مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
يوليو - أغسطس | 2018

ورزازات.. هوليود المغرب


محمد القاضي

تُعد القصبة الواقعة وسط المدينة أنموذجاً للمعمار المغربي التقليدي، فالجدران من الأحجار والطين والأسقف من الخشب والسعف، وهي من أهم المعالم فيها

يزخر المغرب بتنوِّع عمراني ضخم. فقد ورث عن الحضارات القديمة تراثاً تخطيطياً ومعمارياً أصيلاً يتمثَّل في القلاع والقصور والحصون والأسوار والمساجد والأبواب والنوافذ والزخارف بمختلف أشكالها وألوانها، وما زالت شاخصة إلى الآن. كما هو الحال في مدينة كانت في الماضي عبارة عن بعض المنازل البسيطة المتناثرة بين القرى والقصور والمداشر في أقصى جنوب المغرب، فجمع بينهما الاستعمار الفرنسي وشيَّد المدينة وأطلق عليها اسم “ورزازات”.

تقع ورزازات عند مفترق الطرق المؤدية إلى واحات وادي درعة، ومنها إلى الصحراء الغربية من جهة، وواحات وادي زيز ومنها إلى الصحراء الشرقية من جهة أخرى، حيث تضم الهضاب والتلال والجبال والأودية والبحيرات والصحراء والغابات. وتمتد هذه الخصائص الطبيعية لإقليم ورزازات على مساحة شاسعة تفوق مساحة بلجيكا وهولندا واللوكسمبورغ مجتمعة. ويبلغ عدد سكانها 56000 نسمة، غالبيتهم من الأمازيغ، ويتخاطبون باللهجة الشلحية المنتشرة مع اختلاف في بعض التعابير، وهم متمسكون بتعاليم الإسلام، ويحافظون في جملتهم على الأخلاق الفاضلة. فمدينة ورزازات تختصر لغة الصحراء وتاريخ الجنوب المغربي معاً. وكانت تتدبر قيادتها أسرة “الجلاوي” التي شيدت قصبتها، وتمكنت من إحكام قبضتها على المناطق المحيطة، ومن مراقبة الطرق التجارية لمنطقة درعة وصولاً إلى المدينة.

عندما تصل المنطقة ينتابك إحساس
غريب وتستعر أحاسيس وارتسامات السيَّاح الزائرين من شتى أنحاء المعمورة وهم يشيدون بما تزخر به من مناظر طبيعية خلَّابة وقصور وقصبات قديمة وواحات النخيل

وتُعد القصبة الواقعة وسط المدينة أنموذجاً للمعمار المغربي التقليدي. فالجدران من الحجر والطين، والأسقف من الخشب والسعف. وهي من أهم المعالم فيها، يقبل عليها السيَّاح كل يوم من مراكش والدار البيضاء والرباط، سالكين الطريق الوحيد الذي يربطها بباقي مدن الداخل والشمال على مسافة مئتي كيلومتر. إذ لا بد من المرور عبر فجاج ومنعرجات وامد ستان، وكدروز، وقرى زركضن، تفليحت، تزليضا وتدارت، صعوداً إلى قمة تيشكا، الحدود الطبيعية بين إقليمي مراكش وورزازات. وحول هذا الطريق يقول أحد أبناء ورزازات: ” لا أدري هل هي صدفة أم هكذا أريد لها؟ قمة التيه أو قمة الضياع، وهذا ما يعنيه اسمها بالأمازيغية (تيزي نتيشكا). كأن مصير الذاهب إليهـا أو الماكـث فيها هو الضياع والتيه واللاعودة”.
الطريق إلى هذه المدينة محفوف بالمخاطر. ولكن عندما تصل المنطقة ينتابك إحساس غريب كواحد من أبنائها. وتتلمَّس أحاسيس وابتسامات السيَّاح من شتى أنحاء المعمورة، وهم يشيدون بما تزخر به مناظر طبيعية خلَّابة وقصور وقصبات قديمة وواحات نخيل تميزها عن باقي مدن الجنوب الأخرى. أما الجبال التي تحيط بها من كل الجوانب فيختزلها الفن المعماري لتتحوَّل إلى قوالب هندسية، وتشكِّل إحدى الخصوصيات التي تنفرد بها هذه الجهة من المغرب، فقد صممت وفق شكل معماري فريد يوحي للزائر بأنها قلعة محصنة من الاعتداءات الخارجية أو من التقلبات المناخية التي تعرفها المنطقة. وعلى الرغم من بساطة البناء المعتمد على الطين والحجر، فإنها تستأثر بانتباه السائح، وتجعله يقف ملياً عندها، متأملاً الحنكة والخبرة التي امتاز بها المغاربة على الدوام في مجال الهندسة المعمارية وفي البناء.

من التهميش إلى العالمية
عرفت مدينة ورزازات تهميشاً استمر لسنوات منذ أيام الحماية الفرنسية، وحتى ما بعد الاستقلال. وكانت تفتقر إلى أبسط ضرورات الحياة، كباقي مدن الداخل. فالجانب الاقتصادي كان ضعيفاً، والصناعة منعدمة إلاَّ من بعض الحِرَف اليدوية التقليدية كالزرابي التي كانت تصنعها النساء والفتيات في منازلهن، وتباع للتجار الذين يسوِّقونها في مدن مراكش وأغادير وفاس والرباط. أما الفلاحة فكانت ضعيفة، ولا تزال كذلك لانعدام الأراضي الخصبة وقلة الماء، بحيث لا يزرع فيها إلى القليل من الشعير والنخيل والحنَّاء التي تُعد من الغلال الشهيرة في المنطقة. وكان الشريف الإدريسي الشهير قد دوّن مشاهداته في هذه المنطقة في كتابه الجغرافي “نزهة المشتاق”، حيث كتب: “ونبات الحنَّاء يكبر بها حتى يكون قوام الشجر يصعدون إليه، ومنها يؤخذ بذرة، ويتجهز به إلى كل الجهات”. ويلي ذلك الزعفران والأعشاب الطبية والقليل من الفاكهة. ولذا أقبل كثير من رجالها على الهجـرة إلى فرنسـا بحثاً عن الرزق. ومن لم يهاجـر، كان يتعاطـى التجــارة داخل المدينـة في ظـروف عيـش قاسيــة. وأكثــر ما كانوا يسوقونـه التمور على أنواعها والحنَّاء.
وكانت هناك مقولة شعبية يتندر بها أبناء المنطقة؛ وهي: “الله يحفظك من ذئاب تاغات، وبرد تلواث، وجوع ورزازات”. (تاغات وتلواث منطقتان جبليتان).
ومنذ سنة 1980م عرفت المدينة ازدهاراً وانتعاشاً اقتصادياً مهماً. فامتد العمران إلى مناطق شاسعة بسبب استثمارات أبنائها في فرنسا. وتلا ذلك الازدهار السياحي، وأصبح عشَّاقها من الداخل والخارج، يتوافدون عليها طيلة السنة، رغم ارتفاع درجة الحرارة صيفاً والبرد القارس شتاءً، إذ تكسو الثلوح جبالها لشهور.
وتبدو المدينة لزوارها هادئة لأول وهلة. لكنك ما إن تتوغل داخل شوارعها وأحيائها وأزقتها حتى تتكشف لك في حلتها الحقيقية، وخصوصاً عندما تصل إلى ساحتها الكبرى المعروفة بساحة الموحدين، القلب النابض للمدينة، حيث تواجهك الفنادق والمقاهي والمطاعم والبازارات والدكاكين، والأسواق، وأفواج السيَّاح يقطعون الأرصفة بحثاً عن معالمها التاريخية، كالقصبات والقصور التي ارتبطت بأسمـاء وأعيان وقادة عاشوا في المنطقة قبل قرون.
ولا يمكن لزائر المدينة أن يغادرها من دون أن يذهب إلى قصبة آيت بن حدو (على بعد 30 كلم من ورزازات) لجهة الشرق، وهي أنموذج متميز للفن المعماري القديم. فقد بنيت في عهد الدولة المرابطية. وتحتل موقعاً استراتيجياً مهماً على هضبة مرتفعة تطل على الوادي، وتتخذ شكل تجمع سكاني ومعماري متراصاً ومحصناً. وقد شيِّد هذا المعمار على مساحة تبلغ حوالي 1300 متر مربع، وصنفته منظمة “اليونيسكو” سنة 1987م تراثاً عالمياً، كما تم إدراجه ضمن لائحة المواقع الأثرية الوطنية، لأنه يُعدُّ مثالاً حياً لمعمار استثنائي، وأنموذجاً لتجمع سكني بشري تقليدي يبرز مرحلة مهمة من تاريخ البلاد.
ولم يثر هذا الموقع الأثري اهتمام المنظمات الدولية المعنية بهذا المجال فقط، بل كان أيضاً محط أنظار عدد كبيـر من المنتجين والمخرجين السينمائيين العالميين، إذ تم تصوير عديد من الأفلام فيه.

منذ سنة 1980م عرفت المدينة ازدهاراً وانتعاشاً اقتصادياً مهماً

هوليود المغرب / هوليود إفريقيا / هوليود الشرق
أسماء ثلاثة والمكان واحد وهو ورزازات، محطة لتصوير الأفلام الأجنبية منذ فجر عصر السينما، إذ صوّر أول فِلْم في المنطقة القريبة منها عام 1897م، وكان بعنوان “الفارس المغربي” الذي أنتجه مؤسس الفن السينمائي لويس لوميير، وكان من بين التجارب السينمائية الأولى في العالم.
وتوالت بعده الأفلام الدولية التي اختار منتجوها أرض المغرب فضاءً للتصوير. ثم كان عام 1922م، حين استضافت ورزازات فريق تصوير فرنسياً بقيادة المخرج لويس مورا الذي صوَّر فِلْم “الدم”، أعقبه فريق آخر بقيادة المخرج فرانز توسان الذي صوَّر فلم “إن شاء الله”. وفي عام 1927م صوّر الشريط الألماني “عندما تعود السنونوات إلى أعشاشها” لجيمس بوير. وفي عام 1930م، استضافت ورزازات السينما الأمريكية، وجرى تصوير شريط “قلوب محترقة” لجوزيف فون ستيرنبرغ، وهو من بطولة مارلين ديتريش وغاري كوبر. والتحقت بها، السينما البريطانية عام 1938م بتصوير فِلْم “قافلة الصحراء” لتورتون فريلاند.. وهكذا انفتحت ورزازات على السينما العالمية وأقبل عليها المنتجون والمخرجون والنجوم من أمريكا وأوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، واحتضنت أفلاماً فرنسية وأمريكية وإيطالية وسويدية وإسبانية وهولندية، بل وحتى من كوريا الجنوبية وجنوب إفريقيا والبرازيل. وتم تشييد استوديوهات مثل استوديو أطلس الذي تمَّ تأسيسه عام 1993م عند مدخل المدينة على مساحة 30 هكتاراً، وهو مفتوح على فضاء شاسع يشمل مناظر جبلية ساحرة. ويضم معامل للمهن السينمائية. وقد صوِّر فيه فِلْم “جوهرة النيل” لمايكـل دوغلاس، ولا تزال طائرته جاثمة هناك تشكِّل جزءاً من ديكورات المكان. كما تمَّ تصوير فِلْم “كوندون” للمخرج الأمريكي مارتن سكورسيزي، وهو ما اقتضى بناء قصر حاكم التيبت الذي لا يزال قائماً، وفِلْم “كيلوبترا” للمخرج فرانك رودام وبطولة اليزابيت تايلور وريتشارد بورتون، وغيرها من الأفلام العالمية الشهيرة.
ويضاف إلى هذا الاستوديو الشهير استوديو “كان زمان” على بُعد 10 كيلومترات من مدينة ورزازات، ويضم مكاتب لإدارة الإنتاج ومعامل وقاعات لاستراحة الفنانين، إضافة إلى معارض ومتاجر ومقاهٍ ومطاعم وملاعب ووحدة فندقية على النمط التقليدي ومركز للتكوين السينمائي.

لا يمكن لزائر المدينة أن يغادرها دون أن يذهب إلى قصبة آيت بن حدو (على بُعد 30 كلم من ورزازات) شمال شرقي المدينة، وهي نموذج متميز للفن المعماري عبر التاريخ، فقد بنيت في عهد الدولة المرابطية

وأنشئت استوديوهات محلية وأجنبية داخل المدينة، منها: استوديو “أطلس” و”سينيسيتا” ويشرف عليهما المنتج الإيطالي الشهير دينودي لورينتس رئيس شركة “دينو لورينتس للإنتاج” ولويجي أديبي منتج ورئيس استوديوهات “سينسيتا للإنتاج”. وقد قدّمت هذه الاستوديوهات عشرات الأفلام التاريخية، وأفلام الحركة والتجسس ومكافحة الإرهاب. وشهدت في عام 1999م ذروة الغزارة في إنتاج الأعمال السينمائية، حيث أنتجت 26 فلماً طويلاً، 120 فلماً قصيراً، 70 فقرة إعلامية. وتُعد أجواء الصحراء عنصراً أساسياً في الأفلام الأجنبية التي صورت في المنطقة، بدءاً من فلم “لورانس العرب”. وبعد عام 2001م، تضاءل الإنتاج ليعاود بعد ذلك صعوده بشكل ملموس، مما فتح المجال أمام شباب المدينة للعمل في بعض الأفلام (كومبارس)، أو مساعدين في الأعمال المتنوِّعة. وانتعش الاقتصاد بشكل جيد في المنطقة. ومن أسماء النجوم العالمية، والمنتجين والمخرجين والممثلين الذين عملوا في المدينة نذكر:
سيرج ريجياني وفيرنانديل، ألفريد هيتشكوك، سيرجيو ليوني، ديفيد لين، أنتوني كوين، عمر الشريف، أنتونيو فيلار، جان لوك غودار، بيرناردو وبرتولوتشي، جان بول بلموندو، لينو فونتيرا، جون هيوستون، شين كونري، داستن هوفمان، إيزابيل أدجاني، روجر مور، مايكل دوغلاس، تيموثي دالتون، مارتن سكور سيزي، جاكي شان، ريدلي سكوت، جان كلود فان دام… فكلهم مرُّوا من هنا.
وهكذا أصبحت صناعة السينما على غرار قطاع السياحة، هبة ضرورية بالنسبـة لاقتصـاد المدينـة ونواحيها. فاستديوهات ورزازات تستقبل بشكل منتظم إنتاجات أجنبية مختلفة ومتنوِّعة، وبتأهيل اليد العاملة المغربية، تحوَّلت في النهاية إلى “أرض مختارة للسينما”.

لورانس العرب سنة 1962م من إخراج ريدلي سكوت صُور في ورزازات

صور عن المغرب في السينما العالمية
ولا تختلف الرؤية كثيراً مع الأفلام التي أنتجت على أساس أحداث تدور على الأراضي المغربية، وتلعب فيها الشخصيات المغربية أدواراً محورية، مثل: «غريب بشع» إنجلترا 1998م، «والآن سيداتي سادتي» فرنسا 2002م، «لقطات» أمريكا 2002م، «بابل» المكسيك 2006م، «الممر» أمريكا 2007م.. إلخ. وكلها تعتمد على أجواء تتشابك فيها العلاقات بين مغاربة وأجانب طغى على سلوكهم اندهاش عقيم تجاه مظاهر وتقاليد شرقية تعكس وصمة البؤس والجهل، وأحياناً العدوانية وأيضاً طقوس حفلات الزار والذِكر، والسحر والشعوذة، واحتفالات الزفاف في دروب القرى.. إلخ
تتكشف تلك الأجواء بما يشبه الصدمة للإنجليزية جوليا (كيت وينسلت) في «غريب بشع»، على الرغم من أنها جاءت إلى المغرب مع ابنتيها، وقد تلبّسها «سحر الشرق» والرغبة في اعتناق الإسلام، ولكن الواقع يحاصرها بقسوته ليجعلها تعترف في النهاية بأنها لم تكن إنسانة طبيعية. والمغنية الفرنسية جين في «والآن سيداتي سادتي» أصابتها حالة من فقدان الذاكرة تتركها في عالم محيّر اسمه المغرب، فتحاول أن تستسلم لطقوسه وشعوذاته لعلها تجد الشفاء. أما السائحة الأمريكية سوزان (كات بلانشيت) في «بابل»، فقد جاءت مع زوجها عالم الآثار ريتشارد (براد بيت) تحدوها الرغبة في مشاهدة أجواء حضارية وأثرية جديدة وتركز هذه الأفلام اهتمامها على رد فعل المجتمع المغربي تجاه الأجنبي الذي يصاب بمكروه على أرضه، فعندما تستنجد جوليا في «غريب بشع» بالطبيب لإنقاذ ابنتها من مرض يشبه شلل الأطفال ستواجه بالطبيب المغربي الذي يقول لها «أظن أن عليك إيجاد طريقة لإعادة هاتين الفتاتين إلى ديارهما». أما في حال الإصابة بطلق ناري بمنطقة نائية كما في فلم «بابل» فإن الأمر يحتاج إلى أكثر من معجزة. فالطبيب المغربي لا يدعو إلى الثقة، يأتي على درَّاجته فنستشعر أن الحالة أكبر من إمكاناته التي لا تتجاوز خيطاً متسخاً وإبرة حديدية يعقّمها بالنار حتى يتعامل مع الجرح. وعندما يطلب الزوج نقل الزوجة إلى المستشفى، يكتشف استحالة ذلك!
ولكي تبعد هذه الأفلام عن نفسها وصمة العنصرية تنهج مبادئ ثابتة في الالتفاف، فأبطالها غربيون قلما يواجهون أزماتهم في المجتمع المغربي من دون مساعدة مخلصة من شخصية مغربية، ولكنها شخصية غالباً ما تفتقــد القدرة على الفعـل الإيجابي في ظل ظروفها المادية أو تقاليدها البالية، ولكن مع جاذبيـة مَن يؤدون تلك الشخصيات مثل الممثل المغربي سعيد تيجماوي في دور لاعب الأكروبات في «غريب بشع» وسعاد حميدو في دور خادمة الفندق في «والآن سيداتي سادتي»، والممثل المغربي الذي يلعب دور مرشد الرحلة في «بابل» يتســرب الإيحاء المخادع بالحياد والموضوعية.
قد يتمثَّل هذا التوجه أصدق تمثيل في نوعية أخرى من الأفلام حاولت أن تخلق علاقات عاطفية بين مغربيات وأوربيين أو أمريكيين داخل المجتمع المغربي، وغالباً ما كانت تتحطم على صخرة الواقع وتقاليده. ونرى ذلك في أفلام «الممر» و«لقطات» وعشرات الأفلام التي صورت على الأراضي المغربية منذ الثلاثينيات وحتى الآن. ومنها كلاسيكيات شهيرة مثل «بارود» 1933م، و«سعدية» 1954م.
لعل من الاستثناءات القليلة التي تعاملت مع تلك العلاقات بكثير من التعاطف الفلم الإسباني «العودة إلى حنسلة» 2008م، الذي تم تصويره ما بين إسبانيا وطنجة، وأخرجته وشاركت في كتابة السيناريو له « تشوس جوتريث»، اعتماداً على وقائع حقيقية حدثت على الشواطئ الجنوبية لإسبانيا، عندما عثر على جثث 11 شاباً مغربياً كانوا يسعون إلى الهجرة غير الشرعية إلى الأراضي الإسبانية، وكان من بينهم كما تروي أحداث الفلم شقيق الفتاة «ليلى» العاملة المهاجرة في إسبانيا، التي أصبح عليها أن تعيد جثمانه إلى أرض الوطن بسيارة متعهد الجنازات الإسباني مارتن.

استوديو (أسترو أندرو ميدا) أسس سنة 1992م قبالة قصبة سيدي داود، وتُشرف عليه شركتا (أستير) الإيطالية و(تي إن تي) الأمريكية، ثم استوديو (أطلس) و(سينيسيتا)

رقصة أحواش
موروث ثقافي فني بالمنطقة
ولا يمكن للزائر أن يغادر مدينة ورزازات بفضائها وعالمها السياحي والسينمائي دون أن يتعرَّض للحديث عن رقصة أحواش التي يُستقبل بها السيَّاح عند أبواب الفنادق الكبرى وداخلها.
تُعد هذه الرقصة احتفالاً غنائياً عرفت به القبائل الأمازيغية في جنوب المغرب، تقيمه في مواسم الخصب، وجني المحاصيل، ومع بداية فصل الربيع، كما تحتفي عبره بزوارها وأعراس أبنائها وأفراحهم. وتعني “الرقص الشعبي الجماعي” عند أهل القبائل في منطقة سوس وجبال الأطلس الصغير حتى حدود تخوم الصحراء.
وتُعدّ “فرقة أحواش قلعة مكوَّنة” (قرب ورزازات) التي تزين نسوتها رؤوسهن بتاج “الصوف الملون” إحدى أشهر فرق الرقص الشعبي هذا التي ارتبطت بمجال جغرافي زاخر بإرث ثقافي وبتاريخ قديم.
تبدأ الرقصة بقرع الطبول، وترديد أول أبيات الشعر الأمازيغي بعدما يكون الرجال قد انتظموا في صفوف مقابلة لصفوف النسوة اللواتي يشترط فيهن أن يكن من غير المتزوجات، حيث تمنع القبائل مشاركة الفتاة بعد الزواج في أداء هذه الرقصـة. تنطلـق الرقصة بـ “تحواشت”، وهي المرحلة الأولى التي تضبط فيها الفرقة إيقاعها، وتبدأ الصفوف بالتمايل يمنة ويسرة مع نقر للدف، وتتحرك النسوة في منحى معاكس للرجال، فإن رددوا هم بيت شعر مرتجل أو من وحي التراث، حتى تجاوبهن بدورهن بمقطع آخر، في محاورة غنائية راقصة تتواصل طوال أطوار أداء “رقصة أحواش” يسميها أهل المنطقة “بتنطامين”. ويرتدي الرجال جلاليب بيضاء وعمائم، ويعلقون على أكتافهم محفظة جلدية، وترتدي النساء بدورهن زياً تقليدياً، يتألف من قفطان مطرَّز يُلف فوق ثوب بطريقة خاصة، وغطاء يتهدل من أعلى الرأس، حيث يستقر “التاج الصوفي” إلى أن يبلغ أخمص القدمين. وحين يجلس الرجال أرضاً في شكل دائرة وهم يواصلون دق الدفوف، مرددين الأهازيج، تقف النساء حول هذه الدائرة يتقدمن ويتراجعن في حركات تشبه (تفتح الوردة).
ويرى الدارسون أن لهذه الحركات دلالات خاصة في المخيال الجماعي لكل قبيلة، تعكس طبيعة العلاقة بين أفرادها، وتستحضر موروثاً لا يعود فقط إلى عهد الفتح الإسلامي لهذه المناطق، بل يمتد لمئات السنين قبله. ففي الذاكرة الحضارية للقبائل الأمازيغية تلتقي جملة من المؤثرات الثقافية، يعود بعضها إلى أساطير قديمة مرتبطة بمعتقدات أهلها، وإن تقمصت لبوس الثقافة السائدة حالياً، وتكيفت معها.
وهناك فنون فولكلورية أخرى تتوزع بين قبائل منطقة وادي درعة ومنها ورزازات وضواحيها.
إنه موروث ثقافي وحضاري أمازيغي ارتبط بالمنطقة منذ مئات السنين ومزج بين التأثير الإفريقي والأمازيغي، وحافظت عليه الأجيال في منطقة جنوب المغرب الأقصى.

 

 

 

 


مقالات ذات صلة

على الرغم من وجود العديد من التساؤلات حول مستقبل الكتب المادية، فقد أطلقت الفنانة الإسكتلندية المفاهيمية “كاتي باترسون” في عام 2014م فكرة إنشاء “مكتبة المستقبل” كمشروع فني تطلعي يجمع بين كونه كبسولة زمنية أدبية ومشروعًا بيئيًا. كرّست “باترسون” جلّ اهتمامها بما ستتركه البشرية للأجيال القادمة؛ لذلك ابتكرت فكرة إنشاء هذه المكتبة في مدينة أوسلو النرويجية. […]

استطاعت الدول الناطقة باللغة الألمانية (ألمانيا، والنمسا، وسويسرا) أن تخلق نموذجاً في النهضة والتفوّق بالاعتماد على الأيدي العاملة المؤهلة مهنياً، وقد حقَّق هذا النموذج نجاحاً باهراً على مستوى العالم، فيما تسعى دول كثيرة داخل أوروبا وخارجها للاستفادة منه، ففي هذا البلد المزدهر اقتصادياً، يُعدُّ التدريب المهنيّ سرّاً من أسرار نجاحه، بل وربما ريادته عالمياً، فبفضله […]

من المؤكد أن للعلوم والتكنولوجيا تأثيراً عميقاً على المجتمع، لكن العكس صحيحٌ أيضاً، بحيث يشكِّل المجتمع، بصورة كبيرة، الطرق التي تتطوَّر بها العلوم والتكنولوجيا. ومع ذلك، تُظهر التجربة أنه لا يمكن دائماً للعلماء، من ناحية، وعامة الناس والحكومات والشركات، من ناحية أخرى، فهم بعضهم بعضاً بوضوح، لهذا السبب كان لا بدَّ من وجود خبراء ذوي […]


رد واحد على “هوليود المغرب”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *