ديوان اليوم

الشاعر سلطان محمد السبهان

  • 81 (mz)
  • 73 (_STU3534)
  • 79 (_STU3544)

يستضيف هذا الباب المكرّس للشعر قديمه وحديثه في حلته الجديدة شعراء أو أدباء أو متذوقي شعر. وينقسم إلى قسمين، في قسمه الأول يختار ضيف العدد أبياتاً من عيون الشعر مع شروح مختصرة عن أسباب اختياراته ووجه الجمال والفرادة فيها، أما الثاني فينتقي فيه الضيف مقطعاً طويلاً أو قصيدة كاملة من أجمل ما قرأ من الشعر.. وقد يخص الضيف الشاعر القافلة بقصيدة من آخر ما كتب.

من مواليد عام 1395م. يعمل مشرفاً تربوياً في جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض. وهو أيضاً طالب ماجستير في المعهد العالي للقضاء.
شارك في العديد من الأمسيات في الدمام وجازان ومصر. وسيصدر ديوانه قريباً، إن شاء الله.

الشعر ماذا يمكن أن يقال
نعرف مقدماته ونتائجه ولا نعرفه بعينه، كالحزن والفرح، لا ندري ما هما، إلا أننا نعرف الدموع ونطرب للابتسامة التي تسقي يباس الحياة.
إنه الحالة التي لا تُفسّر، ويكفينا منها أن نعيشها ونُصهَر في أتونها لنفهم الإنسانية وما حولها وما حولنا… وحين يكثُر الشيء ويجتمع، فلا بد في المجاميع من الأحماض كما يقال..

وأحماض الشعر أجمله من كل عصر ومصر، ولو أنه لا يُدرِكُ الضالع شأوَ الضليعْ كما يقول صاحب المقامات، وما مثلي في نقل ما جاد لي إلا كمثل من جمع المطر في شِوال، لكنها المشاركة التي تنظمني في سلك محبي الأدب ، أما وقد قال الحسن المقري «ليت الخطيب ذكرني في تاريخه ولو في الكذابين» كما في لسان العرب 2/195. فهذا عود شِعر من حزمة دواوين خلّدها العرب وخلدتهم.

من العجيب أن يترك النَّقلة المحبين والعشاق الذين غصّت بزفراتهم أنسام الصبا، ليتحلَّقوا حول دفء نار اثنين أو ثلاثة، أتُرى ذلك جاء عن محض صدفة!!
اسمع ما يقول كثّير عزة ليتبين الأمر:
وإني وتهيامي بعزّةَ بعدما
تخلّيتُ مما بيننا وتخلّتِ
لكالمرتجي ظلّّ الغمامةِ كلما
تبوأ منها للمقيل اضمحلتِ
إنه الوصف الظامئ المنهك المليء بصفعات اليأس، لا سرابَ مثله ولا تعب بعده.

وحين يحاول أحدٌ ما أن يجود على الأدب بزفرة من تعب ونفثة من نصب لن يجد أصدق من بيت ابن سهل الإسلامي الأندلسي حين يختصر تناقض العلاقة في الشوق والتعشّق بقوله:
وعذّب بالي أنعم الله باله
وسهّدني لا ذاق طعم التسهّدِ
وجاء لتوديعي فقلت له اتئد
مشت لك روحي في الزفير المصعد
فانظر كيف يتناقض في الشكوى مظهراً جانباً خفياً من صدق العشاق .

والشعراء ذوو ذكاء فطري يدلهم عليه حسّهم وقدرتهم على السفر في المعاني وعدم عقدهم الهدنة مع الخيال المجنّح.

وقد ورد أن جريراً سمع الشطر الأول من بيت عدي ابن زيد العاملي صفة قرن الظبية حين قال: تُزجيْ أغنّ كأنَّ إبرةَ روقِهِ. فقال: قلت في نفسي: وقع والله، ما يقدر أن يقول أو يشبه به، قال: فقال: قلم أصاب من الدواة مدادها. قال: فما قدرت حسداً له أن أقيم حتى انصرفت.

فانظر كيف أُلهِم تشبيه طرف القرن المدمى بالقلم الذي أصاب المداد.

والشعراء حين ترّق قلوبهم ويتوجهون للمولى يأتون بالأنجم الخالدات في سماء الإبداع، ولا أرق وأجمل من قول الحسين بن منصور:
فكيف أصنع في حب كلفت به
مولاي، قد مل من سقمي أطبائي
قالوا: تداو به منه, فقلت لهم
يا قوم, هل يتداوى الداء بالداء
إنها المعتصَر المفيد في سياسة النفس وقياد الهوى.

ولابن الفارض عمر الحموي ما ترق له العين وينكسر معه القلب لحسن مأخذه وجودة نسجة حين يقول:
أهفو لأنفاسِ النَّسيمِ تعلَّة ً
ولوجهِ منْ نقلتْ شذاهُ تشوّفي
فلَعَلَ نارَ جَوانحي بهُبوبِها
أنْ تَنطَفي، وأوَدّ أن لا تنطَفي
إنه يكرّس بطريقة ما لمعنى دفين تحمله روح العاشق ويتعب به المشتاق، فنار الشوق لا يراد لها أن تبقى ولا أن تهدأ!!

إنه يقول بكل اختصار حكمة بالغة لو استوعبها العاشقون وفهمها المتعَبون:
أنتَ القتيلُ بأيِّ منْ أحببتهُ
فاخترْ لنفسكَ في الهوى منْ تصطفي
أليس هذا ما لايوجد في رفوف أهل الصيدلة وحكماء الطب!

وحين تقع العين على حدائق المتنبي ذات البهجة، يعجب كيف آتى الله هذا الرجل القدرة على التفرد والسبق في معانٍ لم يطأ حسنَها أحد من قبل، فهو يقول متعجباً من الحال:
وأنَا الذي اجتَلَبَ المَنيّةَ طَرْفُهُ
فَمَنِ المُطالَبُ والقَتيلُ القاتِلُ
تَخْلُو الدّيارُ منَ الظّباءِ وعِنْدَهُ
من كُلّ تابِعَةٍ خَيالٌ خاذِلُ
اللاّءِ أفْتَكُهَا الجَبانُ بمُهْجَتي
وأحَبُّهَا قُرْباً إليّ البَاخِلُ
الرّامِياتُ لَنَا وهُنّ نَوافِرٌ
والخاتِلاتُ لَنَا وهُنّ غَوافِلُ
عجباً له كيف نظم هذا السلك البديع من التناقض في الهوى والعجب مما منه العجب ! وتأمل قوله: «الخاتلات لنا وهن غوافل»، كم فيه من الجمال المكتنز وتحته الوجع البديع.

والشعراء تتهدج أصواتهم بالغناء يوم الرحيل بأشد ما يكون وقعه على الأسماع والقلوب.. فهم أهل اللحظة وسادتها، والوداع لايطيق وصفه غيرهم، نقل صاحب المستطرف قول بعضهم:
وقفت يوم الـنوى مـنهم على بعد
ولم أودعهم وجداً وإشـفاقــا
إنــي خـشيــت علـى الاظعان من نفسـي
ومـن دموعــي إحراقــاً وإغـراقـــا

لقد قرأنا بائية أبي تمام كثيراً، لكننا كل يوم نجد فيها طعماً أصدق للسيف والدماء والحرب وشرف النفس، انظر له وهو يصف اختلاف المقصد وحسن المشرب لأولياء الله:
هَيْهَاتَ! زُعْزعَتِ الأَرْضُ الوَقُورُ بِهِ
عن غزْوِ مُحْتَسِبٍ لا غزْو مُكتسبِ
إنَّ الأُسُودَ أسودَ الغيلِ همَّتُها
يوم الكريهةِ في المسلوب لا السَّلبِ
فبَيْنَ أيَّامِكَ اللاَّتي نُصِرْتَ بِهَا
وبَيْنَ أيَّامِ بَدْر أَقْرَبُ النَّسَبِ

ومثل أبي تمام يعرف كيف يطرز ثوب الشعر ويحسن تنويع العبارة وترشيق قوامها بالتضاد وأنوع المشاكلات.

ويقفز للذهن حال التفكر في أمر الدنيا والناس قصائد أبي الحسن التهامي، فهو وإن كان طالب ملك إلا أنه كتب الجميل والبديع فيما تناثر من ديوانه العجيب، ومن خلال منظاره سنعرف أن الرحلة لابد لها من الوصول:
فالـعـيـشُ نــــومٌ والـمـنـيَّـةُ يـقـظــةٌ
والــمــرءُ بيـنـهـمـا خــيــالٌ ســــارِ
فـاقْـضـوا مـآربـكـم عِـجــالاً إنَّــمــا
أعـمـارُكـم سَـفَــرٌ مـــن الأســفــارِ
وتراكضـوا خيـلَ الشبـابِ وبـادروا
أن تُــسْــتَــرَدَّ فــإنَّــهــنَّ عَـــــــوارِ
إنه الشعر الذي يخلد، والوصف الدقيق المؤثر..

ولا ينفك عجب الباحث المتأمل في دواوين الشعراء والواقف على ما نقل من جميل وصفهم وحزنهم وحكمتهم وسائر تأملاتهم.

فهم الجديرون باصطياد الغرائب وملاعبتها واكتشاف أسرار الحياة.

إن مرَّكِ الليلُ
يَطوي ثوبَه وجـِلا
واستيقظَ الفجرُ في عينِ الدُّجى
خجِلا
*
وجَرَّحَ النورُ صمْتَ الكَونِ
مُتشراً
فاستغفري لي وقولي:
”صادقٌ رحلا ! ”
*
وسامحي الحبَّ إذ لم يُهْدِنا
( زمَناً )
نعيشُه شاطِئَيْ طُهْرٍ قد اتصلا
*
وسامحي الحبَّ إذ لم يَسْقِنا
( عُمُراً )
لِـ تَنبُتي زهرةً قد
عانَقَتْ جَبَلا
*
آهٍ
وحُزْنُ التنائي لا انتهاءَ له
وليلُهُ من جُنونٍ يُرْمِدُ المُقَلا
*
من علَّمَ الحُزنَ
يَجري في محاجِرنا ..؟
من علّمَ الليلَ
يَقضِي ليلَهُ ثَمِلا..؟
*
أنَا لظى الذكرياتِ اللاءِ أيْقَظَها
دمعُ الرَّحيلِ
استَتَمَّتْ
واستوتْ رجُلا
*
أنا بكاءُ أماسِيْ الوجْدِ
حين ذوى
فانُوسُها واستحالَتْ ضِحْكتي طَلَلا
*
لا شيءَ بَعْدكِ
يَسْقِي الروحَ يا قدَراً
قد خُطَّ في اللَّوحِ
أن أشقى بهِ أمَلا
صغيرَتي
واللياليْ شَتَّتت عُمُري
وحمّلَتْني من الأشواق
( ما قَتَلا )
*
ها .. فِكرةُ الهجْر
هل خِيْطَتْ مواجِعُنا ؟!
ها ..جمرةُ البُعْدِ
زادتنا بكُمْ شُغُلا
*
صغيرتي
يا حديثَ الطُهْرِ يا ظَمَئِي
جرّبْتُ قُرْبِي
وبُعْدي
فاسْتَوَى مَثَلا
*
قولي لأضياف ِطَيْفٍ بيْ تُشَاغِبُني
كُفُّوا..
أذلِكَ شأنْ الضيفِ إنْ نَزَلا
*
هَبُوا لِعَينيْ
هدوءاً أستعيد بِهِ
- في غَيْبةِ الدفءِ -
عَقْلاً فرّ مرتجــِلا
*
يا أيها الوَطنُ المزروعُ..
أسئِلةً
تَحُزّ نَحْرَ جوابٍ فيّ
ما اكتملا
*
يا سرّ أوجاعِ عمْرٍي يا…
( مسافرةً )
صارت…
ذُنُوباً لأشواقي
ومُغْتَسلا
*
لا تَكْرهِي الليلَ…
كان الليلُ يجمعُنا
وسامحي الحبَّ ،
عطْراً
بينَنا دخَلا!
****

أضف تعليق

التعليقات