الرحلة معا

حـال الترجمة وجائزتها

إليكم الحقائق والأرقام التالية على ذمة رواتِها:
– «ليس من الغريب أن يقال إن أول حركة خطرة للترجمة في التاريخ، إنما ظهرت على أيدي العرب في أواخر العصر الأموي، ثم انتشرت انتشاراً واسعاً في العصر العباسي، حيث تناولت ضروباً من النتاج العقلي بفضل تشجيع الخلفاء للترجمة». د. محمد بلاسي، عضو اتحاد كتاب مصر.

– «من الغريب أن يكون الإجمالي التراكمي للكتب المترجمة إلى العربية منذ عصر المأمون إلى غاية سنة 1999م يقدَّر بـ 10000 كتاب وهو يوازي ما ترجمته إسبانيا في عامٍ واحدٍ». الأستاذ مسدود فارس، أكاديمي جزائري.

– «مصر تترجم مائة كتاب في العام مقابل 25 ألف كتاب يترجمها اليونانيون و 18 ألف كتاب يترجمها الأتراك. أما مقارنة باليابانيين فإننا نترجم كتاباً واحداً مقابل 1700 كتاب». د. جمال التركي، اختصاصي تونسي في الطب النفسي، مهتم بالمعلوماتية.

– «تشير الإحصاءات المتوافرة أن متوسط الكتب المترجمة بلغ 4.4 كتاب لكل مليون من السكان في الوطن العربي مقابل 519 كتاباً في المجر و420 كتاباً في إسبانيا لكل مليون من السكان». تقريرالتنمية الإنسانية العربية الثاني.

أمام هذا الواقع المفجع لحال الترجمة في الوطن العربي لا بد أن نأسى على أمرين، الأول أسانا على حالنا التاريخية التي كان فيها العربي يصطاد الأفكار والكتب من مشارق الأرض ومغاربها ليحوِّلها إلى لغته ويبثها مكتنزة بعافية البيان وجدة البحث في أوصال أمته. أما أسانا الثاني فهو متعلق بما نحن عليه اليوم حيث تبدو الترجمة مجرد اجتهادات فردية متناثرة عليها ألف تحفظ من حيث عافيتها اللغوية وجدتها في التقصي والبحث.

ليست الترجمة وحالها الآن بدعاً في أمرنا، فهي تقع، كمنتج فكري، تحت نفس مظلة التردي التي تسود العملية التعليمية العامة والتعليم العالي وصناعة النشر والمكتبات وتواضع مراكز البحث الأدبي والعلمي، وقلة حيلتها من جانب توافر العنصر البشري المؤهل والأدوات المناسبة ومصادر التمويل. كان المأمون، تنزلت عليه شآبيب الرحمة لقاء ما قدَّم للعقل العربي، يكافئ المترجم بوزن كتابه ذهباً. وإذا كان البعض يذهب مذهب التفسير الأسطوري لهذه الرواية، غير أنها تدل دلالة قاطعة على العصر الذهبي للحضارة العربية. كما تدل على أن الإنسان العربي كان على قدر المسؤولية الفكرية الكبرى: حاكماً ومؤلفاً ومترجماً وقارئاً. لقد كان الورَّاق قدراً جميلاً يسكن شوارع وأزقة مدن الحضارة العربية، إلى الدرجة التي يصبح معها من الأعيان وجلساء السلطان. ويكون أجره، مقابل ما ينسخ من كتب المؤلفين والآخَرين، منافساً لأجر الوزير الأول.

لذلك، أي لرفعة الكتاب وكاتبِه أو مترجمِه أوناسِخه، بلغت الحضارة العربية أوجها وتركت بصماتها واضحة على جبين البشرية إلى وقتنا الحاضر. والغريب أننا نحن أصحاب البصمة التاريخية الفكرية خرجنا من ثيابنا ولبسنا ثياباً أخرى مهلهلة ومرقَّعة بالسذاجة والاستسهال والفراغ الفكري والعقلي المريع. هذا الفراغ الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم: قوم يستوردون كل شيء ما عدا الكتاب والأفكار الخلاَّقة المبدعة.

لكن، هل الصورة قاتمة إلى هذا الحد؟ أعتقد أن هناك ما يشير إلى حالة تفاؤل، فمن خلال متابعتي لبعض النشاطات الثقافية في هذا البلد العربي أو ذاك أستطيع أن أقول إننا بدأنا نضع إصبعنا على جرح الترجمة. وهناك مؤسسات مثل مؤسسة الفكر العربي والمنظمة العربية للترجمة في بيروت ومركز دراسات الوحدة العربية والمعهد العالي العربي للترجمة في الجزائر، تنشط في رسم خارطة طريق لمجال الترجمة من حيث إعداد المترجم العربي وتوفير أدواته ونشر الكتاب المترجم وإشاعة ثقافة الترجمة على وجه العموم.

وقد دخلت المملكة العربية السعودية مؤخراً على خط تنشيط حركة الترجمة، بعد أن تم الإعلان عن موافقة خادم الحرمين الشريفين على إنشاء جائزة عالمية تحت مسمى جائزة مكتبة الملك عبدالعزيز العامة للترجمة. والشيء الجديد والجميل في هذه الجائزة أنها تهتم بالنقل من العربية والنقل إليها، ما يعني أنها ستتيح فرصة للتثاقف المتبادل، خاصة وأننا نحتاج إلى تعريف الآخر بنا وبأفكارنا وطريقة حياتنا بنفس القدر الذي نحتاج إلى التعرف بهذا الآخر وبأفكاره وطريقة حياته.

وفي يقيني أن هذه الجائزة ستحدث أثراً بالغاً في سد فجوات الترجمة إلى العربية، لما عرف عن مكتبة الملك عبدالعزيز من جدية ومثابرة على إنفاذ مشروعاتها وتحويلها من الإطار النظري إلى الإطار التطبيقي. فنحن معشر المهتمين بصناعة الثقافة نحمد للمكتبة ما أطلقته من مشروعات مثل مشروع القراءة للجميع ومشروع الفهرس العربي الموحد ومشروع موسوعة المملكة. وبالمناسبة فقد بشَّرنا المشرف العام على المكتبة، الأستاذ فيصل ابن معمر، أثناء مشاركتنا في اللقاء التحضيري للقاء الوطني السادس للحوار الفكري، بتشكيل أمانة لتشجيع الاتصال بالكتاب، الأمر الذي سيضاف إلى جملة جهود المكتبة ويزيد ثقتنا بمستقبل أفضل لعلاقة الناس بالكتاب، تأليفاً وترجمة ونشراً وقراءة.

وإذا أذن لي المشرف العام، فإنني سأقترح، فيما يتعلق بجائزة الترجمة، أن تكون واسعة وسخية لتتمكن بالفعل من الإسهام في إحياء هذه الفريضة الفكرية شبه المغيبة في عالمنا اليوم. وفي شقها العربي، ربما خصصنا فرعاً في الجائزة لأفضل كتاب مترجم من حيث سلامة اللغة، فخبرتنا كقرَّاء مع بعض الكتب المترجمة لا تسر، ولدي من الأمثلة، إن أردتم، الكثير.

أضف تعليق

التعليقات