مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
2024

الأخضر


عبود عطية

ولماذا اللون الأخضر؟

ألأنه جميل؟

نعم، إنه جميل، ولكنه أكثر من ذلك بكثير.

فما من لون آخر اكتسب على مرّ التاريخ من الدلالات ما اكتسبه هذا اللون، فرأيناه ينطق بألف أمر وأمر. وفي عصرنا، يستمر هذا اللون في اكتساب المزيد من المعاني والدلالات، وبزخم أكثر من أي وقت مضى، سابقًا بشوط كبير كل الألوان الأخرى.

فمن الطبيعة ونباتها، تفشى هذا اللون ليتغلغل في ثقافات العالم، من أعلى قيمها حتى ما لا يُحصى من الزخارف الصغيرة في الحياة اليومية، فتحوّل إلى نوع من خطاب يحدد هوية ما يصطبغ به ويعبّر عن حقيقته.

في الغابة كما في الفن، وفي الشعر كما في إشارات المرور، وفي الخرافات القديمة كما في أسواق المال، وفي علم النفس كما في عالم الحيوان؛ هناك ألف أخضر وأخضر، وكل واحد منها يدلو بدلو لا علاقة له بالآخر.

في هذا الملف، يدعونا عبود طلعت عطية إلى الاستماع لما يقوله هذا اللون المتحدث ببلاغة، وإلقاء نظرة على ما تقوله العلوم عنه، واستعراض “التلوّن” الكبير في أشكال حضوره في عوالم الأمس واليوم.


اللون الأخضر كان دائمًا موجودًا في شيء ما، سواء أكان ذلك في نبات الدهر العتيق، أم في المعادن التي كانت تتشكل عند بداية تكوين الأرض، الأمر الذي لا يوفر منطلقًا محددًا لدراسة تاريخه وفق ما جرت عليه العادة في هذا الملف، ولا يترك لنا غير الانطلاق من اليوم إلى الماضي ضمن المجال المتاح.

فاليوم، كما كان الأمر منذ آلاف السنين، يرتبط اللون الأخضر بالدرجة الأولى بالطبيعة والنبات. ولأن الطبيعة التي كانت بالنسبة إلى الإنسان القديم تعني الطعام الضروري للحياة، وسلامتها اليوم تعني ضرورة لا غنى عنها لاستمرار الحياة، كان من الطبيعي أن يكتسب اللون الأخضر دلالات رمزية لم تتغير ما بين الإنسان القديم الذي كان يعيش على الصيد والجمع، وأحدث الحركات البيئية والأحزاب السياسية التي اتخذته اسمًا وشعارًا لها.

إيجابيٌ دائمًا وأبدًا.. ورمز للخصوبة والرخاء والتجدد

على المستوى الإنساني، لم تُضف الدراسات الحديثة جديدًا مفاجئًا إلى ما كانت تعرفه الأجيال السابقة عن اللون الأخضر، ولكنها أكدته بالأرقام والإحصاءات. ففي دراسة أجرتها الباحثة إيفا هيلير، ونشرتها عام 2009م، وعنوانها: “علم نفس الألوان.. التأثير والدلالات”، تبيّن بالأرقام أن اللون الأخضر في المجتمعات الأوروبية والأمريكية والإسلامية يرتبط بخمسة مجالات: الطبيعة والحياة والصحة والربيع والأمل. وهو في الصين ومجتمعات شرق آسيا، رمز الخصوبة والسعادة. فهل في هذا أي جديد يُذكر؟

في مصر الفرعونية، كان اللون الأخضر رمزًا للبعث والتجدد، واكتسب هذه الصفة من تجدد عالم النبات بعد فيضان النيل، وكان هؤلاء يدفنون مع موتاهم أشياء صغيرة من حجر المالاكيت الأخضر “لضمان الحياة” في العالم الآخر. والمدهش هو أن هذا التقليد كان متبعًا عند هنود الأزتيك في أمريكا الوسطى، الذين كانوا يدفنون مع موتاهم زمردة صغيرة للغاية نفسها.

تنوعت دلالات الأخضر عبر العصور، ولكنها لم تتناقض. فبفعل التقسيم الطبقي للمجتمعات خلال القرون الوسطى في أوروبا، كان الأخضر هو لون لباس الأثرياء من التجار والمصرفيين وكبار الأثرياء، في حين أن اللون الأحمر كان حكرًا على النبلاء، واللونان البني والرمادي للمزارعين وصغار الحرفيين. ومن بقايا هذا التوزيع المستمرة حتى اليوم، نذكر على سبيل المثال أن المقاعد في مجلس العموم البريطاني هي خضراء، في حين أن مقاعد مجلس اللوردات حمراء.

وبالقفز إلى عصرنا، نجد إيجابية هذا اللون تتمثل فيما لا يُحصى من المعاني والتعابير المجازية:

  • اليد الخضراء: تعبير موجود في عدة لغات لوصف الكفؤ في الزراعة، وأيضًا القادر على القيام بعمل مثمر.
  • الضوء الأخضر في إشارات المرور: ويعني حرية التقدم إذا كان التقاطع حرًا، ومن ذلك توسع مفهومه ليصبح إطلاق اليد وحرية التصرف.
  • المؤشر الأخضر في أسواق المال والأعمال: ويعني تقدّم الأمور وارتفاع قيمتها.
  • السلام الأخضر (غرين بيس): هي الحركة العالمية الناشطة في مجال الحفاظ على البيئة.
  • الأحزاب الخضراء: هي الأحزاب السياسية التي كثرت خلال العقود القليلة الماضية في أوروبا، للاهتمام بالشأن البيئي بالدرجة الأولى.
  • العمارة الخضراء: هي فن البناء بمواد مستدامة، وتراعي ترشيد الاستهلاك في الماء والطاقة.
  • المدينة الخضراء: مثلها مثل العمارة الخضراء تقريبًا.
  • الحزام الأخضر: حاجز من الأشجار أو الشجيرات تصدّ الرِّياح وتقلِّل الانحراف.
  • المسار الأخضر (في المطارات): ممرّ من لا يحمل بضاعة تستحقّ جمارك، ويتمنى الجميع سلوكه من دون اعتراض المراقبين.
  • العملة الخضراء: الدولار الأمريكي، وهو أكثر أنواع العملات تداولًا في العالم.
  • النِّطاق الأخضر: حزام من الحدائق الترفيهيّة أو المزارع أو الأراضي غير المحروثة يحيط بالمدينة.

ويقال أيضًا:

أتَى على الأخضر واليابس، أي دمّر كلَّ شيء، والأخضر فيه هو الجيد واليابس ما هو سيئ.

وأخيرًا وليس آخرًا، عندما يقال “بالأخضر”، فهذا يعني أن الوضع جيد أو سليم، مهما كان الموضوع.

والعلم يؤكد إيجابيات الأخضر

اللون الأخضر هو أحد ألوان الطيف، يقع بين الأزرق والأصفر، وتتراوح أطواله الموجية ما بين 520 و570 نانومترًا. وهو ما يصبغ الأشياء التي تمتص كليًا الألوان ذات الموجات الضوئية الأقصر والأطول من ذلك.

وتلتقط العين البشرية الألوان وتميّز بعضها عن بعض بفعل ما يُعرف بالخلايا القُمعية التي يوجد منها ثلاثة أنماط، تتكيف مع اللون الواصل إليها لالتقاطه. ولكن هذه الخلايا القمعية هي أكثر حساسية تجاه الموجات الضوئية التي يبلغ طولها 555 نانومترًا (أي الأخضر)، فلا تبذل أي جهد لالتقاطه. وهذا ما يفسّر علميًا ارتياح النظر إلى مشاهدة اللون الأخضر والطبيعة حيث يوجد الكثير منه.

اليخضور.. أكثر من ملوّن للنبات

اليخضور (الكلوروفيل) صباغ موجود في الصانعات الخضراء، وهو ما يُكسب النبات لونه الأخضر، كما أنه المسؤول عن عملية التركيب الضوئي في النباتات؛ إذ يحول ثاني أكسيد الكربون الموجود في الهواء والماء إلى سكر الجلوكوز ونشاء عن طريق التمثيل الضوئي للأشعة الشمسية. وخلال هذه العملية ينفصل الأكسجين عن جزيء الماء وينطلق في الهواء.

اكتُشِفت حقيقة اليخضور في عام 1817م. وبتقدم الدراسات والأبحاث، ثبت أنه توجد سبعة أنواع من اليخضور، ذات تركيبات كيميائية يختلف قليلًا بعضها عن بعض، ولكن كلها تتألف أساسًا من الكربون والهيدروجين والأكسجين، ولا تتفاوت إلا قليلًا في قدرتها على امتصاص الأشعة الزرقاء والحمراء من الطيف؛ لتعكس الأخضر الكامن ما بين الأزرق والأصفر. ويتجلى هذا الاختلاف بتأرجح الناتج ما بين الأخضر المائل إلى الأصفر وآخر مائل إلى الأزرق.

وكشفت الدراسات الجيولوجية أن اليخضور انتشر أولًا في أنواع من البكتيريا البحرية مدة ثلاثة مليارات سنة. وكان خلال تلك الفترة الطويلة العامل المسؤول عن رفع نسبة الأكسجين في الغلاف الجوي للأرض من 3% إلى ما يقارب النسبة الحالية؛ أي 20%. وأدى هذا الارتفاع إلى بدء عصر جديد من عمر الحياة على الأرض، يُطلق عليه العلماء اسم “الانفجار الكمبري” الذي بدأ قبل نحو 530 مليون سنة، وشهد ظهور كائنات حية كثيرة على الأرض.

الشمس تغمزنا بالأخضر.. لا بأس بالمزيد قليلًا من الفيزياء

معلوم أن الشمس صفراء وتغمرنا بالضوء الأبيض، ولكنها أحيانًا ترسل إلينا “غمزة” باللون الأخضر، لا تدوم أكثر من ثانية أو ثانيتين في أغلب الأحيان. وتتخذ هذه الغمزة واحدًا من شكلين: أحدهما يُعرف باسم “الوميض الأخضر”، والآخر “الشعاع الأخضر”.

الوميض الأخضر، مثله مثل الشعاع الأخضر، ظاهرة بصرية – مناخية نادرة، تحدث عندما تكون الأحوال في الغلاف الجوي للأرض ملائمة، فيظهر اللون الأخضر في أعلى قرص الشمس إمَّا عند الشروق وإمَّا عند المغيب، والتُقطت أول صورة ملوّنة لذلك في عام 1960م. علمًا أن تصوير الوميض الأخضر فوتوغرافيًا ليس أمرًا سهلًا. إذ رغم اخضراره الواضح، غالبًا ما يظهر في الصور أصفر اللون، لأسباب غير مفهومة.

تعود هذه الظاهرة إلى أن انكسار ضوء الشمس إلى ألوانه الطيفية في الغلاف الجوي يبلغ حده الأقصى وقت الشروق والغروب، عندما لا تعود الأشعة الحمراء والصفراء تصل إلى سطح الأرض، وطبقة الأوزون تشتت البرتقالي فيبقى الأزرق والأخضر. ولأن الغلاف الجوي يشتت بدوره الأزرق يبقى الأخضر وحده مرئيًا، ولكن ذلك يحدث وفق الأحوال الجوية التي هي على علاقة مؤكدة بهذه الظاهرة، وإن كانت هذه العلاقة غير مفهومة بالكامل حتى اليوم.

وقد قسّم العلماء “الوميض الأخضر” إلى أربعة أنواع، أكثرها شيوعًا هو “سراب الوميض الأدنى”، الذي يظهر عندما يكون الهواء السطحي أدفأ من طبقة الهواء العليا، ويظهر الوميض فيها بشكل بيضاوي أخضر يعلو قرص الشمس ويستمر ما بين ثانية وثانيتين. وأندرها هو الشعاع الأخضر، الذي ينطلق من بقعة الوميض البيضاوية ولا يستمر أكثر من ثانيتين، علمًا أن شكلًا من الوميض نادر الحدوث جدًا قد يستمر حتى 15 ثانية. ولكن عدد المرّات التي لوحظ فيها لا يتجاوز 1% من المرات التي شوهد فيها سراب الوميض الأدنى.

في علم النفس

رغم أن تلمّس تأثير الألوان على السلوك البشري ظهر منذ ما قبل علم النفس الحديث، ظلّ كثير من علماء النفس يشككون في القيمة العلمية للاستنتاجات التي كانت مبنية في معظم الأحيان على الملاحظة غير القائمة على الاختبار الدقيق. وما وصلنا منها، على سبيل المثال، ملاحظة الشاعر الألماني غوته في القرن التاسع عشر، أن اللون الأخضر يسبب هدوء النفس ويريح الأعصاب، حتى إنه نصح بطلي جدران غرف النوم باللون الأخضر.

في سبعينيات القرن الماضي، ظهر في جامعة ميشيغان اثنان من علماء النفس، هما ستيفان كابلان وزوجته ريتشيل، اللذان تحولا بسرعة إلى رائدي فرع جديد من علم النفس يُعرف باسم “البيئة التصالحية” (Restorative Environment)، وذلك من خلال مجموعة الدراسات والاختبارات التي أجراها الزوجان حول أثر الخُضرة الطبيعية على النفس، ولخّصا ذلك بعبارة بسيطة: “الأخضر مفيد لصحتك”.

وعلى خطى آل كابلان، سار عدد ملحوظ من علماء النفس في أمريكا، منهم على سبيل المثال، البروفيسور تيري هرتيغ، الذي بنى على ما توصل إليه العالمان السابقان، لمساعدة الناس على الشفاء مما يسميه “الترهل النفسي العادي”. وفي أحد الاختبارات التي أجراها، أخضع مجموعة من المتطوعين لعمل مرهق ذهنيًا مدة أربعين دقيقة، ومن ثَمَّ قسّمهم إلى قسمين خلال استراحة مدة نصف ساعة، ترك خلالها نصف المتطوعين داخل المبنى، ووجه النصف الآخر إلى حديقة مجاورة. وبعد ذلك، أعطى الجميع نصًا لتصحيحه لغويًا. وكانت النتيجة أن الذين أمضوا الاستراحة في الحديقة أدوا المهمة بشكل أفضل بكثير من الذين بقوا في المبنى يستمعون إلى الموسيقى أو يتفحصون هواتفهم، كما كانوا أقل ميلًا إلى الغضب والتوتر.

وفي المجال نفسه، أجرى الدكتور فرنسيس كوا، اختبارات مماثلة على طلاب المرحلة الثانوية في ضاحية مدينة شيكاغو، وتجاوزت النتائج الإيجابية الملاحظات السابقة؛ إذ تأكد له أن الطلاب الذين يعانون “الإفراط الحركي وضعف التركيز” يؤدون واجباتهم المدرسية بشكل أفضل بعد تعريضهم للون الأخضر، سواء أكان ذلك في غرف الدراسة أم في الطبيعة.

وفي قطاع الأعمال والصناعات الغذائية

لم يتأخر قطاع الأعمال في الاستفادة من بحوث علم النفس المشار إليها، لا بل يمكن القول إنه استفاد من الملاحظات العامة السابقة لهذه البحوث، التي كانت ترى أن اللون الأخضر يرمز إلى المال والشفافية والرخاء. ومن أبرز المستفيدين في هذا المجال المصممون على أنواعهم، وبشكل خاص الفنانون الذين يرسمون هويات الشركات.

فقد ثبت أن اختيار هذا اللون للتعريف بهوية عمل معين يمكن أن يساعد على نموه. فالأخضر من الألوان التي تستحوذ على ثقة المستهلك بشكل عام، ويعزز صدقيّة خطاب الشركات التي ترتبط أعمالها بمفهومي الاسترخاء والترفيه، مثل: المقاهي والموسيقى. كما أن الإكثار من الأخضر في هوية شركة ما ومنتجاتها، يوحي للعملاء أن هذه الشركة تأخذ البُعد البيئي في منتجاتها بعين الاعتبار، وهذا أمر يمثل قيمة كبيرة في نظر المهتمين بالشأن البيئي. ومعظم قطاعات الأعمال التي تعتمد على اللون الأخضر في إستراتيجياتها التسويقية، هي تلك المنضوية في مجالي العناية الصحية والتغذية.

فمن المعلوم، أن الصناعات الغذائية صارت تضيف الكثير من المعلومات على أغلفة منتجاتها حول القيمة الغذائية للمنتج ومحتوياته من الفيتامينات والسعرات الحرارية، وما شابه ذلك. ورغم دقة المعلومات وصحتها، يبدو أن اللون الأخضر يؤدي دورًا في تشكيل انطباع إيجابي عند المستهلك حول “صحيّة” المنتج حتى لو كان ذلك مخالفًا للحقيقة.

ففي دراسة أجراها الباحث جوناثان شولدت، من جامعة كورنيل، تبيّن له أن المستهلكين كانوا يفضلون شراء قطع السكاكر المغلفة باللون الأخضر، أكثر من تلك التي هي من نفس النوع، ولكنها مغلفة باللون الأحمر، علمًا أن المحتوى كان هو نفسه. وفي تجربة ثانية أجراها الباحث نفسه، أعلن عن عدد السعرات الحرارية نفسه على غلافين لطعام معلّب، أحدهما باللون الأخضر والثاني بالأبيض. وأكدت النتيجة أن الإقبال على الأخضر أبرز بفارق كبير “صحيّة” المنتج، خصوصًا في صفوف المهتمين بسلامة الطعام والتغذية.

ومن استخدامات اللون الأخضر على الأغذية المعلبة أو الجاهزة، هناك الدائرة الخضراء التي فرضت الحكومة الهندية عام 2006م، أن توسم بها كل الأطعمة النباتية. ومن ثَمَّ، أضافت لاحقًا خيارًا آخر، وهو وجود الحرف اللاتيني (V) باللون الأخضر على المنتج، وهو الرمز نفسه المستخدم في الاتحاد الأوروبي للدلالة على الأطعمة النباتية.


يحضر اللون الأخضر في القرآن الكريم أكثر من أي لون آخر، فهو يمثل في البيان الإلهي الخير والجمال والسلام والحياة، كما يتضح من وروده في عدد كبير من الآيات، نذكر جملة منها.

وردت كلمة “الأخضر” مرة واحدة فقط، ليدلل بها الله، عزَّ وجل، على الشيء الحي، وذلك في قوله تعالى:

﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الأخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ﴾ (يس: 80).

فقد نبَّه، سبحانه وتعالى، إلى كمال قدرته في إحياء الموتى، وقدرته على تبديل الحال بما يشاهد من إخراج المحروق اليابس من العود الندي الرطب الحي.

وأتت كلمة “خُضْرٌ” منونة بالضمة، لوصف ما جاء في الجنة من بُسُط وملابس، فقد جاء في تفسير قوله تعالى: ﴿عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ﴾ (الإنسان: 21).

كما أتت كلمة “خُضـْرًا” منـونة بالفتحة في قوله تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنّـَاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهـمُ الأنْهـَار يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَـاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَـابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا﴾ (الكهف: 31).

وأتت كلمة “خُضْرٍ” منوّنة بالكسرة في ثلاثة مواضع، اثنان منها في سورة يوسف:

﴿وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَـرَاتٍ سِمَانٍ يَألهُنَّ سَبـْـعٌ عِجَـــافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾ (يوسف: 43).

﴿يـوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَــافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَـاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّـاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: 46). وتدل كلمة “خُضْرٍ” هنا على لون السنبلات، رمز الاستقرار في الحياة حال توافرها. وفي ذلك دلالة على أن اللون الأخضر يعنى الحياة بما فيها من معاني الاستقرار، كما أن وصف السنبلات بالخضر يعنى أن اللون الأخضر يحمل أيضًا دلالة الخصوبة.

أمَّا الحالة الثالثة، فقد كانت في سورة الرحمن، حيث قال عزَّ وجل:

﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ﴾ (الرحمن: 76). ويرى المفسرون أن في قوله عزَّ وجل: ﴿رَفْرَفٍ خُضْرٍ﴾، وصف للأرائك أو الأراجيح باللون الأخضر لما يحمله من معانٍ للاستقرار.

 وفي سورة الإنسان حيث ذكر المولى عزَّ وجل: ﴿عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا﴾ (الإنسان: 21)، وصف الله زينة ملابس أصحاب الجنة الحريرية وصفًا لا مثيل له، وكذلك أدواتهم. لذا يعدُّ اللون الأخضر لونًا مختارًا من ألوان الجنة يدل على النعيم.

وقد أتت كلمة “خَضِرًا” في موضع واحد فقط في سورة الأنعام في وصف الزرع. قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمـَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَـاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ (الأنعام: 99). وفي تفسير الآية، قال الأخفش: أي أخضر، والخضر رطب البقول.

كما أتت كلمة “مُخضرَّة” في سورة الحج، كدليل على كمال قدرة الله، بإعـادة الحياة بعد الموت. وذلك في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾ (الحج: 63).

 وجاء لفظ “مدهامتان”، في قوله تعالى: ﴿مدهامتان﴾ (الرحمن: 64)، مرادفًا للون الأخضر الغامق، للتعبير عن الجنان. فقد قال الطبري عن دلالة هذا اللفظ: “مسودتان من شدة خضرتهما” في وصف للون الأخضر الغامق حتى السواد.


لون الإسلام!

يقول كثيرون إن اللون الأخضر هو لون الإسلام. وهذا ما نراه في عشرات المصادر التي تتناول العلاقة بين الألوان والحضارات والأديان. لكن بعض المصادر الأخرى المتخصصة تنفي وجود دليل شرعي على هذا الأمر.

فالعلماء المسلمون يقولون عند حديثهم عن اللباس إن أفضل الألوان هو اللون الأبيض. واستدلوا على ذلك بالحديث الشريف: “عليكم بالبياض من الثياب فليلبسها أحياؤكم، وكفنوا بها موتاكم، فإنها خير ثيابكم”. رواه النسائي وصححه الألباني، وفي رواية له: “البسوا من ثيابكم البياض فإنها أطهر وأطيب”.

ولكن لعل في وصف القرآن الكريم لثياب أهل الجنة بأنها خضراء، وما جاء في الأثر الذي عدَّ اللون الأخضر من ضمن أهم جماليات الحياة: الخضرة والماء والوجه الحسن، ما حبّب المسلمين بهذا اللون على نحوٍ خاص، فارتدوه واعتمدوه زينة. فتغلغل أكثر فأكثر في ثقافات الشعوب الإسلامية، حتى أصبح بالفعل من العلامات المميّزة لهويتها الحضارية. ويؤكد ذلك وجود الأخضر، كليًا أو جزئيًا، على أعلام معظم الدول الإسلامية، من علم الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، إلى موريتانيا غربًا وباكستان شرقًا، مرورًا بالطبع بالعلم الوطني السعودي.

مملكة الأخضر

رغم غلبة المساحات الصحراوية على المساحات الخضراء في الجزيرة العربية، تضافرت مكانة اللون الأخضر في الإسلام، مع مكانته في وجدان الإنسان العربي منذ القِدَم، سواء أكان من الحضر الذين استوطنوا الواحات، أم من الرُحّل الباحثين عن الماء والمراعي، على إعطاء اللون الأخضر مكانة رمزية في وجدان ابن الجزيرة العربية هي العليا من بين كل الألوان، ومن دون أي منافس قريب.

طبعًا، هناك أولًا العَلَم الوطني للمملكة. ولا ضرورة هنا للدخول في التفاصيل التي يألفها الجميع، وقد سبق للقافلة أن تناولت تاريخه ووصفته بدقة أكثر من مرة، وكان آخرها في العدد الخاص الذي أصدرته لمناسبة اليوم الوطني الـ92 (2022م)، ويمكن للقارئ أن يعود إليه..

وإضافة إلى دلالته التاريخية والوطنية العليا، اتخذ الأخضر في السنوات القليلة مكانة حياتية وعملية غير مسبوقة في ضخامتها، مع المبادرات التي اتخذها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وأعلن عنها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مثل: “الرياض الخضراء”، و”السعودية الخضراء”، “والشرق الأوسط الأخضر”، والقاصي والداني باتا يعرفان تفاصيلها.

وما بين الحضور التاريخي والمشاريع المستقبلية، يتغلغل اسم الأخضر عميقًا في الحياة الاجتماعية اليومية، أليس هو اسم المنتخب الوطني في كرة القدم، الذي يلتف حوله الجميع، ويغنون له:

أخضر.. أي أخضر؟

حتى الآن تحدثنا عن الأخضر وكأنه لون واحد. ولكن الحقيقة غير ذلك. فأي صورة فوتوغرافية لأي غابة مثلًا، تُظهر تفعيلات عديدة من الأخضر منها ما هو نضر، ومنها ما هو متوسط، ومنها ما هو داكن، أو يميل إلى هذا اللون أو ذاك.

والأخضر في الطبيعة لا يقتصر على النبات، فهناك طيور خضراء مثل الببغاء الأخضر وآكل النحل، وزواحف وبرمائيات خضراء مثل بعض أنواع الضفادع والأفاعي، وكثير من المخلوقات الصغيرة الخضراء كالديدان وغيرها.

وما بين الفاتح والداكن، من الشائع أن نستعمل في حديثنا عددًا محدودًا من النعوت لتوضيح أي لون أخضر نتحدث عنه، ومنها على سبيل المثال: الأخضر “العشبي” للمعتدل في اخضراره، و”الزيتي” للداكن، و”الفستقي” للفاتح المائل إلى الاصفرار… ولكن في الحقيقة، يوجد من اللون الأخضر 134 تفعيلة مختلفة وفق قائمة الألوان الطباعية التي يتعامل معها الفنانون المصممون. ولكل واحدة منها تركيبتها الخاصة من الأحبار وفق نسب مختلفة من الألوان الأساسية والأسود الإضافي. كما أن لكل تفعيلة من تفعيلات اللون الأخضر هذه اسمها الخاص.

في عالم الأحجار الكريمة، على سبيل المثال، يوجد 34 حجرًا كريمًا أخضر اللون. ولأن أثمان الأحجار الكريمة الملوّنة تتفاوت تفاوتًا هائلًا وفق نوعية اللون وجماله، ولتسهيل التفاهم ما بين الباعة والمشترين، تُعتمد في السوق مجموعة أسماء ونعوت لوصف مستوى اخضرار حجر كريم من نوع معين بشكل يزيل أكبر قدر من اللبس. ومن هذه النعوت نذكر:

الأخضر الزيتوني، نسبة إلى لون زيت الزيتون.

الأخضر الفستقي، نسبة إلى لون الفستق الحلبي الطازج.

الأخضر الزمردي، وهو أخضر صارخ ومعتدل في قوته.

الأخضر الزيتوني، نسبة إلى لون زيت الزيتون.

الأخضر الفستقي، نسبة إلى لون الفستق الحلبي الطازج.

الأخضر الزمردي، وهو أخضر صارخ ومعتدل في قوته.

الأخضر الزيتوني، نسبة إلى لون زيت الزيتون.

الأخضر الفستقي، نسبة إلى لون الفستق الحلبي الطازج.

الأخضر الزمردي، وهو أخضر صارخ ومعتدل في قوته.

الأخضر الباكستاني، يشبه الزمردي، ولكنه داكن أكثر منه.

الأخضر الطحلبي، يشبه قليلًا الأخضر الزيتوني.

أخضر القناني، نسبة إلى القناني الزجاجية الداكنة، حيث الأخضر داكن ويميل إلى البني.

أخضر البقدونس، المطابق للون هذه الخضرة الورقية.

الأخضر الفارسي، وهو لون مميّز يشيع استخدامه في السجّاد والخزف الإيراني.

أخضر النيون، وهو أخضر أقل اصفرارًا من الفستقي، ولكنه فاتح بشكل مضيء.

الأخضر الليموني، نسبة إلى الليمون الحامض، ومائل إلى الأصفر بشكل قوي.

الأخضر العسكري، وهو داكن، ويميل قليلًا إلى البني.

ومن يعتقد أنه يعرف إلامَ يشير “أخضر الغابة”، وأنه مجرد أخضر داكن بلون أوراق شجر الغابات، نشير إلى أن هناك ستة مستويات من هذا الأخضر، هي:

  • أخضر الدغل، وهو فاتح اللون نسبيًا، ويميل قليلًا إلى الزرقة.
  • أخضر الغابة الاستوائية، وهو شبيه بالأول، ولكنه داكن أكثر.
  • أخضر الأمازون، شبيه بأخضر الغابة الاستوائية، ولكنه يميل إلى الاصفرار بدل الزرقة.
  • أخضر الدغل الداكن، وهو داكن جدًا، ويميل إلى الزرقة.
  • أخضر الدغل المتوسط، رغم نعته بالمتوسط فهو داكن جدًا، ولكن يبقى لون خضرته ملحوظًا.
  • أخضر الدغل الداكن، وهو قريب جدًا من السواد.

وللدلالة على انعكاس هذه الفروقات في مستوى اخضرار حجر كريم، نضرب مثلًا عن الزمرّد الذي يعرفه الجميع. فثمن قيراط واحد من الزمرّد الجيّد والمعتدل في خضرته يبلغ نحو 800 دولار. وكلما اتجه صوب الاصفرار والشحوب ينخفض سعره، وكذلك الأمر إذا أصبح داكنًا أكثر من اللازم. فعندما يصبح أصفر مائلًا إلى الاخضرار، يصل ثمنه إلى 20 دولارًا فقط للقيراط، حتى إنه لا يعود مسموحًا قانونًا أن يُسمّى زمرّدًا، بل “بيريل أصفر”. والبيريل هو المعدن الأساس في الزمرّد ولا يكتسب اللون الأخضر إلا بدخول نحو 1% من الكروم أو الفاناديوم على سيليكات الألومنيوم والبيريليوم.

أمَّا المثل الذي يمكن أن تجحظ له العيون، فيأتي من الصين. إذ من الممكن أن يشتري المرء قطعة فنية كبيرة من حجر الجاد بحجم طبق مقابل بضع مئات من الدولارات، إذا كان لون الحجر داكنًا، أو يخالط خضرته بعض البياض. أمَّا إذا كان لون الجاد بلون التفاح الأخضر المعتدل ولا يخالطه أي لون آخر، فيمكن لثمن حص صغير منه لخاتم إصبع أن يصل إلى عدة آلاف من الدولارات. وبالفعل، بيع في دار المزاد العلني “سوثبي” في عام 2016م، سوار من الجاد ذو لون أخضر تفاحي نقي قُدّرت قيمته بما يتراوح ما بين 6 و9 ملايين دولار!

مكانة حجر المالاكيت

ومن بين كل الأحجار الكريمة، يحتل المالاكيت مكانة خاصة في عوالم الأخضر. فهذا الحجر الطبيعي المؤلف من كربونات النحاس القاعدية، يتشكل وفق طبقات متمركزة دائريًا بعضها حول بعض، وكلها ذات تفعيلات مختلفة من الأخضر، تتراوح ما بين الأخضر الداكن حتى السواد، والأخضر المعتدل، وصولًا إلى الأخضر الفاتح المائل إلى الزرقة الفاتحة أو الاصفرار. ولا تعود مكانة هذا الحجر الكريم إلى جماله فقط وقابليته؛ لأنه تُصنع منه أعمال فنية رائعة، بل أيضًا لأنه كان أبرز مصدر لصناعة الخضاب الأخضر على مرّ التاريخ، ولولاه لتغيّر تاريخ الفن عمَّا وصلنا منه.

خام حجر المالاكيت الكريم، المصدر الطبيعي الوحيد لتصنيع خضاب أخضر للرسم منذ أيام الفراعنة حتى اليوم.

لوحة “جبل سانت فيكتوار”، للفرنسي بول سيزان، 1906م. بهذه الدراسة للجبل باللون الأخضر، فتح الفنان الباب لظهور التيار التكعيبي.

في تاريخ الفن.. تصنيع الأخضر واستخداماته البارزة

ثمة تلازم تاريخي بين فن الرسم ومحاولات الإنسان محاكاة الطبيعة واستنباط خضاب أخضر يحاكيها. وخلافًا لبهاء اللون الأخضر في الطبيعة ودلالاته الإيجابية، فإن محاولات الإنسان “تصنيع” هذا اللون لاستخدامه في الفن والزينة كانت مأساوية، والأصبغة التي صنعها الإنسان للحصول على اللون الأخضر كانت من أكثر المواد سُميّة في التاريخ.

فحجر الملاكيت الأخضر الذي استخدم الفراعنة مسحوقه للرسم على جدران المدافن، وككحل للعيون، ولا يزال البعض يستخدمه حتى اليوم، هو حجر باهظ الثمن. ولذا، سعى العالم منذ القِدَم إلى استنباط بديل اصطناعي أرخص. ولأن الملاكيت يتألف من كربونات النحاس، تمكّن الرومان من إنتاج خضاب يُسمَّى “فيرديجريس” (Verdigris)، وذلك بواسطة نقع صفائح من النحاس في خل العنب. وكانت النتيجة لونًا أخضر مائلًا إلى الرمادي، يشبه الصدأ الذي نراه على التماثيل النحاسية والعملات القديمة. واستخدم الرومان هذا الصباغ في تلوين الموزاييك والرسم على الزجاج وما شابه ذلك، وظل رائجًا طوال القرون الوسطى.

لوحة “كامي بالثوب الأخضر”، لكلود مونيه، المرسومة بـ “أخضر باريس” سيء الذكر.

في بدايات عصر النهضة، لاحظ بعض الفنانين أن رسم وجه الإنسان باللون الأخضر، ثم وضع طبقة من الصباغ الوردي فوقه، يعطي مظهرًا أقرب إلى لون البشرة. ولكن لاحقًا، بهت اللون الوردي في هذه اللوحات، وبقي الأخضر، ما جعل الناس يبدون في هذه الأعمال أشبه بالمرضى.

وخلال عصر النهضة، ولأن ملابس الناس تدل على انتمائها الطبقي، كما أسلفنا في مكان آخر، استخدم العامة أصبغة عضوية مستخرجة من الأعشاب لصبغ الأقمشة. ولكن كبار الفنانين استمروا في استخدام مسحوق المالاكيت الثمين في أعمالهم. ومنهم على سبيل المثال، الفنان الهولندي يان فان إيك، صاحب لوحة “زواج آل أرنولفيني” (1434م)؛ إذ نرى المرأة بثوب أخضر بارز في اللوحة، دليلًا على انتمائها الطبقي وثرائها. الأمر نفسه ينطبق على “موناليزا” دافنشي، التي نستدل على انتمائها إلى غير طبقة النبلاء من ثوبها الأخضر. ولكن، لأن دافنشي اشتهر بمحاولات اختراع ألوان وأصبغة، وغالبًا ما كانت النتيجة ألوانًا غير مستقرة، فإن ألوان الموناليزا، بما في ذلك خُضرة ثوبها، أصبحت داكنة جدًا بمرور الوقت.

الصباغ القاتل

في عام 1775م، تمكّن عالم الكيمياء السويدي كارل فيلهام شيله، من إنتاج خضاب أخضر قاتل، أساسه من مادة الزرنيخ السامّة. وراج استخدام هذا الصباغ على نطاق واسع، فحلّ محل الأصبغة القديمة في النصف الأول من القرن التاسع عشر، ولكن بكلفة مأساوية.

فقد استُخدِم أخضر شيله في تلوين ورق الجدران، وصبغ أقمشة الملابس، وحتى في لُعب الأطفال. ويقول موقع “ماي مودرن مت”: إن صحفًا في القرن التاسع عشر تحدثت عن مرض النساء بعد ارتدائهن ملابس خضراء، ومرض الأطفال الذين يعيشون في غرف خضراء، وذلك بفعل تنشقهم البخار المنبعث من الصباغ. حتى إن بعض المؤرخين يردُّ وفاة الإمبراطور نابليون بونابرت إلى تسممه بـ “أخضر شيله”، الذي طُليت به جدران غرفته في المنفى. وانتهى أمر هذا الخضاب باستخدامه سمًا للحشرات والقوارض.

في أواخر القرن التاسع عشر، صُنِّع في فرنسا صباغ أخضر مشابه في اعتماده على مادة الزرنيخ كأساس. وجاء هذا الصباغ لتلبية حاجة ضاغطة جديدة تمثّلت في انتشار موضة اللون الأخضر في الثوب النسائي خلال تلك الفترة. كان هذا الصباغ، الذي عُرف باسم “أخضر باريس”، سامًا أيضًا. وهو الصباغ الذي استخدمه الفنانون الانطباعيون، مثل: رينوار ومونيه وسيزان. ويعتقد البعض أنه هو ما كان مسؤولًا عن فقدان مونيه لبصره، وإصابة سيزان بداء السكري. وظل هذا الصباغ رائجًا حتى تاريخ منع إنتاجه واستخدامه في ستينيات القرن الماضي.

غير أن الخضاب الأخضر واستخدامه شهدا تطورين بارزين ومنفصلين خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر. تمثّل الأول في اختراع الألوان الجاهزة للاستخدام على شكل معجون في أنابيب، بدل المسحوق الذي كان يتطلب تحضيرًا ويطير في الهواء إذا ما تعرّض للنسيم، وهو ما سمح للفنانين بحمل عدة الرسم والخروج إلى الهواء الطلق لرسم الطبيعة مباشرة. ولذا، كثُر حضور الأخضر في الفن، وصار يبدو أكثر أمانة لصور الغابات والحقول في التيارات الواقعية التي نشأت آنذاك. أمَّا التطور الثاني، فكان البدء بإعطاء الأخضر دلالات معنوية، وتحميله بحد ذاته خطابًا خاصًا. وظهرت بفعل ذلك تحوّلات بارزة في مسار الفن، مثل دراسة فاعلية اللون الأخضر، وتعاونه مع الأحمر لإظهار قوة كل منهما إذا ما وُضِعا جنبًا إلى جانب، كما فعل فان غوخ في لوحته “المقهى الليلي” (1888م). وأيضًا من خلال استخدام التفعيلات المختلفة للأخضر في رسم “جبل سانت فيكتوار” مرّات عدة ما بين عامي 1885م و1906م، تمكّن سيزان من فتح الباب لتيار جديد في فن الرسم، وهو التيار التكعيبي.

أمَّا اليوم، وبعد ارتفاع مستوى الوعي وتقدّم الأبحاث، فقد باتت تتوافر أصبغة خضراء غير مؤذية للإنسان إن لم تدخل إلى جسمه. حتى لو كانت مثل الصبغين المعروفين بالرقمين 7 و36 اللذين يحتويان على الكلورين، أو “الأخضر 50” الذي يضم خليطًا من الكوبالت والتيتانيوم والنيكل، والذي لا يُعتبر خطرًا، إذا تعامل الإنسان معه وفق إرشادات السلامة. في حين يستمر استخدام مسحوق حجر المالاكيت من قِبل القادرين على دفع ثمنه، وحيثما كان العمل الفني يبرر ذلك، تمامًا كما كان الحال أيام الفراعنة.

في السينما.. لكل محتوى أخضرُ خاص به

رغم أن المناظر الطبيعية الخضراء هي أول ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن حضور اللون الأخضر في السينما، فإن الفن السابع تجاوز منذ زمن طويل هذا الربط البسيط. فللسينما منطقها الخاص في استخدام الألوان وفق ما يلائم المحتوى.

في المكان غير المتوقع

فيما يتعلق باللون الأخضر، يكفي أي فِلم أن يصبغ بالأخضر أي شيء “غير طبيعي”؛ أي أن يضع الأخضر في مكان لا يفترض وجوده فيه، ليصبح هذا اللون نذيرًا بوجود أمر غير اعتيادي. وكأن نقل هذا اللون من مكانه الطبيعي إلى مكان آخر، هو إخلال بالتوازن والاستقامة والمسار الطبيعي للأمور.

ولعل أبرز ما يعبر عن هذه المفارقة ما نراه في فِلم “القناع” (1994م)، حيث يؤدي الممثل جيم كاري دور ستانلي، الشاب الواقعي والخجول والمتواضع وضعيف الشخصية، الذي يتحول إلى نقيض كل ذلك تمامًا عندما يضع على وجهه قناعًا سحريًا يغير ملامح وجهه الذي يصبح أخضر.

وكل المشاهد تقريبًا في الفِلم الخيالي “ماتريكس” (الحاضنة) غارقة في اللون الأخضر المعزّز للمحتوى، حيث يتمتع الأبطال والأشرار بقوى ومهارات غير طبيعية. ولهذا السبب أيضًا، نجد السينما قد صبغت باللون الأخضر وجوهًا وأجسامًا لعدد من أشرار الشاشة ووحوشها، مثل: فولديمورت في سلسلة هاري بوتر، و “هالك” الرهيب، وحتى مصاص الدماء “دراكولا” الذي يظهر باللون الأخضر في بعض أفلام هذه السلسلة.

ولعلّ أبرز ما يعبّر عن التناقض ما بين عنونة فِلم ما بالأخضر ومحتواه، هو فِلم “المنطقة الخضراء”، من بطولة مات ديمون (2010م). ففي حين أن هذه التسمية المجرّدة توحي بالكثير من الإيجابية، يصطدم المشاهد بأنها مستمدة من اسم المنطقة المحصّنة في مدينة بغداد، وأنه أمام فِلم مثير للجدل سياسيًا، تدور أحداثه حول مغامرات حربية على هامش البحث عن أسلحة نووية.

وأحيانًا، يقتصر حضور الأخضر على الدلالة الساذجة على الغابة أو على بيئة طبيعية ما، مثل فِلم “الجحيم الأخضر” (2013م)، وهو فِلم رعب يروي مغامرات مجموعة من الطلاب الناشطين في أدغال الأمازون واصطدامهم بأكلة لحوم البشر.

الرمزية الإيجابية

غير أن ما تقدم لا يعني أن السينما ترى اللون الأخضر خلافًا لما يراه عموم الناس. فالبطل الذي يكافح العصابات في الفِلم الكوميدي “الدبّور الأخضر” من إخراج ميكل غوندري (2011م)، يحمل هذا الاسم المستعار من المقالات التي كان يوقعها ضد العصابات والمجرمين.

وفي الفِلم الكلاسيكي “القبعات الخضر” (1968م)، الذي أخرجه جون واين، ويدور حول حرب فيتنام عندما كانت تلك الحرب في ذروة عنفها، إذ ترمز القبعات الخضر إلى فرقة من الجيش الأمريكي. ولما كان الفِلم ينتصر لفيتنام الجنوبية، ويعادي الشيوعية بلا هوادة، فإن اختيار لون القبعات ليكون عنوانًا له، يختصر كل مجراه وتوجهاته.

وإلى هذا، لا ننسى أن السينما الموجهة للأطفال ابتكرت شخصيات خيالية ذات لون أخضر، مثل: “شريك”، و “كيرميت” الضفدع الأخضر (الضفدع كامل)، وما شابه ذلك.

جغرافيًا وبشكل عفوي، التصق اللون الأخضر ببعض البلدان والمواقع، إمَّا اسمًا رسميًا كما هو الحال في جمهورية الرأس الأخضر في إفريقيا، والجبل الخضر في عُمان، وجبل أخضر ثانٍ في إندونيسيا، ووادٍ أخضر في مكان ثالث ورابع. وإمَّا اقترن هذا اللون بالاسم نعتًا، ودائمًا من باب المدح، مثل: “إيرلندا الخضراء” و “لبنان الأخضر” و “تونس الخضراء”، ويقول الشاعر نزار قباني:

“يا تونس الخضراء جئتك عاشقًا
            وعلى جبيـــني وردة وكتــــابُ
إني الدمشقي الذي احترف الهوى
            فاخضوضرت بغنائه الأعشابُ”

ولكن ثمة بلدانًا تثير بتسميتها بالخضراء علامة استفهام.

غرينلاند هي أكبر جزيرة في العالم بعد أستراليا، وجزء من مملكة الدنمارك، تقع بين المحيط المتجمد الشمالي والمحيط الأطلسي. وبسبب موقعها، فإنها مغطاة بنسبة 80% بالثلوج والأنهار الجليدية على مدى السنة. ومع ذلك، فإن معنى اسمها “الأرض الخضراء”.

ولكن على مسافة قريبة منها، في المحيط الأطلسي وعلى حافة المحيط المتجمد الشمالي، تقع جمهورية إيسلندا، المؤلفة من أرخبيل كبير، ومعدل حرارة المياه فيه يفوق بست درجات مئوية ما هو عليه الحال في غرينلاند. ولا تتجاوز مساحة الأنهار الجليدية والثلوج الدائمة في إيسلندا 8% من مساحتها. أي أنه تبقى فيها مساحات خضراء كبيرة صيفًا وشتاء. ومع ذلك، تحمل تلك البلاد اسم “أرض الجليد”. وكأن خطأ ما أدى إلى تبادل اسمي هذين الموقعين بشكل يناقض طبيعتيهما، ويشكل أحجية لكل من جال سائحًا في شمال الأطلسي.

الاسم الأصلي لغرينلاند بالدنماركية هو “كالاليت نَـنّات”؛ أي “أرض الناس”. فمن أين أتاها اسم “الأرض الخضراء” الشائع عالميًا منذ القرن العاشر الميلادي؟

تقول الرواية التاريخية: إنه عند اكتشاف غرينلاند التي كانت غير مأهولة في القرن العاشر الميلادي أطلق ملك الدنمارك آنذاك، إريك الأحمر، اسم “الأرض الخضراء” على تلك البلاد الجليدية، من باب إستراتيجية تسويقية تهدف إلى حثّ الناس على التوجه إليها واستيطانها، وإغرائهم بوجود أرض صالحة للزراعة.

ووفق تفسير مشابه في جوهره، ومناقض تمامًا في الظاهر، حُمّلت إيسلندا التي اكتُشفت في القرن التاسع الميلادي، هذا الاسم السلبي الذي يوحي بأنها صحراء جليدية لهدف معاكس. وهو أن المستوطنين الأوائل الذين استقروا في الجزيرة وردعوا تدفق مستوطنين جدد، أرادوا احتكار الأراضي لأنفسهم، فأطلقوا على مستوطنتهم هذا الاسم الذي يحبط هِمم الذين قد يفكرون في الهجرة إليها.

معناه ومشتقاته في معجم واحد

عند البحث عن التفسير المعجمي لمفردة “أخضر”، يُفاجأ المرء بكثرة الاشتقاقات والمعاني، حتى يكاد الحصر يبدو مستحيلًا. ولو توقفنا عند معجم اللغة العربية المعاصرة وحده، لوجدنا سيلًا من اشتقاقات الجذر “خضر”، يتوزع على عوالم الزراعة والتجارة والعلوم وحتى الحيوان. وفيما يأتي بعضه وليس كله لضيق المجال:

أخضر: أخضرَ يُخضر، إخضارًا، فهو مُخضِر، والمفعول مُخضَر. أخضر الماءُ الزَّرعَ: أنعمه وجعله أخضرَ نضرًا. أخضرُ [مفرد]: ج خُضْر، مؤنث خضراءُ، ج مؤنث: خَضْرَاوات. وخُضْر: صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من خضِرَ. شابٌّ أخضر: ناهز سنَّ البلوغ. عيش أخضر: ناعم. أخضرُ: غير نضيج “تفاح أخضر”. أخضر الكروم: مسحوق أخضر اللّون لا يذوب في الماء، ويذوب في الأحماض وهو أكسيد الكروم، يستعمل خِضابًا، وفي طباعة الأوراق الماليّة، وفي تلوين الخزف والزجاج. الأخضران: البحر والليل. أخضرُ [مفرد]: اسم تفضيل من خضِرَ: على غير قياس: أكثر خُضرة، “هذه الشجرة أخضر من غيرها”.

اختضر: اختضرَ يختضر، اختضارًا، فهو مختضِر، والمفعول مختضَر. اختضر الفلاَّحُ الزَّرعَ: قطعه أخضر قبل أوان نضجه، أو أكله أخضر. اختُضِرَ يُخْتَضر، اختضارًا، والمفعول مُختضَر. اختُضِر الشَّخصُ: مات في مقتبل العمر، مات شابًّا غضًّا.

اخضار: اخضارَّ يخضارّ، اخْضِيرارًا، فهو مُخضارّ. اخضارَّ النَّباتُ: اخضرَّ شيئًا فشيئًا، صار لونه أخضر تدريجيًّا.

اخضر: اخضرَّ يخضرّ، اخضِرارًا، فهو مُخضَرّ. اخضرَّ ورقُ الشَّجر: خضِر، صار في لون الحشائش الغضّة، صار لونه أخضر. اخضرَّتِ الأرضُ: نبت زرعُها، كُسيت بالزَّرع الأخْضر.

اخضوضر: اخضوضرَ يخضوضر، اخضيضارًا، فهو مُخضوضِر. اخضوضر الزَّرعُ: اشتدَّت خُضرتُه “جاد المطرُ هذا العام فاخضوضر النَّبتُ”.

خاضر: خاضرَ يُخاضر، مخاضرةً، فهو مخاضِر، والمفعول مخاضَر. خاضر فلانًا: باعه الثَّمرَ أخضر قبل ظهور صلاحه، باعه الثِّمارَ قبل نضجها “انصرف عنه التُّجّار لأنّه كان يخاضرهم”.

خضار: خُضار [جمع]: (نت) نبات يُزرع لصلاحية جزء منه للأكل مثل أوراق السبانخ. “سوق الخُضار”.

خضارة: خُضارة [مفرد]: بقول خضراء “يُحِبُّ أكل الخُضارة لا سيّما الخَسّ”.

خضاري: خُضاريّ [مفرد]: 1- اسم منسوب إلى خُضار. 2- (حن) طائر أخضر من الجواثم ويقال له: القاريَّة، الأخيَلُ.

خضراء: خَضْراءُ [مفرد]: ج خَضْرَاوات وخُضْر: 1- مؤنَّث أخضرُ: “إشارات خُضْر/ خضراء- بطاقات خضراوات”. خَضْراءُ الدِّمَن: حَسَنةُ المَظْهر سيِّئة الباطن، المرأة الحسناء في المنبت السّوء. 2- بقول خضراء. أباد اللهُ خضراءَهم: أفناهم، أذهب خصبهم ونعيمهم – يده خضراء. الخَضْراء: السَّماء.

خضرة: خُضْرة [مفرد]: ج خُضْرَوات (لغير المصدر) وخُضَار (لغير المصدر) وخُضْر (لغير المصدر) وخُضَر (لغير المصدر): 1- مصدر خضِرَ. 2- بقول خضراء “اعتادت الذهاب إلى سوق الخُضَر/ الخُضَار يوميًّا”. 3- غُبرة يخالطها سواد وتوصف بها الخيلُ والإبل. 4- لون أخضرُ “هذا ثوب لونه أصفر وتشوبه خُضرة”.

خضري: خُضَرِيّ [مفرد]: فاكهانيّ، بائع الخُضَر أو الفاكهة بالتجزئة “عرض الخُضَريّ بضاعتَه عرضًا جيِّدًا”.

خضيري: خُضَيْريّ [مفرد]: طائر من فصيلة الشَّرشوريَّات ورتبة الجواثم المخروطيّات المناقير.

خُضَّار [جمع]: (حن) جنس طير من الفصيلة الخُضّارية، ورتبة الجواثم الملتصقات الأصابع.


مقالات ذات صلة

ماذا لو لم يكن البَقر موجودًا في هذا العالم؟
الجواب هو: لكان العالم بتاريخه وحاضره غير العالم الذي نعرفه.

في هذا الملف، نذهب إلى جولة في رحاب الكون، لاستطلاع بعض ما نعرفه عن هذه الأجرام السماوية الجميلة، وعن حضورها الآسر في الثقافة والعلوم، ودورها في تطوير الحضارة الإنسانية.

إنه الجواب عن أي سؤال يبدأ بـ “كم؟”. هو كالهواء الحاضر دائمًا من حولنا حتى الالتصاق بنا، ننساه أو نتناساه، أو نتجاهله، رغم أنه وراء تشكيل كل ما أنتجه وسينتجه الإنسان، من الملابس التي على أجسامنا، إلى أبعد الأقمار الاصطناعية عن كوكبنا. إنه القياس، هذا الفعل الذي لا بدَّ منه، ليس فقط لضمان سلامة إنتاج […]


0 تعليقات على “الأخضر”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *