أدب وفنون

هكذا يكتب عُدي الحربش

d8add983d8a7d98ad8a9d9a1في‭ ‬قصصه‭ ‬القصيرة‭ ‬يمكنك‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬شاعر‭ ‬تشيلي‭ ‬بابلو‭ ‬نيرودا‭ ‬يفتتح‭ ‬قصة‭ ‬قصيرة‭ ‬تدور‭ ‬أحداثها‭ ‬في‭ ‬قصر‭ ‬الخليفة‭ ‬العباس‭ ‬المتوكل‭ ‬على‭ ‬الله،‭ ‬والشاعر‭ ‬الإسباني‭ ‬فريدريكو‭ ‬غارسيا‭ ‬لوركا‭ ‬يمهِّد‭ ‬للشاب‭ ‬راكان‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬مع‭ ‬قافلته‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬الصحراء،‭ ‬ويجيد‭ ‬الرسم‭ ‬على‭ ‬رمالها‭.‬ كما‭ ‬نجد‭ ‬في‭ ‬المجموعة‭ ‬قصصاً‭ ‬ذات‭ ‬جذور‭ ‬غربية‭ ‬في‭ ‬ثوب‭ ‬شرقي‭.‬

صاحب‭ ‬هذا‭ ‬المزاج‭ ‬الأدبي‭ ‬الفريد‭ ‬في‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬الروحين‭ ‬الشرقية‭ ‬والغربية،‭ ‬هو‭ ‬الطبيب‭ ‬والأديب‭ ‬السعودي‭ ‬عُدي‭ ‬الحربش‭.‬ ومجموعته‭ ‬القصصية‭ ‬التي‭ ‬نشير‭ ‬إليها‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬بعنوان ‭”‬حكاية‭ ‬الصبي‭ ‬الذي‭ ‬رأى‭ ‬النوم‭”‬ عام ‭ ‬2008م‭ ‬عن‭ ‬النادي‭ ‬الأدبي‭ ‬في‭ ‬الرياض‭.‬

فاز‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬ضمَّ‭ ‬18‭ ‬قصة‭ ‬قصيرة‭ ‬آنذاك‭ ‬بجائزة‭ ‬كتاب‭ ‬العام‭ ‬من‭ ‬النادي‭ ‬الناشر. ‬وصدرت‭ ‬منه‭ ‬ثلاث‭ ‬طبعات‭ ‬حتى‭ ‬الآ. ‬وتُرجم‭ ‬إلى‭ ‬الإنجليزية‭ ‬والصينية‭ ‬ومؤخراً‭ ‬إلى‭ ‬الألمانية‭.‬

قبل‭ ‬صدور‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬القصصية‭ ‬في‭ ‬كتاب،‭ ‬كان‭ ‬عُدي‭ ‬قد‭ ‬اعتاد‭ ‬نشر‭ ‬قصصه‭ ‬في‭ ‬المدوَّنات‭.‬ وتميزت‭ ‬كتابته‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬التلقائية‭.‬ إذ‭ ‬لم‭ ‬يسعَ‭ ‬إلى‭ ‬تنقيح‭ ‬الجملة‭ ‬مرة‭ ‬بعد‭ ‬مرة‭..‬ فقرَّاؤه‭ ‬كانوا‭ ‬يقبلون‭ ‬به‭ ‬كما‭ ‬هو،‭ ‬ويجبون‭ ‬أسلوبه‭ ‬العفوي‭ ‬دون‭ ‬تكلّف‭ ‬أي‭ ‬جهد‭ ‬إضافي‭.‬

ففي‭ ‬هذه‭ ‬القصص‭ ‬يلاحظ‭ ‬القارئ‭ ‬ورود‭ ‬كلمات‭ ‬مصدرها‭ ‬البيئة‭ ‬المحلية‭ ‬في‭ ‬السعودية،‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬المقصود‭ ‬بها‭ ‬القرَّاء‭ ‬خارج‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭.‬ ولكن‭ ‬عُدي‭ ‬يجد‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬البديهي‭ ‬أن‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬الكاتب‭ ‬يوسف‭ ‬إدريس‭ ‬الذي‭ ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يقتبس‭ ‬من‭ ‬العامية‭ ‬المصرية،‭ ‬ليعكس‭ ‬بيئة‭ ‬الحدث‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬المستخدمة‭.‬

وبموازاة‭ ‬ذلك،‭ ‬ثمة‭ ‬مفردات‭ ‬عربية‭ ‬نادرة‭ ‬الاستخدام،‭ ‬وبالتالي‭ ‬عسيرة‭ ‬على‭ ‬الفهم،‭ ‬وترد‭ ‬في‭ ‬نصوص‭ ‬الحربش‭ ‬من‭ ‬حين‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭.‬ ويرد‭ ‬الكاتب‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬اعتاد‭ ‬على‭ ‬قراءة‭ ‬كتب‭ ‬التراث‭ ‬العربية‭ ‬منذ‭ ‬صغره،‭ ‬فتأثرت‭ ‬لغته‭ ‬بها‭.‬ ويرى‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الكلمات‭ ‬جمال‭ ‬يجعلها‭ ‬تستحق‭ ‬أن‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬القارئ،‭ ‬وأن‭ ‬نبث‭ ‬فيها‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬جديد‭.‬
closeup_birth_of_venus_sandro_botticelli_2178x1672_wallpaper_Art HD Wallpaper_2560x1600_www.wallpaperhi.com
وعندما‭ ‬يتحدث‭ ‬الحربش‭ ‬عن‭ ‬نفسه،‭ ‬فإنه‭ ‬يتكلم‭ ‬كفرد‭ ‬بين‭ ‬كثيرين‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬جيله. ‬يقرأون‭ ‬بنهم‭ ‬ويكتبون‭ ‬بطريقة‭ ‬جديدة. ‬ويقول‭ ‬إن‭ ‬كتابات‭ ‬بعضهم‭ ‬خارج‭ ‬نطاق‭ ‬الاهتمام،‭ ‬ربما‭ ‬لأنهم‭ ‬يزهدون‭ ‬في‭ ‬الأضواء،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضاً‭ ‬بسبب‭ ‬تركيز‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬النقاد‭ ‬على‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬تتناول‭ ‬القضايا‭ ‬الاجتماعية‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يُعرف‭ ‬بالمحظورات‭ ‬مثل‭ ‬الجنس‭ ‬أو‭ ‬السياسة. ‬ولكنه‭ ‬متفائل‭ ‬بأن‭ ‬تتغير‭ ‬الاهتمامات‭ ‬مستقبلاً،‭ ‬بل‭ ‬ويؤيد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬التطور‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المجالات‭ ‬تدريجياً‭ ‬وبطيئاً،‭ ‬ويفضلها‭ ‬على‭ ‬التطورات‭ ‬المفاجئة‭ ‬الصادمة‭.‬

إن‭ ‬من‭ ‬يطالع‭ ‬مواقع‭ ‬الإنترنت‭ ‬التي‭ ‬يتبادل‭ ‬فيها‭ ‬القرَّاء‭ ‬آراءهم‭ ‬حول‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبية،‭ ‬يجد‭ ‬أن‭ ‬كتاب ‭”‬حكاية‭ ‬الصبي‭ ‬الذي‭ ‬رأى‭ ‬النوم‭”‬ قد‭ ‬حظي‭ ‬بتقدير‭ ‬كبير،‭ ‬جعل‭ ‬البعض‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬يبشِّر‭ ‬ببزوغ‭ ‬نجم‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬أسلوبه‭ ‬عن‭ ‬كتابات‭ ‬الأدباء‭ ‬العالميين‭ ‬الكبار،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬انبهر‭ ‬بالتقنيات‭ ‬التي‭ ‬يستخدمها‭ ‬الحربش‭ ‬في‭ ‬قصصه،‭ ‬والتي‭ ‬يسميها‭ ‬أسلوب‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحداثة،‭ ‬حين‭ ‬يطل‭ ‬برأسه‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬العمل‭ ‬لكي‭ ‬يتناقش‭ ‬مع‭ ‬القارئ‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬نهاية‭ ‬العمل‭.‬

لعل‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نبوح‭ ‬به‭ ‬للقارئ،‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬الأخير،‭ ‬فالكتاب‭ ‬الثاني‭ ‬قد‭ ‬انتهى‭ ‬منه‭ ‬كثير،‭ ‬وسيرى‭ ‬النور‭ ‬في‭ ‬الشهور‭ ‬القادمة،‭ ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬الله‭.‬

وبفعل‭ ‬التطوير‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التعمق‭ ‬في‭ ‬البحث،‭ ‬يمكننا‭ ‬التوقع‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يقل‭ ‬تشويقاً‭ ‬ولا‭ ‬إمتاعاً‭ ‬عن‭ ‬الكتاب‭ ‬الأول‭.‬

أضف تعليق

التعليقات