طاقة واقتصاد

خريطة النفط
ترسمها الصخور

  • 29 (OSPAS ii 02-05-2008 025 copy)
  • 24 (A_48019)
  • Exploration Geologists Examines Rock With Hand Magnifiers, 1955.
  • Aramco Employees On The Desert In Eastern Saudi Arabia During The Blasting Phase Of A Seismograph Operation. Two Employees Set Off Charges Of Dynamite In Shallow Shot Holes Drilled With Small Drilling Rigs, August 1951.
  • 28B (D_01056)

يشكِّل استخراج النفط الفصل الأخير من حكاية هذا المورد التي بدأت في باطن الأرض قبل نحو 400 مليون سنة. وكما هو الحال بالنسبة لكافة العلوم وحقول المعرفة، يشهد البحث عن النفط واستخراجه تطوراً مستمراً يأخذنا اليوم بعيداً عن الوسائل والجهود التي بذلت قبل ثمانية عقود من الزمن لاستكشاف مواضع النفط في المملكة ورسم خريطته. لاري سيجل عرض في موضوع نشرته مجلة «Dimensions» التي تصدرها أرامكو السعودية باللغة الإنجليزية، التطورات التي شهدها عالم التنقيب عن الزيت والغاز، والوسائل المعتمدة لرسم خريطة المكامن القابعة عميقاً تحت سطح الأرض، حيث لا تراها عين، ولا يصل إليها إنسان. وهنا ترجمة لأبرز ما جاء في الموضوع.

النفط مورد شبه سحري، وعلماء الأرض هم الذين يدلُّوننا على مخبئه تحت طبقات سميكة من الرمال والصخور. هذا النفط، ما إن يخرج من باطن الأرض حتى يحقق للإنسان الكثير من الأمنيات.

فالنفط، فوق أنه مصدر بنزين السيارات والديزل ووقود الطائرات النفاثة والنفثا والبتروكيميائيات، يوفر المادة الأولى لعدد كبير من المنتجات المشتقة منه، ومنها المخصبات والمواد الصيدلية والبلاستيك والمطاط الصناعي والمئات من مواد البناء الأساسية والمنتجات الاستهلاكية الأخرى.

ولا تكف أرامكو السعودية عن التنقيب عن مزيد من النفط. فمنذ أشهر عقد مركز البحوث والتطوير في الشركة ما سمي «مصنع أفكار»، وطلب من العلماء المجتمعين أن يبحثوا عن أوجه استخدام غير تقليدية للمنتجات الهيدروكربونية. فخرجوا بحصيلة وافرة من الأفكار، تراوح بين تطوير ألياف كربونية وتصنيع مركَّبات كيميائية للأدوية. ولأن طبيعة تركيب النفط بالغة التنوع، يبدو مستقبل أرامكو السعودية في صناعة الهيدروكربونيات، مشرقاً للغاية.

ويستند هذا المستقبل إلى أساس متين من التقنيات والأساليب التي طورتها الشركة، على مدى عمرها البالغ اليوم 76 سنة، لاستخلاص أفضل ما يمكن استخلاصه من النفط وأبواب استخدامه. فشبكة البنية التحتية التي أنشأتها تمتد على مساحة شاسعة في البر والبحر، وتشمل المنشآت وخطوط الأنابيب ومعامل هائلة لفرز الغاز من الزيت والمصافي الضخمة والناقلات العملاقة. وهي جميعاً مظهر صادق يُبيِّن طريقة عمل أرامكو، إنتاجاً ومعالجة وتحويلاً ونقلاً لجميع المنتجات الهيدروكربونية. لكن ..

يخطئ من يظن أن صناعة الهيدروكربونيات ثابتة في مكانها، ففي كل يوم أفق جديد ينفتح، إذ إن العلوم في أحدث مكتشفاتها هي المحرك الأول لهذه الصناعة. ولا تتخلف أرامكو السعودية في هذا عن الطليعة يوماً. وتتولى هذه المهمة الحيوية في وضع الشركة ومستقبلها، إدارات وأقسامٌ عدة، ولا يمكن للمرء إلا أن يقف مندهشاً أما شاشات العرض الهائلة في إدارة تخطيط وتنظيم توريد الزيت وطريقة إدارتها للعمليات في الشركة، إضافة إلى البحوث التي تقوم بها الشركة من خلال الأبحاث التي تنفذها في مراكز البحوث والتطوير في الشركة، والتي تخطو خطوات مثيرة في علم تقنية النانو، وإدارة الكربون، وحتى في التقنية البيولوجية.

ما كان كل هذا الجهد ممكناً، لو لم يُبدِ «صيادو الصخر» براعتهم في سبر أعماق التربة والطبقات الأرضية، لتعيين مواضع الحفر والاستكشاف التي يُحتمل أن يجدوا فيها حقولاً تحتوي على النفط بكميات تجارية. وصيادو الصخر هؤلاء اسمهم العلمي: «الجيولوجيون». وقد كانوا في المملكة أوائل الذين يمكن أن نصفهم بأبطال ملحمة النفط السعودية. ولا نبالغ إذا قلنا إنهم أحدثوا أثراً بالغاً، ليس في المملكة وحدها، بل في العالم أجمع. فقد تمكَّن هؤلاء بمثابرتهم وعلمهم الواسع بطبقات الأرض، من أن يضعوا المملكة في مقدمة دول العالم باحتياطها النفطي. فكيف حدث هذا، وكيف يسبر هؤلاء باطن الأرض؟

«تكوين» الزيت والغاز
إنها قصة طويلة، بدأت منذ ما يقارب 400 مليون سنة. ويكاد ظهور النفط والغاز في باطن الأرض أن يكون مسألة صدفة أو حظ. ذلك أن الظروف الضرورية لتشكّل المواد الهيدروكربونية، لا بد من أن تكون ظروفاً «مثالية»، لا نفط ولا غاز من دونها. وهي إذن ظروف «صعبة» الاتفاق. ولا بد من اجتماع المواد العضوية المناسبة مع أنواع الصخر المؤاتية، في هامش حرارة ضيق، لا تزيد درجته ولا تقل عن نطاق معيَّن، يراوح بين 80 و140 درجة مئوية، أي بين 176 و284 درجة فهرنهايت.

ومن حسن حظ المملكة أن تاريخها الجيولوجي كان «مثالياً» لترسّب مقادير هائلة نسبياً من المواد العضوية، ولا سيما الطحالب التي تُسهِّل كثيراً «الطبخة النفطية». وخلافاً لبعض المعتقدات الشعبية الشائعة، لم تكن بقايا الديناصورات والكائنات الحية الكبيرة من مستلزمات هذه الطبخة.

لقد حدث هذا التكوُّن حين كانت البلاد في موقع آخر تماماً على الكرة الأرضية، إذ كانت جزءاً من قارة قديمة للغاية، يسميها العلماء: «جوندوانا» (Gondwana). كانت المملكة آنذاك في مكان القطب المتجمد الجنوبي، وقد تحركت صفائح القشرة الأرضية فنقلتها إلى موقعها الذي نعرفه اليوم. وكانت كل المكوِّنات اللازمة متوافرة لها. فمع المقادير الهائلة نسبياً من المواد العضوية، كانت التركيبة الجيولوجية المناسبة أفضل مطبخ وأنسب مرجل لإنتاج الهيدروكربون، فيما كان الضغط الباطني والحرارة مناسبين تماماً لتحضير «الحساء» النفطي، تحت طبقات أرضية محكمة الغلق، حفظته ملايين السنين، وكأنه في قِدر مقفلة. لقد كانت الأرض السعودية في ذلك الزمن، حلم كل «طباخ» ينوي إعداد طبخة نفطية. ومع طهو بطيء استغرق ملايين السنين، ها هو الطبق الآن أصبح جاهزاً: النفط.

ومثلما يحتاج الكعك إلى ثلاثين دقيقة، والديك الرومي إلى ساعات أربع من أجل بلوغ النضج، كذلك تختلف أنواع الهيدروكربونات حتى تصبح جاهزة. وتختلف أيضاً طبخات كانت في الأصل متشابهة، إذا كانت ظروف الضغط والحرارة والحاضن الصخري مختلفة. فحينئذ تتباين جودة النتاج، وربما طبيعته أيضاً. ويستطيع علماء الجيولوجيا أن يتكهنوا بطبيعة الهيدروكربون الذي يتوقعون العثور عليه، من دراستهم لطبيعة الصخر وعمره. وقد كان سر مهنتهم على الدوام، أن يتوصلوا إلى معرفة طبيعة الصخر وعمره، ليأمروا بالحفر أو يُشيحوا عن المكان، إلى غيره.

كيف بدأت القصة؟
قصة اكتشاف النفط في المملكة معروفة الآن. كان الجيولوجيون قد اكتشفوا حقولاً في مصر وإيران والعراق والبحرين، واستطاع أحدهم، وهو ينظر من البحرين صوب السواحل الشرقية في المملكة، أن يتكهن بثقة، بأن هناك احتمالاً قوياً للعثور على النفط هنا. كان ذلك في ثلاثينيّات القرن العشرين. لقد علموا بالأمر من تشابه التكوين الجيولوجي في كل من البحرين وسواحل المنطقة الشرقية في المملكة. إنهم يسمونه في علم الجيولوجيا: الطية أو التكوين المحدب، وهو عبارة عن طبقات مقوسة من الصخور، ناتئة تحت سطح الأرض وأحياناً فوق السطح، يكثر وجوده في الخليج العربي وسواحله. وهو مثالي لتجمع الهيدروكربونات، ففيه صخور مسامية تشبه الإسفنج يمكن أن تختزن الزيت أو الغاز. وكان اكتشاف هذه التكوينات أو التركيبات البنائية، بمثابة بشير أنبأ الخبراء بإمكانية وجود الزيت. وقد أصاب حدسهم، وأيما إصابة.

لكن الأشهر الأولى كانت مضجرة للغاية ومتعبة جداً للجيولوجي الأول ماكس ستاينكي وفريقه. كانوا يحفرون بئراً بعد بئر من دون نتيجة تُذكر. وعندما حفروا البئر السابعة، بدا الأمر للوهلة الأولى وكأنه لا طائل تحته، لكنه سرعان ما تحوّل إلى إعلان حقيقي لولادة الملحمة النفطية السعودية.

لقد كان ستاينكي وفريقه الجيولوجي من الرجال الأشداء المغامرين الذين واجهوا الصعاب وخاطروا أحياناً بحياتهم في مراحل الاستكشاف الأولى. فالمنطقة التي عملوا فيها آنذاك كانت في معظمها مساحات شاسعة غير مأهولة، يصعب العيش فيها، فما بالك بالعمل الشاق والتجوال والتنقيب تحت الشمس. لقد كانت الحرارة شديدة والعواصف الرملية تلفح الوجوه والأبصار في صحارى قفر بعيدة عن العمران. وكان عليهم في هذه الظروف أن يعثروا على دلائل تبعث على الأمل، وتكوينات صخرية وطيات محدبة تشير إلى إمكانية وجود الزيت، ليجرِّبوا حظهم بالحفر، لعل بعض الزيت يتدفق إلى السطح، من عمق ألوف الأقدام. ولم يكن غريباً عليهم أن يسمّوا باطن الأرض: مطبخاً، لأن النفط يتكون من الكائنات الحية المدفونة في باطن الأرض والتي تحللت إلى زيت وغاز بفعل الضغط والحرارة.

كان يمكنهم، أن يتكهنوا باحتمال وجود النفط، أثناء الحفر، من خلال معرفة درجة خشونة الصخر. ولكنهم كانوا كذلك يستدلون على وجود النفط بلون الصخر وبرائحته. وقد مضوا شهراً بعد آخر، يمسحون المناطق، ويسجّلون كل شاردة وواردة، فأنشأوا خرائط جيولوجية دقيقة لهذه السواحل، وضعوا سجلاً كاملاً لكل صخور المنطقة وتضاريسها. وجمعوا نماذج الصخر والأحافير. وفي النهاية، كانت خبرتهم العظيمة بالشروط الملائمة لتكوُّن النفط، هي التي أهدتهم، مع طول العناء والمسعى، إلى أفضل المواقع الواعدة. وهناك حفروا، ولم يكن حفرهم مثمراً لولا الدأب والإصرار والمحاولة تارة بعد أخرى، والمعاودة بعد كل فشل.

لقد حفروا كثيراً من الآبار الجافة، لكن القليل الذي وجدوه من الآبار المشجعة كان كافياً ليبعث فيهم روح التصميم على المتابعة.

أين أصبح التنقيب؟
فارق كبير بين التنقيب في الزمن الأول، والتنقيب اليوم، فعلى الصعيد البشري، يعمل في جيش التنقيب اليوم، طيف واسع من الخبراء، من أبواب اختصاص متنوعة. فالذين نسميهم اليوم علماء الأرض (Geo Scientists) يؤدون العمل الذي كان يؤديه الجيولوجيون (Geologists) والجيوفيزيائيون (Geophysists) في الماضي. وهو جمع المعلومات وتصنيفها وتقويمها. لكن مقارنة المهنتين تنتهي هنا. فوسائل جمع المعلومات اليوم، وأساليب تحليلها وصرامة المراحل المتّبعة في هذا، بعيدة بعداً شاسعاً عما كانت من قبل.

لا تزال ثمة حاجة إلى معرفة دقيقة لتكوُّن الصخور والتغيرات التي تطرأ عليها فيما بعد. لكن المعلومات التي تتوافر بالوسائل الحديثة عن الصخور اليوم، لا يستطيع أن يحيط بها بشر لولا النظم الرقمية والبرامج الإلكترونية التي كثيراً ما تطوّرها أرامكو السعودية بنفسها، لحاجة معيَّنة. وهي برامج بالغة السرعة شديدة التعقيد. وعلى علماء الجيولوجيا أن يتداولوا في أبحاثهم مقادير هائلة من المعلومات في آن. في هذا المحيط الهائل من المعلومات، لا يمكنهم العثور بسهولة على آبار مشجِّعة، إلا باستخدام تلك الوسائل الحديثة، من الحواسيب والبرامج. أما المرحلة التالية في التنقيب عن النفط فتنتقل إلى علماء في تخصصات مختلفة لتبادل المعلومات ولإبداء الآراء. وهذه المرحلة حيوية للغاية، فعند تطوير ملف يضم الفرص الواعدة، فإنه يتحتم أن يمر هذا الملف بعملية تقييم دقيقة، ليتمكن المنقبون من اختيار أفضل المواقع التي تحتوي على أقوى احتمال للعثور على النفطـ،وبذلك تصل عملية البحث إلى الخطوة الأخيرة، وهي الحفر.

وفي أعلى مراحل اتخاذ القرار التقني، تصل المعلومات إلى فريق التخطيط الاستراتيجي، ويسمى بالإنجليزية «SPOT»، وهي تعني بالعربية: النقطة، لكنها اختصار العبارة الإنجليزية التي تعني: فريق التخطيط الاستراتيجي والترشيد (Strategic Planning and Optimization Team).

ينظر الفريق في المعلومات مدققاً، ومقدراً السبيل الذي اتبعه الخبراء للوصول إليها، فيُفتون فيما إذا كانت هذه المعلومات كافية أم لا. وبناء عليه يأمرون بمتابعة جمع المزيد من المعلومات ، ويعينون مجال النقص المطلوب سده. ثم ينسقون كل المعلومات معاً، ليروا صورة متكاملة، ويزنون الاحتمالات والمخاطر والتكاليف التي قد تترتب على الحفر.

إن غرض هذا التمحيص الدقيق هو تجنب الحفر غير المجدي، أو تقليل حدوثه، يقول علي الحواج، مدير إدارة التنقيب في منطقة الظهران، إن نسبة النجاح في الحفر والعثور على نفط أو غاز، تفوق اليوم %50. وهي نسبة مدهشة، حين تقارَن بالأداء في الماضي، بل انها تثير دهشة خبراء التنقيب أنفسهم. ويضيف الحواج قائلاً: «يعزى هذا إلى تضافر خبرة علمائنا وضخامة المصادر السعودية غير المكتشفة بعد».

صناعة التنقيب
حتى وقت قريب، كانت أرامكو السعودية تستكشف في مناطق معيَّنة داخل المملكة. أما اليوم فيشمل الاستكشاف كل أراضي المملكة، ويمتد إلى الخليج والبحر الأحمر. ويرى الحواج أن أرامكو السعودية: «بلغت الآن أعلى مستوى استكشاف على الإطلاق، إذ يشمل التنقيب أراضي أوسع من أي وقت مضى». ويضيف قائلاً: «المثير للاهتمام أن بعض المناطق المستكشفة اليوم، تختلف اختلافاً تاماً من الناحية الجيولوجية، عن مناطق التنقيب التقليدية في المملكة. فالاستكشاف في البحر الأحمر يبدو في الحقيقة كأنه استكشاف في بلد آخر. فهو من الناحية الجيولوجية مختلف تماماً«. ولا يزال العثور على حقول جديدة مستمراً، ويؤكد الحواج: «أن الشركة وضعت خطة لإضافة سنوية جديدة إلى إنتاج النفط والغاز، وفي كل مرة نتخطى المقدار المنشود». وقد نجحت الشركة كذلك في تخطي الزيادة التي تنشدها في احتياط النفط والغاز. ولا تزال تعثر على المزيد منهما، لكنها تتحفظ في تقدير مجموع احتياطها.

وحين سئل الحواج عمَّا إذا كانت أرامكو السعودية على مقربة من نهاية استكشافها المجدي، ضحك، وقال: «نحن الآن نكتشف مصادر جديدة للنفط والغاز، في مناطق كنا ننتج منها هيدروكربونات عقوداً من السنين. ولا يزال أمامنا عشرون أو ثلاثون سنة على الأقل، من الاستكشاف في المملكة».

التكنولوجيا المتطوِّرة في الخدمة
بعدما اعتمد المستكشفون الأوائل على أدوات معدودة وفي غاية البساطة لإنجاز ما أنجزوه، يستخدم المستكشفون اليوم عدداً كبيراً من التقنيات المتطورة لجمع المعلومات عن المنطقة التي يبحثون فيها عن النفط والغاز.
وتشمل هذه الوسائل على سبيل المثال لا الحصر الصور الملتقطة بالأقمار الصناعية، ومن الطائرات لتحديد الخريطة الجيولوجية السطحية، وأجهزة المسح الزلزالي الخاصة بكل بيئة على حدة (إذ تختلف ما بين البر والبحر) لرسم خرائط ثنائية وثلاثية الأبعاد لمكامن النفط والغاز، وأجهزة مسح زلزالي رباعية الأبعاد لإدارة المكامن وتعزيز الإنتاج حتى أقصى حد ممكن، وأجهزة مسح زلزالي محمولة على السفن للتنقيب البحري .. وغير ذلك الكثير إضافة إلى تطور العلوم المخبرية التي تخدم دراسة لب الصخر التقليدية الهادفة إلى تحديد نوعية الصخور ومدى مساميتها، وغناها بالنفط من خلال كثافة البقايا الأحفورية فيها.

بعض الاختصاصات المطلوب تضافرها:
تضم فرق التنقيب عن النفط والغاز اليوم عدداً من أصحاب الاختصاصات المختلفة، يفوق إلى حد بعيد العدد الذي كان متوافراً في العقود الأولى من القرن العشرين.
ومن الاختصاصيين في هذا المجال، نذكر:
• 
اختصاصي إجراء المسح الزلزالي: الذي يخطط ويشرف على فرق المسح الثنائي والثلاثي الأبعاد.
• 
معالج المسح الزلزالي: الذي يعتمد على الرياضيات والكمبيوتر لمعالجة المسوحات الزلزالية والثلاثية الأبعاد.
• 
عالم الأرض: الذي يحلل معطيات المسح الزلزالي لرسم صورة ثلاثية الأبعاد للموقع.
• 
اختصاصي الجاذبية والمغناطيسية: يعتمد على دراسة الجاذبية والمغناطيسية الكهربائية للتعرف إلى خصائص الصخور تحت سطح الأرض.
• 
محلل معلومات الآبار: يدرس ويقيس الخصائص الفيزيائية للصخور في الآبار الاختبارية.
• 
جيولوجي نفط: ذو دور عام في كل أوجه الاستكشاف والإنتاج.
• 
جيولوجي موقع الآبار: يدرس عينات الصخور من الآبار.
• 
الحفار: مسؤول عن عمليات الحفر، ويتمتع بأهلية التصدي لأية مشكلة قد تواجهه.
• 
متخصص ومدرِّب برامج الكمبيوتر: متخصص في برامج الكمبيوتر الخاصة بالاستكشاف، ويدرِّب الآخرين على استخدامها.
• 
مطوِّر برامج علوم الأرض: ينتج برامج تساعد على استكشاف المواد الهيدروكربونية.
• 
مساح: يحدد المواقع السطحية والمسافات والزوايا، لرسم خريطة دقيقة للآبار ومواقعها.
• 
رسام خرائط: ينتج خرائط تمثل الأرض على مساحات مسطحة.

البحر الأحمر: الأفق الجديد لأرامكو السعودية
تختلف المنطقة الغربية المطلة على البحر الأحمر في المملكة العربية السعودية، من الناحية الجيولوجية كثيراً عن المنطقة الشرقية.
فهي تنطوي على تحديات فريدة، منها عمق المياه البالغ (أعمق من كيلومترين في بعض الأماكن)، والحرارة المرتفعة، والبراكين في قاع البحر، وصفائح البازالت الحديثة التكون، في بعض المناطق الوسطى في البحر، والجيولوجيا الشديدة التنوع، وطبقات الملح التي قد تبلغ سماكتها 7000 قدم، تحت قاع البحر، وتشكِّل نوعاً من عدسة تشوه صورة المسح الزلزالي، إضافة إلى تشكُّل جيولوجي فريد (في الصفائح التكتونية).
كذلك في البحر الأحمر ما يزيد على 180 ألف كيلومتر مربع، لا توجد بها آبار محفورة، لذلك لا يستطيع فريق الاستكشاف فيها أن يعيّروا قياسهم للمعلومات.
لقد أنشئ فريق الاستكشاف في البحر الأحمر سنة 2006م، ولديه الآن معلومات زلزالية عن أكثر من 22 ألف كيلومتر مربع هناك. ولدى الفريق أيضاً، معلومات عن قوى الجاذبية والمغناطيسية لمساحة تبلغ 220 ألف كيلومتر مربع. وهو يستخدم صور الأقمار الصناعية. وبتشبيك كل هذه المعلومات، يستطيع الفريق أن يكوّن صورة عن جيولوجيا قاع البحر.
والخطة هي حفر آبار في البحر الأحمر، لكن هذا يقتضي أولاً كثيراً من العمل. والهدف الأول هو وضع خريطة زلزالية دقيقة ثلاثية الأبعاد، في منطقة أو أكثر، تحظى بالأولوية.
ومع هاتين الوسيلتين، بدأ استخدام وسائل تكنولوجية حديثة للغاية، أو بدأ التقييم من أجل استخدامها. ومنها دراسات قياس الانبعاث الحراري في قاع البحر، واستخراج عينات أسطوانية بالمسابر، من تربة القاع، لتحليلها من الناحيتين الجيولوجية والكيميائية. كذلك هناك وسائل كهرومغناطيسية بحرية قيد الاستخدام. وسيحصل فريق الاستكشاف على خريطة جرف البحر الأحمر من الجانب السعودي، لفهم تركيبة الصفائح التكتونية في البحر الأحمر.
يُعد البحر الأحمر مخاطرة كبيرة وينطوي على احتمال مكافأة كبيرة أيضاً، في جهود الاستكشاف. وقد رصدت أرامكو السعودية موازنة كبيرة، لدراسة هذا الجزء المثير والصعب من المملكة العربية السعودية.

المسألة هي: نحفر أو لا نحفر؟
يوفر فريق التخطيط الاستراتيجي مستوى عالياً من الأمان لمشاريع الحفر. ولكن كيف تقرِّر الشركة أن تحفر بئراً جديدة؟ فكل مشروع حفر قد يكلِّف أكثر من 10 ملايين دولار، وقد يستغرق سنوات عشر ليصبح مجدياً، من الناحية التجارية. إن الضغوط لاتخاذ القرار السليم هائلة. ولهذا تستهلك جهود الاستكشاف مقداراً ضخماً من المعلومات، بوسائل شديدة التطور في البحث عن النفط والغاز. وأخيرا، تُحول فرق الاستكشاف الموزعة على عدد من المناطق، المعلومات المتوافرة لديها إلى معلومات مفيدة يمكن استخدامها في التنقيب. ويضع محللو هذه المعلومات مواقع على الخريطة، يرشحونها للحفر، ويقيسون احتمالات وجود النفط فيها بكميات تجارية. ثم يعدون مقترحاً يشرحون فيه حيثيات توصيتهم بالحفر.
يتكون فريق التخطيط الاستراتيجي للحفر، من خمسة خبراء جيولوجيين من ذوي الخبرة، التي لا تقل عن عقدين في الاستكشاف حول العالم. وهو يضم مارتن ديكنز وروجر برايس وبيل ستون ومارتي روبنسون وستيج –كرستوفرسن. ومهمتهم مراجعة توصية كل مشروع حفر.
يقول مارتن: «لا نراجع من أجل محاسبة المحلل في مهنته، بل نزن فقط رجاحة حججه من أجل بلوغ قرار صائب للعثور على ما يكفي من الهيدروكربون، لتعويض ما استُخرج وإضافة مخزون، تنفيذاً لخطة الشركة وأهدافها. ومهمتنا كذلك أن نسهِّل عمل المحلل ونحن نراجع توصيته. وكثيراً ما نوصي بتبديل أو بطلب مزيد من المعلومات، من أجل تحسين الاحتمال. لا تنسوا أننا نعمل من أجل العثور على نفط جديد، ولذا لا نود أن نرفض التوصيات الصحيحة. وننظر إلى التوصيات بعين التفاؤل».
لكن مهمة الفريق أيضاً هي أن تكون لدى المملكة أوفى المعلومات قبل البدء بالحفر. وفي رأي مارتن: «علينا أن نقتنع بدقة، القياس للاحتمالات والمخاطر مع كل توصية بالحفر. وننظر إذن في نسبة النجاح في العثور على النفط أو الغاز، وما هي سعة الحقل المستكشف».
بعدئذ توضَع كل التوصيات في برنامج طورته أرامكو السعودية، اسمه: «بال»، يزن كل عنصر من عناصر المعلومات في كل توصية، وتحال النتيجة على معيار محاكاة يعطينا حساب المخاطرة، في شأن وجود النفط وفي شأن حجم المخزون المتوقع. ويرتبط برنامج بال بمجدوِل للحفر. فمثلاً حين يكون لدينا مشروع حفر ينبغي استبداله، يعمل البرنامج الحاسوبي لتحديث ميزان الاحتمالات والمخاطر، من أجل اتخاذ القرار السليم بالحفر في الوقت المناسب، بناءً على المعلومات المخزونة في شأن كل المواقع التي استُكشفت. ويطلع مديرو التنقيب كل يوم على هذا التحديث، في اجتماعهم لاتخاذ قرارات الحفر.
لكن مع كل المعلومات التي تُجمَع قبل الحفر، إلا أن المناطق الجديدة تظل عالية المخاطرة، يقول مارتي: «البحر الأحمر منطقة عالية المخاطر، بطبيعتها، لأننا لم نبدأ بعد الحفر هناك. أما الحفر في منطقة منتجة، فمخاطره تكون أقل. لكن المخاطر العالية ليست سيئة بالضرورة، فقد تحتوي بعض المناطق المصنفة ذات مخاطر عالية، على احتياطي نفطي ضخم. وقد نحفر آباراً جافة في البدء، ثم نحرز نجاحاً كبيراً بعدئذ».
إن سر نجاح أرامكو السعودية في جهود الاستكشاف، هي جمعها ذوي الخبرة، مع أحدث المعدات، وأوسع قاعدة معلومات ممكنة، من أجل العثور على القرار السليم، في كومة هائلة من المعلومات.

أضف تعليق

التعليقات