أقول شعراً

منازل الرؤيا

استمع للقصيدة

scan_haneen2القصيدة كشفٌ وارتحالٌ في الماوراء، فالشاعر يمارس نبوءةً من نوع خاص. أشواقه فيضٌ من الإلهام، وأحلامه شكلٌ من أشكال الحدس، حين تطيل التحديق في اللامتناهي، ستشف روحك وتنفذ عبر الحُجُب متجاوزة حدود المكان والزمان. والقصيدة المتنبئة هي التي تُكتب في منطقة بين الحضور والغياب، بين المرئي واللامرئي، بين الوعي واللاوعي، أياً كان موضوعها أو مساحة اشتغالها. والشاعر العارف هو ذاك الذي يشعل حرائق الأفكار، ثم يقف مصلوباً على أخشاب رؤاه.
في ذات الشاعر توقٌ أبديٌّ إلى لحظة البدء، إلى الشهقة الأولى، وإلى صرخة الوجود…
وفي العتمة البيضاء حيث تقيم النفس، سوف تتلمَّس طريقها للعروج إلى أفق فسيح وفضاء أوسع وأجمل. يظل الإنسان مشدوداً إلى خيوط النور المتصالبة مع تصوراته، ليصل إلى الروضة السماوية…
scan_haneen1الكون حجرة الشاعر المعتادة، حيث يحرق سجائر روحه، الواحدة تلو الأخرى، ليتصاعد مع دخانها ويبصر ما لم يكن يبصره قبل ذلك الاحتراق!
كل قصيدة هي عودة إلى البداية، هي ميلاد متجدِّد للبشرية، وفي كل قصيدة موت وحياة، وذات الشاعر هي نقطة الالتقاء بين ذلك الموت وتلك الحياة، هي البرزخ الذي يصل بين العالَمَيْن. وفي لحظة واحدة فقط يمتزج هذان العالمان ليصبحا عالماً واحداً، لا حدود بينهما، تلك هي لحظة التجلي والتلقي، تجلٍّ للروح على إلهامات باهرة، وتلقٍّ لألواح الحقيقة…
إنها لحظة يتداخل فيها الألم بالفرح، ويتكامل فيها الاعتناق بالانعتاق، اعتناق الذات وانعتاق من الذات…
يموت الشاعر لتولد القصيدة… تحترق الروح لتنبعث الإنسانية…

منازل الرؤيا
عبدالله ناجي

1
calligraphyفأنا أشواقي أحداقٌ
ورؤاي الحبْ

وأنا أنفاسي خطواتٌ
لمنافي القلبْ

ألبس أحزاني
لكني..
عارٍ في الجُبْ

سأغنّي..
وسأفنى عشقاً
وسيفنى الدربْ

(…)

2
لا أعلم شيئاً،
لكني..
مهد الأسرارْ

لا أقرأ..
لكن في صدري
كل الأخبارْ

قلبي آفاقٌ تترامى..
وفمي أسوارْ

ودمي
-هل تعرف لون دمي؟-
كل الأنهارْ

في الكون يتيمان تساما
أحمدُ والغارْ

3
ويقول البحرُ:
ألم ترني؟
رقصي أمواجْ

وتقول سماءٌ:
في عنقي
يلتمعُ سراجْ

(…)

وتقول الغيمة:
من رحمي..
مطرٌ ثجاجْ

وأقول…
ولكن في قلبي
يبكى الحلاجْ!

4
وأحدق في العالمِ
لأرى..
فأرى الواجدْ!

تملؤني الدهشة
منفردا
نحو الواحد!

يهتف بي عقلي
عرفانا:
قف لتشاهدْ!

محجوبا كنت عن الرؤيا
وأنا العائدْ

فأنا المفقود بصحرائي
وأنا الفاقدْ

5
ما الكلمة؟
كونٌ كان رؤىً
ثم انبثقا!

ما اللذة؟
شيءٌ من وجعين
إذا التصقا!

ما الظلمة؟
صبحان تلاقا
ثم افترقا

ما الدمعة؟
بحرٌ!
قيل البحر إذا اختنقا!

ما الرؤية؟
نورٌ أحرقني..
ثم احترقا

6
ستامرُ أنفاسُ الشعلة
رئةَ المصباحْ

سأعاقرُ كأسَ مناجاتي
وسأفتح باباً..
كي أبصر سر الأرواحْ

وسأرقى…
حتى تتلاقى كل الأفراحْ

وسيصدح صوتٌ أبديٌ:
ألقِ الألواحْ

7
ممتدٌ من أقصى وجعي
حتى أقصاهْ

مجنونٌ،
ترقص في جسدي
كل الأشباهْ

الحبُ تراتيلي
فأنا…
ماذا لولاهْ؟

اللهفة أنغامٌ تسري
والدهشة…
آه!!

وسأصمت…
لكن ملء فمي
“الله الله”

أضف تعليق

التعليقات