بيئة وعلوم

فضاء خلفه فضاء خلفه فضاء
هل يأتي يوم يرى فيه الإنسان الطرف الأخير من الكون؟

  • A NEW PICTURE FROM THE HUBBLE SHOWS A DETAILED VIEW IF WHIRLPOOL GALAXY
  • SOLAR IMAGE RELEASED BY NASA
  • YEAREND PICTURES 2001
  • HUBBLE IMAGE OF DOUBLE CLUSTER NGC 1850
  • HUBBLE TELESCOPE IMAGE OF EDGE ON GALAXY NGC 4013
  • HUBBLE TELESCOPE IMAGE OF EDGE ON GALAXY NGC 4013
  • 4_ habel
  • HUBBLE HERITAGE IMAGE SHOWS A GALAXY WITH AN UNUSUAL TWISTED DISK STRUCTURE
  • ATLAS 2A LIFTS OFF WITH NASA SATELLITE FROM CAPE CANAVERAL

أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللّهَ الّذِي خَـلَقَ السَّــمَاوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَـعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيــهِ فَأَبَى الظَّـــالِمُونَ إِلاّ كُفُـورَاً (الإسراء – 99)
من منا لم يتأمل صفحة السماء في ليلة أضاءتها النجوم؟ أي إحساس بالرهبة والمجهول .. أي تساؤل.. وأي إدراك لعظمة الخالق الذي أبدع هذا الكون .. وأين نحن منه؟ .. هذه الأسئلة الكبيرة التي تملأ ذهن أي إنسان بسيط تظل هي نفسها أسئلة العلم اليوم. ويكاد العلماء يعييهم البحث في أبعاد الكون وألغازه وتحولاته .. وكلما ظنوا أنهم يقتربون من الإجابات الأخيرة، اكتشفوا أن ما وصلوا إليه لا يتعدى الأسئلة الأولى.. حيرة خلفها حيرة خلفها حيرة ..!
فريق من محرري القافلة أعدّ هذا البحث.

في مشروع وصفه عدد من العلماء “بالجنون”، أطلقت وكالة الفضاء الأوروبية في مطلع العام الجاري مسباراً يدعى “روزيتا”، مهمته أن يهبط في العام 2102م على سطح المذنَّب “فيرتانن” على بعد 008 مليون كيلو متر من الأرض. وصادف إطلاق هذا القمر الصناعي حدثاً لا يقل قيمة ، هو بدء القمر الصناعي الأميركي “ماب” مهمته الرامية إلى تصوير الإشعاعات القديمة في الكون للحصول- بعد معالجة هذه الصور بواسطة الكمبيوتر-على صور فوتوغرافية للكون كما كان بعد تكوينه بثلاثمائة ألف سنة فقط، أي في طفولته..!

وفي الوقت نفسه يتابع التلسكوب الفضائي “هابل” مهمته المدهشة، فيمطرنا كل يوم بصور يلتقطها من أعماق الكون، تارة لمجرة يبتلعها ثقب أسود في مجرة أخرى، وتارة لانفجار(سوبرنوفا) حدث قبل عشرة مليارات سنة.. ويستمر هذا الإبحار الهائل الذي يصيبنا برعشات متتالية ونحن لا ندري إلى أين سوف يصل.. فنحن-فعلاً- كلما عرفنا شيئاً عرفنا أن ما لا نعرفه أكثر. واليوم يلح علينا السؤال الأول: هل يأتي يوم يرى فيه الإنسان آخرَ الكون؟… أي أول الكون؟

الفضـاء لماذا؟
ليس لاهتمام الإنسان بالفضاء بداية معينة، ولكنها تعود حتماً إلى يوم رفع فيه الإنسان الأول عينه إلى الأعلى متأملاً بحيرة من الشمس والقمر والنجوم.. كانت أسئلته آنذاك محدودة العدد: ما هي طبيعــة هذه الأجسام؟ ولماذا لا تسقط على رؤوسنا..؟ لذلك، يجدر بنا أن نبدأ حديثنا بالسبب أو الأسباب التي دفعت بالإنسان إلى التفكير في استكشاف الفضاء.

لماذا يكرس آلاف العلماء جهودهم في هذا الميدان؟ ولماذا تصرف مليارات الدولارات على علم يعتقد البعض أنه لا يمس حياتهم اليومية مباشرة؟ (المِقراب- التلسكوب الفضائي “هابل” وحده كلف ثلاثة بلايين دولار !!).

مراحل استكشاف الفضاء
في العموم ، يمكن القول: إن الاستكشاف العلمي للفلك والفضاء مرّ تاريخياً بثلاثة أطوار:
الطور الأول، يمتد منذ القدم حتى منتصف القرن العشرين، وكان تطور هذا العلم فيه بطيئاً نسبياً، إذ كان يعتمد في المقام الأول على القدرة الفردية عند هذا العالِم أو ذاك. ومع ذلك أُحرز الكثير في تلك المرحلة، بدءاً باعتماد البحّارة القدامى على مواقع النجوم للاسترشاد في إبحارهم ووصولاً إلى اكتشاف بلوتو آخر كواكب المجموعة الشمسية في العام 0391م، مروراً بالتقاويم الشمسية والقمرية الدقيقة التي وضعها الفراعنة والعرب.

أما الطور الثاني فقد بدأ غداة الحرب العالمية الثانية، إذ دفع التطور التقني -ولاسيما تقنيات الصواريخ- بالعلماء إلى التفكيرفي الخروج إلى الفضاء لاستكشافه عن كثب، بدلاً من مراقبته بالمِقراب، فتكتلت جهود الأفراد في بعض الوكالات الكبرى التي تتولى الدول الإنفاق عليها وتمويل مشاريعها. وراحت البشرية جمعاء تراقب الخطوات العملاقة التي تبارى بها الأميركيون والروس نحو الفضاء الخارجي: إطلاق أول قمر صناعي روسي “سبوتنيك 1” العام 7591م، رحلة يوري غاغارين، أول إنسان يخرج إلى الفضاء العام 1691م، وصول المركبة الأميركية “مارينر 5″ إلى سطح الزهرة العام 7691م، وهبوط المركبة السوفياتية” فينوس 4″ على سطحـه. وكانـت الـذروة رحـلة “أبولو 11” التي توّجها نزول أول إنسان “نيل أرمسترونغ” على سطح القمر في 12 يوليو 9691م.

اتسمت هذه االمنجزات، إضافة إلى قيمتها العلمية، بطابعها الاستعراضي الضخم، فالعالم بأسره تابعها آنذاك، وكأنه في رهان على المعقول واللامعقول … ولكن برامج استكشاف الفضاء فقدت تدريجياً بريقها الشعبي – إذا جاز التعبير – لينحصر هذا البريق في نوادي العلماء وأصحاب الاختصاص، فالرحلات اللاحقة من برنامج “أبولو” لم تلقَ متابعة الرأي العام العـالمـي كما لقيت “أبولو 11″، إلا إذا اســتثنينا “أبولو 31” التي كادت تنتهي إلى كارثة، فقطعت رحلتها القمرية وعادت على عجل إلى الأرض.

وأحيانا تعود البشرية -على فترات – إلى متابعة الأحداث الفضــائية الكبرى مثل هبــوط المركبة غير المأهولة “باث فايندر” على سطح المريخ في 4 يوليو 7991م، من دون أن يعني ذلك أن هذا الحدث-بالضرورة- أهم من أحداث أخرى مرافقة، إذ أن هذه المتابعة تعزى بالمقام الأول إلى ضغط إعلامي يرمي إلى جني مكاسب سياسية على صعيد زيادة موازنات وكالات الفضاء والبرامج الفضائية.

ولكن لماذا فقد الرأي العام العالمي اهتمامه بمتابعة استكشاف الفضاء وعلومه؟
الجواب ببساطة هو أن خروج الإنسان إلى الفضاء المحيط بالأرض والعمل فيه، صار أمراً عادياً، ليس فيه ما يثير الخوف أو الترقب أو الدهشة، فما بين رحلة غاغارين إلى الفضاء الخارجي وهبوط أرمسترونغ على سطح القمر، هناك 93 رجلاً وامرأة واحدة قاموا برحلات إلى الفضاء الخارجي. وإذا كانت رحلة غاغارين اقتصرت على ساعة واحدة وخمسين دقيقة فقد صار مألوفاً أن يقيم روّاد الفضاء أشهراً عديدة على متن المحطات التي تدور حول الأرض.

وفي أقل من نصف قرن، منذ إطلاق أول قمر صناعي، أصبح عندنا اليوم أكثر من عشرة آلاف جسم صنعها الإنسان تدور حول الأرض. صحيح أن أكثر من نصفها ميت، ويتراوح ما بين آلة تصوير أفلتت من يد أحد الروّاد، وطابق من صاروخ فقد وظيفته ويدور على سجيته في مدار حول الأرض، ولكن هناك مئات الأقمار الصناعية الناشطة، وتتراوح مهامها ما بين دراسة الطقس والجغرافيا الجيولوجية والتجسس العسكري والاتصالات، وغير ذلك مما يصعب حصره، غير أن قسماً كبيراً منها يتنامى عدده بسرعة وهو ذلك المخصص لدراسة النظام الشمسي و.. الكون بأسره..!

علم الكون
ببطء شديد أولاً، ومن ثَمَّ بسرعة تفوق التصور، تطّور في رحم علوم الفضاء والفلك ما يُعرف اليوم بـ “علم الكون” (Cosmologie). وندخل إلى هذا العلم من باب التعريف بالكون.

تعد المجرّة الوحدة الأساس في الكون الذي يتألف من مجموع المجرات المعروفة، أي التي رُصدت، وتلك التي نفترض وجودها استناداً إلى المعطيات المتاحة على صعيد الفيزياء الفلكية. وتتألف المجرة بدورها من مجموعات كبيرة من النجوم والكواكب والغبار الكوني والثقوب السود. وعلى سبيل المثال، فإن أرضنا تنتمي إلى المجموعة الشمسية التي تنتمي إلى مجرة “درب التبانة” أو “الدرب اللّبن” إذا اعتمدنا الترجمة الحرفية لاسمها بالفرنسية أو الإنجليزية. وتضم مجرتنا نحو مليارين من النجوم، وتنتمي إلى مجموعة تسمى “المجموعة المحلية” تضم 53 مجرّة، أكبرها مجرّة المرأة المتسلسلة “Amdromeda” التي تبعد عنا مسافة 4.2 مليون سنة ضوئية (أبعد هدف يمكن أن تراه العين المجردة في الفضاء)، وتضم 003 مليار نجم..!

لقد ثبت أن النجوم التي تكوّن تجمعات مجريّة تعدّ بالمليارات. وأمكن تقدير مجموع المجرّات في الكون بمائة مليار وحدة. وقد تمكن العلماء بوساطة المقاريب (التلسكوبات) والحسابات الرياضية من اكتشاف بعضها على مسافة عشرة مليارات سنة ضوئية من الأرض. وللإيضاح نشير إلى أن السنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة واحدة، وتساوي: 563 * 42 * 0063 * 3 * 015 كيلومتراً.

ذكرنا هذه الأرقام التي تسبب الصداع لإيضاح ميدان عمل علم الكون. فماذا عن نشأة هذا العلم وتطوره؟

علم الكون اختصاص حديث العهد نسبياً، فقد شهد العام 6191م تأسيس النظرية النسبية العامة التي وضعها العالم الشهير ألبرت أينيشتاين، وتعدّ هذه النظرية الأساس للعلم الذي يدرس تركيب الكون وتوازنه.

بين عامي 2291 و 4291م استطاع العالم السوفياتي فريدمان أن يجد حلاً رياضياً لمعادلة أينشتاين، يتناول نموذجاً غير مستقر للكون. وبرهن فريدمان أن الكون لا يمكن أن يكون مستقراً فهو يتمدّد ويتقلص. وقد كانت هذه هي المرة الأولى التي جرى فيها الحديث عن تطور الكون (تمدداً أو تقلصاً)، مؤسسة بذلك بداية لرحلة جديدة يقوم بها علم جديد يتناول الكون بأسره.
يعتمد علم الكون على المقاريب (التلسكوبات) الفضائية والأقمار الصناعية والأدمغة الإلكترونية التي كلما تطوّر أي منها زادت المعلومات والأدلة والصور الفوتوغرافية الدامغة. ولكنه يعتمد أكثر من ذلك على التحليل العلمي والمعطيات غير المباشرة بالاستناد إلى قوانين الفيزياء الفلكية. ولإعطاء فكرة عن منهج هذا العلم الجديد نسبياً نضرب ثلاثة أمثلة هنا:

الثقوب السود
حار العلماء في الماضي في تفسير وجود فارق كبير بين احتساب وزن الكون استناداً إلى كثافة المادة المرئية من جهة، وقوانين الفيزياء من جهة أخرى. والفارق كبير جداً بين الرقمين ويصل إلى نحو 58 في المائة، فراحت نظرية جديدة تتطور بسرعة، وافترض العلماء أولاً أن هناك كتلاً غير مرئية في الكون تبلغ نحو 58 في المائة من زنته. وخطر في بال العلماء في الثمانينيّات من القرن الميلادي الماضي، أن يسموها بـ “الثقوب السود”. وكان عليهم الانتظار حتى التسعينيات لكي يتمكن المقراب الفضائي “هابل” من تقديم الأدلة الدامغة على وجودها.

وباختصار فإن الثقوب السود هي عبارة عن كتل شديدة الكثافة، تتمتع بقوة جاذبية هائلة، تمنع كل الجسيمات التي في داخلها من الإفلات إلى خارجها. وهي قادرة على جذب كل جسم يمر بالقرب منها وابتلاعه فوراً.
حتى فوتونات الضوء تنجذب نحوها وتنحبس داخلها، ونتيجة لجاذبيتها الهائلة لا يستطيع الضوء أن يخرج منها، ولذا فهي تبدو سوداء ومن هنا جاءت تسميتها.

ولإعطاء فكرة عن كثافة هذه الثقوب نشير إلى أن كوكب الأرض ينضغط داخلها إلى كرة شعاعها 98 سنتمتراً فقط. والشمس تصبح كرة شعاعها ثلاثة كيلومترات فقط. وعلى الرغم من أن هذه الثقوب السود لا تبث أي ضوء أو إشارة إلى خارجها فقد تمكن علماء الكون من تأكيد وجودها، بل من تصنيفها أيضاً حسب أحجامها، وذلك من خلال دراسة ما يحيط بها، أي اعتماد الدراسة غير المباشرة. وهي على التوالي الثقوب السود الصغرى الموجودة بين المجموعات النجمية والثقوب المتوسطة، وهي التي كانت صغيرة وراحت تكبر نسبياً بابتلاع المادة القريبة منها، والثقوب السود الضخمة الموجودة في أواسط المجرات (وبعضها يصل في ثقله إلى بلايين عديدة قياساً بوزن الشمس). ومنذ أواسط التسعينيّات راحت الصور الفوتوغرافية التي التقطها المقراب الفضائي “هابل” تؤكد وجود هذه الثقوب وتعيّن مواقعها بدقة، ولكن من دون رؤية أي منها.

نظرية الانفجار العظيم
المثل الثاني الذي نضربه عن علم الكون يتناول واحدة من أكبر قضاياه وأطولها عمراً، وهي نظرية الانفجار العظيم. تقول هذه النظرية إن بداية الكون كانت انفجاراً. ليس انفجاراً بالمعنى المألوف على الأرض الذي يبدأ من مركز معين ثم ينتشر مغطياً مساحة أكبر فأكبر، لكنه انفجارٌ عمّ الفضاء بأسره في الوقت نفسه. هذا الانفجار لم يكن ناتجاً عن فرق بين ضغط الجسم المنفجر وضغط محيطه،إذ ليس للكون محيط، وهو ليس محاطاً بفراغ بل سيشمل كل الموجودات بما فيها الفراغ.
وحسبما جاء في وصف العالم الأميركي واينبرغ في كتابه “الدقائق الثلاث الأولى في تاريخ الكون” كانت حرارة الكون- بعد جزء من مئة من الثانية بعد الانفجار العظيم- تساوي نحو مئة مليار درجة مئوية، وهي درجة مرتفعة إلى حد لايمكن معها لأي من الأجزاء المكونة للمادة العادية أن توجد. كانت المادة المتناثرة مجموعة نماذج مختلفة مما يسمى بالجسيمات الأولية كالإلكترونات والبوزيترونات والنيوترونات والفوتونات.
وفي تطور لاحق للانفجار العظيم هبطت درجة الحرارة ـــ بعد جزء من عشرة من الثانية ـــ إلى ثلاثين مليار درجة، وبعد ثانية واحدة إلى عشرة مليارات، وبعد أربع عشرة ثانية إلى ثلاثة مليارات.

وبعد ثلاث دقائق من الانفجار انخفضت درجة الحرارة إلى مليار درجة فقط، فكان هذا الانخفاض كافياً لأن تبدأ البروتونات والنيترونات بتكوين النوى المعقدة بدءاً بنواة الهيدروجين الثقيل، وتحولّت هذه النوى إلى نوى أكثر ثباتاً كنوى الهليوم.
وبعد مئات الآلاف من السنين هبطت الحرارة إلى درجة استطاعت فيه الإلكترونات أن تلتحم بالنوى لتشكل ذرات الهيدروجين والهليوم، وبدأ الغاز المتكوّن يتكثف بتأثير الجاذبية ليصبح لاحقاً النجوم والمجرات.

هذه النظرية تعتمد على التحليل العلمي لا على التجربة العلمية، ولا تزال حتى اليوم مثار جدلٍ كبير، إذ أن الفيزياءالفلكية تطرح أسئلة يعجز أصحاب هذه النظرية عن الإجابة عنها. وهناك نظرية أخرى مناقضة لنظرية الانفجار الكبير، انتعشت على أيدي العلماء بونداي وغولد وهويل، وترى هذه النظرية أن الكون مستقر وأنه كان على ما هو عليه منذ ولادته. وتفترض هذه النظرية أن المادة تحلق باستمرار في الكون، وبالسرعة اللازمة لكي يحافظ الكون على كثافة ثابتة. أما “طفولة” الكون فلا داعي للتوقف عندها حسب هذه النظرية، لأن الكون لم يتغير منذ طفولته. وفي إطار البحث عن أدلة لهذه النظريات من خلال رسم خرائط الكون وضع العلماء صوراً تقريبية لقسم كبير منه.

وتُظهر هذه الصور أن الكون متجانس، أي أننا لو أخذنا توزيع النجوم في نطاق ضيق نسبياً من الكون، لوجدنا أن هذا التوزيع غير منتظم، أي أن كثافته تختلف اختلافاً حاداً بين منطقتين متجاورتين، ولكن على نطاق ثلاثمائة مليون فرسخ فلكي وما فوق، يبدو الكون متجانساً (الفرسخ الفلكي يساوي 13 * 0161 أمتار ).

وقد تأكد للعلماء تجانس الكون من خلال اختبار اعتمد على الكمبيوتر لرسم توزيع 01 آلاف مجرة معروفة ضمن مكعب يبلغ طول ضلعه 162 مليون سنة ضوئية، فثبت أن المجرات تتجمع في كتل قريبة من جدران المكعب وفي وسطه، تاركة بينها فراغات كبيرة تصل حدود الجاذبية فيها إلى الصفر المطلق، الأمر الذي دفع العلماء إلى وصف تركيبة شكل الكون بالإسفنجية.

الكون كونان … ثلاثة أو أكثر ..!
هناك ثمة نظريات حديثة أخرى عن حقيقة الكون الذي نعرفه، وتقول بوجود أكوان متعددة، فالكون الذي نعرفه مجرد نموذج واحد لعدد كبير غير متناهٍ من هذه الأشياء التي يتألف منها. وبدأت الريبة في أن يكون كوننا وحيداً من خلال ما يعرف بتفسير كوبنهاغز الذي وضع أسسه العالم الدانمركي نايلز بوهر. وكان هيوغ إيفيرت قدم أول عرض له العام 7591م. وتقول هذه النظرية إن الكون يعمل فعلاً كما اعتقد علماء القرن التاسع عشر، ولكن لكي يكون هذا العمل ممكناً فإنه لا يمكن للكون أن يكون وحده.

في البدء رفض معظم الباحثين نظرية أيفيرت ، ولكن في الأعوام القليلة الماضية، تبنى الباحث في جامعة أوكسفورد ديفيد رويتش نظرية أيفيرت حول تعدد الأكوان، وأكثر من ذلك أصر على أنه يمكن التعامل معها.

وتفترض هذه النظرية تضخماً لا ينتهـي في تفســيرها لولادة الأكوان المتعددة. ولكن لدى الفيزيائـي (لي سمولن) تفسيراً مختلفاً للأكوان المتعددة، واستناداً إليه فإن الثقوب السود التي تكوّنت حديثاً هي بذور الأكوان الجديدة، فهي تتوسع في إطار أبعادها الخاصة بغض النظر عن مكان تكوّن الثقوب. وكل كون كان يولّد كوناً آخر كلما كوّن ثقباً أسود فيه.

وتزداد الصورة تشويشاً، فهناك فرع جديد في نظرية تعدد الأكوان، يتحدث عن كونين فقط. هذه النظرية عرضتها المجلات العلمية المتخصصة خلال الأشهر القليلة الماضية.

وضع هذه النظرية (بول ستينهارد) من جامعة برنستون و(نايل ثاروك) من كامبردج، وتقول إن هناك كونين متوازيين يتصادمان بين الحين والآخر، وأن هذا التصادم استناداً إلى حساباتهما، يؤدي إلى النتائج نفسها الناتجة عن التضخم اللامحدود. وبعد ما تحدثت هذه النظرية عن اصطدام واحدٍ بين كونين متوازيين توسع العالمان المذكوران وصارا يعتقدان أن هذين الكونين، أي كوننا والكون الآخر، يتصادمان على نحو مستمر (مرة كل بضعة تريليونات سنة)، وفي كل مرة يحدث هذا تبدأ موجة جديدة من التكوين …!!

لقد وضع العلماء مجموعة هائلة من الخرائط الكونية لهذا الجزء من الكون أو ذاك. وهذه الخرائط تزداد عدداً وحجماً يوماً بعد يوم. فهل سيتمكن الإنسان من وضع الخريطة الكاملة للكون؟

بعبارة أخرى، هل نرى يوماً آخر الكون؟

أضف تعليق

التعليقات