الحياة اليومية

هل ممارسة الرياضة دائماً صحة؟
هاجس الرشاقة

  • AX075009-copy
  • MANA005
  • RUN-01DO001-002

لا تمتلك وأنت تواكب جموع المشاة، لأهداف صحيّة، في ساعات الصباح الأولى إلا أن تلاحظ الراحة والانشراح على البعض، والقنوط والإرهاق على البعض الآخر.. مما يدفعنا إلى السؤال عما إذا كانت ممارسة هذه الرياضة هي صحيحة دائماً بدون أي شروط؟
الدكتور أحمد مغربي٭، كجميع الأطباء، يوقن بأن الرياضة ضرورية وصحية، ولكنه نبَّه إلى بعض الجوانب
السلبية التي لا بدّ من الالتفات إليها.

هناك من يلفت النظر إلى ظاهرة تلاحظ بسهولة في عدد كبير من الدول العربية، وهي أن الاهتمام العام بالرشاقة وصل إلى ذروة غير مسبوقة. ويتعلق الأمر بأجيال الشباب، من كلا الجنسين. وفي قول شديد العمومية، يمكن المخاطرة بالقول أن النساء العربيات يبدو وكأنهن «اكتشفن»، فجأة، أن لهن أجساداً. ويظهرن في صورة من يثابر على ممارسة الرياضة، كوسيلة لا غنى عنها للحفاظ على وزن منضبط ورشاقة مفترضة. ولعب هذا الميل إلى الرشاقة، أو بالأحرى الولع العام بالجسد الرشيق، لعبته مع الرياضة، فبعد أن كانت صورة الرياضة محصورة في أجسام اللاعبين المحترفين، أو درساً معزولاً في المدرسة، صارت جزءاً من الحياة اليومية للناس. وبدءاً من شاشات التلفزة وصولاً إلى أحاديث الفنانين والمشاهير والقادة السياسيين، تظهر الرياضة باعتبارها شيئاً ضرورياً لا غنى عنه.

وفي المقلب الآخر من هذه الصورة عينها، ثمة معاناة لا تطاق: هوس بالصعود والهبوط إلى الميزان، واضطراب وقلق مع كل تحرك للرقم (الوزن)، خصوصاً إذا اتجه نحو الزيادة. هناك نحول وضمور وفقدان طاقة، وحزن يظلل الأعين والوجوه، ونوبات بكاء وكآبة. من لا يعرف أن الليدي ديانا كانت صريعة فترات الجوع القهري الممزوجة بنوبات الأكل الشره؟ هل خطر لأحدنا أن يسأل إذا ما كان أمراً مشابهاً يحدث لزوجته أو أخته أو ابنته؟

الرشاقة ومساوئ الرياضة والاضطراب النفسي، أي خيط يصل بينها في أجساد شباب العرب في مستهل القرن 12؟

ترى الباحثة الأمريكية تابي شافوس، مؤلفة كتاب «المرأة النحيلة» The Thin Women الذي صدر في العام 0002م، أن ظاهرة الإقبال على الجسد النحيل يجب أن تفهم من منظور نفسي – اجتماعي – بيولوجي، وليس كمجرد موضوع جسماني أو طبي محض. وتنبه إلى أن ما هو على المحك ليس السعي الفردي إلى إنقاص بضعة كيلوغرامات زائدة، أو إنقاص قياس الثوب بضعة سنتيمترات. ولفهم الطوابير المهرولة والمتعرّقة، التي يثابر قسم غير قليل منها على هذا الجهد من دون مردود فعلي، يجدر وضع الأمور ضمن ذلك المنظور. وترجح شافوس أن الأمر يتعلق بالبحث عن «جسد ما» شديد الحضور، بحيث يستدرج كل هذا الصخب عن وصفات الطعام وخفض الوزن، وسيل الأحاديث عن الوزن، وبرامج التلفزيون عن الرياضة في المنزل والنادي، والهوس بعروض الأزياء وعارضاته، والاختصاصيين المستضافين بلا نهاية للحديث عن القدّ الممشوق، وسيول الكتب والمقالات عن الرشاقة وما إلى ذلك. لكن إلى أي مدى تعرف النساء معلومات طبية كافية قبل بدء اللعبة مع الجسد وتوازناته الحساسة؟ وما الذي يُعطى لهن من معلومات عن عمل الجسد وعلاقته بالوزن؟ وما الهدف الذي يسعين إليه فعلاً، جسد على نسق خيال الإعلام العام، أم جسم صحيح ومتوازن؟

الحال أن ما هو «جسم سليم» ليس شيئاً مطلقاً، وإنما هو متعلق بنظرة كل مجتمع، بما في ذلك العلماء والأطباء، عما يجب أن يكوّنه الجسد. ومن هنا تصبح «الرشاقة» مفهوماً مركباً، يستمد مكوناته من مصادر عدة، تبدأ بالتلفزيون ولا تنتهي بالسينما والإنترنت. ولعلها نماذج من الأماكن اليومية التي تجيء منها تلك الصورة الخفية والمتخيلة لمثال ما، كأنه تمثال، والتي تسخّر العلم لصنع صنم. والأرجح أن الحديث عن الطب والعلم، هو مجرد وسيلة تبرير. تلك هي الخلاصات التي تشدد عليها شافوس، والتي تنادي، أيضاً، بضرورة تحرر الشباب، وخصوصاً المرأة من أسر صنم الجسد التكنولوجي الذي يأسر العقول في القرن 12. وتلك رسالة برسم من يريد في دنيا العرب. انظر الإطار الخاص بالأنوريكسيا بعنوان «النفس المضطربة أكلاً وجوعاً».

الجمال وغياب «الطبيب الناصح»
ما الذي يدل عليه انتشار جراحات التجميل، وإزالة البثور والندوب، وحقن الجلد بالسيليكون وحشوه في الصدر، وعمليات زرع الشعر وإزالته بالليزر، وتصحيح الأنف وحقن سم «بوتكسين»، المصنوع من مادة «بوتيلونيوم» Boutulinum، وهو سم محرم دولياً ومن أسلحة الدمار الشامل، لإزالة تجاعيد الوجه، وما لا ينتهي مما يشار إليه باسم «جراحة تجميلية»؟ إنها لعبة لا تخلو من الخطر بين العلم الذي يستجيب لمتطلبات سوق قوية، وبين جمهور بات مهووساً بالجسد الرشيق ذي المظهر الشاب. في هذا السياق، تبدو ممارسة الرياضة وكأنها وسيلة لإعلان سعي الفرد، أنثى كان أم ذكراً، إلى امتلاك هذا الجسد. ولأنه أمر يرتبط بمفهوم الحداثة المعاصرة، ويأتي من وسائلها في الإعلام، مثل الفضائيات والسينما والكومبيوتر، فالأرجح أن طوابير المهرولين على كورنيشات المدن العربية يحاولون الإعلان عن الانتماء إلى العالم المعاصر ولغته في الأجساد.

أين هو موقع العلم والطب في هذه العملية كلها؟ ربما تصلح جراحة ندوب الوجه نموذجاً عن هذا الأمر، ففي العام 1002م، نشرت دراسة عن «مركز خدمة المعلومات عن الندوب» في بريطـانيا (والمعلــوم أن 6.5 مليون شخص انجليزي يعانون من هذه الحالة)، دلت على أن تسعين في المئة ممن يعانون ندوباً اعتبروها عبئاً نفسياً، ما دل على عدم قدرتهم على تقبل صورة الذات Self Image، والتي تلعب دوراً مهماً في تقويم الذات Self Esteem. وأشارت أغلبية ساحقة إلى أن الندوب تثير مشاعر مثل الإحراج وفقدان الثقة بالذات والاكتئاب والقلق وغيرها من الاضطرابات النفسية. وأعلنت نسبة دالة (13 في المئة) عن صعوبة في نسج علاقة حميمة مع الآخر، ومالت الأغلبية (93 في المئة) إلى الإعراب عن تزعزعها حيال المشكلة، مع إحساسها بأن المحيط الاجتماعي لا يدعمها، ما يؤشر على تفشي الوله بالجمال. والطريف أن الدراسة بيّنت إجماعاً تاماً على أن دور الطبيب اقتصر على مناقشة الوسائل والمفاضلة بينها. ولم يقل أي طبيب لأي مريض أن لا يجري جراحة لإزالة الندوب مهما كان حالها ومدى تأثيرها على صاحبها. ويدل الأمر على انحسار نظرة الطب لتقتصر على محاولة اللحاق بركب الذائقة الاجتماعية وهواها. لقد غاب دور «الطبيب الناصح» كلياً لمصلحة حضور «الطبيب المعالج».
تقارير ضد الرياضة
إذا كان البعض يهرب من الأنوريكسيا إلى الرياضة، ويجدّ في الدأب على التدريب لساعات طويلة في اليوم أو الأسبوع، فإن درب الرياضة لا يخلو من الأشواك غير المتوقعة. وقبل التسليم بنصائح الانهماك في التدريب، التي لا تتوقف عن الانسياب من برامج الرياضة على القنوات العربية والأجنبية، ربما يجدر التفكير قليلاً في الأمر كله.

لعلّ أول ما شوّه صورة الرياضة هو تعاطي المنشطات، الذي يُحدث تغييراً في الوظائف الهرمونية والعصبية للجسم. والثاني هو ظاهرة الموت المفاجئ للرياضي Sudden Athletes Death. وثمة من يربط بين التدريب المكثف، بفعل روح الرياضة، وبين ارتفاع معدل الحوادث، مثل العراك والشجار أو اصطدام السيارة إثر قيادة سريعة، وكذلك الإفراط في تناول الكحول والمخدرات، إضافة إلى الاضطراب في عمل وظائف الجهاز الهضمي. والأشد إدهاشاً هو قدرتها على التمهيد إلى تعاطي مواد الكيف والتعوّد. وعندما يتوقف «مدمن الرياضة» عن التدريب. فإنه يغدو ضحية سهلة للإدمان الكحولي أو سواه. كيف تحدث كل تلك الأمور ؟

قبل فترة وجيزة فاجأت وزارة الشباب في فرنسا الأوساط العلمية والرياضية بنشرها تقريراً موسعاً عن الآثار النفسية البعيدة المدى للرياضة. وركز التقرير على أن نسبة التعوّد على المواد المؤذية، مثل الحشيش والماريوانا والكحول وغيرها، ترتفع بشكل لافت في صفوف ممارسي الرياضة ومحترفيها. وينطبق الوصف على الميل إلى العنف والسلوك المغامر إلى حد الاستهتار.

ولندخل إلى التفاصيل ونسأل: ما الذي يحفز الرياضي ليبذل كل هذا الجهد والعرق؟ لنفكر بالأمر قليلاً. جمع من الشباب يبذل العرق ويتحمل الآلام من أجل ماذا؟ ليس الربح المادي هو الهدف دائماً، ثمة أشياء «معنوية» يعرفها كل الرياضيين: تلك الصورة الباهرة للرياضي المنتصر،ذلك الذي يحقق نفسه عبر المضمار أو القفز أوالملاكمة أوغيرها. تسكن في الأخيلة لحظة براقة، لحظة الفوز. إنها تجعل الأدرينالين يُضخ ضخاً إلى الدماغ، وفي مراكز النشوة تنسكب مواد عصبية يعرفها الطب جيداً، لتعطي ذلك الشعور المفعم بالنشوة. تمتلئ أعصاب الدماغ بالدوبامين Dopamin، وتشبع مناطق حساسة من المخ بالسيروتونين Serotonion وعلى الأخص تتهيج مراكز النشوة التي برهن العلم علي وجودها في تجارب رائدة وثقها البروفسور أ. دبليو ليشمان، الاختصاصي الأمريكي في علم النفس العصبي Neurobiology والسؤال هو: ماذا بعد خُبُوّ الضياء الساطع، وخمود الفوران المدوِّخ؟ ما الذي يحدث بعد انتهاء زمان الاحتفالات؟ ماذا بعد أن ينطفئ التوهج، ويحل أبطال محل أبطال؟

ما الذي يجري في دماغ البطل السابق، بعد أن اعتادت مراكز مخه على التشبع من المواد التي تهز الجسم هزاً؟ ألا يبدو منطقياً أنه سيسعى إلى الحصول على تلك اللذة الخفية، من مواد الكيف المتعددة؟ هاهنا، ربما لا يبدو السعي مكشوفاً أو مفهوماً من قبل الرياضي نفسه. يكفي أن تنصت إلى من مارس الرياضة مدة من الزمن ثم تركها، لتسمع عبارات تنم عن السأم والفراغ والتقلقل وعدم الصبر، وكل تلك أبواب مشرعة تغري بالبحث عن…. البدائل.

وبحسب التقرير المشار إليه آنفاً تبدأ تلك البدائل بالأشياء الخفيفة مثل السيجارة أو قيادة السيارة بسرعة لفترة قصيرة أو الانغماس في التلذذ بأنواع المأكل، وتمتد إلى كل ما يصنف ضمن مواد الكيف الممنوعة. إنه تغيير في نمط الحياة نفسها، وفي طريقة عيش لحظات العمر.

ويرى بعض الاختصاصيين في ردِّ فعل الإنسان على الرياضة نموذجاً مثيراً: كيف يتحمل الجسم ما تسبب التدريب به من الآلام؟ إن الدماغ يفرز مواد مسكنة للآلام تسمى انكيفالين.

والمفارقة أنه يعمل على الدماغ نفسه، أي أن الدماغ يفرز مواد تخدر آلامه التي تثيرها الرياضة. الأكثر إثارة هو أن تركيب الانكيفالين وخواصه الكيماوية تشابه المورفين، أقوى مخدر معروف على الأرض. والمعلوم أن المورفين لا يكتفي بتسكين الآلام وإنما يعطي شعوراً قوياً بالراحة والنشوة، وهو ما يعطيه خواصه الإدمانية المعروفة. هل إن هذا التشابه هو المدخل إلى ما تسببه الرياضة من آثار نفسية؟ من المبكر الإجابة على هذا السؤال. في المعهد الوطني للأبحاث الصحية والطبية، واختصاراً Inserm، أو انسيرم، يحاول الباحث الفرنسي ميشيل هامون الإجابة عن السؤال عن رد فعل أعصاب الدماغ عند التوقف عن الرياضة، وهل إنه يشبه ما يحدث من ردود فعل لدى متعودي تناول المواد المكيِّفة؟ الفرنسية ماري شوكييه اختصاصية الطب النفسي قادت أبحاث وزارة الشباب في فرنسا، التي دعمتها دول الاتحاد الاوروبي، بالمشاركة فيها. وشملت الأبحاث، التي انطلقت في العام 1999م عيّنة واسعة بلغت عشرات الآلاف من الشباب، من كلا الجنسين. ولاحظت شوكييه أن الرياضة الخفيفة تعطي نتائج إيجابية على الصعيد النفسي، فهي تحسن النوم والشهية، وتخفف من الميل إلى تناول الكحول. أما الذين يمارسون الرياضة، بشراهة، أي الذين ينغمسون فيها، فإنهم أكثر ميلاً إلى تناول الكحول والتدخين والدخول في مغامرات مثيرة وما إلى ذلك. وانطبق هذا الأمر على ستين في المئة من الشباب الذين يمارسون الرياضة. وباختصار، فإن جرعات صغيرة من الرياضة تحمي الإنسان من السلوك المغامر في أشكاله المتعددة، والإكثار منها يؤدي إلى ضعف المقاومة النفسية لنداءات اللذة.

وبحسب الأبحاث عينها، فإنه يوجد عموماً نوعان من الناس تجاه الخبرات المثيرة والقوية، بما في ذلك الرغبات النفسية القوية، النوع الأول يفضل الركون إلى السكون والخمود، والثاني يستلذ الإثارة النفسية المتأججة وما يرافقها من تدفق في المشاعر، وربما من كيمياء الأعصاب. ويحمل بحث آخر لـشوكييه عنواناً لا يخلو من الدلالة: «سعاة المشاعر العالية» High Sensation Seekers وفي سياق مشابه، قاد بحث لفريق نفسي- اجتماعي من جامعة كنتاكي في الولايات المتحدة، إلى نتيجة مشابهة.

وفي دراسة نشرت في العام 2000م، نبّه الفريق إلى أن الساعين إلى المشاعر العالية يتميزون بأمرين هما تفضيل المغامرة الفاعلة، والميل إلى الدخول في الصراع التنافسي، مما يعزّز الملاحظة عن الأثر الإشباعي، من الناحية النفسية، للرياضة والفوز. وتشدد الفرنسية شوكييه على أن الإنسان ليس مجرد كيمياء ولا محض أحاسيس، رغم أهمية كلا الأمرين، وأهم ما يميزه هو الذكاء والوعي والقدرة على التواصل. وتخلص إلى أن الميل بين الأطباء النفسيين هو لصالح تبني نظرة إيجابية في العلاقة بين الرياضة والصحة الجسدية والنفسية… والهدف من الأبحاث عن الأثار النفسية المضرة للرياضة هو محاولة الوصول إلى وضع سياسة تتبنى أهدافاً تخدم الإنسان نفسه، وليس مجرد الفوز أو إحراز الأرقام أو ممارسة الرياضة.

وتلخص شوكييه فكرتها الرئيسة في ضرورة تبني شعار «من أجل رياضة تعمل لمصلحة الإنسان». ويبقى أن سبل التوصل إلى مثل هذه الرياضة هي رهن بجهود العلماء. إذاً، فالكرة لازالت في ملعب العلم. وترى عالمة الاجتماع الفرنسية سيلفان اكاتياس، من «المؤسسة الوطنية للبحوث العلمية»، أن الجسد، في مواظبته على الرياضة، يظهر وكأنه آلة أو أداة، في نظر صاحبه. وضمن هذه النظرة تصبح الإصابات وكأنها مجرد خلل في عمل الآلة، وليس باعتبارها مؤشراً على الحال المعنوية والنفسية والحياة اليومية للفرد. وتلاحظ بذكاء أن الآثار النفسية السلبية للرياضة لم تنل أبداً نصيباً كافياً من الاهتمام: لا في عمل الدارسين ولا في أذهان الناس.

——————–

رأي طبي

الأنوريكسيا: النفس المضطربة أكلاً وجوعاً

يميل الرأي بين الاختصاصيين النفسانيين إلى اعتبار الأنوريكسيا من الاضطرابات النفسية في الأكل. وتحتل صورة الجسم في مخيلة المصاب، أو بالأحرى المصابة نظراً لانتشاره الكبير بين الإناث، المركز في هذا الاضطراب. إنها لا ترى أبداً أن جسدها قد وصل إلى «الرشاقة» التي تتيه بأحلامها. الحل؟ الريجيم القاسي، والمزيد منه. في البداية الامتناع عن المأكولات الدسمة، ثم الأقل دسماً ثم النشويات ثم كل ما يحتوي على سعرات حرارية عالية، ثم الأقل فالأقل، وهكذا وفي قسم كبير جداً من الحالات تنقلب الأمور فجأة من النقيض إلى النقيض. تندفع الشابة إلى الأكل بشراهة مزرية. ويلي ذلك تأنيب للذات، ومرارة تدفع ببعضهن إلى إرغام أنفسهن على قيء ما أكلنه. يمكن الإشارة إلى ذلك باسم «النوبات المرتدة من الأكل» Binge Eating. وتزيد هذه النوبات من حدة تشوه صورة الجسد لدى المصابة بالأنوريكسيا، فترتد إلى ريجيم قاس وتبدأ الدائرة المغلقة من جديد.

في ربيع العام 2000م نشرت مجلة «رابطة اختصاصيي التغذية الأمريكيين» بحثاً للبروفيسور أوراوين تروكي عن علاقة «مؤشر كتلة الجسم» IBM، وبين التغيير في تركيب أجساد المراهقات المصابات بداء الأنوريكسيا، وأكدت الدراسة أن المصابات يفقدن طاقة أجسادهن، وأن سعيهن الحثيث إلى جسد أشد ضموراً باستمرار، يؤدي إلى فقدان الكتل الشحمية وغير الشحمية على حد سواء. ونبهت الدراسة كذلك إلى ما يصيب جهاز المناعة لديهن من ضعف، إضافة إلى زيادة نسبة إصابتهن بالكآبة، سواء في مرحلة الأنوركسيا أو في مراحل تالية من العمر. وتدل الأبحاث النفسية – الاجتماعية على اتساع ظاهرة الأنوريكسيا باضطراد. فبعد أن كانت قصراً على مراهقات الغرب، انتشرت في كل دول العالم. ومن المؤشرات على هذا الانتشار، زيادة طلب أدوية الريجيم وإنقاص الوزن.

وشهد العام 9991م سحب دواءين من السوق طالما حازا شهرة دولية في مجال الريجيم، وهما «ريدوكس»Redux و«فين/فيين» Fen/Phenn. وغني عن القول أنهما استعملا من قبل «الملايين» في العالم وتسببا بِكَمٍّ لا يعلم به إلا اللّه من الأضرار قبل أن يلغيا.

ويثور حالياً نقاش حادّ عن الأدوية التي ما زالت مجازة كعلاج للبدانة مثل «ريدوكتيل»، الذي يؤثر على أعصاب الدماغ، و«انيكال» الذي يمتص الدهون من الطعام، مما يترك آثاراً جانبية مهمة في مجال نقص بعض أنواع الفيتامين والتسبب بالإسهال الدهني وما إلى ذلك.

أضف تعليق

التعليقات