في عددها لشهر رجب 1387هـ (أكتوبر / نوفمبر 1967م)، نشرت القافلة استطلاعاً مصوراً بقلم لطفي عثمان ملحس، حول تاريخ الصيد في الأردن، يلقي الضوء على وفرة الحيوانات البرية آنذاك، وحضور مشاهد الصيد في أطلال قصور الأمويين والآثار الأردنية. وفيما يأتي أهم ما جاء فيه.
بلاد الأردن من البلاد الغنية بأنواع الصيد، وقد اشتهرت بهذا من أقدم الأزمان، ولا شك في أنها قد بلغت ذروة ازدهارها كمكان مفضَّل للصيد والقنص، على عهد الغساسنة والأمويين. فقد كان هؤلاء مولعين بحب الصحراء وحياتها، ينصبون خيامهم في أرجائها، ويقيمون في مضاربهم عدة أشهر من كل عام. ثم قادهم ميلهم للصحراء بالإضافة إلى عوامل أخرى إلى بناء عدد من القصور على أطرافها في بقاع معينة لتشرف على السهول والأودية.
تدل الآثار الباقية لمناظر الصيد الجميلة والمنقوشة على بعض جدران تلك القصور، على أن الأمويين كانوا من هواة الصيد وعشاق الفروسية. ومن قصور الأمويين التي لا تزال آثارها قائمة في الصحراء الأردنية قصر «المشتى» الذي يقع على بُعد 32 كيلومتراً إلى الجنوب الشرقي من عمَّان. ففي زاوية من زوايا إحدى الواجهات من خرائب المشتى يظهر نقش لطائر الزرزور الذي يكثر في هذه المنطقة. ويليه صور متلاحقة لحيوانات أشهرها الأسد، والجاموس، والغزال، والنمر الأرقط. وهنالك صور تمثل طيور الطاووس والحجل والببغاء، وتُرى وكأنها تشرب من كؤوس الماء، أو تنقر حب العنب في ظل الأوراق الغصون التي تتدلى من عناقيد العنب وأكواز الصنوبر.
أما قصر «عميرة» الواقع شرقي قصر المشتى الذي يبعد عن مدينة عمَّان نحو 83 كيلومتراً، فتظهر في إحدى واجهاته صورة يرجَّح أنها للخليفة الوليد بن عبدالملك وبرز حول الصورة سرب من طيور القطا، وتحت قاعدة العرش تتلاطم أمواج البحر التي يظهر بينها قارب من قوارب الصيد تتلاعب الأسماك من حوله.
وأما قصر هشام في خربة «المفجر» التي تبعد ثلاثة كيلومترات عن مدينة أريحا، فهو من أعظم القصور الإسلامية على الإطلاق. ويعزو الأثريون بناءه إلى الخليفة الأموي هشام بن عبدالملك (724 – 743م). ولا نقصد في مقالتنا هنا وصف هذا القصر وعجائب فنونه، وإنما نريد التلميح عن بدائع ما ارتسم فوق فسيفساء قاعة الاستقبال في هذا القصر من صور السباع والغزلان، وما تظهر عليه من أحاسيس الحيوان، الغالب والمغلوب، على جانبي نصف دائرة تقع في أحد الأجزاء الداخلية من إيوان الملك، وقد رصِّعت بالفسيفساء. وظهرت كذلك في بعض الغرف الأخرى صور تمثل رؤوس مختلف أنواع الطيور والحيوانات البرية والأليفة، بعضها يقضم قطوف العنب والثمار الأخرى.
أسلحة الصيد ووسائله قديماً وحديثاً
ليست الصحراء هي الموقع الوحيد للصيد في بلادنا. فإن الأغوار والجبال في الشمال والجنوب كانت مرتعاً خصباً لأهم الوحوش الكاسرة كالأسود والنمور والفهود. وقد انقرض من هذه الوحوش الأسود والنمور، وبقي عدد قليل من الفهود تشاهد أحياناً في الجنوب وفي أطراف الصحراء النائية. كما تضاءل عدد الخنازير البرية، فهي لا توجد الآن إلا في الأودية البعيدة ذات المرعى والماء والشجر الكثيف. وقد يعجب المرء في عصرنا هذا إذ يعلم بأن الأسلحة التي استعملها العرب في صيد الأسود والنمور لم تتجاوز القوس والنشاب والرمح والسيف، وأن الخيل السريعة كانت من أهم الوسائل التي اعتمدوا عليها لهذه الغاية، وأن الفروسية كانت من ضروريات الصيد لما يحتاج إليه الصيد من قوة جسمية وخفة في الحركة. وقد كانت تربية الصقور وتدريبها على صيد الحبارى والأرانب من أهم وسائل الصيد التي نالت قسطاً كبيراً من اهتمام العرب، وما زالت تنال اهتمام الصيادين في أيامنا هذه، وقد لا تجد قبيلة واحدة في صحرائنا دون أن يكون لديها عدد وافر من خيرة أنواع الصقور. كما أن العرب كانوا أول من اعتنى بالكلاب المعروفة بـ (السلوقي)، وذلك لاشتهارها بسرعة العدو، وكانت تستعمل – بعد تدريبها – في صيد الأرانب والغزلان. وقد نقل السلوقي إلى أوروبا وهناك حسِّن نسله، وتوالدت من فصيلته أنواع عديدة تُعد اليوم من أثمن الكلاب الأوروبية. واليوم حلَّت بندقية الصيد محل الأسلحة القديمة، واستعملت السيارة للنقل والمطاردة. وبما أن هذه الطريقة تعرِّض الصيد للفناء السريع، فقد وُضع قانون للصيد الذي حُدِّد بموجبه الموسم والنوع والعدد المصرَّح بصيده.
أنواع الصيد ومواقعه في البلاد
ينقسم الصيد بصورة عامة إلى نوعين، الأول يشمل الطيور المواطنة كالحجل والسفرج والسبت والحمام والحبارى، وبعض الحيوانات كالأرانب والغزال والبدن (نوع من الغزال يمتاز بضخامته وطول قرنه). أما النوع الثاني فيشمل جميع الطيور المهاجرة.
الطيور المواطنة
الطيور المواطنة موزعة في جميع أنحاء البلاد، لا سيما قرب الأحراج والمزارع والينابيع والجبال الوعرة النائية، وكذلك الأرانب، ويجري صيدها بالبندقية مشياً على الأقدام، وتستعمل كلاب الصيد المدرَّبة لهذه الغاية. أما أنواع الغزال والحبارى فتوجد في أماكن بعيدة داخل الصحراء، يطاردها الصيادون بالسيارات السريعة، وقد كان الغزال إلى ما قبل بضع سنوات يعيش في مناطق صحراوية تقع قرب عمَّان إلا أن اتساع مساحة الأرض الزراعية وحرثها بالآلات الميكانيكية، وكثرة المترددين على الصحراء، بوسائل النقل السريعة، دفعت أنواع الغزال إلى أن يهجر مرابعه إلى أنحاء نائية في الصحراء، وكذلك الأمر مع الحبارى.
وقد يجد الصياد قطعان الغزلان بكثرة في صحرائنا الشرقية الشمالية والجنوبية، في مواقع مختلفة يتوفر فيها المرعى، وتنتقل هذه القطعان إلى داخل الحدود السورية والعراقية. وفي أحيان كثيرة ترحل بمجموعاتها الكثيرة إلى داخل الأردن آتية من أحد هذين القطرين. وللحفاظ على هذا الحيوان الجميل، وصيانته من الإبادة، وإبقاء للهواية الرياضية في الوقت نفسه، سمح قانون الصيد لكل صياد بصيد غزالين مرتين في الموسم. أما (البدن) فإن صيدها من الصعوبة بمكان، إذ يحتاج الصياد إلى إجادة استعمال البندقية الحربية لصيدها وهي بعيدة عنه مسافة تزيد على مئات الأمتار، والسير على الأقدام عدة كيلومترات بحثاً عنها لأنها تقطن الجبال الوعرة المسلك الشاهقة الارتفاع التي تقع جنوبي البلاد. ومن الطيور الجميلة التي انقرضت منذ سنين قليلة (النعام) الذي كان يعيش في صحراء اللواء الجنوبي.
الطيور المهاجرة
أما النوع الثاني من طيور الصيد، فيتألف من الطيور المهاجرة، وهي كثيرة الأنواع، تمر بالبلاد كل عام. باعتبارها مركزاً جذاباً لها لوجود نهر الأردن والسهول الواسعة والبرك والقيعان الصحراوية التي تكثر فيها المياه عادة في موسم الشتاء. ومن هذه الطيور المهاجرة: البط، والوز، والقطا بأنواعه، والرها، والسنايب، والزرزور، والحمام. وأما الفر، والرقطي، والسمان فيقوم بهجرته في موسم الربيع، ويجري صيده في الأغوار والسهول المرتفعة.