قصة مبتكر
قصة ابتكار
جــورج كلـــود
ساعة المعصم
مصابيح النيون، سواء أكانت بيضاء للإنارة الداخلية، أم ملوَّنة للاستخدام في الإعلانات عن المتاجر، هي واحدة من ابتكارات العالِم الفرنسي جورج كلود، الذي سجَّل باسمه عدداً ضخماً من الابتكارات والاختراعات، غير أن مصابيح النيون هي التي صنعت ثروته. ولد جورة كلود في باريس عام 1870م، وكان في السادسة عشرة من عمره عندما تخرَّج في معهد الفيزياء والكيمياء. ليبدأ العمل في شركة كهرباء البلدية في العاصمة الفرنسية، حيث تعرَّض لحادث كاد أن يودي بحياته. في العام 1897م، ابتكر كلود طريقة جديدة لتخزين ونقل الأساثيلين السريع الاشتعال، وذلك من خلال إذابته بمادة الأسيتون، الأمر الذي سهَّل الاستخدامات الصناعية لهذه المادة. وفي العام 1902م، طوَّر هذا المبتكر طريقة جديدة لتسييل الهواء، ليستنبط لاحقاً طريقة أخرى لتوليد الكهرباء من الطاقة الناجمة عن الأكسجين المسال عندما يعود إلى حالته الغازية. في العام 1910م، اكتشف جورج كلود أن تفريغ شحنة كهربائية في جو عابق بغاز النيون ينتج ضوءاً ملوَّناً. وبسرعة، اكتشف طريقة لتنقية هذا الغاز وحبسه في أنبوب زجاجي، وفي العام نفسه عرض أول مصباح كهربائي يعمل بغاز النيون في «المعرض الفني» في باريس. النجاح الذي حظي به هذا الابتكار خلال المعرض، دفع مبتكره إلى التفكير في طي الأنبوب الزجاجي ليتخذ شكل حرف أو رسم معيَّن. وخلال سنوات قليلة راحت تظهر أسماء المتاجر مكتوبة بالضوء في ليالي باريس، ووصل هذا الابتكار إلى أمريكا في العام 1922م، لينتشر بعد ذلك في كافة أنحاء العالم. ولكن إلى جانب هذا الابتكار الجميل، ابتكر كلود أشياءً مثيرة للجدل، ومنها الكلورين السائل الذي استخدم كسلاح كيميائي خلال الحرب العالمية الأولى. وفي فترة ما بين الحربين عمل على دراسة احتمال استخراج الطاقة الكهربائية المتولدة من احتكاك المياه الباردة بالدافئة في المحيطات. ولأنه خلال الحرب العالمية الثانية تعاون مع حكومة فيشي المهادنة لألمانيا النازية، واجه بعد تحرير بلاده عام 1954م المحاكمة، وسجن لمدة سنوات أربع. وبعد خروجه من السجن، لم يعرف أحد طبيعة الأبحاث التي كان يجريها هذا المبتكر، حتى وفاته بصمت في العام 1960م.
ما من ابتكار حظي بإجماع وتطبيق عالمي مثل ما حظي به نقل الساعة من الجيب إلى المعصم، وربطها به بواسطة سوار من المعدن أو الجلد أو غير ذلك. وهناك خلاف حول صاحب هذا الابتكار. فعلى الموقع الإلكتروني «أجوبة ياهو»، نجد زعماً أن مبتكر ساعة المعصم هو باتيك فيليب في أواخر القرن التاسع عشر. ولكن، وصلنا من ضمن جواهر الإمبراطورة جوزفين (زوجة نابليون) التي عاشت في أوائل ذلك القرن ساعة يد مصنوعة من الذهب، صاغها لها الفرنسي «نيتو». وهذا ما يعزِّز صدقية المصادر التي تنسب صناعة أول ساعة معصم للسويسريَين جاكي-دروز وليشيه في العام 1790م. والمؤكد أنه طوال القرن التاسع عشر، ظلَّت ساعة اليد في إطار الحلي النسائية، وغالباً ما كانت عبارة عن سوار من الذهب والحجارة الكريمة، مرصَّع بساعة صغيرة. أما الرجال فقد ظلوا يعتمدون ساعات الجيب المربوطة إلى الحزام بسلاسل، حتى بدايات القرن العشرين. ويروى أن المخترع البرازيلي، ألبرتو سانتوس دومون، كان وهو يحلِّق بطائرته الأولى، يعاني من صعوبة من التطلع إلى الساعة في جيبه من حين إلى آخر، فطلب إلى صديقه صانع الجواهر الفرنسي لويس كارتيه أن يصمم له ساعة يسهل التطلع إليها من دون عناء إخراجها من الجيب. فما كان من كارتيه إلا أن أعطاه بعد وقت قصير ساعة ذات حزام من الجلد لربطها إلى معصمه. بعد ذلك بسنوات قليلة، وخلال الحرب العالمية، واجه الضباط في الميادين المشكلة نفسها التي واجهها دومون، فأرادوا ساعات يمكن التطلع إليها بلمح البصر، خاصة لضبط العمليات الدقيقة مثل الاستخدام المتزامن للمدفعية. فسارع المقاولون المتعاقدون مع الجيوش لإنتاج ساعات المعصم بالجملة. وبعد انتهاء الحرب، سمحت قيادات الجيوش الأوروبية والأمريكية للضباط بالاحتفاظ بهذه الساعات، الأمر الذي أسهم في الترويج لها في صفوف الطبقة المتوسطة وعاداتها. وما هي إلا سنوات معدودة، حتى شارفت ساعات الجيب التي عاشت لنحو ثلاثة قرون على الانقراض دفعة واحدة، وراحت صناعة ساعات المعصم تتطور لتتوجه إلى مختلف الشرائح الاجتماعية من دون استثناء. بحيث باتت تتوافر في أسواق اليوم ساعات لا يزيد ثمنها على ثلاثة دولارات، ذات سوار من المطاط الصناعي، وصولاً إلى ساعات تتجاوز أسعارها عشرات آلاف الدولارات مصنوعة من الذهب أو البلاتين ومرصَّعة بالماس.