يمكننا القول إننا نسير بثقة كبيرة على الطريق المؤدي إلى بناء حياة جديدة، تتعدَّد فيها مصادر الدخل الاقتصادي، وتتَّسع فيها مصادر الطاقة البديلة والمتجدِّدة، وتسمح بصناعة أجيال جديدة تعتمد على الابتكار والريادة وصناعة المعرفة وإعلاء روح المغامرة كبديل عن الاتكال على ما تحتضنه الأرض من ثروات دون تحسّب لزوالها أو لاضطراب قيمتها بفعل الصراع الكامن والعلني على هذه الطاقة التي تمسّ كل كائن حي على هذه البسيطة بأقل الأثمان.
بعد زمن قياسي طال فيه الجدل، فسحت الطريق لتقود المرأة سيارتها كما هنّ نساء الأرض، لا لرفاه وتمظهر عالمي كما قد يعتقد البعض، ولكن لحاجة تنموية واجتماعية دفعت كل عائلة سعودية ثمناً لها طيلة عقود، كما أعيد الاعتبار الصحيح لديننا الحنيف، الذي كاد أن يصبح عنواناً للإرهاب والعنف ليبقى كما وجد دين بناء وصناعة حياة منفتحة تتعانق مع أديان العالم وحضاراته ويشارك في بناء عالم يسوده السلم والتقدُّم، كما عبَّر سمو ولي العهد في كلمته أمام منتدى “مبادرة مستقبل الاستثمار” الذي انعقد مؤخراً في الرياض، وفي الحشد الدولي نفسه أطلقت مدينة “نيوم” على الساحل الشمالي الغربي بالمملكة بغية بناء مدينة عصرية تستثمر آخر منتجات العلوم والتقنية في موقع مثالي تتقاطع فيه قارتا آسيا وإفريقيا وممرات ملاحية عالمية أخرى، تتضمَّن من المؤهلات ما يجعلها هونج كونج أخرى أو مدينة سيليكون أكثر حداثة وتقدماً.
والحقيقة أن المملكة التي تصعد سلّم الشفافية تؤكِّد على أنها ماضية على طريق اكتشاف عناصر الطاقة الجديدة، طاقات الشمس والرياح والمياه، رغم أنها الدولة الأكثر عراقة في إنتاج النفط والغاز وفي ميدان الصناعات البتروكيميائية، والأكثر مسؤولية تجاه متغيرات الطلب على هذه الطاقة المركزية التي تسكن قلب كل معامل وصناعات العالم.
وأمام هذه الطاقات المتنوِّعة تتوفَّر طاقة ديموغرافية هائلة تكمن في كتلة شبابية تشكل ثلاثة أرباع سكان بلادنا، والغالبية منها تشكَّلت فوق مقاعد الجامعات العالمية المتقدمة، وتشرّبت هناك ثقافة البحث والتقنية والأداء العملي المتفوق، وهي تنخرط اليوم في معامل البلاد ومرافقها، والأمل أن تزداد وتيرة إبدال الكفاءات الأجنبية بما يماثلها من كفاءات وطنية مؤهّلة لكي تتراكم هذه الخبرات وتصبح مخزوناً عملياً ومهنياً ينتقل إلى الأجيال القادمة.
وفي ميدان الثقافة والفنون يمكن رصد اتساع المساحة الحرة التي يتحرَّك فيها الكتاب في معرضي الرياض وجدة، كما تمكن الإشارة إلى تزايد الحفلات الغنائية والموسيقية والمسرحية بما يملأ فسحة شاغرة منذ عقود للترفيه وكسر الحواجز تجاه الفنون، والارتقاء بالذائقة الفنية والوجدانية لدى الناس، وتشجيعهم على الإحساس بصنوف الجمال، واستثمار مصروفاتهم داخل وطنهم.
وعلى طريق الضبط الإداري والمالي وتحقيق الشفافيـة استيقظ الشارع السعودي على تشكيل هيئة عليا تختص بقضايا الفساد ومحاربته وحماية مكونات المجتمع من آثاره الضارة.
وما نأمله في الختام هو مزيد من التشريعات والإجراءات الرقابية الصارمة التي تفسّر للأجيال الجديدة أن التطرف والفساد والانغلاق هي أمراض عابرة للقارات ولن يقاومها سوى أمصال الصدق والشفافية والوطنية العميقة المقرونة بالجزاء الرادع …
وهذا ما شدَّدت عليه تعاليم ديننا الحنيف، وهذا ما سيشفي أية أمة من أمراضها.