قليلة هي القضايا التي تشمل مفاعيلها ما تشمله قضية التدريب المهني ذات الوقع المباشر على الشباب ومستقبله والتعليم وسوق العمل والاقتصادات الوطنية وصولاً إلى استقرار الفرد اجتماعياً. وعلى الرغم من كل ما تحقق على صعيد التدريب المهني، سعودياً وعالمياً، فإنه لا يزال موضوع بحث وتطوير.. وقبل كل شيء حاجة لا يمكن الاستغناء عنها.
عرض القافلة لهذه القضية هنا يتضمن إسهامات أربعة باحثين، هم: إبراهيم السحيباني ويوسف القبلان ومحمد الطريري في الجانب السعودي من الموضوع وهدى حوّا حول التجربة الأوروبية، الذين يسلِّطون الضوء على جوانب مختلفة من هذه القضية بدءاً بما هو حاصل محلياً، وصولاً إلى ما هو عليه وتحولاته في العالم.
سعودياً.. جهود كبيرة وحاجات أكبر
حينما نتحدّثُ عن التدريب، فنحنُ نتحدث عن منظومة تحتوي على متدرب ومدرب ومادة تدريبية. وقد يُضاف لها بشكل غير مُباشر (الجهة المشرفة على التدريب) سواءً أكانت هذه الجهة شركة عاملة في المجال التجاري بشكل عام لهدف تطوير المتدرب، أم شركة متخصصة في التدريب لتأهيل المتدرب وإعداده لخوض غمار سوق العمل، متسلحاً بأكبر قدر ممكن من المهارات اللازمة لتحقيق الأهداف العامة في أية منشأة ترغب في توظيفه.
ونلاحظ أننا اليوم أمام طريقين لتدريب الشاب السعودي، وتأهيله للوظائف العملية، إما عن طريق التحاقه بمنظومة عاملة، وتأهيله على رأس العمل، أو من خلال مبادرة شخصيّة من المتدرب نفسه لتأهيل مهاراته قبل التقدّم لأية وظيفة. وكلا الطريقين يحملُ الكثير من المفاجآت والمخاطر، والكثير أيضاً من الفوائد والمنعطفات.
إن المتأمل في جداول الدورات المطروحة في الصحف لتأهيل الشباب للعمل في الوظائف الحكومية أو الشركات الخاصة يلحظ أن شركات عديدة بدأت بتغيير استراتيجياتها من اقتصار التأهيل على دورات الحاسب الآلي واللغة الإنجليزية -رغم أهميتهما- إلى توسيع مدارك المتدرب، وتنظيم دورات أخرى كمهارات الاتصال، والتفاوض السريع، والمحافظة على العملاء، وغيرها من المهارات المتعلّقة بشخصية المتدرب أكثر من مهنيته في تأدية عمله الروتيني اليومي كالمحاسبة مثلاً أو الأرشفة أو حتى ترتيب اللقاءات والمناسبات فيما يتعلّق بوظائف العلاقات العامة ونحوها.
هذا التغيّر في تفكير الشركات الداعمة لبرامج التدريب كان بناءً على مطالبات حثيثة من سوق العمل مُمثلاً بالشركات الراغبة في توظيف شباب مؤهل عملياً، ونفسياً، واجتماعياً.. مروراً بتغيير كبير وواضح طرأ على عقلية الشباب السعودي في التعاطي مع هذه الدورات عمّا كانت عليه في فترات مضت، وكانَ لهذا التغيير (على شقّيه) التأثير الواضح على الدورات المطروحة من ناحية المضمون والكيف.. وكذلك الكم.
ومن خلال نظرة سريعة إلى وضع الشباب السعودي المؤهل تأهيلاً قريباً خلال السنتين الماضيتين، نجد الفرق واضحاً بينه وبين من تمّ تأهيله قبل خمس أو ست سنوات، من ناحية التفكير، والأداء، والانضباطية، وقيم العمل.. ومعانٍ كثيرة غُرست في ذهنيّة المتدرب من خلال برامج تدريب حديثة كانت سبباً في تطور الكثير من المنشآت، وكانَ هذا التأهيل كفيلٌ بأن يجعل الشركة أو المنشأة بشكل عام تتمسك بهؤلاء الشباب وتقدِّم الحوافز الكبيرة لهم، لضمان استمراريتهم، واستمرارية المنفعة المتبادلة بين الطرفين.
وزارة العمل
وصندوق تنمية الموارد البشرية
لقد نجحت وزارة العمل في المملكة في السنوات الأخيرة في شدّ الاهتمام صوب التدريب ومجالاته التي يطرحها صندوق تنمية الموارد البشرية والعديد من المؤسسات الأهلية التي تتبنى التدريب كحل للتأهيل الوظيفي.
فبعد أن كان الشباب السعودي يطالب بفرص ووظائف، طرحت الوزارة الفرص زائد التدريب. إذ إن المعادلة السهلة التي تفترض وجود عاطل وتطالب له بعمل، تشترط في الوقت ذاته أن يكون مؤهلاً. وبغض النظر عن استخدام وزارة العمل لعبارة طالبي العمل ، بدلاً من عاطلين ، أثناء تناولها لقضية البطالة، فإن مؤشر جديتها يبقى واضحاً للعيان من خلال برنامج تهيئة طالبي العمل في القطاع الخاص ، الذي انطلق في شهر ذي القعدة من عام 1425هـ. وركَّز التعريف بالبرنامج على أنه جاء لسد الفجوة بين رغبات أصحاب الأعمال، وتطلعات طالبي العمل من المواطنين للانخراط في العمل، من خلال إكسابهم بعض المهارات والمعارف السلوكية الضرورية المطلوبة للعمل في القطاع الخاص، وكذلك تعريفهم بالوظائف المتاحة وكيفية الحصول عليها بما يتوافق مع إمكاناتهم وقدراتهم.
وإذا اتفقنا على أن الحديث عن التدريب يأتي بعد بروز إشكالية البطالة، فإن من الضروري الحديث عن التوظيف كنتيجة لهذا التدريب، وهنا يأتي إنشاء مركز الملك فهد للتوظيف في كل من الرياض وجدة والدمام، ومن أهم نشاطاته توفير قائمة بيانات لسوق العمل، تتركز على أصحاب الأعمال والوظائف المتاحة وطالبي العمل، وتقديم خدمات التوظيف والإرشاد المهني.
وتفيد الإحصاءات الأخيرة لصندوق تنمية الموارد البشرية أن عدد من تم توظيفهم حتى الآن يزيد على 72 ألف مواطن. والاتفاقات التي يبرمها الصندوق متواصلة لتدريب وتوظيف أكثر من 110 آلاف آخرين. وتبلغ نسبة الوظائف النسائية التي قام الصندوق بدعمها 15 في المئة من مجمل الوظائف. وما عدا التدريب عن طريق الصندوق، هناك مبدأ التدريب المرتبط بالتوظيف إذ يتم التعامل منذ اليوم الأول مع المتدرب على أنه موظف، ويتم تسجيله في التأمينات الاجتماعية .
وإزاء الاهتمام بموضوع التدريب تأتي شكوى القائمين عليه من وراء الكواليس من عدم جدية المتدربين في البرامج المطروحة، إذ تصل نسبة التسرب من البرامج إلى 30 في المئة في بعض مسارات التدريب المطروحة من قبل بعض الجهات التنفيذية. ولا يعني هذا وصف جميع المتدربين باللامبالاة، بل نسبة محددة منهم لا تمثل التيار الغالب بكل تأكيد، إلا أن وجودها يطرح مشكلة يحاول القائمون على عملية التدريب إيجاد تفسيرات منطقية لها ومن ثم وضع الحلول لتلافيها.
العوامل المؤثرة في التدريب
بشكل عام، ليس على صعيد المملكة بشكل خاص، يمكن القول إن نجاح التدريب لا يعني تحقق فعاليته حكماً، فقد ينتهي البرنامج التدريبي برضا جميع الأطراف (المدرب، والمتدرب، ومدير التدريب)، وقد تكون النتائج جيدة في النهاية، ويأتي تقييم البرنامج من قبل المشاركين من دون سلبيات تذكر، ومع ذلك تبقى مرحلة التطبيق مرحلة مهمة، عن طريق نقل أثر التدريب إلى بيئة العمل سواء أكان هذا الأثر معرفة أم مهارة أم سلوكاً.
إن نقل ما تعلمه أو اكتسبه المتدرب إلى بيئة العمل هو محط اهتمام الجميع، فالمنشأة تنتظر نتائج التدريب لتبرير كلفته، والمدرب سيشعر بالرضا حين يعلم أن متدربيه طبقوا عملياًَ ما تعلَّموه في قاعات التدريب. أما المتدرب فإنه يتوقع بعد العودة إلى العمل أسئلة محرجة من الرؤساء والزملاء عن فائدة التدريب، وقد يعود ليواجه المشكلات السابقة نفسها فيُطلب منه حلها. فالمتدرب هنا يهمه، ومن مصلحته، أن يستفيد عملياً من التدريب، فقد يؤدي ذلك إلى الترقية، أو على الأقل إلى رضا الرئيس والزملاء والشعور بالإنجاز وتحقيق الذات.
وبناءً على معرفة أهمية التدريب ومكاسبه المهمة للجميع، يبرز التساؤل الملّح عن المانع الذي يحول بين المتدرب وبين التطبيق؟ وتتعدد وجهات النظر تجاه ذلك. ويوجه النقد عادة إلى أحد عناصر عملية التدريب (المنشأة، المتدرب، المدرب، محتوى التدريب، أسلوب التدريب…الخ) في إعاقة نقل أثر التدريب.
دور المنشأة
إن التحديد الدقيق للاحتياج التدريبي، وإعداد خطة تتضمن تحديد من يحتاج للتدريب، ثم نوع التدريب المطلوب وفقاً لدراسة علمية تشمل تحليل التنظيم، وتحليل العمل، كل ذلك يشكّل مسألة جوهرية لمساعدة المتدرب على الاستفادة من التدريب وتطبيقه.
وإذا كانت هذه الخطوة تتم بطريقة غير منظمة، أو بمبادرة من الموظف لتحقيق مكاسب ذاتية من التدريب لا علاقة لها بطبيعة العمل، وإذا كانت المنشأة تنظر للتدريب نظرة دونية وتعتبره كالإجازة للمتدرب، وليس كوسيلة للتطوير والتنمية، فإن هذا يؤدي تلقائياً إلى عدم متابعة آثار التدريب، وبالتالي عدم معرفة ما تحقق، بل وعدم تشجيع المتدرب على التطبيق.
ولا يخفى أن بعض الشركات تعتبر الدورة مكافأة للموظف -لتحقيق ما سبق ذكره- بينما بعض الموظفين يعتبرها فرصة للهرب من روتين العمل، أو أخذ محفّزات ماديّة -أثناء أو بعد الدورة- والاستفادة منها في رفع رصيد السيرة الذاتية بدورة متخصصة. وتكون -الدورة- سبباً في تمييزه عن زملائه في حال وجود منافسة على ترقية وظيفية أو نحو ذلك.
يرى الإداريّون في هذه المسألة رأيينِ مُتباينين:
أحدهما؛ فائدة الموظف متحصّلة في كلّ الأحوال، سواءً أكانت نيّته الاستفادة والإفادة أم كانت النيّة فقط لزيادة المكسب المادي من أي جانب..
ورأيٌ آخر يُنادي بتقييم أداء الموظف قبل وبعد الدورة التدريبية، لتأكيد الجودة، وضمان تحقق الفائدة. وبناءً على التقرير المقدَّم من عدة جهات لتقييم هذا الأداء يكون القرار النهائي بمنح هذا الموظف شهادة تدريب معتمدة أو إتاحة الفرصة له من جديد لخوض غمار التجربة مرة أخرى.
هذا الحديث، يجرّنا لتناول مُخرجات الدورات التدريبية على رأس العمل، وهل زيادة المبيعات لمدير المبيعات في شركةٍ ما -بعد تأهيله بدورة خاصة في مجال عمله- تعني نجاحه في الدورة، واستفادته منها.. وإخفاقه -بالطبع- يعني فشلها كـمضمون، أو فشله كمُتلقٍ؟!
لا نظن أن هذه النظرة نظرة سليمة، فأقل العارفين بالمجال التجاري -خصوصاً- يعي أن المسألة مسألة تكاملية لإدارات متعددة وعاملين كثر.. كلهم يسهمون في بناء منظومة واحدة. ولا يعني إخفاق قسم إخفاق مديره أو المسؤول عنه، ولا يعني نجاح قسم نجاحاً للمشرف عليه أو صاحب الصلاحية فيه. إنها مؤشرات لا بد وأن تؤخذ بالحسبان، ولكنها ليست معياراً نهائيا.
هنا نستطيع القول بأن المنشاة تستطيع الإسهام بصورة مباشرة في تحقيق آثار التدريب، أو في نقل أثر التدريب عن طريق إيجاد إدارة لهذا الشأن في الهيكل التنظيمي للمنشأة، وربط هذه الإدارة بالإدارة العليا، وإيجاد سياسة واضحة للتدريب معلومة للجميع، إضافة إلى إعداد خطة للتدريب وفقاً للاحتياجات التدريبية، وتقييم المتدرب قبل وبعد التدريب، والتنسيق مع معاهد التدريب.
المتدرب وقياس فاعلية التدريب
من جهة أخرى يشكو المتدرب عادة من عدم تمكنه من تطبيق ما اكتسبه من الدورة التدريبية، ويلقي باللوم على عوامل خارجية كالرئيس المباشر، أو محتوى التدريب. ولا نستطيع تبرئة المتدرب أو إعفائه من المسؤولية، حيث إن التطبيق يعتمد في البداية على مبادرته واهتمامه ورغبته في التطوير والمساهمة. كما أن وجود الحافز الذاتي للمتدرب قبل التدريب، يجعله يحرص على الاستفادة النظرية والعملية، ويعود إلى عمله متحمساً لحل المشكلات التي كانت تزعجه. ونتيجة لذلك بمقدورنا أن نقول إن على المتدرب ألاَّ يعتمد على مبادرة رئيسه، الذي قد تكون له مشاغل كثيرة لا تسمح له بسؤال المتدرب عن نتائج التدريب. ولذا قد يكون من المناسب أن يبادر المتدرب إما بالحديث إلى زملائه أو رئيسه عن التدريب، أو يقوم بكتابة تقرير عن التدريب إلى رئيسه يتضمن النقاط التي يمكن الاستفادة منها في بيئة العمل.
إن تقييم فاعلية التدريب لا تتحقق باستخدام الاستبيانات أو الاختبارات قبل وبعد التدريب، فالمتدرب قد يقول باستفادته من البرنامج، وقد يحقق درجة عالية في امتحانات البرنامج التدريبي، ولكن ذلك كله لا يُعتمد كمعيار لقياس فاعلية التدريب، لأنه لا يعني تطبيق ما تعلمه المتدرب في بيئة العمل، إذن كيف يمكن تقييم أثر التدريب؟
يقترح بيش (1975م) استخدام أسلوب مقارنة الأداء قبل التدريب مع الأداء بعد التدريب، مع ضرورة التأكد من عدم تدخل عوامل أخرى غير التدريب في تحسين الأداء، فإذا كان مدير المبيعات قد حصل على دورة تدريبية في مجال عمله ثم عاد للعمل وارتفعت نسبة المبيعات، فيجب أن نتأكد إذا كان التدريب هو سبب الارتفاع، أم مجرد ارتفاع الطلب. ولنفترض أن المبيعات انخفضت فيما بعد، فهل يمكن القول إن التدريب فشل في تحقيق أهدافه؟
الخريجون الجامعيون والتدريب
يشكو الشباب من ظلم الشركات لهم بمطالبتها بشباب مُدرب، وذي خبرة واسعة في مجال عمله، وتشكو الشركات من شباب لا يحمل للمسؤولية معنى، ولا يعي أخلاقيات المهنة (لعدم معرفته بها مسبقاً).
ثمّة حلقة مفقودة اليوم بينَ العناصر الثلاثة المتعلّقة بالتدريب من جهة والجهة المستقبلة للمتدرب من جهة أخرى، كجهة لها قرار نهائي بقبول هذا المتدرب من عدمه، أو على أقل تقدير في قبول مؤهلاته التدريبية ورفضها.
الحديث هنا ليسَ عن شباب المرحلة الثانوية -على اعتبار أنها مرحلة انتقاليّة للدراسة العليا- بل هو حديثٌ عن مخرجات الجامعات، من تخصصات ذات علاقة وطيدة بسوق العمل (التسويق – المبيعات – الإعلام – المحاسبة – الهندسة .. وغيرها).. وتكمن المشكلة في إعادة تأهيل هؤلاء الشباب بنفس تخصصاتهم التي قضوا معها أربع أو خمس سنوات جامعيّة يتعلمون كل دقيقة وجليلة فيها.
كانَ الجانبُ التطبيقي لما يُدرس هوَ الجانب المفقود. فالجامعة تعطي الطالب معلومة مجرّدة من أيّ تطبيق عملي، بالإضافة إلى عدد ساعات دراسية مرتفع لا يسمح للطالب بالعمل أثناء الدراسة للتوفيق بين ما يعمل ويتعلم في آنٍ واحد.
وقد اتجهت الشركات التجارية للاستعانة بخريجي المعاهد -الخاصة أو العامة- لعدّة أسباب، قد يكون من أهمها توافر أساسات المادة العلمية للتخصص المدروس، وهذا يكفي للانطلاق في سوق العمل وتطوير الذات مهنياً عن طريق الممارسة على أرض الواقع. كما أن الشاب في هذه المرحلة يعتبر أشبه بالعجينة سهلة التحوير والتصريف وفق ما يتطلبه مجال العمل، فضلاً عن قلّة دخل الفرد المؤهل تأهيلاً نصف جامعي عن خريج البكالوريوس، وهذا في النهاية ينعكس على مُدخلات ومخرجات الشركة المالية.
لذا، من الضروري أن يُعاد النظر في الوضع الأكاديمي للتخصصات ذات العلاقة المباشرة بسوق العمل، والعمل على إعادة تأهيلها بما يتناسب مع متطلبات الواقع، لا الحديث من برج عاجي، وإخراج شباب يحملُ معلومةً دون أن يعرف أساسات تطبيقها على الواقع إلا بعد اجتهادات فرديّة لا تكاد تُذكر.
الحاجة إلى مظلة وطنية للتدريب
يؤكد مدير التدريب والتطوير بغرفة تجارة الرياض صلاح جفاره، الحاجة إلى مظلة وطنية تشرف على جميع مؤسسات التدريب في المملكة وتقوم بتوجيهها نحو السياسات والاتجاهات والإستراتيجيات التي تستهدفها الدولة. حتى لا تحدث ازدواجية وهدر في الأموال المخصصة للعملية التدريبية، على أن يكون عمل هذه المظلة القومية في اتجاهين: الأول دراسة احتياجات سوق العمل وخطط السعودة المستهدفة، والثاني، دراسة مخرجات المؤسسات التعليمية من مختلف التخصصات وتوجيه مؤسسات التدريب على ضوء ذلك.
وعلى ضوء تفاوت نسب السعودة المستهدفة في جميع الأعمال، الذي يفرض نفسه على منظومة العملية التدريبية، يطالب جفاره بتخفيض التدريب في الفترة الحالية على الأعمال والمهن التي أثبت الواقع عزوف بعض الشباب السعودي عن العمل بها، لأن التدريب عليها يمثل استنزافاً للموارد، مقابل تركيز مؤسسات التدريب، خاصة فيما يتعلق ببرامجها التأهيلية، على الوظائف والمهن التي ترتفع فيها نسبة السعودة المستهدفة.
ويضيف: يجب أن تقوم مؤسسات التدريب بداية بحصر هذه الوظائف وتصميم برامج تأهيلية لها، حتى ولو كنا نتوقع زيادة الفترة الزمنية للبرامج التأهيلية لهذه الوظائف، حتى يمكن تخريج كوادر وطنية ذات كفاءة مقنعة لأصحاب الأعمال .
ويعتبر جفاره أن التدريب ما زال يسير في اتجاه أحادي البعد، يستهدف تحسين مستوى أداء الفرد، ويقول: لا شك أن هذا أثر جيد من آثار التدريب وإن كنا نأمل زيادة واتساع نطاق العملية التدريبية لتساعد على تحسين الأداء النفسي والاجتماعي والثقافي للفرد داخل المجتمع. ويمكن تحقيق ذلك عن طريق تضمين برامج التدريب بعض الكفاءات اللازمة للفرد، والتي تحقق لديه كلاً من المواطنة التنظيمية والمواطنة القومية، فلم تعد الكفاءات الفنية اللازمة لتأدية العمل هي العنصر الوحيد الذي يعول عليه التدريب في الفترة الحالية، بل أصبحت كذلك الكفاءات النفسية والعقلية والوجدانية من العناصر التي يمكن تنميتها من خلال التدريب. ولا تقتصر أهمية هذه الكفاءات على تكوين المواطن الصالح والمتألق وظيفياً ووطنياً فقط، بل يمكن أن تنسحب آثارها على العديد من الممارسات الإيجابية للفرد داخل مجتمعه، وهذا يمثل المناط بعيد الأثر للعملية التدريبية .
ويشدد جفاره على أهمية استيعاب انضمام المملكة العربية السعودية إلى منظمة التجارة العالمية، قائلاً: لا شك في أن انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية قد يغيِّر كثيراً من ملامح منظومة التدريب مستقبلاً. فعلى مستوى محتويات البرامج التدريبية نجد أن هناك كثيراً من المستحدثات العلمية التي يجب أن يضمها المحتوى التدريبي، سواء ما يتعلق بمحتوى الوحدات التدريبية أو آليات تنفيذ هذه الوحدات بما يضمن تنمية معارف ومهارات المتدربين وتغيير اتجاهاتهم وأنماطهم السلوكية، بما يتناسب مع التغيير الحاصل في مجال الأعمال.
وعلى مستوى المتدرب، يجب التركيز على جوانب المرونة الفكرية حتى يكون قادراً على استيعاب متناقضات الأشياء والتعامل معها، وإلاَّ سيكون دوغمائياً على المستوى الفكري، لأن استيعاب آثار التجارة العالمية يحتاج إلى زيادة المرونة الذهنية للمتدربين.
وعلى مستوى المدرب، ينبغي تأهيله بكل معطيات القرن الحالي، وأن يخرج بثقافته من مستوى التخصص الدقيق إلى مجالات أكثر اتساعاً. وبالتالي يجب أن يكون موسوعة لمختلف فروع العلم بجانب الاهتمام بتخصصه الأساس.
وعلى مستوى آليات تنفيذ البرامج التدريبية قد يكون من الملائم في الفترة القادمة الاشتراك مع مراكز التدريب في دول العالم الحديث، لتقديم أفضل خدمة تدريبية ممكنة .
وبناءً على النظر في مختلف التقاطعات المؤثرة في عملية التدريب، يراهن بعض المراقبين على عامل الزمن في هدوء فورتها بما يتناسب مع حاجة السوق والمجتمع.
التدريب أوروبياً..
أهدافه: التشجيع التمـهن
المواصلة الشراكة التقدير
من الصعب استثناء بلد أوروبي لم يقم في العقد الأخير ولا يزال بتعديلات أساسية في سياسات وبرامج التدريب، بعضها مدفوع بالمصاعب الداخلية وحاجات أسواق العمل والأوضاع المتغيرة وبعضها الآخر بالسياسة الأوروبية الموحدة. والمنحى العام يتجه لزيادة حيز التدريب ورفع مستوى التعليم والتدريب المهني وفتح منافذ له على التعليم التقليدي (الأكاديمي)، وجعل التدريب أقرب لمتطلبات أسواق العمل، ومعالجة مخاطر الإقصاء الاجتماعي من خلاله.
وتتعدد المتغيرات الاقتصادية والمجتمعية التي تدفع بهذا الاتجاه، إلا أن المتغير الأساس هو سوق العمل، الذي أصبح أكثر تخصصاً. وباتت الاقتصادات تتطلب مهارات أعلى، دافعة الحكومات وقطاعات الأعمال إلى التوظيف المتزايد في مستقبل التعليم المهني والتدريب. فهو حسب أهداف أكثر من بلد عنصر أساس في بناء والحفاظ على قوة عاملة عالية المهارة تعمل ضمن مجتمع معرفي ، ودخل موضوع التدريب المهني ضمن الاستراتيجية الأوروبية المعروفة باسم استراتيجية ليشبونة الساعية إلى دعم القدرة المعرفية والتكنولوجية من أجل بناء اقتصادات أكثر تنافسية عالمياً.
المتغير الآخر هو الضغط المتزايد على العاملين في سوق يجري العمل على جعله مرناً، أي متحرراً من قيود أنظمة الوظيفة. فهناك إقبال متزايد من العاملين على التدريب للحفاظ على وظيفة أو لإعادة تدريب لوظيفة أخرى. كما أن متطلبات السوق باتت تضغط على الشباب للإقبال على الطريق المهني للمهارات المطلوبة أكثر من غيرها. والتغيرات في طبيعة الأعمال تقلل الاحتمالات في أن يتبع الناس سبيلاً مهنياً أو وظيفياً واحداً آمناً وثابتاً خلال حياتهم الوظيفية. تدريب، مواصلة تدريب، إعادة تدريب، باتت سمات ظاهرة للتأقلم مع الأوضاع المتغيرة والتكنولوجيا المتطورة في مستلزمات الوظيفة.
البعد الاجتماعي له أيضاً موقع خاص في سياسات التدريب. فمنذ أن أصبحت البطالة في أوروبا حالة دائمة وليست مؤقتة خلال العقود الثلاثة الأخيرة، يتزايد الميل إلى تخفيض الأعباء المالية لتعويضات البطالة واستبدالها بمزيد من التوظيف في برامج التدريب المختلفة المشارب لإعادة تأهيل العاطلين من العمل. ويتجه الاهتمام اليوم إلى الشباب في استخدام التدريب كوسيلة لتدارك نتائج الترك المبكر للدراسة، وتجنب مخاطر الإقصاء الاجتماعي لفئات شابة غير متعلمة وغير ماهرة. بعض البلدان تزيد سنوات التعليم أو التدريب الإلزامي (لأكثر من السنوات التسع الحالية)، والبعض الآخر يبادر إلى برامج خاصة للوصول إلى هؤلاء الشباب. وعلى سبيل المثال، فمنذ عام 1999م أصبح لزاماً على الشباب في إيطاليا أن يأخذوا مكانهم في التعليم أو التدريب المهني لغاية سن الثامنة عشرة، وزادت إسبانيا سن التعليم الإلزامي من 14 إلى 16 سنة.
تشجيع الطريق المهني
أصبح جذب الشباب إلى التعليم والتدريب المهني في مراحله الثانوية سياسة شبه معممة أوروبياً. ويُنظر إلى هذا التشجيع باعتباره، من ناحية طريقاً للتغلب على ترك الدراسة مبكراً، ومن ناحية أخرى، سياسة لمواجهة مشكلة نقص العمالة الماهرة الوسطى خاصة بالنسبة للدول الأقل صناعياً. التعليم والتدريب المهني، اللذان يعملان على إعداد الشباب لمهن ووظائف تعتبر تقليدياً غير أكاديمية ومتعلقة بشكل مباشر بحرفة أو صنعة أو مهنة، وأحياناً بتخصصات تطبيقية تقنية ترتبط باستخدام تكنولوجي، هما في معظم الحالات شكل من أشكال الدراسة الثانوية وما بعد الثانوية ونادراً ما يندرج في إطار التعليم العالي الجامعي. وصورته ضعيفة في الجنوب الأوروبي، في بلدان كاليونان (حيث نسبة تفضيل التعليم الجامعي هي الأعلى في أوروبا) وإسبانيا، إذ يرتبط بالفشل الأكاديمي وبنشاطات الفئات الأفقر من المجتمع. هذه الصورة يجري العمل على تغييرها في واقع تزداد فيه المهارات تنوعاً وطلباً في قطاعات خدماتية أيضاً كالسياحة والبنوك والأعمال وتكنولوجيا المعلومات ومهارات تكنولوجية أخرى. وتعمل السياسات الحالية على تحسين نوعية التدريب المهني ورفع شأنه وزيادة جاذبيته وربطه بحاجات العمل. وقد قامت معظم الدول الأوروبية بشكل أو بآخر، في إطار توجه من أجل تعادلية التقدير بين المهني والأكاديمي، بتعديلات أساسية على النظام المهني الثانوي لفتح المجال أمام طلابه لمتابعة الدراسات العليا الجامعية، إما من خلال دورة استكمالية تسمح بالتقدم للامتحانات الثانوية العامة (بعد دورة مؤهلات مهنية) أو من خلال تحديد مواضيع في إطار الثانوية المهنية والتقنية تنتهي بشهادة ثانوية تسمح بمواصلة الدراسات العليا الجامعية. ومن الأمثلة التي يمكن ذكرها في هذا المجال، إيطاليا التي أدخلت الشهادة التقنية الثانوية (خمس سنوات دراسية) في التجارة والصناعة والسياحة والبحرية والزراعة. وباتت المهن، التي تحتاج إلى دراسة ثانوية لمدة سنوات ثلاث للحصول على مؤهل، ملحقة بسنتين استكماليتين لنيل الشهادة الثانوية العامة. وأصبح ممكناً الحصول في بريطانيا (منذ عام 2000م) على شهادات مهنية معادلة للثانوية العامة مستوى آي ، وتتوافر في ثمانية موضوعات: العلوم التطبيقية، التكنولوجيا المعلوماتية التطبيقية، الفن التطبيقي والتصميم، الهندسة، الصناعة التحويلية، الصحة والعناية الاجتماعية، الترفيه والسياحة. وكذلك في فرنسا حيث سمح قانون جديد (نوفمبر 2005م) بالشهادة الثانوية المعادلة في عدد من الموضوعات المهنية. وأجاز القانون في اليونان (مايو 2006م) التقدم للشهادة الثانوية العامة من الملتحقين بالمهنية بعد دراسة استكمالية.
أما الوجه الآخر لسياسة التشجيع هو ربط التدريب بالعمل من خلال تحفيز الانخراط في العمل أثناء الدراسة التمهن .
التمهّن
التمّهن، أي الدراسة والعمل، هو تقليد مهم في بعض البلدان الأوروبية. وتتفاوت درجاته بين طابعه الإلزامي في ألمانيا من خلال نظام التعليم المهني الازدواجي بين العمل التدريبي والمتابعة الدراسية وحيث ينخرط فيه أغلبية تاركي المدارس، وبين دول أخرى ذات نظام تمهّن قائم على أساس تعاوني بين المدارس والشركات. وتأخذ تقوية التمهّن اليوم أشكالاً عديدة. إذ يجري تطبيقه في بعض الدول على مراحل مختلفة من التأهل، أو لغير المؤهلين، ومنه ما يجري بالتوافق مع الدراسة المهنية الثانوية وما بعد الثانوية، ومنه في إطار برامج خاصة، والبعض وضع قوانين تسمح للشباب بأعمار محددة بالحصول على ساعات مدفوعة من العمل من أجل التدريب، والبعض الآخر أعاد الشكل التقليدي للتمهن في إطار الحرف.
إن تشجيع المؤسسات العاملة على قبول تعاقدات تدريبية مدفوعة الأجر من ناحية وحفز الشبيبة للانخراط في التدريب والدراسة في الوقت نفسه قد تكون سياسة ذات أكثر من وجهة، اجتماعية، أو تدريبية تعطي اعتباراً لأجواء العمل التي تساعد على التطور الشخصي والاستقلالية، والعمل ضمن فريق، وأخلاق العمل بشكل عام، كما أنها قد تكون تخصصية في إطار بعض الصناعات.
المواصلة
وانطلاقاً من أن التدريب أصبح اليوم أساساً لأي كان في مواجهة الوتيرة السريعة للتغيرات التكنولوجية وإعادة البناء عالمياً، لمن يريد أن يحافظ على مستوى أدائه الوظيفي أو ينخرط في مهنة ماهرة، فإن موضوع التعلم المستمر مدى الحياة دخل قاموس السياسة الأوروبية الموحدة (عام 2001م) كإحدى استراتيجياتها في القرن الواحد والعشرين. والهدف من ذلك زيادة التنافسية الاقتصادية في مواكبة التطور التكنولوجي، وتعزيز التماسك الاجتماعي لتجنب الهوة التي يخلقها التطور التكنولوجي، ومساعدة الفئات الأكثر حرماناً في المجمتع. وتعكس هذه السياسة الأهمية المتزايدة لما يسمى بالتدريب المهني المتواصل الذي انتقل في السنوات الأخيرة إلى موقع بارز في الأجندة السياسية لعدد من الدول الأوروبية، نظراً لوتيرة التغيرات الاقتصادية والتكنولوجية التي تؤدي إلى تغييرات في متطلبات المهنة في فترات تزداد قصراً. فعادة ما تقسم برامج التدريب إلى قسمين أساسين. أولاً، برامج التدريب الأولي (Initial Training)، وهو التدريب الذي يوفرّه النظام التعليمي، ويندرج فيه تدريب فئات الشبيبة غير المؤهلة (والوجهة الجديدة لإعداده تقدم للمتدربين فرص المواصلة)، والتعليم والتدريب الثانوي المهني أو التقني (وهناك توجه متزايد لربطه بمتابعة الدراسات العليا)، والتعليم والتدريب ما بعد الثانوي في مؤسسات لا يعادل تأهيلها التعليم العالي إلا نادراً. وثانياً، برامج التدريب المتواصل (Continuing Training)، وهي تشمل جميع التدريبات التي تلي التدريب الأولي وتتوجه بشكل أساس إلى الراشدين العاملين والعاطلين من العمل والتي يقدم عليها الطالب أحياناً طوعاً. ويتخذ هذا النوع من البرامج إما شكل تدريب مهني إضافي من أجل التأقلم مع تطورات تقنية جديدة، أو إعادة تدريب ضرورية بالنسبة للعاطلين من العمل عندما لا تتوافر وظائف ضمن المهنة.
تدريب أصحاب الوظائف
التدريب المتعلق بالوظيفة هو بشكل رئيس مسؤولية الشركات المعنية. والتشجيع في هذا المجال تحتاجه الشركات الوسطى والصغيرة التي تكون عادة أقل استعداداً للتدريب الداخلي. وتركِّز بعض الدول اهتمامها على تشجيع الشركات من خلال تعزيز التعاون التدريبي القطاعي وأحياناً الدعم المالي. فإيطاليا مثلاً تضع قوانين تمكّن من تصميم أنظمة تدريب متواصل، يقدم بخصوصها دعم مالي للشركات من أجل التدريب ولتدريب المدربين، وخطط لتدريب قطاعي ومناطقي بدعم من الشركاء الاجتماعيين، ونسبة التدريب داخل الشركات متدنية في إيطاليا (27 في المئة في الشمال و15 في المئة في الجنوب) وذلك بسبب وجود عدد كبير من الأعمال المتوسطة والصغيرة. وفي إيرلندا، التي تتركز فيها التدريبات في الشركات الكبرى (80 في المئة من الشركات التي لديها أكثر من 50 موظفاً قامت بتدريبات شملت 41 في المئة من العاملين)، تقود الصناعات مبادرات تعاون تدريبية شملت أكثر من 2300 شركة، واستفاد منها أكثر من 12 ألف موظف، وأنشأت شبكات المهارة عام 1999م لتشجيع ودعم هذا النوع من التعاون. وكان تأثيره مهماً على الأعمال متوسطة الحجم، حيث إن 73 في المئة من الشركات المشاركة لديها أقل من 50 موظفاً. وفي إسبانيا وضعت خطط تدريب للشركات، وخطط تدريب قطاعية تستخدمها شركتان أو أكثر، وخطط تدريب بين القطاعات وخطط تدريب محددة. وتنال الشركات المشاركة دعماً مالياً لتدريب موظفيها. وقدر أن 87 في المئة من الشركات التي لديها أكثر من 10 موظفين نظّمت تدريباً لموظفيها بالمقارنة مع 27 في المئة في 1993م. ومع تطبيق سياسة التعلم المستمر مدى الحياة في فرنسا، جرى التشديد على حق التدريب لكل الموظفين، وعلى جعل مداخل التدريب أكثر سهولة بالنسبة للشركات المتوسطة والصغيرة.
وتعمل السياسة الأوروبية بشكل عام على زيادة إسهامات الشركات في التدريبات الداخلية التي لا تزال دون الأهداف الموضوعة لها. بالإضافة إلى الشركات، يمكن أن يتوافر أيضاً التدريب عن طريق غرف التجارة والصناعة، هيئات مشتركة، جمعيات صناعية، جمعيات مهنية، نقابات، مؤسسات كالجامعات ومراكز خاصة. ويزيد الاتكال على المراكز الخاصة للتدريب في البلدان التي انضمت حديثاً إلى الوحدة الأوروبية، تحت تأثير الدخول السريع للاستثمارات الأجنبية، وبسبب اعتماد الشركات الأجنبية على القطاع الخاص التدريبي.
وتبعاً لاعتبارات اجتماعية وكذلك اقتصادية، فقد أصبح التدريب المتواصل أكثر انتشاراً خارج إطار الوظيفة. تقدم البرامج الحكومية الموجهة لتعليم الراشدين، خارج إطار التعليم الرسمي، مستويات مختلفة من التدريب، منها التأسيسي العام الموجه للفئات غير المؤهلة، ومنها ما يقدم مواصلة تدريب ما بعد التدريب الأولي في مجالات مختلفة لإنعاش المهارات، بما في ذلك برامج تهيء الراغبين لبدء أعمالهم الخاصة، وبرامج لذوي الحاجات الخاصة وغير ذلك. وبالرغم من أن البعد الاجتماعي لهذه البرامج الموجهة للعاطلين من العمل كان غالباً في البداية، يتوسع اليوم نطاق البرامج لرفع المهارات بشكل عام وتحقيق إمكانية المواصلة لمواكبة التطور التكنولوجي والاقتصادي. وهذا هو الأساس الذي بنيت عليه الاستراتيجية الأوروبية للتعلم المستمر مدى الحياة ، هذه الاستراتيحية التي، باستثناء الدول الأسكندنافية التي تحققت فيها درجة عالية من تطبيق التدريب المتواصل، لا تزال (حسب التقارير الأوروبية) مفتقدة في دول أخرى خاصة في جنوب وشرق أوروبا، بينما تندفع دول كبريطانيا التي تشكو من دنو المهارات الوسطى إلى وضعها كأولوية.
إن تطور التدريب المتواصل وانتشاره ينشئ في أوروبا وربما في بلدان أخرى نطاقاً واسعاً من التدريب غير الرسمي، وينمو معه قطاع خاص تدريبي واسع (يحفزه طلب الأفراد أو الشركات وسياسة ترخيص حكومية في إطار التدريب المتواصل). وبالرغم من أن الدولة لا تزال في موقع الهيمنة في معظم البلدان، إلا أن هناك انتشاراً متزايداً لتدريب غير رسمي وعلى جميع المستويات.
الشراكة الاجتماعية
الشراكة الاجتماعية في التعليم والتدريب لها تقليد في بعض الدول الأوروبية، إلا أن التوجه لربط التدريب بالعمل قد دفع دولاً لا تزال فيها الشراكة ضعيفة إلى توسيع المشاركة الاجتماعية التدريبية بما يسمح بتنفيذ أسرع للأولويات الإصلاحية في مجال التدريب. فالدول التي تفتقد إلى تقليد في هذا المجال اتخذت في السنوات الأخيرة بعض الخطوات في هذا الاتجاه، خاصة في إطار تحسين نطاق ومدى التعلم والتدريب المتواصل. الشركاء الاجتماعيون، وبشكل أساس أصحاب الأعمال والنقابات، أصبح لهم في عدد متزايد من البلدان تمثيل في الهيئات المشرفة على التدريب وتأثير أقوى على مستوى المناطق والقطاعات. ففي إيرلندا أصبح للشركاء الاجتماعيين دور في هيئات التحكيم تحت فصل التأهيل وتمثيل في مجموعة المختصين بالحاجات المستقبلية للمهارات. وفي بريطانيا بدأت ترتيبات الشراكة الاجتماعية تأخذ دور المشورة على المستوى الوطني والمشاركة أكثر على المستوى القطاعي، ودخل الشركاء في الاتفاقات الجماعية في وضع نظام المؤهل في أطر محلية ومن بينها ترتيبات التمهن، وأصبحوا ممثلين في 25 مجلس مهارات، وأعطى القانون مؤخراً (2002م) للنقابات الحق بأن يكون لها تمثيل تعليمي في كل مكان عمل. وفي تطبيق لتوجه أوروبي قامت اليونان وإسبانيا سنة 1993م ببعض الترتيبات: استبدلت إسبانيا مؤسسة التدريب المتواصل بمؤسسة ثلاثية البنية للتدريب في العمل، وأنشأت اليونان منظمة التدريب والتعليم المهني من أجل وضع إجازات وطنية للمؤهل المهني ضمت مشاركة من الشركاء الاجتماعيين رغم أنها لم تتشكل على أساس ثلاثي، وتقوّت المشاركة على مستوى المحافظة من خلال لجان استشارية ثلاثية للربط بين التدريب والسوق. وللشركاء الاجتماعيين دور أقدم في إيطاليا، حيث يعترف القانون لهم منذ عام 1983م بدور أساس في نظام التدريب المهني وبشكل خاص في المناطق، كشركاء في التخطيط للتدريب.
التقدير
في مواجهة حالة التنويع والانتشار في برامج التدريب في عدد من البلدان الأوروبية، ومن أجل جعل سياسة التدريب المتواصل متعاقبة ويمكن قياسها، فإن إيجاد انسجام وإطارات تقيم جسراً بين المدارس والمعاهد الأعلى وبرامج التدريب المتنوعة تطرح بشكل متزايد، وتسير جنباً إلى جنب مع ضغط السوق الأوروبي الموحد لإيجاد معايير قياس وانسجام بين البلدان لتسهيل انتقال العمالة -الذي لا يزال ضعيفاً جداً، (حيث فقط 2 في المئة من الأوروبيين في سن العمل يعملون في بلد أوروبي غير بلدهم الأصلي). هذا المنحى تواجهه اعتراضات مهمة ضمن خصوصية كل بلد، خاصة في بلدان لها تراث عريق وفعّال في تطوير العمالة الماهرة. وتطرح مخاوف من أن يؤدي تشجيع التجانس إلى إضعاف مؤهلات التدريب والتعليم بشكل عام. وتحت عناوين مثل إدخال ممارسات ابتكارية فإن إعادة تقويم نظام المؤهل الوطني يأخذ اهتماماً متزايداً في عدد من البلدان لجعل إجازات المؤهل أكثر شفافية وقابلية للتحويل واعتماد طريق الشهادات، وتشجيع الاعتراف بالمعرفة والمهارات التي يجري حيازتها خارج الإطار الرسمي وذلك ضمن نظام أكثر ليونة يسمح بقياس المؤهل بالنتائج. واعترافاً بالمصاعب والمخاطر التي تواجه سياسة كهذه، يجري التفكير برفع مستوى المؤهلات للمهن وإيلاء اهتمام متزايد بكفاءة المعلمين والمدربين. هذه النظرة المنفتحة إلى التعليم والتدريب قد تلائم البلدان التي يقوم نظامها التعليمي والتدريبي أصلاً على قدر مهم من المرونة وتشكو من شرذمته وعدم تجانسه. وقد تندفع إليها البلدان التي انضمت حديثاً إلى الوحدة الأوروبية من خلال توافر انسجام أفضل بين برامجها والسياسة الأوروبية بشكل عام. فمعظم هذه الدول تقوم بتعديلات في المناهج والمؤهل: نظام مؤهل جديد في أستونيا يمكن مقاربته مع أنظمة أوروبية، برامج تدريب قابلة للتحويل في هنغاريا لجعل مداخل التدريب أسهل، توسيع الدخول إلى التعليم والتدريب المتواصل في بولندا.
لكن الأمر يثير في بلدان أخرى نقاشاً حامياً لما يشكله هذا المنحى الأوروبي للانفتاح على التدريب الواسع من اختراق غير مستحب لأنظمتها الخاصة. والنقاش على أشده في ألمانيا تجاه الانفتاح على التدريب الواسع، بعد أن ضاقت أبواب الشركات أمام النزوع التعليمي التدريبي المزدوج وبات يطال السعي الأوروبي إلى توجيه النظام الألماني المزدوج لينسجم مع السوق الأوروبية الموحدة. وكان آخره قانون تدريب مهني جديد (أبريل 2005م) يسمح للشباب الخارج من مدارس مهنية التقدم إلى امتحانات تنظمها الغرف. وبالنسبة لوجهة نظر عبّرت عنها التقارير الألمانية، فإن تحرير سوق العمل الأوروبي لا يحتاج أن يبنى على أساس توحيد المعايير والتعميم والاعتراف الرسمي المتبادل.. ويمكن لحركية انتقال العمالة والمنافسة أن يجري تشجيعهما من خلال معلومات حول مواد التدريب ومهاراتها. وقد أثارت الخطوة الأخيرة لامتحانات مهنية قلق الشركاء الاجتماعيين لما قد يؤدي إليه وضع مواد التدريب المدرسية على قدم المساواة مع التمهن من جعل التدريب مادة أكاديمية غير عملية. ذلك يعني أن التدريب وطرق تأهيله وتقديره مسألة أبعد من أن تكون اجتماعية واقتصادية، وتتعلق بمصالح يغلب عليها اليوم النزوع إلى المرونة ضمن سبل تعزيز التنافس الاقتصادي كأولوية.
العبد الحافظ:
الحاجة إلى كيانات تدريبية عملاقة
لم يكن الحديث عن التدريب ليتجاوز صندوق تنمية الموارد البشرية وهو المتخصص في أكبر عملية تدريب وطنية، من خلال أكثر من 35000 مستفيد من برنامجه التوظيفي المبني على التدريب. القافلة أجرت هذا الحوار القصير مع مدير إدارة التدريب في صندوق تنمية الموارد البشرية، محمد بن علي العبدالحافظ، للوقوف على ملامح من استراتيجيات المركز وآلياته.
هل تعتقدون أن هناك استراتيجية واضحة للتدريب في المملكة؟
لاشك في أن ما يدخل سوق العمل من مخرجات المؤسسات التعليمية والتدريبية يلبي احتياجات هذه السوق في كثير من التخصصات. ورغم تعدد الجهات المعنية بالتدريب والتعليم بالمملكة، إلا أن هناك حاجة ماسة إلى مزيد من التنسيق في مجال التدريب والتخصصات القائمة، ومدى الحاجة إليها وإدخال تخصصات جديدة مبنية على الاحتياجات الفعلية واحتياجات المناطق. هذا بالإضافة إلى أن سوق التدريب في المملكة سوق واسعة، بناءً على الحاجة الكبيرة لسوق العمل. وهذا بدوره يتطلب قيام كيانات تدريبية عملاقة من خلال إنشاء شركات جديدة أو اندماجات بين ما هو قائم، وخاصة في ظل انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية وفتح الأسواق ودخول شركات منافسة. والمعاهد والمراكز التدريبية القائمة تؤدي دوراً مهماً في إعداد كوادر بشرية مؤهلة من خلال برامج تدريبية متنوعة.
إذاً ما هي طبيعة الدور الذي ينهض به صندوق تنمية الموارد البشرية في دعم التدريب والتوظيف؟
يتمثل الهدف الرئيس للصندوق بدعم وتسهيل تدريب وتوظيف الشباب السعودي على أعمال القطاع الخاص. في مختلف المهن وفق احتياج المنشآت. وذلك عن طريق دعم تكاليف التدريب في جهات تدريب خارجية بنسبة تصل إلى 75 في المئة من تكاليف التدريب وبحد أعلى 1500 ريال شهرياً. كما يتم دعم راتب الموظف بعد التدريب بنسبة 50 في المئة بحد أعلى 2000 ريال ولمدة لا تتجاوز سنتين.
وقد جاء إنشاء الصندوق كإحدى الاستراتيجيات الفاعلة التي تبنتها الدولة لتوطين الوظائف في القطاع الخاص. ويمثل الصندوق حافزاً كبيراً للمنشآت للاستفادة من الخدمات التي يقدمها من خلال دعم جهود التدريب والتوظيف ويجد قبولاً كبيراً في القطاع الخاص.
وقد استطاع الصندوق توطين العديد من الوظائف في القطاع الخاص من بداية نشاطه. ولا يكاد يمضي يوم إلا ويعقد الصندوق عدة اتفاقيات دعم مع القطاع الخاص في جميع أنحاء المملكة. ومن خلال التعامل مع هذا القطاع يتضح أن هناك عدداً كبيراً من الشركات والمؤسسات الباحثة عن الشباب السعودي التي تسعى إلى توظيفه متى ما وجدت الكفاءة والتأهيل المناسب لتنفيذ متطلبات الوظيفة.
وللصندوق دور واضح في توفير الظروف المناسبة لاستقرار المواطن في الوظيفة، من خلال دعم تكاليف التدريب ومن خلال دعم الراتب، خاصة في السنوات الأولى من التحاقه بالوظيفة التي تتيح له أن يثبت جدارته. الأمر الذي يجعل المنشأة أكثر استعداداً للقبول باستمراره واستقراره بالوظيفة. إضافة إلى أن رواتب القطاع الخاص تخضع لمعيار الكفاءة والإنتاجية، والترقيات الوظيفية فيه لا تخضع لشروط ثابتة، بل تخضع لتوافر المهارات والإمكانات المناسبة.
إلى جانب الزخم الكبير من برامجكم الموجهة للشباب، ما نصيب المرأة من جهود الصندوق في مجال التدريب؟
تحظى المرأة بالدعم نفسه الذي يحصل عليه الشاب سواء في مجال التدريب أو مجال التوظيف.
تحدثتم عن دور رئيس لقطاع التدريب الأهلي، ما مقياس جودة التدريب الذي يقدمه، وكيف تدعمونه؟
آليات الدعم التي نطبِّقها تقوم على التدريب المرتبط بالتوظيف، إيماناً من الصندوق بأهمية التدريب. ولذلك، فإن الصندوق يسعى إلى دعم جميع المراكز التدريبية الأهلية من خلال إسناد البرامج التدريبية التي تحتاجها الجهات الموظِفَة إلى تلك المعاهد وفق معايير وضوابط محددة من قبل الصندوق. بالإضافة إلى ذلك، فإن الصندوق تبنى تنفيذ برنامج تهيئة طالبي العمل في القطاع الخاص مجاناً، والذي استفاد منه أكثر من 35000 شاب وشارك في تنفيذه أكثر من 175 معهداً ومركزاً أهلياً في مختلف مناطق المملكة. وقد تم ذلك من خلال اشتراطات من قبل الصندوق تتعلق بالبيئة التدريبية والمدربين، حيث تم عقد العديد من الحلقات التدريبية، تم خلالها تدريب أكثر من 1300 مدرب، كما تم اعتماد ما يقارب 60 معهداً ومركزاً نسائياً لتنفيذ برنامج التهيئة لطالبات العمل للمرحلة الأولى الجاري تنفيذها. كما قام الصندوق بإعداد حقيبة تدريبية لتهيئة طالبي العمل، وفق أحدث الأساليب التدريبية.
عطفاً على أهمية دور الصندوق، هل هناك آلية معيَّنة لتفعيل دوره؟
يسعى الصندوق، كواحد من الجهات المناط بها هدف تقليل معدلات البطالة، إلى تحقيق الأهداف من خلال التوظيف المبني على التدريب وليس التوظيف لمجرد التوظيف، حتى نكون بذلك قد قدمنا الشاب السعودي المؤهل للعمل في القطاع الخاص من خلال ثلاثة برامج رئيسة، تتمثل في التدريب المرتبط بالتوظيف، والتنظيم الوطني للتدريب المشترك، وبرامج ومشاريع المناطق بالمملكة.