لكل قارئ عاشق لهذه المجلة قصَّته الخاصة معها.
ربما كانت قصة طويلة أو قصيرة أو عابرة، لكنها كلها تنسج مدوّنة خصبة لهذه المطبوعة الرائدة ..
لدى بعض قرائنا سيرة طويلة مع المجلة. فمنهم من ورث أعدادها عن أبٍ أو جدٍّ عمل في الشركة ردحاً من عمره، وبعضهم لا تتجاوز معرفته بها أكثر من صُدفة حدثت في مكتبة أو مقهى وربما طاولة صديق فأيقظت فيه إحساساً بما تختزنه المجلة من محتوى وتدفعه إلى متابعتها ورقياً أو رقمياً. وقد كتبت سابقاً أن أعداد المجلة قد سجَّلت باقتدار ملامح هذا المجتمع، وأرّخت لمراحل نموِّه وتفوّقه على ظروفه القاسية بالكلمة والصورة وعبر سلسلة من الاستطلاعات النادرة التي وثقت لحياة الناس ورصدت بواكير التحاقهم بالعصر الجديد.
ولكن عليّ الاعتراف بأنَّ هناك جيلاً لا يتعرَّف على المجلة إلا حين يلمح صورة أو رابطاً أو مقالة تمرّ أمام عينيه عبر صفحات الشبكات الاجتماعية، ولم يَعُد معنيّاً كثيراً بدلالات التاريخ وأحداث الماضي. فما يهمه هي لحظاته الراهنة وما ينهمر أمامه في كل لحظة من أخبار ومستجدات ولحظات وصورٍ عابرة لا يحصيها أحد. لذا، علينا أن نكون أرفق حين يخاطبنا أحد شبابنا من جيل الثورة الصناعية الرابعة بأنه لم يسمع بهذه المجلة.
لكنني سأنتهز مناسبة عبور هذه المجلة إلى عامها الخامس والستين، لأروي طرفاً مبكراً من سيرتها .. ولدت هذه المجلة بين أيدي ثلاثة مترجمين عام 1951م، رفعوا رغبتهم إلى إدارة الشركة التي خاطبت الحكومة، وصدر عدد تجريبي منها باسم (الأحداث) أواخر ذلك العام. ولم تكن الفكرة إصدار مجلة ثقافية كما نعرفها اليوم، بل نشرة أسبوعية هدفها بناء جسور صداقة وتواصل معرفي بين موظفي الشركة العرب، لكن العدد التجريبي الثاني صدر باسم آخر هو (الحوادث)، وبعد مكاتبات ومذكرات عديدة بين أرامكو والوزارة المعنية استقرت التسمية على (قافلة الزيت)، التي حمل أول أعدادها تاريخ أكتوبر 1953م.
والشاهد أن هذه المطبوعة التي بدأت كمنصّة تربط بين العُمَّال والموظفين الناطقين بالعربية داخل الشركة، تحوَّلت لاحقاً إلى جسر يربط الشركة بالكُتَّاب والأدباء وقادة الرأي العرب في بلادنا العربية ودول المهجر البعيدة. فقد انطلقت المجلة وعاشت كل هذا العمر؛ لأنَّ الشركة قرَّرت مبكراً أن تكون هدية بلا مقابل لقرّائها ومحبيها، وراكمت عبر هذه المبادرة إرثها الجميل الذي تمنيناه لدوريات عربية عريقة خرجت من الساحة؛ لأنها لم تجد رعاة (أفراداً ومؤسسات) يحفظون تاريخها ويرسخون وجودها.
وبما أن لكلّ قصته معها، فإن بداية معرفتي بها تمَّت في المرحلة الابتدائية، حين كان بضعة من رجـال القريـة الموظفين في أرامكـو يجلبون أعداداً منها في حقائبهم المحمَّلـة بالهدايــا. وكانت روائح العطــور والملابس تلبث مختبئة بين صفحاتها لتستيقظ كلما قلبناها أو تبادلناها مع أنداد الطفولة. وكم أشعر بالامتنان لتلك الوجوه، التي غادرنا بعضها الآن، ولم تقرأ سطراً منها بحكم أمّيتها، لكنها وضعت بين أيدينا كنوزاً صغيرة غيّرت مساراتنا وشخصياتنا إلى الأبد.
وأخيراً فسوف استثمر هذه المناسبة لأعلن مغادرتي هذا الموقع الأثير، الذي سيبقى أجمل ختام لحقبة عملية زادت على ثلاثة عقود في هذه الشركة الفريدة التي تُعدّ تاجاً وطنياً وعالمياً لا يُضاهى. والأمل معقود على الأصدقاء الذين سيديرون دفّتها في المرحلة المقبلة، وسيحملونها إلى أرض جديدة ملأى بالأشجار والسنابل والخيالات الخضراء، كما عبّر شاعرنا جاسم الصحيّح وهو يحتفل معنا بخمسينية القافلة.
مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
يوليو - أغسطس | 2018
سيرةٌ عمرها 65 عاماً
مقالات ذات صلة
为阿拉伯国家最著名的文化杂志之
رأت ما نشره الكاتب أحمد السعداوي في مجلة القافلة، في العدد الماضي (العدد 700)، تحت عنوان “الرواية.. فن التواضع”، إذ استعرض رأي “جون برين” بخصوص كتابة الرواية الأولى التي أشار إلى أنها تبدو أشبه بالتنويعات على السيرة الذاتية.
ذا أردت أن تقرأ بفاعلية، فاقرأ كتبًا مُعمّرة، أي تلك الكتب القديمة المُتخمة بالدروس الحياتية طويلة المدى؛ كتبًا قديمة ذات قيمة عالية، مليئة بـ “الزبدة” والطاقة الكامنة للمعلومة، ذلك لأنها استمرت طوال السنين وقودًا لتقدم البشرية.
الأخ الفاضل الأستاذ محمد الدميني قدمت الكثير للقافلة خلال العقود الثلاثة الماضية وستبقى بصمتك بلا شك على هذه المجلة المميزة، وسيعمل من بعدك على المحافظة على هذه المكانة الرائدة التي وصلت إليها بفضل الله ثم بجهدكم وجهود الأستاذ محمد أبو المكارم، وفريق التحرير، تشرفنا بالعمل معكم ونتمنى لكم كل التوفيق أينما كنتم.