ديوان اليوم

إلى بغداد

يختار الأستاذ رجاء النقاش٭ عيوناً من شعر الأمس وشعر اليوم تناجي بغداد ويقدم لها:
لمدينة بغداد أسماء عديدة منها: مدينة السلام، والزوراء، ومدينة المنصور، ومدينة الخلفاء. واسم (بغداد) له مكانته وسحره فـي الوجدان العربي، ومازلنا نستخدم فـي أحاديثنا الشعبية كلمة (تبغدد) أي أنه أظهر الأناقة والرشاقة والترف والخيلاء والاعتزاز بالنفس. أما كلمة بغداد فـي الوجدان الشعري فلها مكانة كبيرة، فالكثيرون من شعراء العرب القدماء والمعاصرين كتبوا قصائد جميلة عن هذه المدينة الساحرة، المثيرة للخيال والمشاعر العميقة الأصيلة، سواء أكان ذلك بفضل تاريخها القديم العظيم، أم بفضل ما تتمتع به من جمال وتنوع واسع فـي طبيعتها وآثارها. ولا تكاد توجد مدينة عربية أخرى تتمتع بما تتمتع به بغداد، من مكانة شعرية توشك أن تتفوق على مكانتها التاريخية.

وهذه مختارات مما قيل فـي بغداد والعراق من الشعر المعاصر والقديم، فبغداد فـي عيون الشعراء هي نبع من أجمل وأغنى ينابيع الفن والإلهام .

وداعاً أيها الضوء الشتوي
وداعاً
يانار الموقد
يا حطباً يتأجج ما بين شظاياه الجمر
غدي
وداعاً
المقصلة التمّت عبر حبال سود
تلتف وتلتف على عنق طالت
تاهت
صارت مداً أبعد من مدّ يدي
وداعاً .. يا الآتون إليّ
بلا أمسِ .. وبدون غد ِ
ما أجمل موتاً
ينسينا ما كان لنا .. ما سوف يكون لنا
ما أجمل موتاً يوغل في صمتٍ أبدي
بلند الحيدري

…..
أُغنّي لبغداد، أستنشق الليل فيها
أُغنّي لدار السلام
أُغنّي بلهجتها ، فكأني فتى من بنيها
أُغنّي الصَّبا، أغني المقام
أصاحب أكرادها،
أتعلم منهم محبتهم للفَرَسْ
طريقتهم في امتشاق الحسام
وأهتف في الليل عاش السلام!
أحمد عبد المعطي حجازي

بغدادُ يا بلدَ الرشيد
ومنارة المجد التليد
يا بسمةً لمَّا تزل
زهراءَ فـي ثغر الخلود
يا موطنَ الحبّ المقيم
ومضرب المثل الشرود
ياسطرَ مجدٍ للعروبة
خُطَّ فـي لوح الوجود
يا راية الإسلام
والإسلام خفّاق البنود
يا مغربَ الأملِ القديمِ
ومشرقَ الأمل الجديد
علي الجارم

لقد كان عهدي بالعراق سخِيَّة
ذُراه، وكفُّ الراتعين به رطب
وأفياؤه ممدودة، ونسيمه
زكِيّ الشذا، غضٌّ، وفردوسه رحب
وأفنانه ممطورة، وأديمه
– تذكرك النسرين أنفاسُه – خصب
فهل حضنه صار الضنين بحدبه
عليك، فلا عطف لديه، ولا حدْب؟
عدنان العوامي

بغداد ..جئتك كالسفينةِ متعباً
أُخفي جراحاتي وراء ثيابي
أنا ذلك البحّارُ أنفق عمرَهُ
في البحث عن حبٍّ .. وعن أحباب
حتى رأيتُكِ قطعةً من جوهرٍ
ترتاح بين النخل والأعنابِ
بغدادُ عشتُ الحسنَ في ألوانه
لكنّ حُسنكِ لم يكن بحسابي
ماذا سأكتبُ عنك في كتبِ الهوى
فهواك لا يكفيه ألفُ كتابِ
نزار قباني

……
أستودَع الله فـي بغدادَ لي قمراً
بالكرخِ من فلك الأزرارِ مطلعُهُ
ودعته وبِوُدّي لو يودّعُني
صفوَ الودادِ وأني لا أودّعُهُ
وكم تشبّث بي عند الرحيلِ ضُحىً
وأدمُعي مُستهلاّت وأدمُعُه
لا أكذب الله ثوبَ العذرِ منخرقٌ
عنّي بِفُرقتِهِ لكنْ أُرقِّعُه
إنّي أوسِّع عُذري فـي جِنايته
بالبَيْنِ عنه وقلبي لا يُوَسِّعُه
أُعطيتُ مُلكاً فلم أحسنْ سياسَتَهُ
كذاك من لا يسوسُ الملكَ يخلَعُهُ
ومن غدا لابِساً ثوب النعيم بلا
شكرِ الإله فعنهُ اللهُ ينزعُهُ
إبن زريق البغدادي

بغدادُ ما اشتبكت عليك الأعصرُ
إلا ذَوَتْ … وَوريقُ عُمرِك أخضَرُ
مرّت بك الدنيا، وصبحُك مشمسٌ
ودَجتْ عَليك، ووجهُ ليلِكِ مُقمرُ
وقَستْ عليك الحادِثاتُ، فراعَها
أن احتمالَكِ من أذاها أكبرُ
حتى إذا جُنّت سِياطُ عذابِها
راحَت مواقعُها الكريمةُ تسخرُ
فكأن كِبرَكِ- إذْ يسومُكِ (تيمرُ)
عنتاً- دلالُكِ إذ يضمّك (جعفرُ)
وكأنّ نومَك – إذ أصيلُكِ هامدٌ-
سِنةٌ، على الصبح المرفَّه تَخطُرُ
للّه أنتِ.. فأيُّ سرٍّ خالدٍ
أن تسمني، وغذاءُ روحك يَضمر
أن تشبعي جوعاً وصدرُكِ ناهدٌ
أو تُظلِمي أفُقاً، وفكرُكِ نيّرُ
مصطفى جمال الدين

بغدادُ .. يا أغرودةَ المنتهى
وياعروسَ الأعصرِ الخالية
الليلُ في عينيكِ مستيقظٌ
وأنتِ في مهدِ الهوى غافية
زوارقُ الأحلامِ في سجوة
سكرى ترود الضفةَ الساجية
والحورُ والصفصافُ لم يهجعا
إلا على أقدامِكِ العارية
يحتضنانِ الصمتَ في قبلةٍ
عُذريةٍ مشبوبةٍ سابية
والبلبلُ الليلِيُّ في شدوِهِ
أيقظَ حتى الدوحة الزاوية
عبد الوهاب البياتي

حييتُ سفحَكِ عن بعدٍ فحييني
يادجلةَ الخير، يا أمَّ البساتينِ
حييتُ سفحك ظمآناً ألوذ به
لَوْذَ الحمائمِ بين الماءِ والطينِ
…..
يا دجلةَ الخيرِ: قد هانَتْ مطامِحُنا
حتى لأدنى طِمَاحٍ غيرُ مضمونِ
أتضمنين مقيلاً لي سواسيةً
بين الحشائش أو بين الرياحينِ؟
خلوا من الهمِّ إلا همَّ خافقةٍ
بين الجوانح أعنيها وتعنيني
تهزّني فأجاريها فتدفعُني
كالريح تعجلُ في دفعِ الرياحين
محمد مهدي الجواهري

أعاينتُ في طولٍ من الأرضِ والعرض
كبغدادَ داراً إنّها جنّةُ الأرضِ
صفا العيشُ في بغداد واخضرَّ عودُه
وعيشُ سواها غيرُ صافٍ ولا غضِّ
تطولُ بها الأعمارُ إن غذاءَها
مريءٌ وبعضُ الأرضِ أمرأَ من بعضِ
عقيل اليربوعي

بغدادُ يا شغفَ الجمالِ
وملعبَ الغزلِ الطروبِ
بنتِ المكارمُ للعروبةِ فيكِ
جامعةَ القلوبِ
بيتٌ من الأخلاقِ ضاقَتَ
عنه أخلاقُ الشعوبِ
وسِعَ الدياناتِ السماحَ
وضم أشتات الندوبِ
بشارة الخوري

…..
والبصرةُ تدخلُ تحت شوارعها
تدخلُ تحتَ الماءِ أُجاجاً
تدخلُ تحت الكتب الموصوفة
تدخلُ في الروح ولاتخرجُ إلا والروح..
مدينتنا!
من ضيّع عاداتِ النورس؟
من جاء َبغربان الجثثِ الأولى؟
من جاءكِ بالأكياس الرملية يا فيروزَ الشطآن؟
من عضَّ سباخك بالقتلى؟
نهرٌ عباسي يحفر مجراه
قروناً هذا النهرُ العباسيُّ يتابع مجراه
سعدي يوسف

أتذكّرُ السيّابَ، يصرخُ في الخليج سُدى
عراقُ، عراقُ، ليس سوى العراق..
ولا يردّ سوى الصدى.
أتذكّرُ السيّابَ، في هذا الفضاءِ السومري
تغلبت أنثى على عُقم السديم،
وأورثَتْنا الأرضَ والمنفى معاً
أتذكّرُ السيّابَ ..أن الشعر يولدُ في العراق
فكن عراقياً لتصبح شاعراً يا صاحبي!
محمود درويش

لو أن حيَّاً خالداً فوق الثَرى
ما ماتَ «هارونُ» وزَال «معاويَة»
أو كان عِزٌ دائماً ما أَصبحت
«بغداد» في عَدَدِ الطُلولِ البالية
أَخَنَتْ عليها الحَادِثاتُ، فدورها
خِرَبٌ تُعَاورُها الرياحُ السَّافية
يأْوِي إليها البُومُ غيرَ مُرَوعٍ
مِن كُلِ نعَّابٍ أحمّ الخَافِية
نَزَلَ القضاء فما حماها سورُها
ولطالَما ردَّ الجيوشَ الغازية
إيليا أبو ماضي

ماذا ببغدادَ من طيب الأفانينِ
ومن منارةٍ للدنيا وللدين
تحيي الرياحُ بها المرضى إذا نَسمَت
وجَوَّست بين أغصانِ الرياحين
منصور النمري

الشمسُ أجملُ في بلادي من سواها، والظلامْ
حتى الظلامُ هناك أجملُ، فهو يحتضنُ العراقَ
واحسرتاه، متى أنام
فأحسّ أن على الوسادة
من ليلكِ الصيفي طَلاّ فيه عطركِ يا عراق؟
بين القرى المتهيباتِ خطاي والمدنِ الغريبة
غنيت تربتكِ الحبيبة
بدر شاكر السياب

أضف تعليق

التعليقات