يرد اسم الدكتور علي الدفَّاع في عدد ضخم من قوائم العلماء، منها: دليل الشخصيات في المملكة العربية السعودية، ودليل علماء العلوم في العالم، ودليل الشخصيات العالمية، ودليل الرجال والنساء المتميزين، ودليل الباحثين في تاريخ العلوم عند العرب، ودليل المثقفين في العالم.
عبدالله الحسن يعرِّفنا عن قرب على صاحب هذه الشخصية.
في عام 1381هـ / 1961م كان علي الدفَّاع من بين الطلاب الذين تم اختيارهم من قِبل المملكة للدراسة في الخارج. وأراد ملك البلاد حينئذ الملك سعود بن عبدالعزيز، يرحمه الله، أن يلتقي الطلاب المبتعثين. فلما رأى الملك هيئة هذا الرجل البدوية قال له: «أعرف أنك شاطر في رعاية الغنم، لكنني أريدك أن تكون شاطراً في رعاية العقول». فأججت هذه الكلمات نار الحماسة عند هذا الشاب الذي نذر نفسه فيما بعد لخدمة دينه ووطنه بعلمه، فكان الدكتور علي الدفاع منذ سنوات، عالماً من طراز قلَّ نظيره.
من هو الدكتور علي الدَّفاع؟
هو علي بن عبدالله الدفَّاع, ولد في مدينة عنيزة بمنطقة القصيم بالمملكة العربية السعودية عام 1358هـ / 1938م. أما عائلته فأصلها من المذنب المجاورة لعنيزة, وهي من عائلة العويد, من الوهبة, من بني تميم. وأخذ اسم الدفَّاع عن جده صالح الذي كان يلقب بهذا اللقب.
كان للبيئة التي نشأ فيها الفتى علي أثر واضح لاحقاً في تكوين شخصيته كعالم مسلم. وهو عالم رياضيات ومتبحر في تاريخها، عُرِف عنه اهتمامه بفرع التكامل من علوم الرياضيات، حتى عُرف عند العلماء بـ «ملك التكامل». له بحوثه المتعمِّقة في دراسة تاريخ الرياضيات والعلوم عند علماء العرب والمسلمين، وفي إبراز دورهم الحضاري.
مفترق طريق..
عندما أنهى الفتى علي المرحلة الابتدائية سنة 1955م وكان قد حصل على الترتيب الأول من بين طلاب المملكة، أراد الالتحاق بالمدرسة المتوسطة. لكن إلحاح والده بأن يدرس في المعهد العلمي حال دون ذلك. فهو قد نشأ في منطقة القصيم المشهورة بوجود علماء الشرع والمعاهد الشرعية. فعرض الفتى الصغير على جدته رغبته في الالتحاق بالمدرسة المتوسطة. وهنا ما كان من جدته إلا أن بادرت بسؤال أحد مشايخ القصيم وعلمائها، وهو الشيخ عبدالرحمن السعدي، يرحمه الله، وسألته عن الأفضل لحفيدها علي، فأجابها الشيخ: «ادخلوه على رغبته».
فتدخلت الجدة، وطلبت من ابنها أن يلحق حفيدها بالمتوسطة بناءً على رغبته، ففعل. وهكذا سلك علي الدفَّاع الطريق الذي سيضعه في نهاية المطاف على قائمة كبار العلماء في المملكة.
مسيرة وإنجاز..
تميَّز الدكتور الدفَّاع في تحصيله العلمي، وتخصص في علم الرياضيات في الصف الثاني الثانوي. ثم ابتُعِث بعد ذلك إلى الخارج. وحصل على درجة البكالوريوس في الرياضيات البحتة من جامعة أهايو وجامعة استيفن أف. أوستين عام 1967م في كل من ولايتي أوهايو تكساس الأمريكيتين. وتابع تحصيله العلمي بشغف، حتى نال درجة الدكتوراة في الرياضيات البحتة من كلية بيبودي من جامعة فاندربلت عام 1392هـ / 1972م في مدينة ناشفيل بولاية تنسي في الولايات المتحدة الأمريكية.
عودة للوطن..
وعاد الدكتور علي الدفَّاع إلى وطنه الذي أحب، ليستأنف مسيرة العطاء المثمر. فانضم إلى أعضاء هيئة التدريس بلقب أستاذ مساعد بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بمدينة الظهران في المملكة العربية السعودية.
وترقَّى الدكتور في الجامعة، وتبوأ مناصب عديدة حتى صار في الفترة الواقعة بين عامي 1977 و1984م عميداً لكلية العلوم بجامعة الملك فهد حيث قام بمراجعة مناهجها وتحديثها, وتقديم مقترحات حول تطوير معاملها. وفي العام 1980م، تمت ترقيته للأستاذية في العلوم الرياضية.
هذا تاريخ مجمل للمسيرة العلمية لهذا الرجل الفذ، وبين صفحات هذه التواريخ ثمة إنجازات وعطاءات عظيمة لهذا العالِمْ العظيم منها: أستاذ زائر في كلية العلوم بجامعة الملك سعود، رئيس اتحاد الفيزيائيين والرياضيين العرب (حتى الآن)، أستاذ زائر في جامعة هارفرد بكيمبردج ماساتشوسش في الولايات المتحدة الأمريكية، أستاذ زائر في جامعة برنستون / نيوجرسي / الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد أنهى مسيرته في التدريس وتقاعد عند نهاية الفصل الدراسي الثاني للعام الدراسي 2008م. وبذلك يكون قد أمضى 36 عاماً في التدريس والبحث العلمي. فأقام له عدد من طلابه المشاركين في منتديات جامعة الملك فهد احتفالاً تكريمياً، حضره عدد من طلابه وزملائه وكذلك معالي مدير جامعة الملك فهد للبترول والمعادن حالياً وتلميذه السابق أ.د. خالد بن صالح السلطان. وأهدي له درع على شكل حرف «التكامل»، وهذا يعكس محبة الطلاب له الذي جاء نتيجة لمحبته لهم، وما لمسوه من أخلاق رفيعة وتواضع جم.
خارج الحدود وبالعربية دائماً
وإلى جانب إسهاماته الوطنية فإن اسم الدكتور علي الدفَّاع لمع على المستوى العالمي كشخصية فذة تجاوزت إبداعاته حدود وطنه لتشمل أنحاء المعمورة. إذ إن له مشاركات عديدة في مختلف المؤتمرات العربية والعالمية. وكانت له قصة لافتة في أحد المؤتمرات التي أقيمت في تركيا، وكان محور الحديث فيها عن الحضارة الإسلامية. حضر الدكتور علي هذا المؤتمر وبرفقته والدته. وتحدث عن الخوارزمي في إحدى الجلسات ثم عاد إلى جوار أمه، لكنه تفاجأ حين رأى والدته، يرحمها الله، مطرقةً رأسها وتذرف عيناها بالدموع. سألها ابنها مستغرباً سبب بكائها. فردت عليه بحرقة: «كيف يليق بك أن تتحدث بلغة غير العربية؟ وغيرك من المحاضرين تحدث بلغته! أليست العربية لغة القرآن؟ ولغة الرسول (صلى الله عليه وسلم)؟».
منذ آنذاك، آلى الدكتور الدفَّاع على نفسه ألاَّ يتحدث في المؤتمرات إلا بالعربية. حتى أنه عندما دُعي ليتسلَّم جائزة المحقق البارز في العالم الإسلامي للمهرجان الدولي الثالث عشر لمؤسسة الخوارزمي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية وذلك في سنة 2000م. أبى إلا أن يتحدث العربية رغم إتقانه للغة الإنجليزية. ولما علم مضيفوه السبب وما كان من عهده لأمه، استجابوا لطلبه.
ينبوع عطاء
ألَّف الدكتور الدفَّاع كتباً عديدة، يزيد عددها على الأربعين كتاباً، منها ما ترجم إلى اللغة الإنجليزية والصينية واليابانية والملاوية. وكان آخرها كتاب «أثر علماء العرب والمسلمين الأوائل في العلوم الرياضية»، وهو مكون من أربعة أجزاء. أما عن مقالاته وبحوثه العلمية ومقالاته المقدَّمة في المؤتمرات فهي أكثر من أن تُحصى، وغالبيتها العظمى تتكلم عن العلماء العرب والمسلمين وأثرهم الحضاري. كما أنه عضو في عدد كبير من المنظمات العلمية الدولية ومنها: الجمعية البريطانية لتاريخ العلوم، الرابطة الإسلامية للعلماء والمهندسين، لجنة موسوعة الحضارة في المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية في الأردن، وهو عضو مؤسس لأكاديمية العالم الإسلامي للعلوم في الأردن، وعضو شرف في المجمع العلمي العراقي، وعضو الجمعية العالمية لإحياء التراث الإسلامي.. وغيرها الكثير.
فصورة الدكتور علي الدفَّاع تكاد تكون نموذجية لصورة النجاح الذي يمكن أن يحققه المرء بإصراره على هدفه، وربما أيضاً للدور الذي يمكن أن يلعبه في توفير مستلزمات هذا النجاح بعض العوامل، وأبرزها تفهُّم الأسرة ودعمها له.