في فِلمه المعنون (وينك؟)، الذي عرضه في مهرجان تريبيكا السينمائي في قطر عام 2011م ونال عنه جائزة أفضل فِلم عربي قصير، يسلط المخرج السعودي عبدالعزيز النجيم الضوء على حياة شاب اختار أن ينعزل عن أصدقائه وعن المجتمع بأكمله ليتفرغ لمشاهدة الأفلام السينمائية عبر الإنترنت أو الأسطوانات. فالسينما، كما يبدو، هي عشقه الوحيد الذي يقضي فيه جل وقته. ومن أجلها ابتعد عن الناس، وقبع في بيته لا شاغل له سوى متابعة الأفلام..
يبدأ الفِلم الذي تبلغ مدته ثماني دقائق، بسماعنا صوت صديقه «عبدالله الأحمد» عبر جهاز الرد الآلي وهو يعاتبه على القطيعة.. ثم يقوم بسرد بعض الأحداث التي حصلت له مؤخراً عن لقائه بصديقهم القديم «غازي»، الذي ذهب معه إلى منطقة تشليح السيارات، ثم عن لقائه صدفة بشخص يدعى «دودي». وبعد التعرف إليه قام هذا الشخص باصطحابه إلى مخيم سهرات وحفلات مختلطة.. وهنا يُنهي بطل الفِلم القصة التي كان يرويها المتحدث عبر جهاز الرد الآلي بفصل سلك الهاتف والعودة للاستمتاع بالفِلم الذي يشاهده.
وهكذا، يدخلنا الفِلم إلى واقع تفكير وسلوكيات الشباب، ويحيلنا من ناحية أخرى إلى تأثير الفراغ الذي يخيم على حياة فئات متزايدة من هؤلاء الشباب.. لهذا، فهو مرتبط بالواقع السعودي الذي يُمكن للمشاهد، القريب من عالم الشباب، التواصل معه والإحساس به، خصوصاً مع اختيار بطل الفِلم أولويات حياته اليومية بين تفضيل الجلوس في البيت ومشاهدة الأفلام على التواصل مع العالم الخارجي، ولا سيما مع وضوح هشاشة شخصية هذا الصديق المتصل. حيث تظهر علامات الخواء في نبرة صوته والمبالغات التضخيمية في وصفه للأحداث التي يرويها. الأمر الذي يحيل إلى تحليل الشخصية الشبابية، فهي شخصية تعيش في الخيال والغربة الذهنية. وهذه الصفة تنطبق على بطلي الفِلم سواء المتصل أو المتلقي للاتصال. فالأول كما يتضح أنه يفتقر إلى أي اهتمام جدي، ويصب اهتمامه على سيارته وعالمه المحيط الخاوي من أية قيمة حقيقية. والثاني المتلقي للاتصال، وهو شباب اختار العزلة، ربما لإحساسه بعدم الجدوى من الاختلاط بأصدقائه أو أقربائه، ففضل أن ينزوي في بيته، حيث يدل كل شيء على أنه يعيش بمفرده في حالة عزوبية متعمدة. وهي الحالة التي تظهر في كثير من أفلام الشباب السعوديين القصيرة، فالعزوبية هي قرين البطالة والعزلة هي نتيجتهما.. هكذا يحلم هذا الشاب الموعود بالسهرة المختلطة والانطلاق والسعادة التي تمثل أقصى أنواع التمرد على خصوصية المجتمع المحافظ.
الفِلم ينوّع في تقديم صوره عبر مشاهد تم تصويرها بالألوان والأبيض والأسود، ربما لإعطاء الإحساس بالحالة الضبابية السوداوية التي يعيشها الشاب الذي يظهر في الفِلم وهو قابع في حجرته يشاهد أفلام الفِديو.. كما أن ترجمة الفِلم إلى اللغة الإنجليزية تعطي لمسة تضفي شيئاً من الاحترافية على العمل.
ويتفق سرد الفِلم وحبكته الدرامية مع دراسة أعدها مركز أسبار في نوفمبر 2012م، أي بعد إنتاج الفِلم، وأفضت إلى أن الشباب السعودي يتمتع بأوقات فراغ طويلة جداً، يذهب 55 في المائة منها في النشاطات الاجتماعي. في حين تحتل مشاهدة التلفزيون والفِديو ما نسبته أكثر من 56 في المائة. ومن هذه الزاوية حاول عبدالعزيز النجيم -الذي بدأ تجاربه الفِلمية في العام 2006م بأفلام «تمرد» و«النوتة» و«احتباس»- أن يتداخل مع مشكلة الفراغ والبطالة وما تسببه من تدمير للشخصية. فالفِلم، وفقاً لذلك، يمكن اعتباره رسالة احتجاج يدفع بها المخرج إلى الرأي العام لكي ينبهه لما قد يحدث لشبابه نتيجة هذه الآفة.
إضاءات خاطفة عن أفلام سعودية قصيرة
الفِلم السعودي «رفرفة أمل» للمخرج طلال عايل يتناول قصة درامية واقعية لطفلة اسمها «ياسمين»، تعاني داء التوحّد. ويستعرض الفِلم دور والديها في تعليمها النطق والكلام، مبتعداً عن تجسيد القصة بصورة «معاناة» لكي يعطي بصيصاً من الأمل.
فِلم «لقطة سريعة: الرحالة» للمخرج السعودي طارق الدخيل الله، يصوّر أحداث يوم من حياة الرحالة الإماراتي «جلال بن ثنية»، البالغ من العمر 25 عاماً. وهو يخوض غمار رحلة شاقة على الأقدام، قطع فيها مسافة 2000 كيلومتر، عبر الصحارى من الرويس إلى مكة المكرّمة خلال 52 يوما.
تضمَّن فِلم «نعال المرحوم» للمخرج السعودي محمد الباشا أحداثاً غريبة حول أفراد عائلة يتعايشون مع ذكريات جدّهم المُتوفّى. ويسعى بعضهم إلى التخلص منها، في الوقت الذي تبقى فيه قطته وفية لذكراه. ومن خلال حذاء أو نعال الجد، يتطرق الفِلم ضمن قالب ساخر إلى عدد من المفاهيم الخاطئة في المجتمع.