مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
2024

أكثر من رسالة

إدراك الحيوان.. الدلافين نموذجًا


يحيى ناصر الجاسم

كثيرًا ما يتوقف الإنسان منبهرًا أمام مجموعة من السلوكيّات التي تؤديها الحيوانات، متضمنة عمليات ذهنية محكمة ولافتة تنمُّ عن ذكاء نوعي، ومن الطبيعي أن يقوده انبهاره إلى مجموعة من الأسئلة: هل الحيوانات كائنات ذكيّة؟ وما الدلائل التي تشير إلى هذا النوع من الذكاء؟

يُجمع المراقبون والباحثون، كما ظهر في مقالة القافلة “هل للحيوانات وعي؟”، من عدد يوليو – أغسطس 2023 (699)، حول سلوك الحيوانات، على أنها تتمتّع بقدرات إدراكيّة مذهلة. إضافةً إلى ذلك، تشير الباحثة كاثرين بوتلر، إلى أن الأبحاث التي أُجريت على الحيوانات أظهرت أنها أذكى مما يتوقعه الإنسان، وأن الحشرات لها قدرة على حل بعض المشكلات، وتتمتع الغربان بفهم متقدّم لمحيطها بطريقة قد تفوق القردة.

وبنظرة فاحصة لممارسات العنكبوت الهندسيّة عند تصميم شباكه، والنحل عند بناء خلاياه، والنمل حين يوزّع المهام بين أفراده، نصل إلى نتيجة مفادها أن هذه الأنواع تمتلك إدراكًا عاليًا يلبي احتياجاتها ويحفظ بقاءها. وقد أوضحت الدراسة التتبعيّة التي أجراها “فيريس جبر” لسلوك فيل “كاندولا” أن هذا الفيل يقطف الفاكهة.

إذا افترضنا أن الذكاء هو القدرة على تعلم الأشياء وممارستها ومعرفة التحديّات وتجاوزها؛ فإن الدلافين تُعتبر مثالًا رائعًا للحيوانات الذكيّة. ويتضح من مجموعة من الدراسات أنها تظهر مهارات إدراكيّة رائعة، مثل حل المشاكل والقيام بمهارات تثير الدهشة والمتعة. كما أنها تعتبر من أفضل الحيوانات التي تمتلك دماغًا كبيرًا نسبة إلى حجم أجسامها (حوالي 1600 غرام)، إذا ما قورنت بالحيوانات الأخرى. ومن المعروف أن المخلوقات ذات الدماغ الكبير تمتاز بــالعمر الطويل، والقدرة على خلق العلاقات الاجتماعية، وقلة عدد مواليدها مقارنة بالحشرات. هذا لأن الإناث تأخذ وقتًا أطول في تربية صغارها، وهي تستغرق مدة زمنية طويلة لكي تنضج جنسيًا.

وتشير الأبحاث إلى وجود منطقة في أدمغة الدلافين تسمّى “تحديد الموقع بالصدى”، تمكِّنها من معرفة محيطها باستخدام الموجات الصوتية، وتجعلها تصطاد الأشياء في الظلام أو المياه العكرة والتعرف على حالات الحمل عند إناثها. وقد وُجد أن الخلايا العصبية المغزلية هي المسؤولة عن التذكر والإدراك والتكيف مع التغيرات. وأن الخلايا التي تعالج المشاعر العاطفيّة المسماة بـالجهاز الحافي (limbic system) تُظهر تعقيدًا أكثر مقارنة بالدماغ البشري. ولذلك يقول خبير الأعصاب لوري مارينو: “أن تكون دلفينًا، فهذا يعني أنك تخوض علاقات اجتماعية أكثر مما هي عند البشر”.

إضافةً إلى ذلك، وجد فريق من الباحثين أن الدلافين تمتلك قدرة فريدة من نوعها على التعلُّم، بل لها القدرة أيضًا على تعليم بني جنسها مجموعة من المهارات بعد إتقانها.

وفي عام 2001م، أظهر بحث أجراه “مارينو” أن الدلافين تتعرّف على نفسها في المرآة؛ إذ وضع الباحث وزملاؤه بقعًا على أجزاء مختلفة من أجسام الدلافين باستخدام بعض العلامات، ولاحظوا أن هذه المخلوقات بدأت تنظر إلى البقعة المحددة من خلال المرايا الموضوعة في خزانتها، وأن عددًا قليلًا من الأنواع الأخرى مثل الشمبانزي أظهرت هذا النوع من السلوك الإدراكي.

وبيّنت دراسات “مارينو” أن الدلافين قادرة على فهم بعض الرموز البسيطة التي يتخاطب بها البشر مع الدلافين، أو بعض الجمل البسيطة، مثل: “أحضر الكرة إلى الطوق”. كما أظهرت أن الدلافين تفرق بين الجملتين المتشابهتين، مثل: “أحضر الكرة إلى الطوق” وجملة “أحضر الطوق إلى الكرة”.

وقام آيا كوريتا باختيار أنثى من الدلافين للتعرّف على مدى إدراكها للصور المعروضة على الشاشة بعد تحديد ردة الفعل الأولى مع كل صورة. وبعد تغيير مواضع الصور على الشاشة، وجد أن الدلافين نجحت في التعرّف على المعلومات المعروضـة. ومن المتـوقع أن تكون قدرتها عـلى فهم المعلومات الديناميكية أفضل من قدرتها على فهم المعلومات الثابتة التي لا يوجد بها أي حركة.

ومن خلال الدراسات السابقة، يتضح أن الدلافين قادرة على تعلُّم مهارات جديدة لم تعتدها من قبل، ولها القدرة على التمييز بين الجمل اللفظية التي عُرضت عليها. ووفقًا لبعض الدراسات، فإن الدلافين تعتبر ثاني أذكى الكائنات بعد الإنسان.

اقرأ القافلة: “هل للحيوانات وعي؟” من العدد 699 (يوليو-أغسطس 2023م).


مقالات ذات صلة

تُتاح نسخة البي دي إف (PDF) من العدد 703 (مارس-أبريل 2024م) على موقع القافلة خلال بضعة أيام بعد إطلاق العدد على الموقع الإلكتروني.

في إطار واقعنا اليومي المعاش، هل يمكن أن نجد غربالًا نحجب به حقيقة تنامي النزعة الفردية، بمختلف أشكالها التي ننحاز إليها أو نخشى منها؟!

استطلاع آراء عدد من قرائنا، ومعرفة الفلسفة العميقة وراء دوافعنا في توثيق اللحظات، ومحاولاتنا للاحتفاظ بالزمن.


رد واحد على “إدراك الحيوان.. الدلافين نموذجًا”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *