في هذا الوقت الذي يزداد فيه عالم الأعمال توسعاً وتأثيراً، ظهر قادة الأعمال اليوم متسمين بأربعة سلوكيات ذات تأثير فعّال، تميّزهم وتجعلهم قدوة يحتذى بها. وبدأ الموظفون وأفراد المجتمع تأسي هذه السلوكيات، سعياً منهم إلى تغيير نمط حياتهم ووظائفهم، والوصول إلى أهدافهم بأقصر الطرق وأكثرها فاعليَّة بالإضافة إلى زيادة تأثيرهم الإيجابي في مجال أعمالهم أو في محيط علاقاتهم الاجتماعية. وتتلخص هذه السلوكيات الأربعة في كل من: سلوك الحوار الهادف، والتمكين، والتعاون، واتخاذ القرار.
في هذه الورشة التدريبية يرصد لنا بندر الحربي طريقة تعامل وتفاعل الناس مع سلوك الحوار الهادف.
شكّل سلوك «الحوار الهادف» نقطة التفاعل بين المشاركين في ورشة العمل التي ضمّت زهاء مئة وثلاثين مشاركاً، وأدارها المدرِّب الدولي سلمان أمجد، من تورونتو، كندا، المتحدث بست لغات، والحاصل على درجة الماجستير في علم اللغة التطبيقي من جامعة برمنغهام والمتخصص في مجال وسائل التواصل واكتساب اللغات وتعليمها.
ما أراد المدرِّب أمجد إيصاله، وهو يعبر جَيئَةً وذَهاباً أمام مجموعات المشاركين في الورشة، هو أن هذه السلوكيات الأربعة تُمثل عاملاً مهماً في تهيئة بيئة النجاح للأفراد والمنظمات، وأن سلوك الحوار الهادف يكوِّن بيئةً تقود إلى النجاح الشخصي والمهني، إلّا أن لسياق الحوار وتأثيرات مواقف الحوار المختلفة، بالإضافة إلى خصائص اللغة، أثراً في إحداث أو إعاقة الفهم بين المتحاورين.
المدرِّب الدولي سلمان أمجد متحدِّث بست لغات
يحمل شهادة الماجستير في علم اللغة التطبيقي من جامعة برمنغهام.
متخصِّص في مجال التواصل واكتساب اللغات وتعليمها.
بدأ العرض بقوله إننا نعرف اللغة ولكن قد ينتابنا الشك من مضمونها الفعلي. قد لا ندرك ما يُسمى «حسّ الفكاهة» و«الأهداف الضمنية»، وفهم مضامين اللغة بناءً على المحتوى والسياق، والعوامل المهمة التي ترفع مستوى الحوار محدَّد الهدف إلى مستوى أعلى من الحوار، يسمى التواصل الفعّال. وهو ذلك المستوى من التواصل الذي يقود إلى نتائج إيجابية للأفراد والمنظمة. ومن هذه النتائج: 1 – توضيح أهداف الأفراد وأدوارهم بشكل أكثر وضوحاً، 2 – نقل المعرفة فيما بينهم، 3 – زيادة الإنتاجية والفاعلية الشخصية والجماعية، 4 – تعزيز التوافق والانسجام بين الأفراد وتحسين التنسيق بينهم، 5 – زيادة الدافعية الشخصية والجماعية، 6 – صقل المهارات واكتساب الخبرات، 7 – تأسيس علاقة قوية بين الرئيس والمرؤوس في بيئة العمل تُعطي الرئيس قدرة لتقييم مشاركة كل فرد من أفراد فريق العمل في تحقيق أهداف المنظمة التي يعمل بها. كما أن الوصول إلى هذا المستوى من التواصل، يتطلب وجود ثقة بين طرفي الحوار، وفهم الحوار فهماً جيداً، إذ ليس «ما يُقال» دائماً هو «ما يُفهم معناه» تماماً، وبالتالي من المهم أن يكون الحوار واضحاً وبعيداً عن أي غموض.
الأفكار التي سعت ورشة العمل إلى إيصالها إلى المشاركين، عبر أسلوب عملي وسرد قصصي، ترافقت مع تجارب المدرِّب وخبراته الشخصية في دولٍ وبيئات ثقافية مختلفة زارها من قبل لتقديم محاضرات.
ما هي السلوكيات الأربعة؟
حسناً، ما هي أو ما معنى السلوكيات الأربعة؟ لنبدأ مع سلوك الحوار الهادف، ويعني حديثك المنتظم مع الآخرين عن توقعاتك، ومناقشتهم لأدائك وتطورك؛ في حين يعني سلوك التمكين، منح الآخرين صلاحيات مناسبة من أجل تحقيق الأهداف المشتركة، ومساعدتهم للتغلب على أي صعوبات أو عقبات قد تواجههم؛ بينما يدلُّ السلوك الثالث، وهو التعاون، على الالتزام بالأهداف المشتركة والسعي مع الآخرين من أجل تحقيقها، ويمثّل السلوك الأخير وهو اتخاذ القرار، الالتزام والوضوح في التفكير، بهدف اتخاذ قرارات مهمة.
“ثقافة السياق المرتفع”:
كلام قليل يتكامل مع عناصر ثقافية أخرى في إيصال المعنى
“ثقافة السياق المنخفض”:
وضوح ودخول مباشر في الموضوع وعدم ترك أي مجال للتأويل
المشاركون في الورشة تلقوا بتحفز السؤال الأول والرئيس، وهو: ما الذي يجعل التواصل فعَّالاً؟ والإجابة جاءت على هذا النحو: إن أهم ما يؤثر في فاعلية الحوار، ست مهارات، وهي: تحديد مَنْ هو صاحب اللغة؛ واكتساب الحسّ الفكاهي؛ ومعرفة أهداف المتحدث الضمنية؛ والقدرة على التمييز بين الاختلاف والخطأ في اللغة؛ ومعرفة المحتوى والوعاء الظرفي؛ والقدرة على تفسير تعبيرات الجسد.
لم يخلُ الطرح من استجوابٍ لطيفٍ للمشاركين عندما طرح المدرب هذه الأسئلة: مَنْ هو صاحب اللغة؟ وهل مَنْ يملك اللغة الأم هو من يحدِّد سياقها ومضمونها ومقصدها؟ وهل في اختلاف الثقافات واللغات تأثير على اتساق الحوار وفهمه؟ وماذا يعني الاتصال؟ وماذا يعني بالضبط من ثقافة إلى أخرى؟ ماذا يعني لك وللآخرين؟
السلوكيات الأساسية في التواصل الفعّال، هي: الحوار الهادف والتمكين والتعاون واتخاذ القرار.
وبعد ردودٍ عديدة من المشاركين، عرَّف المدرِّب اللغة بأنها نظام من الأصوات والرموز، تحمل معاني متعددة، وتقوم على اتفاق متبادل بين المتحدثين في المجتمع، كما تَظهر بصور عديدة، ولكي يكون التواصل عن طريق اللغة ناجحاً فلا بد من فهم مضمون اللغة، ومعاني مفرداتها وجملها. ولكن حين تكون لمفردات اللغة وجملها المتشابهة معانٍ مختلفة في السياق الذي تُقال فيه، تصبح ثمة حاجة لتوضيحها أكثر في هذه الحالة.
اختلافات في اللغة نفسها
تتضح هذه الحالة أكثر في اللغة الإنجليزية نفسها، سواءً اللغة المستخدمة في الولايات المتحدة الأمريكية، أو تلك المتداولة في بريطانيا. يذكر المدرِّب في هذا الصدد ملاحظاته، مثلاً كلمة (subway) تعني الممر تحت الأرض في إنجلترا، بينما تعني أيضًا (مطعم الشطائر) المعروف أو مترو الأنفاق في أمريكا! وفي حين أن كلمة (coach) تدل على الحافلة في إنجلترا فإنها تعني (المدرِّب) للأمريكيين. وبالتالي تحمل هذه الاختلافات الدقيقة دلالةً مختلفة في التواصل، بسبب بسيط وهو أن التوصل إلى الفهم بين متحدثي اللغة نفسها من خلفيتين ثقافيتين مختلفتين تقوم على مفهوم «مَنْ هو صاحب اللغة؟».
وبدأت الفكرة تتضح أكثر للمشاركين، من خلال سرد المدرِّب أمثلة أخرى من تجاربه لا تخلو من مفارقات طريفة، وتحدث عن أمثلة تتعلق بدور العبارة أو معناها، مثل عبارة التحية التي يستخدمها السعوديون: «إيش لونك اليوم؟» فإن جوابها المعتاد هو «بخير، الحمد لله»، باعتبار أن هذا السؤال تضمن سؤالاً عن «الحال» وليس «اللون!» كما يدل حرفياً. ومثال آخر مرَّ به يتعلق بالتشابه في نطق كلمتين، عندما سأله نادل المطعم العربي «كيف الأمور؟» فظن أنه يقصد «الهاموّر» (نوع من السمك)، فأجابه: «لا، دجاج من فضلك!».
ثمة جمل صحيحة من ناحية القواعد في لغتها الأصلية ولكن تمثل صعوبة في الحوار، وبالتالي تكون عقبة في التواصل الفعّال
كما أبان المدرِّب عبر سرد حكايته مع رئيسه في العمل معنى اكتساب مهارتي حسّ الفكاهة ومعرفة الأهداف الضمنية. فذكر أن ما يحدِّد مسار الحوار غالباً هو المستوى غير الرسمي، والفهم الصحيح لمضمون ما يقوله المتحدث، ومستوى سلطته، وحيث يكتسب الحديث حسّ الفكاهة وتتلاشى الفروقات بين المتحاورين، ويصبح الحوار أكثر عمقاً وفهماً، وبالتالي يصبح المهم في هذه الحالة، هو معرفة مَن الذي يتحدث، وليس ما يقال. أما ما الذي يعنيه المتحدث، وكيف يفسره المتلقي، فهذا يدخل في إطار معرفة الأهداف الضمنية، التي تعني إتقان مهارة الاستماع ومعرفة ما يقصده الآخرون فعلاً، أو بمعنى آخر معرفة ماذا يكمُن وراء اللغة المنطوقة. خذ هذا المثال: عند السؤال المألوف والمقصود به التحية: كيف حالك؟ فليس من المتوقع أن يكون الجواب لماذا تسأل؟! أو طلب توضيح للمعنى، فهذا النوع من الحوار لا يحمل أهدافاً ضمنية أو يحتاج إلى مستوى معيَّن من الثقة بين الطرفين.
التواصل بين الثقافات
إن اكتساب مستوى من الثقة في علاقات الأفراد مع بعضهم في مكان العمل، يعزِّز التواصل الفعّال ويبعث الراحة لدى المتحاورين، لكونه يلقي عن كاهلهم التكلف والرسمية، ولكن لا بد أن يكون ثمة تمييز بين «طرح السؤال» و«الاستجواب»، أو بمعنى آخر ثمة حاجة لمعرفة مقصود المتحدث.
الإيماءات التي تُستخدم في أنحاء العالم تختلف كلياً، وفي بعض الحالات تكون متعارضة تماماً، إحدى الإشارات هي تحريك أصبع السبابة دائرياً موجهةً إلى أحد الأشخاص. فهي تعني في الثقافة الأوروبية «الموافقة»، أو نوعاً من الرضا، وفي الثقافة اليابانية «مال» أو «الرجاء دفع المال!»، وفي الثقافة السعودية تهديداً
وفي هذا المحور، استشهد المدرِّب بأفكار علم الإنسان الاجتماعي ومصطلحاته، فذكر مصطلحي «ثقافة السياق المرتفع» و«ثقافة السياق المنخفض»؛ اللذين يشيران إلى طريقة كل ثقافة في استخدام عمليات التواصل المعتادة. فمثلاً في «ثقافة السياق المرتفع» لا يقول الناس كلاماً كثيراً في الغالب بهدف إيصال المعنى للمتلقي، إذ تقوم العوامل الأخرى لهذه الثقافة بشرح المعنى المقصود، وتصبح الكلمات المفردة في مثل هذه الثقافة مهمة جداً، كما أنها تستخدم بفاعلية. بينما في «ثقافة السياق المنخفض» من الضروري أن يكون المحاور واضحاً ومباشراً جداً في حديثه، أي يدخل في الموضوع مباشرة، ولا تمثل لديه الكلمات المفردة أهمية بحد ذاتها. على سبيل المثال فإن شعوباً مثل الأستراليين والأمريكيين والسويسريين يتبنون «ثقافة السياق المنخفض»، وبالتالي فإن سلوكيات التواصل بين أفرادها تتسم بالوضوح الشديد، بينما تستخدم الثقافة العربية والفرنسية والإفريقية واليابانية مثلاً ثقافة السياق المرتفع، وبالتالي فإن سلوكيات التواصل بين أفرادها أقل مباشرة في تناولها لموضوع الحوار.
عند اكتساب حسّ الفكاهة تتلاشى الفروقات والمستوى الرسمي بين المتحدثين، ويصبح الحوار أكثر عمقاً وفهماً…
إحدى تجارب المدرِّب مع رئيسه، أوضحت المقصود من ذلك، يقول: كنت برفقة رئيسي في العمل، وكان يقود السيارة بسرعة وشعرت أنه من الصعب أن أطلب منه مباشرة أن يبطئ سرعته، فوجدت أن أستخدم أسلوب ثقافة السياق المرتفع، لأنه الأفضل في هذه الحالة، قلت له: «هل تعلم أنني كنت أعيش في هذه المنطقة، وصادفت كثيراً من الجِمال تَعبرُ هذا الطريق»، ففهم قصدي وبطأ من سرعته.
الحديث الواضح
في نقطة مهمة أخرى يوجه المدرِّب حديثه للمشاركين، قائلاً: إنه لكي تكون متأكداً من أن حديثك مفهوم وواضح لدى المستمع، فلا بد أن تتمتع بحسّ الفكاهة، وحتى تتأكد من تحقيق هدفك في الحوار، عليك أن تتأكد من مستوى الثقة بينك وبين الطرف الآخر، كي لا يشعر الطرف الآخر بالإهانة أو يرفض الحوار. تخيل أن رئيسك في العمل يطلب منك الحضور حالاً. أغلبنا سيشعر أن ثمة خطأ قد وقع! أو تخيل أن تجدعلى شاشة هاتفك عديداً من المكالمات الفائتة من المنزل، أغلبنا سيشعر بالقلق أيضاً! فإذا كان اكتساب حسّ الفكاهة يتعلَّق بالمتحدث، فإن معرفة الأهداف الضمنية تتعلق بالمتلقي أو المستمع. فعندما لا نكون متأكدين من أهداف مَنْ يتحدث معنا، سنمتلئ بالشك والقلق.
وذكر المدرِّب أن السلوكيات الأربعة مرتبطة جميعاً
بعد ذلك جرى الحديث عن مهارة التمييز بين الاختلاف والخطأ في اللغة، وذكر أنه عند الترجمة من لغة إلى أخرى، أو عند تعلم لغة جديدة، ثمة عناصر من اللغة الأم نجد أثرها في اللغة الثانية، وفي بعض الحالات تسمى هذه العناصر «أخطاءً» لأنها تتعارض تماماً مع قواعد اللغة الجديدة، وفي حالات أخرى تكون مجرد «اختلاف» فقط.
كيف؟ من تجربته في تعلم اللغة العربية، كان يقول (اثنين كرسي) بدلاً من (كرسيين) لأن هذه الصيغة هي التي تقوم عليها لغته الإنجليزية الأم، وهذه تسمى (لغة المتعلم الأصلية)، لكن في مثل هذه الحالة فإن الاختلاف لا يعيق التواصل كما أنه لا يظهر سوء فهم عند المستمع ولا يدل على خطأ.
سلوكيات قادة الأعمال اليوم
1 – سلوك الحوار الهادف
الحديث المنتظم مع الآخرين عن التوقعات ومناقشة الأداء والتطور.
2 – سلوك التمكين
منح الآخرين الصلاحيات والفرص اللازمة.
3 – سلوك التعاون
مساعدة الآخرين على تذليل العقبات.
4 – سلوك القرار
التزام الوضوح في التفكير الضروري لسلامة القرارات.
ولتوضيح الفكرة أكثر، قدَّم جملاً إنجليزية مترجمة حرفياً من اللغة العربية، موضحاً الفرق بين المعنيين، كما سرد مجموعة من المفردات الإنجليزية التي تختلف في الثقافتين البريطانية والأمريكية عن بعضها بعضاً، وأورد أمثلة من اللغة الإسبانية والفرنسية، سائلاً المشاركين العارفين بتلك اللغات توضيح معناها.
ما أراد إيصاله في هذا الجزء من ورشة العمل التدريبية، هو ما أشار إليه سابقاً من أن معرفة الأهداف الضمنية مهم في سياق أي حوار. وأن ثمة جُملاً صحيحة من ناحية القواعد في لغتها الأصلية، ولكنها تمثل عائقاً في الحوار ومن ثمَّ التواصل الفعّال.
وبالانتقال إلى جزء آخر من الورشة، أشار المدرِّب بيده إلى جملٍ ظهرت على شاشة العرض، مختلفة في تراكيبها ولكنها تحمل المعنى نفسه، في محاولة لإيضاح مفهوم المحتوى والوعاء الظرفي، ذاكراً أنه قد تكون جمل الحوار صحيحة من ناحية القواعد ولكنها ليست كذلك على مستوى المعنى، وفي هذه الحالة أيضاً قد يظهر الخطأ في التواصل. وهنا تكمن أهمية معرفة القواعد، حيث إننا قد نعرف اللغة بالحدس، لكننا لا نستطيع شرحها دون تعلُّمها. وهذا ينطبق على اللغة العربية التي تستخدم مفردات التذكير والتأنيث، مثلاً عند قولنا: «هذه سيارة» و«هذا كتاب».
إذاً من المهم في مجال التواصل عدم الحكم على الجُمَل من ظاهرها دون معرفة السياق، فالمثل الذي يُضرب دائماً في مجال الإعلام: «الكلب عض الرجل» و«الرجل عض الكلب»، كلاهما صحيح من ناحية قواعد اللغة، ولكننا نعرف أن الجملة تحمل معنىً حقيقياً واحداً.
التعبيرات الجسدية
وبعد أن أومأ برأسه في محاولة لإيضاح ما قد تدل عليه تعبيرات الجسد؟ سأل الحاضرين ما إذا كانت جميع ثقافات العالم تتفق مع هذا التعبير، لكونه دلالة على الموافقة؟ وقد كانت إجابة الجميع بالنفي، فالثقافات حتماً تختلف في تفسير التعبيرات الجسدية.
وقدَّم مثالاً آخر عن الإشارة بالأصبع لاستدعاء شخصٍ ما، سائلاً المشاركين ما إذا كان هذا تعبيراً مناسباً؟ وقد ردت إحدى الحاضرات بنعم، ثم استدركت بقولها إنه قد يكون سلوكاً ممارساً منذ زمن في المطاعم مثلاً، لكنه لم يعد كذلك الآن.
ومن خلال تمثيل عملي، علَّق المدرِّب بقوله إن تعبيرات الجسد مرتبطة بتفاوت سلطة كل من المتحاورين، فالإشارة إلى شيء ما يعتمد على السياق ومع من يرافقك، كما أن تعبير الابتسامة ليس تعبيراً منتشراً في جميع الثقافات العالمية كما يتُصور، فثمة ثقافات تفسِّر هذا التعبير على نحو مختلف! وعندما نلقي نظرة على نتائج بعض الأبحاث المتعلقة بتعبيرات الجسد، نجد أن التواصل غير لفظي في أغلبه، بل إن التواصل غير اللفظي يمثل في الحقيقة %80 من عملية التواصل بين الناس.
كان يقول (اثنين كرسي) بدلاً من (كرسيين) لأن هذه الصيغة التي تقوم عليها لغته الإنجليزية الأم، هذه الحالة تسمى (لغة المتعلم الأصلية)، وفي هذه الحالة فإن الاختلاف لا يعيق الفهم أو التواصل.
ولكن تعبيرات الجسد التي تستخدم في أنحاء مختلفة من العالم تختلف عن بعضها بعضاً، وفي بعض الحالات تكون متعارضة تماماً، فمثلاً أحد التعبيرات هو ضم أصبع السبابة مع أصبع الإبهام وتوجيه كف اليد إلى أحد الأشخاص. هذا يعني في الثقافة الأوروبية «الموافقة»، أو نوعاً من الرضا، وفي الثقافة اليابانية «مال» أو «الرجاء دفع المال!»، أما في الثقافة السعودية فيعني التهديد، وفي هذا السياق يذكر المدرِّب حكاية الطالب السعودي الذي أشار إليه معلمه البريطاني معبراً عن تهنئته ورضاه عن أدائه، الأمر الذي أدى إلى امتعاض الطالب لعدم معرفته بمعنى الإشارة!. تعبير آخر قد يُعد مغايراً تماماً وهو «هزّ الرأس» الذي يعني في أغلب المجتمعات الموافقة ويعني لدى بعض الثقافات «رفض» مثل الثقافة البلغارية.
مصادر متنوعة
استعان المدرب بمصادر متنوعة لتعزيز المفهوم المقدَّم في ورشة العمل، فذكر أن الحوار الهادف يتكون من خمسة عناصر، هي: الذكاء والعاطفة والتأويل والسرد ثم الحوار بوصفه نتيجة العناصر الأخرى، وهذه العناصر مجتمعة تمثل «صندوق الحوار»، وهو المصطلح الذي صاغه ديفيد كوان في كتابه «استراتيجية التواصل الداخلي: كيف يُبنى أداء الموظف والتزامه».
إذا بدأنا بالمكوّن الأول للصندوق وهو الذكاء، الذي يعني قدرتنا على أن نكون عقلانيين ونتبع طريقاً منطقياً للوصول إلى المعلومات واتخاذ القرار، إلا أن ثمة العديد من الحواجز التي تمنع الناس، رغم امتلاكهم العقل الذي يساعدهم على التفكير، من الوصول إلى النتائج الصحيحة، ومن هذه الحواجز الافتراضات المسبقة والتحيز، ومدى القدرة على الانتباه.
مدى ارتباط سلوك الحوار الفعَّال مع السلوكيات الثلاثة الأخرى؟
ولكي نفهم «صندوق الحوار» أكثر، فإننا نحتاج إلى النظر إلى دور العاطفة لنكمل هذه الدائرة، لأن التواصل مع الذكاء الواقعي أو العملي يمثل مشكلة في التواصل، فالناس والموظفون يتسمون بالعاطفة دائماً. وكما يقول المختصون إننا إذا استطعنا لفت انتباه الأفراد إلى أمور محدَّدة بعينها، سنساعدهم على تحديد أفكارهم، والتحكم بعاطفتهم. وتظهر ردة الفعل العاطفية بمجرد الحصول على المعلومات، سواءً أكانت مهمة أم غير مهمة. وتتفاوت ردة الفعل العاطفية حسب الموضوع كذلك، فقد تكون طويلة أو قد تستمر لثوانٍ فقط، ومن المهم معرفة كيف نتحكم بالعاطفة إذا أردنا معرفة التواصل الفعَّال، حيث إن إدارة الأفراد متعلقة بإدارة العواطف. والنقطة المهمة هنا أن العاطفة تحمل كثيراً من المعلومات ويستطيع القادة حلّ كثير من المشكلات من خلالها. كما أن إدراك حالة المتحدث وفهم مضمون حديثه والتعاطف معه، يتطلب الاستماع إليه ورؤية الأمر من وجهة نظره.
ومن أجل ربط الذكاء مع العاطفة، يأتي العنصر الثالث وهو تفسير المعلومات، بمعنى فهم ما هو المقصود من هذه المعلومات، إذ يميل الناس لرؤية الأحداث من وجهة نظرهم، التي لا تخلو من تحيز مسبق ووضع مسار شخصي للأحداث يبتعد عن الحياد والموضوعية.
فوائد الاتصال الفعَّال
• توضيح الأدوار والأهداف
• نقل المعرفة
• زيادة الإنتاجية والفاعلية الشخصية
• تعزيز التوافق والانسجام والتنسيق
• زيادة الدافعية
• صقل المهارات
• تأسيس علاقة سليمة بين الرئيس والمرؤوس
أما السرد باعتباره العنصر الرابع في «صندوق الحوار» فهو يعني تنفيذ ردة الفعل سواءً باتخاذ قرار أو تقديم رأي. وهكذا بدون هذه العناصر الخمسة للحوار، سيظهر سوء الفهم، وصعوبة التفسير، وعدم الوضوح. ويتعلَّق الأمر هنا بالاستجابة الفاعلة بين المرسل والمستقبل من أجل تحقيق فهم صحيح لسياق الحوار، إذ يتواصل الناس دائماً، ويتداولون عديداً من القصص مع بعضهم بعضاً، حيث يمكن لهذه القصص أن تعضد أو تضعف الروح المعنوية، مع الأخذ في الاعتبار وجود خط رفيع بين الوضوح والغموض.
ختاماً فقد طرح المشاركون عديداً من الأسئلة: إذ سأل أحد المشاركين عن مدى ارتباط سلوك الحوار الفعَّال مع السلوكيات الثلاثة الأخرى؟ وذكر المدرب أن السلوكيات الأربعة مرتبطة معاً. وقدَّم مشارك آخر تنبيهاً للمدرِّب عن موضوع اللفظ، واختلاف اللكنة، فمثلاً قد يكون المتحدث للغة الإنجليزية إسبانياً أو صينياً، تغلب على ألفاظه لغته الأم. وذكر آخر اختلاف اللغات وإسقاط بعض الحروف من لغة إلى آخرين، بينما علَّق آخر بأن الناس لا يستمعون بقدر ما يرغبون بالاستماع إليهم، فذكر المدرِّب أن الاستماع يعني التعاطف، وثمة فرق بين الاستماع والإنصات، وهذه نقطة مهمة. كما أن معرفة الشخص تُحدِّد مستوى الحوار وعمقه، كذلك فإن العلاقات والثقة مهمة قبل الحوار، وهذا ما يؤكد موضوع اكتساب حسّ الفكاهة ومعرفة الأهداف الضمنية.