شهدت العقود القليلة الماضية تقدماً كبيراً في الأبحاث الفضائية قادت إلى استكشاف جميع كواكب المجموعة الشمسيّة والتعرّف على طبيعتها. وبالطريقة نفسها يخطّط العلماء لإرسال مركبات فضائية إلى النجم ألفا سنتوري، وذلك عن طريق تطوير أنظمة دفع تعتمد على الرياح الشمسية.
ونتيجة التطوُّر في تقنيات الرصد الفضائي، فقد ازداد عدد الكواكب المكتَشَفة خارج مجموعتنا الشمسية، وهي من الممكن أن تكون قادرة على دعم الحياة. وهناك عديد من المقترحات التي يفكّر فيها العلماء للوصول إلى هذه الكواكب من أجل مزيد من التعرُّف على طبيعتها. إحدى هذه التقنيّات الواعدة، استخدام القوة الكهربائية للرياح الشمسية بغية توفير قوة دفع المركبة الفضائية.
الرياح الشمسيّة
تحتوي الرياح الشمسيّة التي تطلقها النجوم على جسيمات مشحونة كهربائياً. وهذه الجسيمات تتدفّق باستمرار من طبقة الإكليل (Corona) إلى الفضاء الخارجي. ويتكوّن معظمها من البروتونات والإلكترونات. وتتميَّز طبقة الإكليل بدرجة حرارة عالية تفوق كثيراً درجة حرارة سطح الشمس، إذ تزيد على مليون درجة مئوية. وكلما زادت درجة الحرارة تحركت الجسيمات تحرّكاً أسرع طبقاً للنظرية الحركية في الغازات. وهذه الجسيمات تتميّز بطاقتها العالية؛ مما يجعلها تتحرّك بسرعة كبيرة تمكّنها من الإفلات من مجال جاذبية الشمس، فتصل سرعتها في طبقة الإكليل إلى 800 كم/ثانية. علماً أن سرعة الإفلات من جاذبية الشمس تبلغ 617 كم/ثانية. وهذه الطاقة العالية فتحت للعلماء باباً من احتمالات الاستفادة منها في دفع المركبات الفضائية لتكون قادرة على السفر إلى النجوم وإحداث قفزة تقنية نوعية واعدة في مجال النقل الفضائي، باستخدام الشراع المغناطيسي.
فكرة الشراع المغناطيسي
ولدت فكرة الشراع المغناطيسي في المحافل العلمية عام 1988م. وكانت أول ورقة علميّة قُدِّمت حول هذه التقنيّة وإمكان استخدامها، في مؤتمر الاتحاد الدوليّ للملاحة الفضائية التاسع والثلاثين الذي أقيم في مدينة بنغالور بالهند. وكانت الورقة العلميّة تحمل عنوان “الأشرعة المغناطيسية والسفر بين النجوم”. وقدَّمها كل من دانا آندروز، وروبرت زوبرن. ونُشِرت الورقة العلميّة في مجلة الجمعيّة البريطانيّة بين الكواكب (JBIS) عام 1990م. ونظراً إلى أهمية هذه التقنيّة الواعدة، توالى بعد ذلك نشر سلسلة من الأوراق العلميّة في موضوعها. كذلك شكّلت الأشرعة المغناطسيّة أرضاً خصبة لكتَّاب الخيال العلمي. ففي رواية الخيال العلمي المنشورة في عام 2003م، حطام نهر النجوم للكاتب الأمريكي مايكل فلين (Michael Flynn)، وتدور أحداثها في عام 2051م، تستخدم المركبة الفضائية نهر النجوم، تقنيّة متطوّرة للغاية من أجل الحصول على طاقة الدفع؛ وذلك من خلال نشر أشرعتها التي تتكوَّن من مادة فائقة التوصيل للرياح الشمسية.
المبدأ العلميّ
توضَع حلقة دائرية من موصل فائق التوصيل، يبلغ نصف قطرها 50 كيلومتراً أو أكثر على المركبة الفضائية، وتزوَّد هذه الحلقة بتيار كهربائي. ويبدأ التيار الكهربائي بالسريان في الحلقة إلى أجل غير مسمَّى، مع وجود القليل من الطاقة وحتى دون وجودها؛ ذلك أن الموصلات الفائقة مقاومتها صِفر، ولا يوجد ما يعيق حركة الإلكترونات ويبدِّد طاقتها. وكما هو معروف فيزيائياً أن مرور تيارٍ كهربائي في سلك يؤدّي إلى تشكّل مجال مغناطيسيّ، وهذا يعني أن الموصل الفائق الضخم سيولّد مجالاً مغناطيسيّاً كبيراً جداً ودائماً حول المركبة الفضائيَّة، وهو بدوره سيؤثِّر في الجسيمات المشحونة فيجعلها تنحرف، وبالتالي تنقل كمية الحركة (Momentum) إلى الحلقة، فتزيد سرعة المركبة الفضائية. كما يمكن للشراع المغناطيسيّ التفاعل مع مجال الكواكب المغناطيسيّ، وهذا يعني عندما تصل المركبة الفضائية إلى وجهتها، أنها يمكن أن تستخدم مجال الكوكب المستهدف المغناطيسي لإبطاء السرعة ومن ثم الدخول في المدار بمساعدة إضافية من جاذبيّة الكوكب المعروفة باسم تأثير المقلاع (Slingshot Effect).
وهناك ميزة استثنائيّة تتميّز بها الأشرعة المغناطيسية عن الأشرعة الشمسيّة وهي عملية إبطاء المركبة الفضائية، فإبطاؤها يمثّل تحدياً كبيراً في الأشرعة الشمسيّة؛ لأنه لا يمكن تزويد المركبة بدوافع الفرامل والوقود دون زيادة وزنها. وهذه المشكلة يمكن حلها عن طريق استخدام الأشرعة المغناطيسيّة، إذ إن الجسيمات المشحونة كهربائياً عندما تمر من خلال الحلقة، تنعكس عن المجال المغناطيسي القوي في منتصف الحلقة؛ مما يؤدِّي إلى إبطاء المركبة الفضائية تدريجياً.
تصميم الشراع المغناطيسيّ
يعتمد اتجاه دفع الشراع المغناطيسيّ على الزاوية التي يصنعها مع الرياح الشمسيّة أو مجال الكوكب المغناطيسي، كما أن قوة الدفع تعتمد على مساحة الحلقة ومقدار التيّار المتولّد، فكلّما زاد حجم الحلقة ومقدار التيّار كانت قوّة الدفع أكبر. ونظراً إلى أن كميّة حركة الرياح الشمسيّة أقل بكثير من كميّة حركة ضوء الشمس، فيجب أن تكون الحلقة ضخمة جداً، بحيث يكون نصف قطرها 50 كيلومتراً أو يزيد. وتُصنَع الحلقة من أسلاك فائقة التوصيل كي يستمر التيّار في التدفّق؛ من أجل توليد مجال مغناطيسيّ.
تحدّيات عديدة
ما زالت التقنيّة الحاليّة غير قادرة على إنتاج مئات الكيلومترات من الأسلاك الفائقة التوصيل، علاوة على إبقائها في درجة الحرارة المطلوبة من البرودة الشديدة. كما أن تصنيع الموصلات الفائقة باهظ التكلفة من الناحية الاقتصادية. والأمر لا يتعلق بالتحدّيات التقنيّة والاقتصادية فحسب، ذلك أن الفضاء بين النجوم فارغ للغاية بكثافة تصل إلى 0.1 جسيم لكل سنتمتر مكَعَّب؛ وهذا يعني أن المركبة الفضائية سوف تتحرك ببطء نسبي، وبناءً على حسابات أستاذ الفيزياء النظرية بجامعة غوت في فرانكفورت كلاوديوس جروس، أن السرعة تبلغ 1000 كم/ث، وهذه تعادل 1 على 300 من سرعة الضوء. وبهذه السرعة المنخفضة سوف تستغرق المركبة الفضائية أكثر من ألف عام من أجل الوصول إلى أقرب النجوم إلينا بعد الشمس، وهو ألفا سنتوري. وهذه الفترة الزمنية تزيد كثيراً على متوسط عمر الإنسان، وستستحيل معرفة نتائج الدراسات النجمية في الجيل نفسه من الباحثين. ويذهب بعض العلماء إلى أن الهندسة الوراثية ربما تكون قادرة في المستقبل على تمديد عمر الإنسان إلى آلاف السنين؛ عند ذلك ستكون الأشرعة المغناطيسية تقنيّة واعدة في السفر إلى النجوم في المستقبل.
آفاق واعدة
على الرغم من أن السرعة المنخفضة نسبياً إلى الأشرعة المغناطيسيّة التخيليّة، إلا أنها في الحقيقة تزيد على خمسين ضعفاً من سرعة مركبة فوياجر 1، فإن وقت الرحلة الفضائية ليس عاملاً جوهرياً، فالعامل المهم هو إبطاء المركبة الفضائية ودخولها في مدار حول الكوكب. وسوف تكون المركبة الفضائية التي تعمل بالأشرعة المغناطيسية مناسبة جداً للقيام بهذه المهمة.
كذلك يُحتمل في المستقبل البعيد أن تمثّل تقنية الأشرعة المغناطيسية تحولاً كبيراً فيما يتعلّق بنقل الأقمار الاصطناعية ووضعها في مدارات حول الأرض، واستكشاف كواكب المجموعة الشمسيَّة.
اترك تعليقاً