التلعيب أو اللوعبة (بالإنجليزية Gamefication) هو مفهوم جديد تسويقي جديد ليس له تعريف موحَّد حول العالم.
نظرياً، يسعنا أن نقول إن التلعيب يمثل إطاراً، أو فلسفة ترويجية، تسخِّر عناصر اللعبة التقليدية وتقنيات تصميم الألعاب في سياقات لا علاقة لها باللعب كما نعرفه. في عوالم التلعيب، يتم تطبيق فنون اللعب لأجل تحقيق أهداف تتجاوز ما تخدمه اللعبة بحد ذاتها. نحن البشر نلعب لنلهو، أو لنشبع غريزة المنافسة في دواخلنا، أو لنقضي الوقت في شيء مسلٍ. هكذا جرت العادة. لكن تخيَّل أن تجعل الآخرين ينخرطون فيما يشبه اللعبة كي يؤدي نشاطهم إلى الترويج لمنتجك وزيادة أرباح شركتك، أو كي تحصل في النهاية على وظيفة مثلاً.
أحد الأمثلة الواقعية لنماذج التلعيب الناجحة هي منتجح (نايكي بلس). فشركة نايكي للمنتجات الرياضية تصنع من جملة ما تصنع أحذية الركض. ومن مصلحتها أن يمارس أكبر عدد ممكن من الزبائن المحتملين رياضة الركض. صممت الشركة تطبيق «نايكي بلس» الذي يعمل على الهواتف الذكية ليربط نشاط الركض اليومي ببرنامج في الحاسوب أو الهاتف الذكي ويسجل مقدار ما ركض صاحب الحذاء يومياً، ومعدل سرعته، وأطول مسافة قطعها، وسوى ذلك من البيانات. وأنت بصفتك مستخدماً لتطبيق «نايكي بلس»، يسعك أن تراجع هذه البيانات وتحسب مقدار تطور قدراتك ومستواك وأن تحدِّد لنفسك أهدافاً وتحديات مستقبلية عليك أن تكسر حاجزها بناءً على هذا التقدم. والأهم من ذلك، أن التطبيق سيكافئك على تقدمك. ومكافأته ستتمثل في شكل نقاط تخيلية سيزيد مقدارها كلما ركضت أكثر. إنك، فيما تمارس الرياضة، فستمارس مع التطبيق لعبة مفادها «اركض لتكسب».. ستكسب أكثر كلما ركضت أكثر.. بل ويمكنك أن تتنافس في عدد النقاط الافتراضية التي بحوزتك مع أصدقائك ومعارفك الذين يملكون التطبيق أيضاً وتربطكم معاً الشبكة الاجتماعية الخاصة بالتطبيق.. تماماً كأنك تمارس لعبة ما على منصة الفيسبوك مثلاً. والغرض من ذلك هو تحفيزك لممارسة مزيد من الرياضات، وبالتالي شراء مزيد من أحذية ومنتجات نايكي. هكذا، فإن وهم اللعبة الذي يوجده التطبيق سيؤثر على سلوكك في العالم الحقيقي لصالح مبيعات الشركة المنتجة.
لِمَ التلعيب؟
بشكل عام، يتم استخدام التلعيب كنظام أو عملية لإشراك الجمهور في عملية محورها تغيير سلوكياته، أو إعادة توجيه اهتماماته، وجعله يتعلَّم مهارات جديدة في مقابل تقديم الحافز المستمر. كل ذلك في سياق العلاقة بين العميل وقطاع الأعمال. والإمكانات الكبيرة التي تتيحها فلسفة التلعيب في زيادة الأرباح هي ما يكسبها شعبيتها الكبيرة حالياً، لا سيما مع رواج التطبيقات المبنية على منصات الشبكات الاجتماعية كما أسلفنا.
تتوقَّع مؤسسة (غارتنر) المهتمة بدراسة وتحليل الأسواق، أنه بحلول عام 2016م، سيكون التلعيب عنصراً أساسياً لاستراتيجيات معظم العلامات التجارية الكبرى وتجّار التجزئة لدفع التسويق وتعزيز ولاء العملاء
وتتوقع مؤسسة (غارتنر) المهتمة بدراسة وتحليل الأسواق، أنه بحلول عام 2016م، سيكون التلعيب عنصراً أساسياً لاستراتيجيات معظم العلامات التجارية الكبرى وتجّار التجزئة لدفع التسويق وتعزيز ولاء العملاء. وبحلول عام 2015م، فإن %40 من المؤسسات الكبرى ستستخدم التلعيب كآلية رئيسة لتطوير العمليات التجارية.
عناصر التلعيب التي هي الأكثر شيوعاً وتأثيراً في تشكيل أمثلة نموذجية تشمل النقاط، والشارات، وتصدر المراكز أو مفهوم التنافس
لماذا تهتم الشركات بتطوير موقع، أو تطبيق، أو عملية تجارية ما ووضعها في إطار يجعلها أشبه باللعبة التنافسية؟ للإجابة، سنستعرض القصة الحقيقية للتطبيق المعروف باسم «Dodgeball». هذا التطبيق المصمم أساساً للهواتف الذكية فكرته بسيطة: أنت تذهب إلى مكان ما، مثل «مول دبي»، وتشغل التطبيق الذي سيظهر لك خريطة موقعك الحالي. يمكنك حينها أن تعلن موقع وجودك للعالم، أو لأصدقائك الذين تربطك بهم شبكة التطبيق. وبالمقابل يمكنك رؤية أين كان أصدقاؤك. هذا كله مفهوم ومكرر عبر عدة تطبيقات مشابهة. لكن تطبيق Dodgeball كان يعاني إشكالية في حينه. فلو أن عدداً كبيراً من أصدقائك استخدموا التطبيق لتسجيل وجودهم في المكان نفسه، فإن ذلك سيوفر دافعاً لك كي تسايرهم وتسجل وجودك أنت أيضاً. هكذا ستستفيد أنت ومن تتابعهم ويتابعونك عبر معرفة الأماكن الجديرة بالارتياد وأوقات مقابلة المعارف بها. لكن لو أنك شغَّلت التطبيق ووجدت الخريطة خالية من المعارف والأصدقاء، فإنك قد لا تكترث بتسجيل وجودك وتفقد دافع المشاركة الاجتماعية الذي يمثل قلب التطبيق النابض. والمثل سينطبق على الآخرين المستخدمين للتطبيق طبعاً. هكذا فإن التطبيق سيُهجر وسيفشل كمنتج. الذي حصل في الواقع أن «Dodgeball» قد تم شراؤه من قبل «غوغل»، ثم قام أحد مطوريه بتطوير تطبيق جديد اسمه «Foursquare». وهو تطبيق معروف جداً وقائم على المبدأ نفسه: تسجيل وجودك في أماكن مختلفة: مطاعم، مراكز تجارية، متاحف، إلخ. لكن «Foursquare» على العكس من «Dodgeball»، قد اعتمد فلسفة التلعيب لتحريض مزيد من المشتركين على استخدامه متجاوزاً نقطة ضعف سلفه. هنا، ستتم مكافأتك على عمليات تسجيلك لوجودك بغض النظر عن الآخرين. بل إنك كلما سجلت حضورك في المكان نفسه، فستحصل على جوائز افتراضية هي عبارة عن شارات. أكثر شخص يسجل في موقع بعينه طوال مدة 60 يوماً مثلاً ستتم مكافأته من قبل التطبيق بمنحه شارة «عمدة» ذلك الموقع، على سبيل المثال. وسيشهد كل معارفك ومتابعوك على هذا التكريم. هذا النوع من دغدغة غريزة الإنجاز لدى المشتركين وإن عبر مكافآت رمزية افتراضية أكسب «Foursquare» شعبية كاسحة. وتطبيق فلسفة التلعيب جعل استخدام التطبيق مسلياً للمستخدمين ومفيداً لأصحاب التطبيق الذين يعنيهم في النهاية عدد المشتركين النهائي لخدمة نموذجهم الربحي. وبحلول أبريل 2012م كان عدد مستخدمي تطبيق Foursquare قد تجاوز الـ 20 مليوناً.
عناصر اللعبة
لا توجد صيغة واحدة لتطبيق أو خدمة المنتج الذي يعتمد التلعيب. ولكن هناك عناصر شائعة ومستوحاة بطبيعة الحال من أدبيات اللعب الحقيقية والمعروفة على مستوى ألعاب الفِديو الفعلية، وخصوصاً تلك التي تمارس عبر الإنترنت.
إطلالة التلعيب عربياً
بدأ التلعيب بالظهور في الأسواق العربية مع شركات مثل «GamifiedLabs» و«Gamifiers» في دبي، حيث بدأ فعلاً تقديم حلول تلعيب العلامات التجارية والمؤسسات، ووضع التطبيقات الملائمة لها على الهواتف الذكية وشبكة الإنترنت. ويقول مؤسس مختبرات «Gamified» أحمد الريِّس إنه أدرك «الإمكانات الهائلة والفوائد التي يمكنها أن تتأتى عن التلعيب في المجتمع، سواءً أكان ذلك في التعليم أو التسويق أو نشاطات الموارد البشرية ذات الصلة».ومن الأمثلة على هذه التطبيقات، هو التلعيب الذي أطلقه موقع التجارة الإلكترونية «Wamli» في دولة الإمارات قبل سنتين، والذي يجعل زواره يجمعون نقوداً افتراضية اسمها «Wamli Coins»، يمكنهم استخدامها للحصول على تخفيضات في أسعار المنتجات. ويمكنهم جمعها من خلال التفاعل مع مختلف صفحات الموقع مثل: «تروق»، و«منتجات»، و«تقاسم».
وعلى الرغم من أن التلعيب لم يصل بعد إلى كامل إمكاناته في منطقتنا، بدأ البعض بالتعويل على قدراته على تعزيز العمليات المختلفة في قطاعات كثيرة، وإن كانت التجارية منها هي التي تحتل الطليعة.
فمثل تلك الألعاب تتعقب مقدار النقاط التي يحرزها اللاعبون، وترقيهم من مرتبة إلى أخرى تبعاً لذلك. اللاعبون على ألعاب الإنترنت يمكنهم متابعة تقدمهم ومقارنته مع ما يحققه أقرانهم ومعارفهم عبر الشبكة. لكن تلك العناصر عبر ألعاب الإنترنت، وعبر نظم التلعيب عموماً، لا يتم تسخيرها أو جمعها معاً عشوائياً أو كيفما اتفق. بل إن تصميمها يخضع لنظم دقيقة للتفاعل مع التقدم الذي يحرزه المستخدم البشري بذكاء خوارزميات وبرمجيات متقدمة تؤدي في نهاية المطاف إلى إيجاد نماذج لوعبة ذات فعالية قصوى.
عناصر التلعيب التي هي الأكثر شيوعاً وتأثيراً في تشكيل أمثلة نموذجية تشمل النقاط، والشارات، والتصدر عبر المراكز المتقدمة أو مفهوم التنافس. هذه العناصر واضحة جداً في الأمثلة التي سبق ذكرها، مثل «نايكي بلس» وشخصيات قصص الأبطال الخارقين. دعونا ننظر في كل من هذه العناصر ومحاولة فهم ما هي الأغراض التي تخدمها.
النقاط: النقاط هي طريقة لحفظ النتيجة وتحديد مدى نجاح شخص ما تقوم به في النظام. ويمكنها أن تظهر إما على الوضع النسبي للاعبين، أو يمكنها أن تحدِّد فعلاً الفوز. على سبيل المثال، قد يكون الفوز لأول شخص يحقق 1000 نقطة. ويمكن أيضاً إضافة النقاط لتقديم اللاعب مع المكافآت، مهما كانت تلك قد تكون. على سبيل المثال، في حالة من برامج «ولاء الطيران»، يحتاج اللاعب إلى 25000 نقطة للحصول على تذكرة طيران مجانية. كما توفر النقاط رؤية شاملة لمصمم نظام التلعيب يمكن من خلاله أن يرى كم يكسب كل لاعب، ومن أين يكسبها، ومقدار سرعة كسبه أو تقدمه. وكل ذلك سيتم تحليله لأجل تطوير نموذج التلعيب الحالي.
الشارات: الشارات هي تمثيلات عن الإنجازات. إنها مثل ملصقات النجوم التي يكافئ بها المعلمون التلاميذ المجتهدين بلصقها على كراساتهم. إنها عادة رسوم على أزرار تشير إلى أن اللاعب قد وصل إلى مستوى معيَّن، أو أنه قد أنجز مجموعة من الأهداف التي وُضعت له في النظام. وواحدة من ميزات الشارات هي الطريقة المرنة لاكتسابها. فأي شيء يمكن أن يكون ممثلاً في شارة. ويمكن لمصممي نظم التلعيب استخدامها لمكافأة وتكريم من وما يريدون. على سبيل المثال، يمكن للاعب الحصول على شارة لفعل شيء محدد أكثر من 100 مرة. كما يمكن للاعب أن يكافأ بشارة لمجرد استخدامه النظام.
وفي حالة ،Foursquareفإن المستخدم يكسب شارات على أساس عادات تسجيل الوصول، مثل ارتياد كثير من مطاعم الشاورما، وحضور كثير من الحفلات الموسيقية، والذهاب إلى كثير من النوادي وغيرها، ويمكن للمستخدم (اللاعب) أيضاً كسب شارات من العلامات التجارية للشركات الكبرى التي تشارك في نموذج التلعيب مثل «ستاربكس». بالإضافة إلى ذلك، يمكن للاعبين استخدام شارات حصلوا عليها ليطوروا من مكانتهم أو موقعهم في مجتمع التلعيب بين أقرانهم، كأن يتشدقوا أمامهم بقدر ما يمارسونه من التسوق أو السفر والترحال.
المتصدرون: ثمة لوحات تسجيل تبين أسماء المنافسين الرائدين في تطبيق لوعبة معينة ليعرفوا موقعهم بين «منافسيهم» الآخرين في عالم التلعيب الافتراضي. يقوم هذا الأسلوب على استفزاز الطبيعة التنافسية للبشر ويدفع بالمشترك إلى العمل على تطوير مستواه.. بكلام آخر، إلى استخدام التطبيق أكثر لتحسين موقعه بين الآخرين باستمرار على أمل تصدر القائمة، ومن ثم الحفاظ على هذه الصدارة، كما هو الحال في ألعاب الفِديو...
ولكن نظام «التصدر» حمل في طياته ما قد يكرهه بعض اللاعبين ويدفعهم إلى التخلي عنه. فإذا كان ترتيب لاعب في مباراة ما هو المئتان، وتطلع هذا اللاعب إلى لائحة المتصدرين ليكتشف أن أولهم يبعد عنه 200 ألف مرتبة، فسيثبط هذا من همة اللاعب ويدفعه إلى الانسحاب منها. أو على الأقل، لن يجد أي متعة في المثابرة، حيث لا أمل له بالتصدر.
أحد الحلول التي قدمتها أنظمة التلعيب لتجاوز هذه العقبة النفسية أن عدداً منها لا يبين لك موقعك مقارنة بكل المتسابقين في العالم الافتراضي، لكنه يعطيك لائحة ترتيب خصوصية، إن صح التعبير، بحيث ترى موقعك فقط مقارنة بالمتسابقين القلائل الأفضل والأسوأ منك، وليظل أملك حياً في اللحاق بمن سبقك والتفوق على من هو أقل منك.
ولكن من المهم أن ندرك أن مثل هذه العناصر الثلاثة ليست كل شيء في نماذج التلعيب. ولا ينبغي أن تكون كذلك، لأنها ستصبح مملة بسهولة مع مرور الوقت.
فعلى الرغم من حداثة مفهومها ونجاحاتها الحالية، تواجه تطبيقات التلعيب مشكلات عديدة. وثمة شركات عديدة بدأت تعتقد أن التلعيب هو عصا سحرية ومجرد رميها على منتج ما سيجعله بمتعة اللعبة ومثيراً للاهتمام. ولكن الواقع أكثر تعقيداً من ذلك. إذ يقول غارتنر إضافة إلى توقعاته التي سبق ذكرها، أن %80 من تطبيقات التلعيب الحالية قد تفشل في تلبية الأهداف التجارية، ويُرجع ذلك أساساً إلى سوء التصميم. وهذا ما يعود بالذاكرة إلى المتاعب التي واجهتها أنظمة الكمبيوتر الأولى، والتي كانت محكومة بالتطور والتخلص من الشوائب والعيوب.. فأي تلعيب سنلعب خلال السنوات المقبلة؟