تعتبر مسألة ردم الهوة بين الشباب المتعلم الممتلك للمهارات اللازمة لسوق العمل من جهة، والشباب الأقل حظاً، من القضايا التي لا تزال حلولها النظرية تدور في فلك العمل المؤسساتي والمجهودات الحكومية وتطوير القوانين وما شابه ذلك من تصورات الحلول الشاملة.
وانطلاقاً من بعض قراءاته للأفكار المتداولة في هذا المجال، يسلِّط الكاتب السعودي عبدالله الشهري الضوء على جانب قلَّما حظي بالاهتمام اللازم أو قلَّما عُلِّقت عليه آمال الإصلاحيين، حتى يمكن القول إنه يتقدَّم باقتراح جديد تماماً يعتمد على الفرد وجهده في مجال ردم الهوة التي تفصل بين فئتي شبابنا العربي.
كشف تقرير صادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، أعد بالتعاون مع قسم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنظمة، أنه وفي الوقت الذي كان يفترض أن تفتح العولمة بآلياتها الاقتصادية أسواق عمل جديدة أمام الشباب العربي، فإنها عملت على دمج فئة محددة من الشباب في السوق العالمية، وهي الفئة التي تملك مفاتيح العصر من المعارف والمهارات مما سيترك أثره على المدى الطويل تفاوتاً اجتماعياً واقتصادياً بين المنتمين إلى هذه الفئة العمرية.
الشباب المتمكن وسوق العمل
وليس من الصعب أن يصل المتأمل، سواء أكان من الجيل الأكبر أم من الشباب أنفسهم، إلى هذه النتيجة بمجرد متابعة أحوال سوق العمل والعرض والطلب على الموارد البشرية الشابة.
فهناك من الشباب فئة نستطيع أن نقول عنها إنها تلك الفئة التي حظيت بتعليم متميز, واستطاع أفرادها أن يحققوا قفزة لم تكن متوقعة في مهاراتهم المكتسبة وقدراتهم على التعلم والإنتاج بل وصنع القرار. وهي تلك الفئة التي ربما يكون تحقيق القافلة قد عناها في عدد المجلة لشهري يناير/فبراير من السنة الحالية والمعنون بعنوان شباب في مواقع القيادة .
تحدث التحقيق عن شباب متمكن قادر على التعامل مع معطيات الحياة الحديثة بكافة أشكالها سواء أكانت تلك التكنولوجية منها أم لم تكن. شباب حر ومجدد قادر على الابتكار والإبداع، ويعي في قرارة نفسه ما يتمتع به من مهارات تكسبه ثقة وإقداماً لا يخشى معهما ما قد يأتي به المستقبل، بل تجده مطالباً بالتغيير ومتوقعاً له. وهؤلاء الشباب هم وقود سوق العمل العربي اليوم، وهم القيمة الغالية شبه الغائبة التي تتنافس على توظيفها الشركات وتبذل الكثير في تحقيق رضاها واستقرارها في العمل.
ولكن في الناحية الأخرى، نرى أن قطاع الغالبية من الشباب العربي هو الذي لم تتح له الفرص ذاتها التي أتيحت للفئة الأولى فلم يتحقق له التعلم في جامعة بنظام تعليمي متميز، ولم يتقن اللغة الإنجليزية، ولا يزال يتعثر وهو يخطو خطواته الأولى في تعلم الكمبيوتر والتعامل مع الإنترنت. هذا على السطح، بينما إذا نظرنا بعمق إلى ما وراء ذلك، لوجدناه يفتقد إلى مهارات التواصل الجماهيري والتي تعتبر من أهم السمات المطلوب توافرها في الموظف الماهر اليوم.. ولرأينا أن ثقته في مهاراته تنقص أكثر وأكثر وتتضاءل معها قدرته على الإنجاز والتغيير في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية لا تسمح له بالالتحاق بالمؤسسات التعليمية التي يمكن لها تأهيله وتضييق المسافة بينه وبين أقرانه الأوفر حظاً.
حجم الفجوة؟
ورغم ندرة الإحصاءات التي عنيت بدراسة وتحقيق مدى هذه الفجوة المعرفية والمهارية بين أوساط الشباب إلا أنه يجوز لنا القول إنها ليست فجوة صغيرة أو هيِّنة فنسبة الشباب بفئاتهم العمرية المختلفة من (15-45) سنة من إجمالي عدد السعوديين هو %42 وهي نسبة متزايدة بصفة مستمرة نظراً لأن نسبة الفئة العمرية ما بين (أقل من 1 إلى 15) سنة تمثل حوالي %45 من إجمالي عدد السعوديين. فإن افترضنا مجرد افتراض نظري لا يستند على معلومات واقعية، أن نصف هذه الفئة من الشباب قد أتيح لها التعليم المتميز الذي يسمح لها بالحصول على المهارات والمعارف المطلوبة في سوق العمل المحلي والعالمي، تبقى لدينا أكثر من عشرين بالمئة من شباب يود العطاء والتميز، ولكنه لا يملك الأدوات الكافية لتحقيق ما يريد. وبالتعامل مع الشباب من الفئتين، ألاحظ إحساساً عميقاً بقلة الحيلة لدى كثير من شبابنا نتيجة لإحساسهم بقلة الملكة المهارية والمعرفية، وإن حاول الكثيرون منهم غض النظر عنها والسعي نحو تطوير ذواتهم بقدر ما يستطيعون.
دور الجهود الفردية
ورغم كل ما تبذله المؤسسات الحكومية من إسهامات لتقليص هذه الفجوة كإنشاء صندوق تنمية الموارد البشرية لتدريب السعوديين والذي يوفر الإعانات والمساعدات لتأهيل وتدريب الأيدي العاملة السعودية ويزوِّد مؤسسات القطاع الخاص العاملة في مجال تدريب وتأهيل الأيدي العاملة السعودية بالقروض اللازمة لتوسيع نشاطاتها واستخدام التقنيات الحديثة، ورغم كل المبادرات الخيرة التي يبذلها القطاع الخاص في مجال تمكين الشباب السعودي وتأهيله، إلا أن الفجوة لا تزال قائمة وتحتاج إلى أيادٍ أكثر لردمها. وهنا يأتي دور الجهود الفردية التي لم تكن لتقدم الكثير إن كانت لوحدها. ولكن، بإضافتها إلى الجهد الجماعي لأبناء الوطن، تستطيع أن تكون قوة تغيير لها وزنها في هذا الإطار. وأعني بالجهود الفردية قدرة الفرد شاباً كان أم ناضجاً على تقديم ما يملك من معارف إلى محتاج لها، ولو كان هذا المحتاج فرداً واحداً فقط: ابن جيران، زميل أقل رتبة في العمل، طالب جامعي على مشارف التخرج.. أياً كان ولكنه في حاجة حقيقية لتعلم المهارة سواء أكان واعياً لحاجته أم لا. ساعة في اليوم أو أقل ليست كثيرة في ميزان الأربع وعشرين ساعة التي يتكون منها اليوم، أو حتى الأسبوع، ولكنها قد تفعل الكثير لمستقبل عملي لشاب في مقتبل حياته.
إن فيلم Pay it Forward الذي أنتج في عام 2000م يدور حول فكرة انتقال الخير من يد إلى أخرى، فتريفور الطفل الصغير يقدِّم فكرة تمرير الخير إلى الآخرين وأساس فكرته أن يقدِّم شخص ما، أي شخص، خدمة جليلة إلى ثلاثة أشخاص في حياته، وبدلاً من أن يرد هؤلاء الثلاثة الجميل إلى الشخص الذي أسدى إليهم الخدمة، يدفعونها إلى الأمام، ويلتزمون بإسداء خدمة واحدة لثلاثة أشخاص آخرين يلتزمون بتقديم الخدمة إلى آخرين وهكذا. وفي خلال أسبوعين يقول تريفور سنجد أن الخير قد انتقل إلى 4782969 شخصاً. يقدِّم الفيلم الفكرة مغرقة برومانسية ومثالية مرهفة، ولكن الفكرة قد تتحقق على أرض الواقع إن طبقناها على المهارات والمعارف التي يحتاجها شبابنا وإن لم يكن في وقت قصير كأسبوعين فقط. وفي أفق ثقافتنا العربية والإسلامية نرى أن الفكرة قد تكون بالفعل زكاة العلم التي تقضي بتعليمه لمن يحتاجه ونقله إلى الآخرين. وفي تعليم العلم علم وخبرة ورضا ربما لا يعرفها من لم يمر بها بعد.