رأي ثقافي

غياب قصص الأطفال تجاه الصراعات القائمة

DSC_4961في عالم يضج بالمتناقضات، لم يستطع أدب الطفل العربي أن يشيد جسراً لأطفاله للولوج إلى ذاك العالم بفهم وإدراك عميقين. إن التغير الذي لوحظ على أدب الطفل العربي في الآونة الأخيرة هو الانتقال من أدب تقليدي محصور في الأخلاقيات العامة وبأسلوب مجرد، إلى أدب يحمل رسالة أقرب إلى حياة الطفل وبأسلوب أكثر تشويقاً عما كان عليه من قبل. لكن وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا الأدب ما زال يرزح تحت عبء متطلبات السوق، بعيداً عن أية دراسات جادة تبحث في حاجات الطفل العربي ومتطلباته.

فمن حرب الخليج الأولى إلى ما يسمى بالربيع العربي، لم يظهر سوى القليل من قصص الأطفال، التي يتقاسم فيها الكاتب مع الطفل تجارب أطفال عاشوا في خضم تلك الأحداث في دول مثل الكويت أو العراق أو تونس أو ليبيا أو مصر والآن سوريا واليمن وقبل ذلك لبنان والسودان وغيرها. من هذه القصص القليلة التي التفتت إلى عرض معاناة الأطفال العرب على سبيل المثال قصة للكاتبة ثريا البقصمي بعنوان: «مذكرات فطومة» التي تناولت أحداث احتلال الكويت في التسعينيات من القرن الماضي. أما قصة الكاتب التونسي عماد الجلاصي بعنوان «الأسد المخلوع» فقد تناولت أحداث تونس أثناء ما يسمى بالربيع العربي وقد عبَّرت عن نفس الفترة الزمنية الكاتبة لطيفة بطي، حيث تناولت مطالب الشعب المصري في قصتها بعنوان: «الشعب يريد حرية واحترام».

وإذا تمعنا في الكتابات الموجَّهة للطفل حول قضية فلسطين سندرك الشح الشديد الذي يعيشة الطفل العربي. فاحتلال فلسطين لم يثمر قياساً بفترته الزمنية سوى عدد من القصص الموجهة للطفل. ولعل «دار الفتى العربي» التي أنشئت في عام 1974م واستهدفت الأطفال من عمر 3 إلى 16 سنة قدَّمت كتباً توثيقية للحفاظ على التراث الفلسطيني، إلا أنها مع الأسف لم يُكتب لها الاستمرار. في الوقت الحالي هناك عدد قليل من الكتَّاب المعاصرين ممن التفت إلى مأساة الشعب الفلسطيني ووثَّقوا تلك التجارب في قصص للأطفال مثل الكاتب الكبير غسان كنفاني والكاتبة تغريد النجار والكاتبة روضة الهدهد والكاتب محمد جمال وغيرهم. إلَّا أن معظم تلك الكتابات كانت موجهة للأطفال الأكبر سناً، والقليل منها متوفر ومتاح للطفل العربي.

إن المآسي اليومية التي تسببها الحروب والمعارك الدائرة في المنطقة العربية تركت آثاراً سيئة على الأطفال بشكل عام. فمن أولئك الأطفال من يعيش وجلاً ورعباً من تلك الأحداث، ومنهم من يعيش في خضم معمعتها حيث تستهدفه يومياً كما تستهدف وطنه وأمته وتاريخة وتراثه. ومنهم من يعيش مراقباً أو لاهياً مع ما تم ابتكاره من وسائل وألعاب إلكترونية يندمج معها في ألعاب تُظهر له القتل لعبة جميلة غير مدرك لواقع يكاد يلتهمه.

إلَّا أن واقع أدب الطفل لم يعكس معاناة ذلك الطفل اللاجئ أو المشرد بسبب حرب هنا أو مجاعة هناك أو أوضاع أمنية واقتصادية مزرية في بلد آخر. بينما نجد في المقابل أن الأدب العالمي، وأعني به أدب الأطفال باللغة الإنجليزية، تطرَّق لمعاناة الأطفال العرب والمسلمين من مختلف الدول. وهذا النوع من الأدب يسهم في تنمية الوعي والإدراك لدى الطفل بما يدور في العالم. فالمنادون بأدب الطفل العالمي يرون أنه من الممكن عبر قصص الأطفال أن يتم عرض العالم من زوايا مختلفة حتى ينمو الطفل ويكبر وهو أكثر إدراكاً وقدرة على فهم محيطه وبالتالي العالم الذي هو جزء منه.

هناك كثير من النماذج العالمية لقصص الأطفال التي أبرزت معاناة الطفل العربي. فعلى سبيل المثال: في قصة بعنوان: «A long Walk to Water» تطرقت كاتبة القصة إلى قصة طفلين سودانيين كلاهما في الحادية عشرة من العمر، ولكنهما عاشا في فترتين زمنيتين مختلفتين.. مثال آخر قصة بعنوان: «Sami and the Time of the Troubles». في هذه القصة يعرض الكاتب معاناة الطفل سامي في بيروت أثناء الحرب الأهلية في ثمانينيات القرن الماضي.. لكن أمام كل هذه الأحداث فإن ما تم تقديمه للطفل الغربي أكثر مما قُدِّم للطفل العربي. فيا تُرى ما هي الأسباب التي حالت دون أن يقدِّم الكاتب العربي نصوصاً عن المعاناة التي يعيشها الأطفال العرب؟

أضف تعليق

التعليقات

حسين اللواتي

مقال رائع و موضوع جديد و شيق
حبذا لو تقوم الكاتبة ببحث موسع حول الموضوع او على الأقل تتحفنا بالمزيد و خاصة اذا عرضت القصتين اللتين تحدثت عنهما في نهاية المقال بشكل أوسع
شكرًا للدكتورة فاطمة اللواتي

د. سائر بصمه جي

نشكر د.فاطمة لفتتها الكريمة عن تقصير كتابنا عن القيام بحق الطفل العربي.
وأعتقد ثمة “متهمين” آخرين يشاركون الكتَّاب هذا التقصير، وهم وزارات الثقافة ودور النشر. فالكاتب جزء من حلقة يجب أن تكون متكاملة.

د. سائر بصمه جي

فأنا شخصياً لدي عشرات قصص الأطفال وفي مختلف المجالات، لكن الجميع يشكو ضيق ذات اليد عن القدرة على نشرها، فمن هو الملوم إذاً؟!

    محرر القافلة

    نشكر لك هذا التفاعل د. سائر.
    يسعدنا أن تشاركنا برأيك حول هذا الموضوع، عن طريق مراسلتنا عبر النموذج التالي: https://qafilah.com/ar/contact/#t5