هل تخيلت يوماً أن تفتح زجاج نافذة سيارتك أثناء انهمار المطر لتمسح زجاجها الأمامي وتكمل الطريق إلى المنزل؟
لابد أنها فكرة صعبة، وهذا ما فكرت به ماري أندرسون حين شهدت هذا الموقف لأول مرة في بدايات القرن العشرين.
ولدت ماري أندرسون بإحدى مقاطعات ولاية ألاباما عام 1866م، وتوفي والدها وهي في الرابعة، فانتقلت مع أمها وأختها للعيش في برمنغهام بعيداً عن تركة والدها. وفي سن السابعة والعشرين انتقلت إلى كاليفورنيا للعمل، ثم عادت إلى رعاية عمتها المريضة التي سرعان ما توفيت تاركة لهم كثيراً من الجواهر مما ساعد الأسرة على العيش براحة مادية.
في شتاء عام 1903م، سافرت ماري إلى مدينة نيويورك، حيث شهدت حادثاً غريباً: رجل يتوقف في وسط الطريق، يفتح نافذة سيارته مغامراً بإدخال الهواء المتجمد إليها، ويخرج رأسه ويبدأ في نفض الثلج بيده عن الزجاج الأمامي حتى تصفو له الرؤية. وبعدما أكمل الرجل مسيره للحظات، عاد للتوقف مجدداً، ليكرر العملية المزعجة نفسها: توقف، خروج، واستخدام اليد لنفض الثلج.
عندما عادت ماري إلى برمنغهام عملت على وضع خطة ورسوم أولية لصنع أول جهاز يعمل على إزالة الثلوج وقطرات المطر المتراكمة على زجاج السيارات الأمامي. تتكون تصميمات ماري الأولية من مقبض داخل السيارة يكبس إلى الأسفل فيرفع من الخارج ذراعان ينتهيان بطرفين من المطاط أو اللباد، ويحرك السائق المقبض ليحرك العصوين جيئة وذهاباً يدوياً في زمن لم يكن التشغيل الكهربائي قد ظهر به. وقد حصلت ماري أندرسون على براءة الاختراع برقم 743801 في نوفمبر من نفس العام 1903م.
ومن المثير للاستغراب أن الابتكار على الرغم من اختصاره للجهد والوقت والتكلفة، لم يلق آنذاك اهتماماً وترحيباً لائقاً من العامة، لأن السيارات لم تكن منتشرة بشكل كبير بين العامة، والحاجة إليه كانت موسمية فقط. كما رأى البعض أن حركة الماسحات قد تشتت تركيز السائقين. إلاَّ أن هذه الآراء لم تدم طويلاً، فبعد سنوات عشر فقط، امتلك كثير من الأمريكيين سياراتهم الخاصة التي لم تخل من زوج المساحات الأمامية، فقد أصبحت من المتطلبات الأساسية للسيارة.
واليوم لا يسعنا التفكير في امتلاك سيارة دون وجود مساحات زجاج أمامية تضمن لنا رؤية جيدة في حال فوجئنا بالمطر في أي لحظة! لا بل أن تعطل المسَّاحات في الفترات الممطرة يُعد مشكلة لا تخلو من الخطورة.