاقة المتجددة المستخدمة في مزيج الطاقة العالمي البالغ %18. وتشمل الطاقة الحيوية كلاً من الكتلة الحيوية التقليدية مثل الحطب وروث الحيوانات، وأيضاً الكتلة الحيوية الحديثة من أنواع الوقود الحيوي مثل إيثانول الذرة.
وهناك أربعة أجيال من الوقود الحيوي، إذ يتم تصنيع الوقود الحيوي من الجيل الأول باستخدام محاصيل غذائية مثل قصب السكر والذرة والبذور الزيتية. ويتم إنتاج الوقود الحيوي من الجيل الثاني من المنتجات غير الغذائية مثل النفايات العضوية، ونفايات محاصيل الخشب والغذاء. أما الجيل الثالث فيعتمد على تحسينات في إنتاج الكتلة الحيوية من خلال الاستفادة من محاصيل الطاقة المصممة خصيصاً لهذه الغاية مثل الطحالب. ويعتمد الجيل الرابع من الوقود الحيوي على تقنية أكثر تقدماً تهدف إلى التقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون في كل مرحلة من مراحل الإنتاج.
والحال أن هناك حاجة إلى زيادة %70 في الإنتاج الزراعي لتلبية الطلب المتوقع في المستقبل على الغذاء. لكن إنتاج الوقود الحيوي من مصادر الجيل الأول يتنافس مع إنتاج الغذاء على الأراضي والموارد الأخرى مثل المياه، ويزيد من أسعار المواد الغذائية، ومن المرجّح أن يتسبب في مجاعات واسعة في المستقبل، خاصة في الدول الفقيرة.

أُضيفت إلى قائمة مصادر الوقود الحيوي شجرة الجاتروفـا، التي بدأت تُثبت أنه من الممكن تخفيض كلفة إنتاج الوقود الحيوي منخفض الكربون، ودعم مقاصد الاستدامة والتنمية، من دون تعريض الأمن الغذائي العالمي للخطر.

ولكن، إلى قائمة مصادر الوقـود الحيـوي المذكــورة أعـلاه، أُضيفت مؤخراً شجرة الجاتروفا التي بدأت تُثبت أنه من الممكن تخفيض كلفة إنتاج الوقود الحيوي منخفض الكربون، ودعم مقاصد الاستدامة والتنمية، من دون تعريض الأمن الغذائي العالمي للخطر.

ماهية هذه الشجرة
الجاتروفا كوركاس هي فصيلة مزهرة من عائلة الجاتروفا، ويعود موطنها إلى المناطق الاستوائية الأمريكية، وعلى الأرجح المكسيك وأمريكا الوسطى، وانتشرت زراعتها في المناطق المدارية وشبه المدارية في كل أنحاء العالم.

وهي شجرة شبه دائمة الخضرة، صغيرة نسبياً، يصل ارتفاعها إلى 6 أمتار كحد أقصى. وتتصف بأنها مقاومة للجفاف بدرجة عالية، مما يسمح لها بالنمو في الصحارى.
وظهر الاهتمام بجاتروفا كوركاس كمصدر لإنتاج وقود الديزل الحيوي، نتيجة لقدرتها على النمو في المناطق شبه القاحلة وذات المتطلبات الغذائية المتواضعة سواء في الري أو التسميد. وتحتوي بذورها على %35 تقريباً من الزيوت التي لها خصائص مناسبة لصنع وقود الديزل الحيوي. وعلى عكس محاصيل الوقود الحيوي الرئيسة الأخرى كالذرة وفول الصويا وقصب السكر، فإن الجاتروفا ليس محصولاً غذائياً؛ لأن زيتها غير صالح للاستهلاك البشري، وفيه نسبة من السمية.

والجاتروفا كوركاس، شائعة في المناطق المدارية وشبه الاستوائية حيث يستخدم النبات غالباً في الطب التقليدي، ويستخدم زيت بذورها أحياناً للإضاءة التقليدية. وتُزرع هذه الشجرة من حين لآخر كسياج عملي، لاستبعاد الماشية وترسيم الممتلكات. وفي مدغشقر وأوغندا، تزرع الجاتروفا كشجرة ظلال في مزارع الفانيليا.
وطبيعة نمو الجاتروفا تسمح لها بالوصول إلى المياه من أعماق التربة واستخراج العناصر الغذائية المعدنية التي تحتاجها في النمو. وتساعد الجذور السطحية للجاتروفا، في تماسك التربة بحيث يمكن أن تقلل من تآكلها. كما تتمتع هذه الشجرة بعدد من نقاط القوة: فزيتها مناسب للغاية لإنتاج وقود الديزل الحيوي، لكن يمكن استخدامه أيضاً لتشغيل محركات الديزل المكيّفة بشكل مناسب، وللإضاءة والطهي.

استخدامات متنوّعة لزيت الجاتروفا
في بعض دول أفريقيا والهند، يُستخدم زيت الجاتروفا كوقود للطهي بدلاً من الكتلة الحيوية التقليدية والمتمثلة في الحطب وروث الحيوانات. وقد ساهم ذلك في تحقيق عدد من الفوائد الصحية مثل انخفاض استنشاق الدخان والتلوث، وفي خفض انبعاثات غازات الدفيئة وخاصة أول أكسيد الكربون وأكسيد النيتروجين. أما الجانب السلبي الوحيد في هذا المجال فهو في اللزوجة العالية لزيت الجاتروفا مقارنة بالكيروسين، مما يجعله يتطلب موقداً مصمماً خصيصاً له.

من المزايا المهمة لنبتة الجاتروفا، إمكانية زراعتها في ظروف بيئية قاسية كارتفاع درجات الحرارة وشح المياه وقلة الأسمدة، كما يمكن استخدامها لإنتاج برميل من الوقود بحوالي 43 دولاراً، أي أقل من تكلفة الإيثانول القائم على قصب السكر (45 دولاراً للبرميل) أو الإيثانول المستخرج من الذرة (83 دولاراً للبرميل) المفضل حالياً في الولايات المتحدة.

ويستخدم مصباح زيت الجاتروفا للقضاء على البعوض، خصوصاً في القرى النائية والمناطق الحارة. كما يُستخدم في صناعة الصابون عن طريق إضافة محلول من هيدروكسيد الصوديوم (الصودا الكاوية) إليه. وبالفعل، حولت هذه التقنية البسيطة في صناعة الصابون حياة الكثيرين في القرى الفقيرة، ومكَّنت من إقامة مشروعات تنموية واجتماعية في البلدان النامية. ويُعدُّ صابون الجاتروفا صابوناً طبيَّاً لعلاج أمراض الجلد.
أما أبرز مآخذ الاعتماد على الجاتروفا كمحصول تجاري لإنتاج الوقود الحيوي، فهي حاجة الشجرة لفترة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات لتصبح منتجة تجارياً. كما أن خاصية اللزوجة العالية لزيت بذور الجاتروفا يحد من استخدامه في الظروف المناخية الباردة.

الجاتروفا كبديل لإيثانول الذرة
ينظر إلى الاستثمار في زراعة نبتة الجاتروفا على نطاق واسع في الأماكن الريفية والمهمشة في الدول الناميــة كأحـد الحلـول العملية للحد من فقر الطاقة، وتمكين هذه الأماكن من الحصول على مصدر للوقــود الحيوي النظيـف. وبحسب الدراسات والأدبيات العلمية، فمن المحتمل أن يكون مستقبل الجاتروفا كوقود حيوي اقتصادي وبيئي وأخلاقي بديلاً أفضل من استخدام الذرة كوقود حيوي.

نظراً لأن نبات الجاتروفا ليس صالحاً للأكل وينمو على أراض غير صالحة لمحاصيل الأغذية، فإن توسع زراعته لا ينافس الإنتاج التقليدي للأغذية. وهناك توجه لدى شركات الطاقة العالمية إلى الاستثمار في الجاتروفا في تايلاند والفلبين وخاصة الهند.

فزيت الجاتروفا الخام لزج نسبياً، وتُعدُّ جودة اشتعاله عالية. ويمكن استخدامه مباشرة في بعض محركات الديزل، وإن لم يكن في كلها، من دون تحويله إلى وقود الديزل الحيوي.
ومن المزايا المهمة لنبتة الجاتروفا، إمكانية زراعتها في ظروف بيئية قاسية كارتفاع درجات الحرارة، وشُح المياه وقلة الأسمدة، كما يمكن استخدامها لإنتاج برميل من الوقود بحوالي 43 دولاراً، أي أقل من تكلفة الإيثانول القائم على قصب السكر (45 دولاراً للبرميل) أو الإيثانول المستخرج من الذرة (83 دولاراً للبرميل) المفضل حالياً في الولايات المتحدة.
علاوة على ذلك، ونظراً لأن نبات الجاتروفا ليس صالحاً للأكـل وينمو على أراضٍ غير صالحة لمحاصيل الأغذية، فإن توسع زراعته لا ينافس الإنتاج التقليدي للأغذية. وهناك توجه لدى شركات الطاقة العالمية إلى الاستثمار في الجاتروفا في تايلاند والفلبين وخاصة الهند.
فبعد تصاعد الجدل حول سياسات بعض الحكومات الداعمة لإنتاج وقود حيوي من محاصيل زراعية كالذرة وقصب السكر وفول الصويا، وطمع المزارعين الكبار في زراعة نباتات ذات عوائد اقتصادية مرتفعة على حساب الجوانب الأخلاقية، مثل التسبب بمجاعات حول العالم، وتدهور طبيعة الأراضي الزراعية من جهة أخرى، يؤخذ اليوم بخيار نبتة الجاتروفا لخصائصها المميزة، الخالية من عيوب الوقود الحيوي المنتج من المزروعات الغذائية.

التوجه العالمي في زراعة الجاتروفا
في عام 2007م، وصفت مجلة “العلوم الأمريكية” الجاتروفا بأنها “ذهب أخضر في شجيرة”، وقالت عن زيتها: “يبدو أنه يقدِّم كل فوائد الوقود الحيوي من دون عيوب”. ولكن ظهرت في الآونة الأخيرة أسئلة حول ما إذا كانت زراعة الجاتروفا على نطاق واسع وتجاري، ستحل مكان محاصيل غذائية لها حاجة ماسة في دول العالم النامي، علماً أنها لن تحتل حقول الذرة والصويا، ولكنها قد تحتل حقول مزروعات أخرى، خاصة إذا اشتد الطلب العالمي عليها. فبحلـول عام 2009م، كانت حكوماتـا الصيــن والبرازيل، إلى جانب عديد من شركـات الوقــود الحيوي الرئيســة، قد زرعت أو تعهدت بزراعة ملايين الأفدنــة من الجاتروفا. وفي الهند وحدها، أعلنت الحكومة عن خطط لدعم برنامج مكثف لزراعة الجاتروفا للوقود الحيوي على مساحة 27 مليون فدان من “الأراضي البور”، وهي مساحة تقارب مساحة سويسرا. واستمرت زراعة الجاتروفا في التوسع في بلدان أخرى مثل ميانمار وماليزيا وملاوي ومصر والسودان.
فلأسباب متباينة تتعلق بأمن الطاقة والاهتمام بالبيئة والتنمية الاقتصادية، جذبت هذه النبتة المستثمرين بحيث باتت أشبه بصناعة عالمية جديدة. فحالياً، يوجد أكثر من %85 من مزارع الجاتروفا في آسيا، وتحديداً في الصين والهند، وإندونيسا التي يُتوقع لها أن تُصبح ثاني أكبر منتج بعد الهند، بمساحة مزروعة تبلغ 5.2 مليون هكتار. وتحتوي إفريقيا على حوالي %12 من إجمالي عدد المزارع في العالم، معظمها في مدغشقر وزامبيا وتنزانيا وموزمبيق. وفي أمريكا اللاتينية تتركز زراعة هذه الشجرة في البرازيل حيث تبلغ مساحة حقولها 1.3 مليون هكتار.


مقالات ذات صلة

في عام 2077م، شهد معظم سكان أوروبا كرة نارية تتحرك في عرض السماء، ثم سقطت كتلة تُقدّر بألف طن من الصخور والمعادن بسرعة خمسين كيلومترًا في الثانية على الأرض في منطقة تقع شمال إيطاليا. وفي بضع لحظات من التوهج دُمرت مدن كاملة، وغرقت آخر أمجاد فينيسيا في أعماق البحار.

نظرية التعلم التعاضدي هي: منهج تتعلم عبره مجموعة من الأفراد بعضهم من البعض الآخر من خلال العمل معًا، والتفاعل لحل مشكلة، أو إكمال مهمة، أو إنشاء منتج، أو مشاركة تفكير الآخرين. تختلف هذه الطريقة عن التعلم التعاوني التقليدي، فبين كلمتي تعاون وتعاضد اختلاف لغوي بسيط، لكنه يصبح مهمًا عند ارتباطه بطرق التعليم. فالتعلم التعاوني التقليدي […]

حتى وقتٍ قريب، كان العلماء مجمعين على أن الثقافة هي سمةٌ فريدةٌ للبشر. لكن الأبحاث العلميّة التي أجريت على الحيوانات، منذ منتصف القرن العشرين، كشفت عن عددٍ كبيرٍ من الأمثلة على انتشار الثقافة لدى أغلب الحيوانات. وعلى الرغم من الغموض الذي يلفّ تعبير الثقافة، حسب وصف موسوعة جامعة ستانفورد الفلسفيّة، هناك شبه إجماعٍ بين العلماء […]


رد واحد على “نبتة الجاتروفا”

  • تحياتي..بحث متميز فيه الكثير من المعلومات والتفاصيل المهمة والمفيدة المتعلقة بمصادر الطاقة الحيوية. بارك الله بجهود الكاتبة التي تمنح القراء فرصة للاطلاع على تفاصيل مفيدة. وشكرا لمجلتكم على نشر هذا البحث المتميز.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *