تُحيط أخبار النفط، إنتاجاً وأسعاراً واستيراداً وتصديراً، بالمواطن العربي عبر وسائل الإعلام المتعددة. ولا تنتهي نشرة أخبار في أية فضائية إلا وأسعار برميل النفط المختلفة تشهد ارتفاعاً أو انخفاضا مع -أومن دون- ذكر الأسباب. الدكتور رمزي حدّاد يستعرض فيما يلي ألف باء سوق النفط والغاز :
أصبح لمادة النفط مع مواد أخرى مترافقة معها، كالغاز الطبيعي مثلاً، ما يمكن تسميته بأدبيات سوق النفط وهي تشمل تعابير ومصطلحات وأسماء لا يفهمها إلا المتخصص أو المتابع لهذه الصناعة المتشعبة الأبعاد. إن معرفة مثل هذه المصطلحات التي تعتبر “ألف باء” النفط أصبحت مسألة مُلحّة للمواطن العربي بوجه خاص، لأن هذه المادة هي أهم المواد تأثيراً في حياته اقتصاداً وسياسة.
مجرد وحدة للقياس
قد يكون مقياس الحجم هو أول الأسئلة التي يطرحها المواطن العربي، لأن أخبار النفط تشير إلى كمية إنتاجه أو استهلاكه بـ عدد البراميل وبالملايين منها في العادة. وقد اعتمد البرميل كوحدة قياس وهو يحتوي على 24 )غالوناً أميركياً( أو نحو 051 لتراً من النفط الخام. لكن البرميل مجرد مقياس نسبي لأن النفط لا يصدر بالبراميل، بل عبر الأنابيب التي تمتد آلاف الكيلو مترات أو بوساطة ناقلات النفط العملاقة.
السعر يتبع النوعية وتكاليف الشحن
أما من ناحية النوعية فإن نوعية النفط الخام تُحدد حسب نسبة جاذبية هذه المادة طبقاً لمقياس معهد البترول الأميركي (API). وتحدد هذه النسبة على أساس جاذبية الماء الصافي الذي حددت نسبة جاذبيته بعشر درجات على أساس محض استنسابي ليس إلا. أما السوائل الأخف من الماء كالنفط الذي يطفو على سطح الماء – إذا وضعت هاتان المادتان معاً – فقد حدد معهد البترول الأميركي نسبة جاذبيته بأرقام تزيد على عشر درجات. واعتبرت خامات النفط التي تقل نسبة جاذبيتها عن 02 درجة بأنها خامات ثقيلة كما اعتبرت الخامات التي تبلغ نسبة جاذبيتها ما بين 02 و52 درجة خامات متوسطة. أما الخامات الخفيفة فهي الخامات التي تزيد نسبة جاذبيتها على 52 درجة. والمهم في نسب الجاذبية هذه أنه كلما كان النفط الخام ذا درجة جاذبية أكبر، وبالتالي أخف كثافةً، كلما كان سعره أعلى، ذلك أن عملية تكريره تكون سهلة وأقل كلفة. وتعمل نسبة الكبريت في النفط بشكل مماثل لنسبة جاذبيتة فزيادتها تجعل عمليات التكرير أصعب. أى أن أجود أنواع النفط وأعلاه ثمناً – مثل العربي الخفيف الممتاز – يتمتع بأعلى نسبة جاذبية وأقل قدر من المحتوى الكبريتي.
أسعار النفط
ومما يؤثر في تسعير خامات النفط المختلفة، أيضاً، أساليب نقلها، فهناك ما ينقل عبر الأنابيب، وما ينقل عبر الناقلات الصغيرة أو المتوسطة أو العملاقة. وهنالك بورصة يومية لأسعار النفط تتحرك هبوطاً أو صعوداً ضمن هامش معين وهي تتأثر بما تتأثر به أية سلعة أخرى، إلا أن أسعار النفط ظلت منخفضة جداً حتى عام 3791م، عندما قامت بعض الدول العربية المصدرة للنفط بقطع جزئي لكمية إمداد العالم الغربي بالنفط. وتحالف هذا القطع مع رغبة كانت تتعاظم في الدول النامية عامة منذ ما قبل 3791م في أن تستفيد بشكل أكثر عدلاً من مواردها الطبيعية، فارتفعت الأسعار بصورة كبيرة وأصبحت بعد ذلك منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) ذات فعالية في تقرير الأسعار بدلاً من الشركات، لأن عدداً من دول العالم الثالث المصدرة للنفط قامت بتأميم مرافقها النفطية وبالتالي استحوذت الحكومات، بدلاً من شركات التنقيب والإنتاج الغربية، القدرة على فرض الأسعار.
وبدلاً من أن يظل سعر برميل النفط الخام في المنطقة العربية مثلاً يساوي نحو دولار ونصف الدولار ارتفع إلى أكثر من عشرة دولارات ثم عاد وارتفع مرة أخرى في نهاية السبعينيات.
ولا بد من الأخذ في الاعتبار القدرة الشرائية للدولار قبل عام 3791م وبعده، والمقارنة بين الأسعار الفعلية (أي التي يمكن احتسابها على أساس ما يمكن أن تشتريه من سلع وخدمات) والأسعار الرسمية (أي مجرد السعر من دون تقدير قيمته الشرائية).
أي أن السعر الاسمي لبرميل النفط ارتفع بالفعل ارتفاعاً كبيراً، لكن الدخل الإضافي المجني من هذا الارتفاع لم يشكل زيادة في الثروة الحقيقية للدول التي جنت ثماره إلا بنسبة معينة، وذلك بسبب ظاهرة التضخم الاقتصادي الذي ينتج عنه ارتفاعٌ بأسعار السلع. وبالتالي فإن كل دولار إضافي في سعر البرميل ومداخيل الدول المصدرة، قضم منه الغلاء الحاصل جزءاً معيناً.
وتتبع دول أوبك حالياً سياسة المحافظة على أسعار النفط ضمن نطاق سعري يتراوح ما بين 22 و 82 دولاراً أميركياً للبرميل الواحد. وهي تزيد إنتاجها إذا تجاوزت هذه الأسعار 82 دولاراً للبرميل وتخفّض إنتاجها لزيادة الأسعار إذا ما انخفضت هذه الأخيرة إلى أقل من 22 دولاراً للبرميل، إلا أن هامش 6 دولارات بين سعر 22 و82 دولاراً يترك مجالاً واسعاً لبورصة النفط والمتعاملين فيها كي يحاولوا تحقيق أرباح إذا ما كانت تحليلاتهم الاقتصادية صحيحة.
عقود البيع الآجل والبيع الفوري
وتتم عمليات شراء وبيع النفط بواسطة طرق عديدة، فهناك عقود البيع والشراء بين حكومة وحكومة، وعقود أخرى بين حكومة وشركة، وعقود ثالثة بين شركة وشركة، إلا أن المهم في هذه العمليات هو تحديد زمن التسليم، فالعقود التي يتم التوصل إليها بين طرفين، تحدد عادة زمن تسليم بعد أشهر من توقيع العقد ولمدد متفاوتة قد تصل إلى سنوات. وهذا الأمر يجري بين الحكومات كما يجري بين الشركات. وبمقدور الشركات شراء النفط الخام عندما تعتقد أن أسعاره رخيصة نسبياً وتخزنه لديها لحين ارتفاع هذه الأسعار لتجني أكبر قدر من الأرباح. وهنالك أيضاً الشركات التي تشتري النفط الخام وتقوم بتكريره وتبيعه مكرراً بأسعار أغلى بالطبع من سعر الخام، إلا أن طرفاً ما(دولة كانت أم شركة أم تاجر نفط)، يستطيع شراء هذه المادة مما يسمى السوق الفورية ، أي أن الجهة التي تشتري من هذه السوق تتسلم النفط عبر صفقة تسلم فوراً أو خلال أيام ويكون سعر برميل النفط الخام في هذه الحال أعلى من أسعار التسليم غير الفوري. وأهم سوق فورية للنفط اليوم موجودة في ميناء روتردام الهولندي حيث ترسو العديد من ناقلات النفط الجاهزة لتسليم شحناتها للطرف الذي يشتريها.
ظل سعر النفط السعودي الخفيف الذي كان يسمى العربي الخفيف لمرحلة طويلة السعر الذي يعتبر سعر القياس ، أي السعر الذي يتم بالمقارنة معه تحديد أسعار باقي خامات النفط الأخرى، وبعدما أصبحت منظمة (أوبك) فاعلة، قامت بتحديد سعر مؤلف من سلة من أسعار نفط الأعضاء المنتمين إليها وأصبح سعر نفط أوبك هو سعر القياس بالنسبة لأسعار دول أوبك. أما سعر نفط بحر الشمال فإنه يتحدد حسب معدل سعر نفط حقول بحر الشمال وأهمها حقل برنت البريطاني ويسمى بسعر برنت . كذلك، فإن أسعار النفط الأميركي تحدد على أساس معدل سعر نفط حقول غرب تكساس .
والواقع أن تغيرات عديدة حصلت في تطور أساليب إنتاج النفط؛ بسبب تطور تكنولوجيا استكشافه، والقدرة على حفر آبار أعمق بكثير من السابق. وكانت أهم حقول النفط هي حقول برية كحقول النفط المكتشفة في أوائل ومنتصف القرن العشرين، وقد تغير هذا الأمر بعض الشيء فأصبح لدى الشركات القدرة على الحفر في البحار والمحيطات واستطاعت اكتشاف حقول بحرية هامة كحقول بحر الشمال مثلا.
الغاز الطبيعي نوعان
الغاز الطبيعي يزداد أهمية مع الوقت خاصة مع ارتفاع وتيرة الوعي بأهمية استخدام طاقة بترولية لا تؤثر بشكل سلبي في البيئة. ويقسم الغاز الطبيعي إلى غاز مرافق و غاز غير مرافق .
والغاز المرافق هو الذي ينتج من حقول النفط ويكون وجوده مترافقاً مع وجود النفط الخام. وقد ظل هذا النوع من الغاز المرافق يحرق في الهواء دون أن يُنتفع به حتى وقت قريب حينما بدأت الدول والشركات المنتجة للنفط تستثمره في مشاريع فصله عن النفط واستخدامه لأغراض إنتاج الطاقة مثله مثل النفط تماماً. أما الغاز غير المرافق فهو، كما تدل عليه تسميته، ينتج من حقول مستقلة غنية بالغاز أكثر من غناها بالنفط.
وتكمن سهولة استخدام الغاز الطبيعي في أنه يمكن نقله بسهولة عبر الأنابيب إلى المناطق الصناعية أو السكانية في البلد التي يكتشف فيها أو البلدان القريبة. أما الصعوبة التي يفرضها الغاز الطبيعي فهي في عمليات تصديره بواسطة الناقلات بصورة خاصة، إذ يتوجب عندها تسييل هذا الغاز بطرق فنية معقدة قبل تحميله على الناقلات. لذلك، فإننا نقرأ عن الغاز الطبيعي المسال و الغاز الطبيعي غير المسال . ومن البديهي أن الغاز المسال هو أكثر كلفة وأعلى سعراً من الغاز غير المسال .
أما البتروكيمائيات فهي مواد مصنعة إما من النفط الخام أو من الغاز الطبيعي، وهي تحتاج لاستثمارات ضخمة لإنتاجها في معامل كبيرة، إلا أن القدرة على إنتاج أنواع كثيرة منها يزيد من أسعار هذه السلع البتروكيمائية المصنعة ويوفر للبلد الذي يقوم بهذه العملية نسبة مالية أعلى من مجرد بيعه للخامات غير المصنعة التي يجري تكريرها وتصنيعها في أوروبا أو في الولايات المتحدة الأميركية.
النفط .. المصدّرون والمستوردون
يعتقد الكثيرون أن الدول المصدرة للنفط، وخاصة الدول الأعضاء في منظمة أوبك هي الرابح الأول من مبيعاتها النفطية، والواقع أن الأرباح الطائلة هي من نصيب الدول الصناعية المستورِدة، وذلك من خلال ما تفرضه من ضرائب ورسوم على تجارة النفط واستهلاكه.
ولتأكيد الأمر بالأرقام، نشير إلى أن مجموعة الدول الصناعية السبع (الولايات المتحدة، كندا، اليابان، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، والمملكة المتحدة) جنت ما بين العامين 6991 و 0002م ما مجموعه 3.1 تريليون دولار من خلال الضرائب والرسوم على النفط، في حين أن قيمة صادرات دول أوبك مجتمعة في الفترة نفسها كانت بحدود 058 بليون دولار.
وفي حين أن أرباح الدول الصناعية هي صافية تماماً، فإن أرباح أوبك المشار إليها هي في الواقع أقل من ذلك، لأنها تتضمن تكاليف التنقيب والاستخراج والشحن.
ولمزيد من توضيح الصورة، نأخذ ليتر البنزين كما يصل إلى المستهلك كمثال، ونتطلع كيف يتوزع ثمنه ما بين المصدر والمصنّع والرسوم في هذا الجدول الذي أعدّه المكتب الإعلامي في أوبك.