تُعدُّ “مشاهدة الطيور” من الهوايات حديثة العهد نسبياً، وتكتسب مزيداً من المهتمين بفعل الالتفات المتزايد صوب الطبيعة هرباً من متاعب العيش في المدن الصاخبة وضوضائها. فباتت هذه الهواية من نقاط الجذب السياحي على مستوى العالم.
وأفضل الأماكن لمشاهدة الطيور، هي بالطبع حيث يوجد أكبر تنوّع منها. الأمر الذي يتوفَّر حيث تتجاور البيئات الطبيعية المختلفة وتتنوَّع. وأفضل وقت لذلك هو في فصلي الربيع والخريف، عندما تهاجر الطيور بحثاً عن الطقس الملائم بعيداً عن البرد القارس وقيظ الصيف. وهذا ما نجده في منطقة تبوك، حيث البحر يجاور الجبال العالية، والأراضي الزراعية الخضراء على مرمى حجر من الصحراء، ناهيك عن موقعها الجغرافي في الزاوية الشمالية الغربية من الجزيرة العربية، على خط هجرة الطيور السنوية من الشمال إلى الجنوب.
في فصل الخريف، يشدُّك صوتٌ جميلٌ يغرِّد بين شجر الزيتون في ضواحي مدينة تبوك. تقترب بحذر حتى تعرف مصدر ذلك الصوت، فيظهر لك طائر يسمى “هزاز أزرق الزور” على أحد الأغصان. والموطن الأصلي لهذا الطائر الصغير هو في أوروبا. ولكنه الآن مهاجر، وهجرته الموسمية هي للبحث عن الغذاء والدفء. وعلى الرغم من صغر حجم هذا الطائر إلا أن سلوكه يُعدُّ عدوانياً نوعاً ما، إذ إنه لا يسمح لأي طائر آخر بالوجود في محيطه القريب. ويفضل “هزاز أزرق الزور” الإقامة في المنطقة التي هاجر إليها حتى انتهاء موسم الشتاء. وما يدعو إلى الانبهار، أن هذا الطائر الصغير الذي لا يتجاوز طوله 14 سم قادر على الهجرة لمسافات طويلة، يصارع فيها الرياح والأجواء الصعبة، ليعود مرَّة أخرى إلى موطنه الأصلي للتكاثر.
جغرافية المكان والطيور
ويبلغ عدد أصناف الطيور في مناطق المملكة العربية السعودية أكثر من 500 نوع، وأكثر من نصف هذا العدد قد تم رصده في منطقة تبوك، حيث المرتفعات الجبلية والوديان والصحاري والأراضي الزراعية والسواحل الخلابة والجزر الساحرة في منطقة نيوم الواعدة في دعم السياحة البيئية. ومن أبرز هذه الطيور: “الحساسين”، و”القُبُر”، و”الحجل”، و”اللقالق”، و”الخواضات”، و”الوقاويق”، و”البلاشن”، و”الجوارح”، و”الدُخُل”.
الطيور البحرية لآلئ الشواطئ الخلابة
خلال رحلتنا من محافظة حقل على خليج العقبة إلى محافظة أملج على البحر الأحمر، مررنا بمناطق بحرية وجُزر مرجانية ذات ألوان خلابة. وهذه البيئة الغنية بالتنوُّع الحيوي تجذب أنواعاً كثيرة من الطيور المقيمة والمهاجرة. ومن الطيور التي شاهدناها على الشواطئ عدة أنواع من “الخرشنة”، مثل “الخرشنة القزوينية” وهي أكبر أنواع الخراشن، و”الخرشنة بيضاء الخدين”، و”خرشنة العرفاء الصغيرة” ذات الشكل القريب من شكل طيور النورس، إلَّا أن حجمها صغير بالمقارنة مع النورس.
وأجمل مشهد لهذا الطير يمكن أن تقع عليه العين، هو وقت اصطياده للأسماك الصغيرة. إذ يرصد الأسماك من الأعلى، ثم ينقضُّ عليها بشكل عامودي، ليعود إلى التحليق والسمكة في منقاره. وكثيراً ما يستوقف هذا المشهد الفريد السياح لوقت طويل.
وعلى امتداد الشواطئ البحرية في منطقة تبوك يوجد عدد من النوارس، مثل “النورس الأسحم” و”النورس أبيض العين” غير الموجود في أي مكان من العالم إلَّا على شواطئ البحر الأحمر.
ومن أنواع الطيور الفريدة، “أبو ملعقة الأوراسي” المميَّز باللون الأبيض، وهو يشبه إلى حد ما طائر “البلشون الأبيض”، لكن يختلف عنه في شكل منقاره الطويل القريب من شكل الملعقة، الذي يستخدمه في أكل العوالق البحرية.
أما أكبر أنواع الطيور البحرية على شواطئ منطقة تبوك فهي فصيلة البلاشن التي يصل طولها إلى أكثر من 150 سم، ويتميز بعضها برقبة طويلة ومنقار ضخم حاد يساعده في اصطياد الأسماك. وقد رصدنا بين أشجار الشورى أو المانجروف بعض أنواع البلاشن التي اتخذت من المنطقة موطناً جديداً، مثل “بلشون الصخر” و”البلشون أخضر الظهر”. وأيضاً بعض المهاجرة منها مثل “البلشون الكبير الغربي” و”بلشون الأرجوان”.
ولبعض الطيور أسماء وفق غذائها المفضل، مثل “آكل السرطان”، وهو نوع من الطيور المقيمة مميّز باللونين الأبيض والأسود، ومنقاره قصير وقوي يساعده على افتراس سرطانات البحر ذات القشور القاسية والرخويات. ويمتاز هذا الطائر بساقيه الطويلتين اللتين تساعدانه على الحركة في المسطحات الطينية والمياه الضحلة على الشواطئ. وحينما يحلق في الهواء، يسهل التعرف عليه وتمييزه عن باقي الطيور من خلال عنقه الطويل وساقيه الممتدتين إلى الخلف.
ومن الطيور المهاجرة أيضاً، التي تُشاهَد في تبوك خلال فصل الخريف “آكل المحار” وسمي بهذا الاسم بسبب قدرته العجيبة على فتح المحار بواسطة منقاره القوي.
موسيقى الطيور الصحراوية بين الرمال
يمكن للذين لا يعرفون المنطقة أن يظنوا أن هذا التنوُّع الحيوي محصور في الشاطئ والأراضي الزراعية، وأن لا حياة فطرية ولا طيور خلف الكثبان الرملية في منطقة تبوك. ولكن العكس تماماً هو الصحيح. إذ تمكنا من رصد وتوثيق بعض الطيور الصحراوية المقيمة التي تمكنت من التكيُّف مع الأجواء الحارة في فصل الصيف والأجواء الباردة في فصل الشتاء. ومنها فصيلة القُبُر ذات اللون البني الذي يشبه لون الرمال، وهو ما يساعدها على التخفي حينما تشعر بخطر ما من حولها.
ولا تحلو مشاهدة الصحراء من دون صوت “القُبُرة الهدهدية الكبيرة”، و”المكاء” أو “أم سالم” كما يحلو لأبناء البادية مناداتها، وهي تُصدر أجمل الألحان التي تشبه صوت الكمان الحزين.
ويمكن تمييز “القُبُرة الهدهدية الكبيرة” في طيرانها عن باقي الطيور، إذ إنها ترتفع بشكل شبه عامودي لعدة أمتار، ثم تعاود الالتفاف بشكل حلزوني، لتهبط على الأرض أو على شجيرة ما، مستعرضة بذلك جناحيها.
ومن أصغر أنواع فصيلة القُبُر ما يسمى بـ “الحُمرة الصحراوي”. ويمتاز هذا النوع بلونه الرملي، وهو صغير الحجم، ويتغذى على الحشرات والبذور الصغيرة، ويعيش في شبه الصحاري والمنحدرات الصحراوية. وتتكاثر طيور الحُمرة عند اعتدال الطقس في فصل الربيع.
ومن أكثر الطيور انتشاراً عند تخوم الصحراء “القُبُرة المتوجة”، وهو طائر متوسط الحجم، له تاج على رأسه، ويتفرد بصوته الجميل، ويعيش في شبه الصحاري وبالقرب من المناطق الزراعية والأودية ويمكن مشاهدته بسهولة وهو جاثم أو أثناء الطيران.
أسرار الطيور الجبلية بين الصخور
وبين الجبال الصغيرة التي تتخللها الرمال الذهبية وبين مجاري الأمطار والشلالات الموسمية، يحلِّق العقاب المهاجر الآتي من بلدان بعيدة، ليكمل مسيرته إلى وسط إفريقيا، وينتظر هنا أفراد سربه حتى يكمل برفقتهم تلك الرحلة الطويلة.
وتوجد في تبوك جبال يصل ارتفاعها إلى أكثر من 2500 متر، مثل جبل اللوز الذي يكتسي بالثلوج في فصل الشتاء، وجبل شار الذي يقع بالقرب من البحر الأحمر، وهو امتداد لسلسلة جبال السروات، وتشتهر المنطقة أيضاً بمجموعة من الجبال الجرانيتية في منطقة الزيتة وبجدة. وفي تلك الجبال الصخرية، يعيش عدد من أنواع الطيور، وأشهرها “حسون سيناء الوردي” المميَّز بلونه الوردي، و”الدرسة المخططة”، وبعض أنواع البوم، مثل “البومة الصغيرة” و”البومة النسارية”.
وبين قمم الجبال الصخرية، سيلفت انتباهك صدى صوت صاخب لطائر “الضوعة”، وهو طائر من فصيلة الزرازير، ذو لون أسود لمّاع، وينتهي جناحاه باللون البرتقالي.
وعلى النقيض من الصوت الصاخب، هناك الصوت الجميل لطائر “النغري”، وهو من فصيلة البلابل، ويمكن مشاهدته بين أشجار الطلح وداخل الأودية الصخرية.
ويوجد في البيئة الجبلية أيضاً طائر “أبلق أبيض القنة” وهو ذو لون أسود لمّاع، أما أعلى رأسه فأبيض اللون يشبه القبعة، أما ذيل هذا الطائر فهو أبيض وفيه خط أسود. أما الأبلق الصغير فلا قبعة بيضاء على رأسه. وأفضل الأماكن لرصد مثل هذه الطيور هي في الأودية الصخرية.
اوجزت فأبدعت
تقرير مختصر وجميل ومفيد
معلومات قيمة و مفيدة و جهد مميز
الهجرة للطيور على هذه المنطقة اغلبها بحرية ولكن لا تمكث سوى شهر اواقل من ذلك ما يعجبني هو الاوز الاوربي الذي يصل للبحر الأحمر بدون مكوث طويل للتبيض
مجهود تشكر عليه استاذ ابراهيم الشامان فعلا اختيار موفق لعينات الطيور في منطقة تبوك