في الوقت الذي تسعى فيه دول العالم لتحقيق أهداف النموّ المتوقعة للألفية الجديدة وفي الوقت الّذي يحاول فيه العالم وضع أجندة جديدة للنمو إلى ما بعد عام 2015م، تقوم الأمم المتحدة بالتعاون مع القادة والمفكرين والخبراء بالتشديد على أهمّية الثقافة كعامل فعّال في تحريك وضمان التنمية المستدامة، خصوصاً فيما يتعلّق بالبلدان النامية.
تقول مديرة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي هيلين كلارك إنّ «الصناعات الثقافية والإبداعية هي بمنزلة محرّكات مهمّة للنمو الاقتصادي، فهي تولّد فرص العمل وتؤمن المداخيل وتسهم في ضمان رفاهية الأفراد والمجتمعات في البلدان المتقدمة والنامية، على حدّ سواء».
هناك حاجة ماسّة لإيجاد سبل جديدة للنمو تشجّع على الإبداع والابتكار من أجل تحقيق التطوّر الشامل والمتوازي والمستدام. ومن أجل ذلك نشرت الأمم المتحدة تقريراً صادراً عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع اليونيسكو. يُعرّف التقرير الاقتصاد الإبداعي الموسّع على أنّه موجود «في المكان الّذي تلتقي فيه الفنون والثقافة والتجارة والتكنولوجيا»
.
فالاقتصاد الإبداعي هو من القطاعات التي تنمو بسرعة كبيرة، كما أنه قطاع متحوّل بشكل سريع جداً، خصوصاً فيما يتعلّق بإنتاج المداخيل وفرص العمل ورفع مستوى الصادرات. وبناء على ذلك، هناك إدراك بأنّه يجب على سبل التطوّر الجديدة، أن تشجّع الابتكار والإبداع. وهناك إمكانية للبحث عن قدرات إبداعية مهمّة في عديد من مدن ومناطق البلدان النامي. وفي الواقع هناك عديد من الإنتاج الإبداعي الّذي تحقّق على الرّغم من محدودية البنى التحتية وقدرات المؤسسات ومجالات الاستثمار.
يخلص التقرير إلى أنّ إنتاج السلع والخدمات الإبداعية قد ازداد بمعدّل %14 سنوياً على مدى السنوات الست الماضية. ومن المحتمل أن يصبح إنتاج هذه السلع والخدمات الإبداعية من أهم القطاعات الدينامية في الاقتصاد العالمي. وهناك، في التقرير، تركيز على الاقتصاد الإبداعي على المستويين المحلّي والإقليمي في البلدان النامية. وقد جرى تقسيم التقرير إلى قسمين: قسم متعلّق بالسياسات الإنمائيّة وقسم آخر وثائقي يقدِّم دراسات لحالات وقصص متعلقة بالفرص والتحديات المتعلقة بالاقتصاد الإبداعي على أرض الواقع.
السياسة الإنمائية
من ناحية السياسات، يتمّ تعريف الاقتصاد الإبداعي على أنّه الاقتصاد الذي يضم المنتجات السمعية البصرية والتصاميم الغرافيكية ووسائل الإعلام الجديدة والفنون المسرحيّة والنشر والفنون البصرية. وقد وجد التقرير أنَّ التبادل التجاري للسلع والخدمات الإبداعية وصل إلى رقم قياسي بلغ 624 مليار دولار في عام 2011م، أي أنّه تضاعف بين عامي 2002 و2011م. وفي الفترة نفسها وصل معدّل النمو السنوي لصادرات المنتجات الإبداعية في البلدان النامية إلى %12,1.
يشير العنوان الفرعي للتقرير «توسيع السبل المحلية للنمو» إلى أجندة أوسع. فهناك إشارة إلى تمييز مهم بين الثقافة كمحرّك للنمو من خلال الصناعات الابتكارية والثقافية، وبين الثقافة كوسيلة للنمو من خلال تمكين الأشخاص من التحكّم بتطورهم الذاتي. ويُعرّف التقرير المدن كعناصر فاعلة في تطوير الاقتصاد الإبداعي، حيث يجب إيجاد نهج متكامل يتطلب مشاركة جميع الأفراد والإدارات والمؤسسات وفروع التخطيط في الحكومات المحلية.
أمثلة ودراسات لحالات معيّنة
أمّا القسم الثاني من التقرير فيعرض لبعض النتائج المتعلقة ببلدان معينة، وذلك بهدف أن تكون أداة ملهمة للآخرين لإيجاد سبلهم المميزة للتنمية المحلية. فهو يراجع أكثر من 80 برنامجاً ثقافياً وتنموياً في العالم من «صندوق الإنجازات للأهداف الإنمائية للألفية المقبلة» أو» MDG Archievement Fund» الممول من حكومة إسبانيا إلى الصندوق العالمي للتنوع الثقافي التابع لليونيسكو.
في البيرو، أدّى، برنامج تنموي مشترك مع «صندوق الإنجازات للأهداف الإنمائية للألفية المقبلة» إلى تدريب الحرفيين المحليين على إنتاج مشروب محلي بطريقة أكثر فاعلية، ولم تؤدّ المبادرة إلى زيادة الأرباح فقط، ولكنّها ساعدت أيضاً على تشغيل النساء اللواتي عادة ما يكنّ مهمشات في المجتمعات المحلية. كما طوّرت التنمية البيئية من خلال إدخال الأفران الّتي تعمل على الغاز. حتّى أنّه كان لهذه المبادرة تأثير على السياسات العامة من أجل احتضان الصناعات الإبداعية على المستويات الوطنية والإقليمية والمحلّية.
وفي السنغال، قامت إحدى الأكاديميات الموسيقية بتدريب الشباب المحلي على التصميم والرسم الرقمي والإنتاج الموسيقي والتسويق والإعلانات. فساعد هذا البرنامج المبتكر على تمكين الشباب من الاستثمار في قدراتهم محلّيًا والوصول إلى الأسواق العالمية. كما أنّه ساهم في المحافظة على الثقافة الفنية في الوقت الّذي ساعد على استثمار التطوّر التكنولوجي من أجل النمو.
وفي الأرجنتين، هناك وصف للصناعات الثقافية والابتكارية الّتي توظف أكثر من 300.000 شخص يمثلون %3.5 من الناتج المحلي الإجمالي. وفي المغرب يوظف قطاع الطباعة والنشر %1.8 من القوة العاملة مع مدخول يوازي 370 مليون دولار. وقد كانت القيمة التجارية للصناعة الموسيقية في الغرب تمثل أكثر من 54 مليون دولار في عام 2009م ومنذ ذلك الوقت بدأت بالارتفاع بشكل مستمرّ. وفي بانكوك وتايلند كان هناك أكثر من 20,000 مؤسسة تجارية تعمل في صناعة الألبسة وحدها، وفي تلك المنطقة ككل استطاع عدد كبير من الشباب أن يكسبوا معيشتهم كمصممين على نطاق ضيق.
وفي مصر هناك مشروع «نجادة» لصناعة المنتجات المعاصرة باستخدام أساليب بدائية كانت معتمدة في الريف المصري. يعمد هذا المشروع إلى إعادة فن الحياكة في مصر حيث اندثرت هذه الحرفة بعدما واجهت كثيراً من الصعاب. وبعدما كان مشروع “نجادة” مبادرة صغيرة على نطاق ضيق، تحوّل إلى مشروع ناجح استطاع أن يضمن وجوداً محلياً قوياً في الوقت الذي حقق فيه انفتاحاً عالمياً وأصبح يسوّق منتجاته ذات الجودة العالية في بلدان مثل إيطاليا واليابان ولبنان.
وفي الإمارات العربية المتحدة التي تُعد من أسرع الدول نمواً في العالم، عمدت مؤسسة أبو ظبي للموسيقى والفنون إلى تعزيز رؤيتها من خلال شراكات عقدتها مع مؤسسات في القطاعين العام والخاصّ واستثمرت في تعليم الأجيال الجديدة الفنون والثقافة ودفعتهم لتحقيق تحصيل علمي أكبر. وتلازم كلّ ذلك مع تطوير هوية ثقافية متجذرة في عادات وتقاليد بلادهم. وكان لعديد من هؤلاء أدوار فاعلة على المستويات المحلية والعالمية. كما أنّه لدى المؤسسة نفسها نشاطات تدعم المشاريع الصغيرة التي تقوم بها النساء، ونشاطات أخرى تدعم أصحاب الاحتياجات الخاصّة وتساعدهم على الاستقلالية الذاتية.
عشرة مفاتيح أساسية للنمو
يقدّم التقرير عشر توصيات أساسية على أمل تعزيز استخدام وسائل ثقافية جديدة للنمو، وتتمثل هذه التوصيات فيما يلي:
1 – الوعي بأنّه إلى جانب الفوائد الاقتصادية يستطيع الاقتصاد الإبداعي أن يولّد قيمة غير نقدية يمكنها أن تسهم كثيراً في تحقيق نمو شامل ومستدام يرتكز على الأفراد والمجتمعات.
إذ يمكن لوسائل الصناعة والابتكار المرتكزة على الثقافة أن تولّد منتجات تؤدّي إلى التطوّر الإنساني، وبذلك تجمع بين التطوّر الاجتماعي والإنساني والاقتصادي. فهناك جوانب للثقافة تتخطّى ما هو اقتصادي محض. فأولاً، يمكن للتعبير الثقافي أن يعطي الدفع للمجتمعات المختلفة، خصوصاً المهمشة منها، إلى إيجاد وسائل لاكتساب القوة والمناعة. ثانياً، يمكن للإرث الثقافي، إن كان محسوساً أو غير ذلك، أن يعطي قيمة للأشخاص والمجموعات تفوق قيمة المدخول الّذي يتوفّر لهم من خلال تقديم المعرفة الضرورية من أجل تحقيق الاستمرارية في العمل. وثالثًا، إن التخطيط المدني والهندسة المعمارية ضرورية لنوعية الحياة في المدن إذ إن البيئة الملائمة تدعم الرفاه الفردي والاجتماعي على حدّ سواء.
2 – جعل الثقافة أداة تحفيز ودعم لعمليات النمو الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
يتجذر النمو في القيم المحددة للمجتمع والمؤسسات المطبوعة بثقافته، أو بكلام آخر، هو متجذر في الموارد الّتي يمكنها أن تسهم في عملية النمو.
تستخدم هذه الموارد لإنتاج القيمة الاقتصادية (الرفاه المادي وغير المادي) والقيمة الاجتماعية (منافع التماسك والاستقرار الاجتماعي) والقيمة الثقافية (الفوائد الناتجة عن الفنون والثقافة التي تسهم في الاكتفاء الذاتي والجماعي) والقيمة البيئية (الفوائد المستمدة من الموارد الطبيعية والأنظمة الإيكولوجية). تساعد جميع العمليات الّتي تنتج عنها هذه الفوائد، من خلال سلسلة إنتاج السلع والخدمات الثقافية، على تعزيز النمو مما يوجب دعمها وتسهيلها من قبل القطاعات الخاصّة والعامة والمجتمع المدني.
3 – إبراز الفرص من خلال رسم خارطة الموارد المحلية للاقتصاد الإبداعي.
فمما لا شكّ فيه أنّ هناك نقصاً في المعرفة والمعلومات على المستوى المحلي. ومن دون هذه المعرفة يعمد الجميع، من واضعي السياسات العامة إلى مديري المشاريع المختلفة، إلى اتخاذ القرارات على أساس معلومات غير كاملة. بالإضافة إلى ذلك يبقى الالتزام السياسي والاستعداد للاستثمار مهزوزًا وغير ثابت.
وبالتالي، فإنّ رسم خارطة التحديات الّتي تواجه الاقتصاد المحلي وتحديد بنيته وطريقة عمله، مهم لقياس مدى تأثير السياسات المعتمدة. هناك دلائل في هذا التقرير تظهر كيف أنّ رسم خارطة الصناعات الثقافية والإبداعية يوفّر للمجتمعات المحلية الأدلة الضرورية لاتخاذ القرارات السليمة مما يساعد على تحقيق التفوق التنافسي لإنتاجهم المحلي، بالإضافة إلى تحديد المداخيل المستقبلية الّتي يمكن الحصول عليها من خلال الاستثمار في تطوير الاقتصاد الإبداعي المحلي.
4 – تقوية أساس المعرفة من خلال جمع البيانات الدقيقة، واعتباره المنبع الأساسي للاستثمار، وذلك من أجل تحقيق سياسة متماسكة لنمو الاقتصاد الإبداعي.
لا يعتمد اتخاذ القرارات الحكيمة على رسم خارطة الموارد المحلية، فقط، وإنما على جمع البيانات الموثوقة. فبموازاة دراسات جديدة لقياس المساهمة الاقتصادية للثقافة في تطوير المدن والبلديات، تبقى البيانات المحلية غير كافية في عديد من البلدان النامية. وإن وجدت، غالباً ما تكون هذه الإحصاءات المتوافرة عن الإنتاجات القطاعية ومعدّلات النمو مغلوطة وغير موثوقة. وبالتالي، سيبقى تجميع وتحليل البيانات الكمّية مسألة تدريجية وغير كاملة. ولهذا السبب، من المهم تقييم النتائج النوعية أيضاً. والأمر الّذي يمكن أن تقوم به السلطات المحلية لتسهيل هذه العملية، هو تجهيز نفسها بالأدوات المناسبة، كما يمكنها أن تدعم المؤسسات المحلية وأن تدخل بحوار دائم مع الجهات المعنية خلال عملية جمع المعلومات.
5 – البحث في الروابط بين القطاعات الرسمية وغير الرسمية، واعتبارها مسألة مهمة لسياسة تطوير الاقتصاد الإبداعي.
لا يشبه القطاع الإبداعي أي قطاع اقتصادي آخر ومن مظاهره الأساسية، لاسيّما في البلدان النامية، اعتماده الكبير على الأنظمة الثقافية غير الرسمية وعلى المؤسسات المختلفة، وعلى احتوائه على أعداد كبيرة من المشاريع الصغيرة، وعلى مخاطر السوق المرتفعة المرتبطة بتسويق إنتاجه. هناك قدرة محدودة جداً لدعم الحكومات وقدرتها على التنظيم. فالعديد من المؤسسات الصغيرة يعمل دون أية حسابات دقيقة. كما يتمّ تجميع رؤوس الأموال من مصادر غير رسمية، مما يستدعي نوعًا آخر من التفكير عند وضع السياسات المختلفة. هناك أهمية كبيرة لاعتماد طرق تحدّد العلاقات بين القطاعات الرسمية وغير الرسمية وذلك لمعرفة كيف يمكن للمبادرات السياسية الهادفة إلى دعم النشاطات الإبداعية، الّتي تعمل في بيئة غير رسمية، أن تحدّد الطريقة الّتي يمكن أن تتطوّر بها هذه النشاطات وتعود بالمنفعة على الاقتصاد الإبداعي الرسمي.
6 – تحليل عوامل النجاح الأساسيّة الّتي تسهم في تعزيز السبل الجديدة لتطوير الاقتصاد الإبداعي المحلي.
من الضروري، عند اتخاذ القرارات ووضع السياسات والاستراتيجيات والبرامج لتعزيز السبل الجديدة لتطوير الاقتصاد الإبداعي، الأخذ بالحسبان العديد من العوامل الأساسيّة والظروف والمتغيرّات. يمكن لهذه السبل الجديدة أن تظهر في العمليات المكررة في المجتمعات المحلية وفي المبادرات والبرامج السياسيّة المعتمدة. وتتضمّن عوامل النجاح التاريخ والعادات الّتي تتفاعل مع التدابير المتّخذة بما فيها: الاستثمارات الّتي توازي قدرات البنى التحتية والقوة العاملة، التعاون بين العناصر المختلفة، الوسطاء والمؤسسات المطلوبة لاتخاذ القرارات وقياس مستوى الإنتاج، والمشاركة في وضع السياسات مع المجتمعات والفعاليات المحلية. كما أنّه في عالمنا الحالي المترابط والمنفتح، تلعب التبادلات بين البلدان دوراً أساسياً في أي استراتيجيات محلية، وخصوصاً فيما يتعلّق بالوصول إلى الأسواق العالمية والتواصل الرقمي. وفي هذا السيناريو المعقَّد سيكون من الضروري تعزيز قدرات التفكير النقدي والاستراتيجي من أجل اتخاذ القرارات السليمة.
7 – الاستثمار في مشاريع النمو الإبداعي المستدام.
ي
تطلّب تعزيز القيمة الثقافية في العمل السياسي لدعم التعليم المحلّي والاختراعات. ويستدعي هذا الأمر المبادرات الّتي تدعم المواهب الجديدة والأشكال المستحدثة من الإبداع، مما يتطلّب تقديم الفرص لأصحاب المبادرات الاقتصاديّة في مجالات مثل إدارة الأعمال والتواصل الاجتماعي من أجل تدريب أو جذب القوة العاملة الماهرة. يشمل ذلك دعم الإنتاج والتوزيع وإيجاد الأسواق المحلية. كما يتطلّب تأهيل المناطق الريفية لتتفاعل مع النسيج الثقافي والاجتماعي الجديد، بما فيها التغيير الديمغرافي الناتج عن هجرة أهل الريف.
8 – الاستثمار في بناء القدرات المحلّية لتمكين أصحاب المبادرات المحلّية والموظفين الحكوميين وشركات القطاع الخاصّ.
لا يمكن التقليل من أهمّية الدور الّذي يلعبه بناء القدرات في نمو الاقتصادات الإبداعية المحلّية في بلدان العالم الجنوبي (أي البلدان النامية). كمجال بحدّ ذاته، لا تزال محاولات بناء القدرات المتعلقة بالاقتصاد الإبداعي في مرحلة الاختبار. وعديد من المحاولات الّتي قامت في البلدان النامية ركّزت على تقوية المهارات التجارية وتشجيع أصحاب المبادرات من أجل تسويق المنتجات الإبداعية وتمكين المشاريع الإبداعية من النمو. وقد نجح عديد من تلك المحاولات في إعطاء نتائج ممتازة من خلال دمج الجانب الاجتماعي بالنشاطات الإبداعية، مما يقيم جسر تواصل بين الاقتصاد الإبداعي الرسمي وغير الرسمي.
بدأت مبادرات بناء القدرات المتوجهة إلى القطاع العام بتقوية مهارات الإدارة والقيادة، وبتزويد واضعي السياسات بالمعرفة لتطوير استراتيجيات الاقتصاد المحلي الإبداعي ولمشاركة أصحاب المصالح في هذه العملية. ويُعد الاستثمار في تطوير رأس المال البشري نقطة انطلاق مهمّة على طريق التنمية المرتكزة على القدرة البشرية. وانما يحتاج هذا الأمر لأن يكون مصحوباً بالاستثمارات الملائمة لتقوية أنظمة الحكم والأطر المؤسسية.
9 – المشاركة في التعاون الجنوبي – الجنوبي المثمر من أجل تسهيل التعليم المتبادل المنتج ودعم أجندات السياسات العالمية للنمو.
لا تقتصر المشاركة في التعاون العالمي لتبادل المعلومات وتعزيز الشفافية في وضع السياسات، على السلطات المحلية فقط. إذ هناك للسلطات المحلية، خصوصاً في العالم الجنوبي، دوراً مهماً تلعبه في تبادل الخبرات. ويمكن للتعاون الجنوبي – الجنوبي والمشاركة في التعليم المتبادل، أن يسهم في تكوين أجندات عالمية للتطوّر، على أن يتمّ دعم هذه الأخيرة بقصص واقعية عن تنوع الأوضاع الفعلية والقدرات والحاجات على الأرض، من أجل تعزيز ودعم الإبداع الثقافي، بما فيها التعاون بين مدينة وأخرى.
10 – إدخال الثقافة في برامج النمو الاقتصادية والاجتماعية المحلية، حتّى عندما نواجه بأولويات متضاربة.
في عديد من البلدان النامية، تنشط المجتمعات والبلديات، أكثر من المؤسسات الوطنية، في دعم التكامل بين الصناعات الثقافية والإبداعية والاستراتيجيات والبرامج التنموية. ولكن، إذا ما كان على الاقتصاد الإبداعي أن يصل إلى اقصى إمكانياته ويسهم في التغيير المستدام، فسوف يستدعي الأمر قرارات استراتيجية من قبل القطاع الخاصّ الّذي يُواجه بأولويات متضاربة.
تستوجب مثل هذه القرارات، على سبيل المثال، الاستثمار في الصناعات الثقافية والإبداعية بالإضافة إلى تأمين الأولويات المتعلقة بالنمو الاقتصادي الشامل والتطور الاجتماعي. كما تستدعي التزامًا بتقوية قدرات المؤسسات لتأمين التنمية المستدامة وإيجاد التآزر بين الفعاليات الحكومية على جميع المستويات. في هذا الإطار، فإنّ القيادة تعني تمكين الأفراد والمجتمعات من أجل السيطرة على أنظمة الإنتاج الثقافية والإبداعي المحلي بطرق يستطيعون فيها المشاركة بشكل كامل في الحياة الثقافية.
الخلاصة
هناك عدة نقاط يمكن أن نستخلصها من هذا التقرير. أولها هو أنه بينما كان هناك انخفاض في التجارة العالمية بلغ %12 في 2008م، استمرّت الصادرات من السلع والخدمات الإبداعية في النمو بمعدّل سنوي بلغ %14، مع وجود المقومات التي تؤهل هذا القطاع لأن يصبح من أكثر القطاعات دينامية في الاقتصاد العالمي.
ثانياً، أكثر ما يظهر النمو في التبادل التجاري الجنوبي – الجنوبي، هو في التبادل التجاري للسلع والبضائع الإبداعية، الذي ازداد بمعدل بلغ %20 سنوياً، واتّخذ الاقتصاد الإبداعي حصّة متزايدة من التبادل التجاري بين دول البلدان الجنوبية.
ثالثًا، من الضروري إيجاد الخلطة المناسبة بين السياسات العامة والخيارات الاستراتيجية إذا ما كانت هناك إرادة للوصول بالاقتصاد الإبداعي إلى أقصى قدراته. ومن المهم، خصوصًا في البلدان النامية، تطوير ”علاقة إبداعيّة” فعّالة من أجل جذب المستثمرين وبناء مشاريع إبداعيّة وتوفير وصول أفضل إلى تكنولوجيا المعلومات.
رابعًا، يجب على الاستراتيجيات السياسية الوعي إلى طبيعتها المتعددة التخصصات، أي إلى ارتباطاتها الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
خامسًا، من المهم للحكومات المختلفة مراجعة القوانين الدولية لتجنب القيود والتأقلم مع الواقع الجديد.
سادسًا، يمرّ الاقتصاد الإبداعي بمجالات الفنون والتجارة والاتصالات، محفزًا الإبداع والنماذج التجارية الجديدة. ولذلك يجب أن يكون هناك دافع لإيجاد البنى التحتية الملائمة خاصّة في بلدان العالم الجنوبي.
سابعاً، الاقتصاد الإبداعي مقسّم وشامل، في الوقت نفسه. بالإضافة الى ذلك فهو يتطلّب اتّخاذ قرارات براغماتية تتميز بفهم أفضل لأصحاب المصالح في الاقتصاد الإبداعي وكيفية ارتباطهم ببعضهم البعض وشكل الارتباط بين القطاع الإبداعي والقطاعات الاقتصادية الأخرى.
ثامنًا، يجب على السياسات المتعلقة بالاقتصاد الإبداعي أن تتجاوب مع متطلبات المجتمعات المحلية للتعليم والهوية الثقافية والاندماج الاجتماعي والاهتمامات البيئية. وأصبح هناك فعلاً أعداد متزايدة من البلديات الّتي تستخدم مفهوم المدن الإبداعية من أجل تشكيل استراتيجيات مدنية للنمو وإعادة إحيائه.
تاسعاً، يشكّل ثبات سوق السلع والخدمات الإبداعية مؤشراً على أهمية الطلب على «المنتجات الإبداعية» في فترة ما بعد الأزمة الاقتصادية. كما أن بامكانه جذب حصّة أكبر من السّوق.
عاشراً، كلّ مجتمع متجذّر في اقتصاد إبداعي، ولكنّ كلّ بلد مختلف عن الآخر. وبالتالي عليه اكتشاف مكامن القوة لديه من أجل النمو والتطوّر. إذ لا توجد هناك سياسة إنمائيّة واحدة ملائمة للجميع
