خلال فصل الصيف، يصبح الحر في مدننا العربية كابوساً ثقيلاً يسلبنا الكثير من الشعور بالراحة ومن القدرة على أداء مهام حياتنا المختلفة. يلاحقنا في الشوارع وفي الأسواق وفي أماكن العمل، والمشكلة الأكبر أنه يلاحقنا حتى في المنزل .. المكان الذي يفترض أن نجد فيه أكبر قدر من الراحة. ورغم أن جهاز التكييف صار خلال السنوات الماضية شيئاً حيوياً في حياتنا، إلا أنه الآن أصبح عاجزاً عن أن يوفر لنا وحده جواً معتدلاً مريحاً داخل منازلنا. فما العمل لمواجهة حر الصيف والتخفيف من وطأته علينا؟
تؤكد هذه الدراسة التي شارك في إعدادها كل من المهندس علي بن عثمان الناجم، والدكتور إبراهيم بن سعد الجوير، ونبيل خمار، أن الاعتماد على التكييف، ورغم وصوله إلى الذروة، لا يشكِّل حلاً نهائياً ولا مثالياً. إذ أن مواجهة حر الصيف يجب أن تبدأ أساساً منذ المراحل الأولى لتخطيط المنازل والمباني.
تشير الدراسات المناخية إلى أن كوكب الأرض يشهد هذه السنوات أعلى معدلات لدرجات الحرارة في تاريخه. وكنا بتنا نعرف ظاهرة الاحتباس الحراري، التي تطل علينا أخبارها كل يوم في نشرات الأخبار والصحف والكتب وحتى الأفلام.
وهذا الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، يلحظه الناس في حياتهم قبل أن ترصده الدراسات العلمية، حين يقارنوا صيفهم الحالي، بالصيف الذي كان قبل عشر سنوات أو ربما أقل، والذي أصبحت حرارته أشد وأكثر إنهاكاً، وأصبح «التسلح» ضدها يحتاج إلى أجهزة تكييف أكبر وذات قدرات أعلى، مما كان يكفيهم في السابق.
من ناحية أخرى فإن زيادة معدلات النمو السكاني والعمراني، التي لا يصاحبها ارتفاع مماثل أو حتى مناسب في مصارد الطاقة ومواردها، أصبحت تشكل هاجساً يتعلق باليوم الذي لن نجد فيه ما يكفي من كهرباء لتشغيل أجهزة التكييف في منازلنا. الحقيقة أن الأمر يزيد عن كونه مجرد هاجس إذا عرفنا أن التكييف يحتل المركز الأول في معدلات استهلاك الكهرباء في معظم دول العالم. وتوضح الدراسات التي تتتبع استهلاك الطاقة في المملكة أن نسبة %66 من إجمالي استهلاك الكهرباء يذهب إلى تبريد المباني خلال شهور الصيف الحارة.
يشير الخبراء إلى أن السؤال حول تحقيق الجو المريح في منازلنا في فصل الصيف، يجب أن يذهب إلى مساحة أخرى بعيدة تماماً عن جهاز التكييف. إذ أن المشكلة تبدأ من الأساس بكون مساكننا أبعد ما تكون عن ملائمتها لطبيعة المناخ السائد في المنطقة. وبالتالي فإن الحل يأتي من إعادة النظر في المفاهيم العمرانية التي نتبعها في إنشاء وتصميم هذه المساكن، كي تصبح متماشية مع بيئتها، وليست معادية لها. وأن نعيد إبداع عمارة عصرية «أذكى» في خطوطها العريضة والتفصيلية، تتكون من عناصر تساعد في اندماجها وتكيفها مع بيئتها، بدلاً من العناصر التي تخلق مشكلات معها، ثم تعيينا بعدها في إيجاد الحل.
مراعاة العمارة لعنصر المناخ، والنظر إليه كأحد العوامل المهمة التي تؤثر في عملية التخطيط العمراني، جزء من مخطط أكبر لعمارة تراعي البيئة التي تحتضنها، بظروفها وخصائصها وطبيعة مواردها، وتندمج فيها بطريقة تتكامل معها وتثريها وتحفظها، وتحقق لساكنها أكبر قدر من الراحة، والظروف الصحية الملائمة.
لقد ارتبطت هذه العمارة «الخضراء»، في بدايتها كاتجاه عالمي، بأزمة الطاقة في السبعينيات، التي جعلت المعماريين يراجعون اتجاهات العمارة السائدة في تلك الفترة وما قبلها، ويتساءلون عن الحكمة من بناء مباني صندوقية محاطة بالزجاج والفولاذ تتطلب قدراً كبيراً ومكلفاً من الطاقة من أجل تدفئتها وتهويتها وتبريدها. هذا العنصر الاقتصادي الذي مثلته أزمة الطاقة، صاحبه عنصر آخر ساهم في تقويته هو «الصحوة» البيئية التي اجتاحت العالم في تلك الفترة، والتي مست كل أوجه النشاط الإنساني ومنها بالطبع النشاط العمراني. تشير الدراسات العالمية إلى أن المباني تستهلك سدس إمدادت الماء العذب في العالم، وربع إنتاج الخشب، وخُمسي الوقود والمواد المصنعة. وفي نفس الوقت تطلق نصف كمية غازات (البيت الزجاجي) الضارة. وتؤكد هذه الأرقام الهائلة أن عمليات إنشاء وتشغيل المباني بكافة أنواعها هي واحدة من أكثر الصناعات استهلاكاً للموارد الطبيبعة، وأشدها ضرراً على البيئة.
هذا الترابط مابين النشاط العمراني من جهة، والبيئة والاقتصاد من جهة أخرى، هو ما دفع مجموعة من المعماريين على مستوى العالم في بداية السبعينيات إلى العمل على استكشاف رؤى ومفاهيم معمارية جديدة تركز على العلاقة بين المبنى وبيئته. وإذا اعتبرنا أن السبعينيات كانت مرحلة استكشاف واختبار هذه المفاهيم، فإن الثمانينيات هي المرحلة التي تحول فيها هذا الفكر إلى اتجاه مهم في العمارة يعرف الآن بالعمارة المستدامة. والتي يعرِّفها المختصون بأنها العمارة التي تسعى إلى تلبية احتياجات الأجيال الحالية دون الإضرار بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها. وذلك عبر تصميم مباني تتعامل مع بيئتها بأعلى درجات الكفاءة و«الحكمة»، وتحقق أقصى معدلات الإفادة من الطاقة والمياه والموارد، سواء في عملية إنشائها أو في أنشطة الحياة اليومية لسكانها، وتنتج أقل ضرر ممكن على صحة الإنسان وسلامة البيئة.
المناخ.. غير قابل للعولمة
حين نتأمل التراث العمراني في بلادنا، نجد أنه ينتمي إلى طرز كانت تهتم بأن يكون نتاجها نابعاً من وعي كامل لخصائص بيئته، وحرص كبير على الاتساق معها. ولهذا فقد كانت طبيعة المناخ إحدى العوامل المهمة التي يراعيها المسكن العربي القديم. من دون اللجوء إلى آلات التبريد الصناعية، كان تصميم هذا المسكن يوفر لساكنيه الجو المعتدل. يحميهم من حرارة الشمس خلال ساعات النهار، في نفس الوقت الذي يسمح لهم بالاستمتاع بالنسائم الباردة خلال ساعات الليل. وهو مع ذلك لم ينتصر للوظيفة على حساب الذوق، ولم يغلب المضمون على الشكل. وإنما راعى الجمال والعملية معاً بالقدر نفسه، ولم يعرف الفصل بينهما.
كان المسكن العربي القديم يتفهم حاجات سكانه، ويحرص على توافقه معهم ومع بيئتهم. على عكس مساكننا الحديثة التي تتبع فكراً معمارياً قمنا باستيراد قوالبه الجاهزة كما هي، من دون البحث عن مدى ملاءمتها لنا. فقد تعاملنا مع مبادئ العمارة الغربية الحديثة وكأنها حقائق علمية لا تقبل النقاش، في حين أن العمارة أحد أوجه النشاط البشري التي لا يمكن تجاهل مكونها الثقافي، ولا يمكن عزلها عن السياق الفكري الذي خرجت من تحت عباءته. نظريات العمارة الحديثة هي نتاج ما توصل إليه معماريون غربيون رأوا أن نمط العمارة القديم لم يعد يلائم خصائص المجتمع الصناعي. ولهذا رغبوا في أن يقطعوا الصلة مع العمارة السابقة وتقاليدها. فتوصلوا إلى بناء كتل حجمية كبيرة وجرداء، بلا زينة أو زخارف أو أية ملامح من الجمال. وكانت المواد المفضلة لديهم هي الزجاج لواجهات المبنى، والفولاذ كدعامات خارجية، والإسمنت المسلح للألواح والدعائم الداخلية. وأصبحت المباني من ذلك الحين أحجاماً هندسية مكعبة تشبه الصناديق، تفتقر إلى الإنسانية، ومحملة بالكثير من البرود والحدة.
بعد كل هذه السنوات من اتباع نمط العمارة الغربية، وما سببته لمدننا من مشكلات، علينا أن نعيد النظر إلى هذا النمط من العمارة ، وأن نفهم أن النظريات التي قامت عليها العمارة الغربية الحديثة ليست نظريات قطعية، يتوجب على الجميع اتباعها. وإنما هي ردات فعل إنسانية على أوضاع وقواعد معينة، سادت في مكان ما، وفي فترة معينة من الزمن، ولا يمكن جعلها عالمية. لأننا لو سلمنا جدلاً أنه بات من الممكن عولمة الثقافات وطبيعة بناء المجتمع وصبها بسهولة في القالب الغربي، إلا أن المناخ عنصر لا يمكن عولمته مهما حاولنا ومهما بذلنا من جهد! ولهذا فإننا نحتاج إلى إعادة صياغة المفاهيم العمرانية في المدينة العربية لتحسين أدائها الوظيفي وقيمها الجمالية، وذلك بتقديم نموذج جديد للعمارة يجمع بين ما تميزت به عمارة الأمس من تكيفها مع المناخ والبيئة المحيطة وثرائها بالخبرة الإنسانية والجمال، وما تتميز به عمارة اليوم من استجابات لإيقاع الحياة العصرية ومتطلباتها، واتباعها لنظريات العلم الحديث وتقنياته.
عمارة الظل بدل لعمارة الشمس
عمارة المدن العربية المعاصرة تتعامل مع الشمس وكأنها عمارة مدينة من مدن الدول الأسكندنافية شديدة البرودة، أو كأنها صممت خصيصاً لتكون وحدات تجميع شمسية. وللتأكيد على أن هذا القول لا يتضمن مبالغة نشير إلى أن مركز شمال كارولينا للطاقة الشمسية (NCSC)، يوصي بتصميم الوحدات المستخدمة لتجميع الطاقة الشمسية، بحيث تكون أسطحها مستوية مكشوفة للشمس، وبعيدة عن أدنى قدر من التظليل. أليست هذه هي الصورة التي تلخص وصف الغالبية العظمى من مبانينا؟
وعلى العكس من ذلك، كان الظل من أساسيات تخطيط المدينة العربية، لأنه يضفي عليها الراحة والسكينة والجمال. فالمدينة العربية عرفت للظل قدره وأهميته، ولهذا، فإنها كانت تبحث دائماً عنه وعن كل العوامل التي يمكن أن تساعد على إثرائها به. لقد كانت الفكرة التي تستمد منها مبانينا تخطيطها وتصميمها تنطلق من الحماية من الشمس وتوفير الظلال، أما مدينة اليوم فعلى العكس تماماً، بدأت مسيرتها الحديثة وهي تحاول أن تتنصل من الظل وكأنها تحتمي منه أو تبحث عن الشمس وتنكشف لأشعتها من كل جانب.
تعاني مدننا العربية كثيراً من آثار عمارة الشمس. تلك العمارة التي ترتكز فلسفتها على ثلاث خصائص: التوجه نحو الخارج، والتعرض المباشر للشمس، وكثرة الفتحات الشفافة المعرضة للضوء. تطل مبانينا المعاصرة خارجياً على الشارع بحره وغباره، وتتميز بواجهاتها المسطحة المنبسطة تماماً أمام الشمس، والمنفتحة عليها بسخاء عبر فتحات ينفذ عبرها الضوء والحرارة إلى الداخل بحرية تامة. ولكي نتمكن من تصحيح هذا الوضع، علينا أن نتحول من المألوف الخاطئ، إلى الصحيح الذي كان مألوفاً. فتنتقل عمارتنا من نموذج عمارة الشمس، إلى نموذج جديد هو عمارة الظل، المعتمدة في فكرتها على جعل الظل هدفاً رئيسياً في التخطيط العمراني وفي تصميم المباني والمنشآت. والقائمة على التخطيط الذي يراعي توفير المساحات الظلية في ممرات وطرق المشاة وعلى الجدران الخارجية. وعلى التصميم الذي يراعي توفير هذه المساحات الظلية على فتحات النوافذ والأبواب والقشرة الزجاجية بشكل خاص والغلاف الخارجي للمبنى عموماً. ويكون ذلك باستخدام أية عناصر إنشائية أو معمارية مظللة، أو باستخدام كاسرات أشعة الشمس، أو حتى باستخدام المظلات أو الشجر.
توفير الظل
يتم توفير الظل في المباني السكنية والفيلات، عن طريق استخدام عناصر معمارية كالبروزات والتجاويف والمظلات التي تحيط بفتحاتها وتكسوها بطريقة تتباين بين المناطق المشمسة والمناطق المظللة، تاركةً لمسات جمالية تكسر السطحية والصندوقية التي تميز واجهات المساكن المعاصرة. ويجب أن يتم تصميم المبنى بحيث تتجه واجهاته نحو الظل. إذ أن أعلى شدة للإشعاع الشمسي الساقط في الصيف تحدث على الجدران الشرقية والغربية. وهذا النمط من الإشعاع الشمسي، يعني ضرورة تفضيل الاتجاهات الشمالية والجنوبية للواجهات الرئيسية، خصوصاً للنوافذ. أما الجدران الشرقية والغربية التي تستقبل أعلى قدر من أشعة الشمس وحرارتها، فيمكن الحد من قدرتها على امتصاص الحرارة بواسطة استخدام عناصر معمارية مظللة، أو طلائها بألوان فاتحة تعكس أشعة الشمس الساقطة عليها.
ويمكن معالجة المباني المكتبية بأسطحها الزجاجية المنفذة لأشعة الشمس، بجعلها تغور داخل عناصر المبنى كامتداد بلاطة السقف، أو باستخدام بروز من كاسرات أشعة الشمس الأفقية أو العمودية أو المركبة الخرسانية أو غيرها. أما المعارض التجارية والتي يستدعي تصميمها اتصال الداخل بالخارج وبالتالي استخدام مواد شفافة تبرز المعروضات مثل ألواح الزجاج، فيمكن أن تغور واجهاتها في مناطق مظللة. فتحل بذلك مشكلة انكشافها لأشعة الشمس، ونتمكن بالتالي من الاستفادة من الزجاج الذي يشكل أحد أهم عناصر العمارة الحديثة، وتوظيفه، من دون تحمل سلبياته.
تمثل الأبراج والمباني الضخمة ذات القشرة الزجاجية مساحة تطبيقية مهمة لعمارة الظل. وذلك من خلال تجزئة وتكسير القشرة إلى وحدات كتحويل الواجهة إلى مربعات كما في برج منظمات المدن العربية في الكويت، أو بتظليل القشرة بالكامل بكاسرات أفقية. ومن أفضل الأمثلة على توظيف عمارة الظل في الأبراج العالية برج الفيصلية في الرياض. حيث استخدمت فيه كاسرات الشمس الأفقية وبعدة أحجام ليكتسي البرج بأكلمه بالظل.
وتراعي عمارة الظل خلال مرحلة التخطيط إسقاط الظل بين الوحدات السكنية والمباني المختلفة، وعلى ممرات المشاة في الطرقات، أو بين مجموعات من المباني تضمها منشأة واحدة. وذلك بتغطيتها عن طريق استخدام عناصر معمارية، أو بواسطة مظلات مستقلة أو عناصر طبيعية كالأشجار. وبذلك يتم توظيف الظل في الممرات كما في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران التي تعد، في مجمل تخطيطها وتصميمها، مثالاً جيداً لعمارة الظل.
لقد غاب الظل عن مدننا وهي في أشد الحاجة لتنميته وتكثيفه في أركانها. ولن تتمكن من استعادته إلا عن طريق تطبيق وتفعيل قوانين التظليل في المشاريع العمرانية، وتشجيع استخدامها وتبنيها كمؤشر لجودة التصميم والتخطيط وكشرط لترخيص المشاريع. وحينها سنتمكن من الحد من التلوث الداخلي للمباني الذي يسببه الانغلاق والتكدس الحراري الناتج عن كثافة القشرة الزجاجية. وسنتمكن أيضاً من زيادة مساحات الجمال في أحياء المدينة وترقية ذائقتها المعمارية. وهذا ما تسعى إليه عمارة الظل التي تنقل عمارة الماضي بكل ثرائه إلى الحاضر بكل عطائه ونظرياته وتقنياته.
التبريد والتهوية الطبيعيين
وكما تقف فكرة عمارة الظل على الجسر الذي يربط التراث المعماري بالاتجهات الحديثة المعاصرة، تقف فكرة أخرى هي استخدام وسائل التهوية والتبريد الطبيعية في العمارة. كانت البيوت في الماضي تشيَّد بحيث تعتمد في تهويتها على التهوية الطبيعية، وكانت النسائم دائماً مستحبة، لأنها كانت الوسيلة الوحيدة للتبريد وكسح الهواء الساخن الراكد.
ويحفل تراثنا المعماري بالأدوات التي صممت للاستفادة من تبريد النسائم الطبيعي. وقد استوحت العمارة الحديثة هذه الأدوات، وعملت على تطويرها، وإعادة إنتاجها بأساليب تعتمد على التقنيات الحديثة، وبتصاميم عصرية جذابة لتقديم أنظمة تهوية وتبريد تعتمد على استغلال الهواء الخارجي، بعد تبريده طبيعياً، لخفض درجة الحرارة داخل المباني، ومن بدون استخدام الطرق الميكانيكية المعقدة التي تدار بالطاقة الكهربية مثل مكيفات الهواء المعروفة. ومن أهم هذه الأدوات الفناء وبرج التبريد الطبيعي.
يعتبر فناء المنزل أحد العناصر المعمارية التي شاع استخدامها في العمارة العربية القديمة، وهو يعبِّر عن واحد من أهم المبادئ التي راعتها تلك العمارة وهو مبدأ التوجه للداخل. إذ يتم بناء المسكن بحيث تتوجه فتحاته نحو الفناء الداخلي الذي يوفر الظل والهواء النقي المعتدل، على عكس مبانينا الحديثة التي تتوجه نحو الخارج حيث الشارع بحرارته وغباره وضجيجه.
ويوفر الفناء التهوية والتبريد الطبيعيين للمسكن، إذ يعمل كخزان تبريد يتجمع فيه هواء الليل معتدل الحرارة في طبقات، ثم ينساب إلى الحجرات المحيطة فيبردها. وفي الصباح تبدأ حرارة الهواء الذي تظلله جدران الفناء الأربعة وكذلك هواء الحجرات المحيطة في الارتفاع تدريجياً وببطء، ولذلك تظل حرارتها معتدلة نسبياً في الوقت الذي تغمر فيه أشعة الشمس أرجاء المسكن. ومع تقدم المساء يتصاعد هذا الهواء الدافئ إلى الأعلى ويحل محله هواء الليل الأكثر اعتدالاً في حرارته.
ويمكن زيادة فعالية الفناء عن طريق إتاحة مساحات واسعة من الظل خلاله. ويتم ذلك بعدة طرق منها زيادة ارتفاع المبنى المحيط بالفناء. فكلما زادت نسبة ارتفاع المبنى المحيط بالفناء إلى عرضه عند مستوى السقف، كلما قلت أشعة الشمس المتغلغلة إلى مستوى أرض الفناء. كذلك يمكن توفير الظل باستخدام عناصر معمارية كالسقوف البارزة أو البلكونات، أو استخدام أغطية السقف القابلة للانسحاب، أو اللجوء إلى عناصر التظليل الطبيعية كالأشجار.
أما فكرة أبراج التبريد الطبيعي، فهي تعتمد على واحدة من العناصر المهمة في التراث المعماري وهي الملاقف أو أبراج الهواء. في المباني القديمة في اليمن وعسير ودولة الإمارات، وفي إيران ومصر والسودان، نجد أبراجاً صُممت لتستقبل الرياح وتحولها إلى داخل البيت. فالهواء الساخن، وهو أخف من البارد، يتجه صاعداً إلى أعلى البرج، فيستدرج الهواء البارد إلى داخل البيت، لينشأ تيار مبرد «يكيف» المبنى بطريقة طبيعية. وكان البناؤون يجعلون واجهة برج التهوية في مقابل الشمال لاستقبال الهواء البارد الآتي من البحر المتوسط. وفي بعض الحالات كان سكان البيت يعلقون قماشاً مبلولاً في أعلى البرج، فإذا تبخر ماؤه ازدادت برودة النسيم الداخل. وكانت بعض الأبراج تزود بشبك من السلك الناعم أو الخشن لتنقية الهواء من الأتربة والشوائب والحشرات، والبعض الآخر كان يُزود بكميات من الفحم المحروق الذي يساعد على امتصاص الروائح الكريهة من الهواء.
وفي عصرنا الحاضر أدخلت العمارة الحديثة الكثير من التطوير على الفكرة، لتقديم نظام أبراج التبريد الطبيعي التي تعتمد على إدخال الهواء الساخن الجاف عبر فتحات ضيقة، إلى عنصر التبخير المسؤول عن خفض درجة حرارة الهواء، وبالتالي، ينساب الهواء البارد إلى أسفل البرج نتيجه زيادة كتلته، ليصل إلى الفراغ المراد تبريده.
ليس بإمكان أحد أن يشكك في مدى الكفاءة التي تتمتع بها نظم أبراج التبريد الطبيعي، وقدرتها على إحداث فارق حقيقي في درجات حرارة المباني التي تزود بها، خلال فصل الصيف الحار. وهو الأمر الذي أدى إلى اعتمادها في الكثير من التصاميم المعمارية الحديثة للأبنية السكنية في المملكة، بالإضافة إلى عدد من المنشآت مثل مبنى وزارة المعارف، ومركز التعمير الأول بمدينة الرياض. وفي مدينة دبي استخدم مجمع فندق مدينة الجميرة أبراج التبريد الطبيعي لإحياء فن المعمار التقليدي القديم على مقاس كبير، فقد كانت أبراج الهواء عنصراً أساسياً في مباني المدينة القديمة، حتى أن دبي كانت تبدو فيما ما مضى غابة من هذه الأبراج.
العزل الحراري
وخلال فصل الصيف تتدفق الحرارة الخارجية إلى داخل مساكننا، عبر الجدران والأسقف وكذلك عبر النوافذ وفتحات التهوية الطبيعية، فتتسبب في ارتفاع درجة حرارتها. ولذلك فإن أحد المبادئ التي تقوم عليها العمارة المتوافقة مع المناخ، هو مبدأ الفصل بين الجو الخارجي والجو الداخلي للمبنى، والحد من عملية التبادل الحراري بين الداخل والخارج، وهو ما يعرف بالعزل الحراري للمبنى.
يهدف العزل الحراري للمبنى إلى عزل غلافه الخارجي من هيكل إنشائي وحوائط ونوافذ وأبواب لتوفير نوعين من الحماية. الأول هو الحماية الإيجابية لحوائط وأسقف المسكن من أشعة الشمس المباشرة، والثاني هو الحماية السلبية لحوائط وأسقف المسكن من اختراق الحمل الحراري إلى داخله والتي تحدث عن طريق التوصيل الحراري نتيجة الفرق بين درجات حرارة الهواء خارج وداخل المسكن.
تعتمد فكرة العزل الحراري المبدئية على استخدام مجموعة مختلفة من المواد، تشترك في كونها مانعة لانتقال الحرارة (أو ما يطلق عليه المواد التي لها عامل توصيل حراري منخفض). مواد غير عضوية كالزجاج والاسبستوس والصوف الصخري، أو مواد عضوية مثل القطن وأصواف الحيوانات، والمطاط الرغوي أو البولي ستايرين أو البولي يوريثين. ويتم استخدام هذه المواد بإدراجها في الهيكل الخارجي للمبنى، أو عن طريق بناء الحوائط الخارجية للمبنى على هيئة حائطين مزدوجين تشغل المواد العازلة الفراغ الموجود بينهما.
لكن تحقيق العزل الحراري لمبنى ما بصورة كاملة ومتقنة يتطلب القيام بتجهيزات أخرى إضافية. إذ يجب الاهتمام بعزل السقف الأخير للمبنى، وكذلك عزل العناصر الإنشائية الخارجية مثل الأعمدة والكمرات والأعتاب. كما يجب تجهيز النوافذ بحيث تكون مزدوجة الزجاج ومزودة بحاجز خارجي يقلل من نفاذ أشعة الشمس الحارة إلى الداخل، بالإضافة إلى إحكام الفتحات الأخرى مثل فتحات التهوية والتكييف. كذلك يجب استخدام أبواب خارجية مزدوجة عبارة عن بابين بينهم مسافة لا تقل عن المترين، حتى لا تتسبب حركة الدخول والخروج من المنزل في السماح للهواء الساخن بالاندفاع للداخل.
يقدم العزل الحراري فوائد كبيرة حين تطبيقه. أهمها تحقيق الراحة لمستخدمي المنزل. فقد ذكر الكثير من السكان أن درجات الحرارة في منازلهم المعزولة عزلاً كاملاً انخفضت من 10 – 15 درجة في الصيف بالمقارنة مع منازلهم السابقة غير المعزولة. كما أن العزل الحراري يؤدي وبشكل ملحوظ إلى تقليل قيمة فاتورة استهلاك الطاقة الكهربائية على صاحب المنزل في فصل الصيف. إذ يقل الاعتماد الكلي على أجهزة التكييف لتوفير درجة حرارة مناسبة، ويسمح ذلك باستخدام أجهزة تكييف ذات قدرات أصغر، وبالتالي تقل تكاليف استهلاكها للطاقة. ويمتد هذا التأثير إلى خفض استهلاك الطاقة على مستوى الدولة، وتخفيف الضغط على أحمال شبكات ومحطات الكهرباء بها. وتشير الدراسات في هذا الصدد إلى أن تطبيق استخدام العزل الحراري في المباني السكنية والمنشآت الحكومية والتجارية والصناعية يقلل من استهلاك الطاقة الكهربائية بمعدلات قد تصل إلى %40. كما يعمل العزل الحراري على حماية المبنى من الإجهاد الحراري الناتج عن الفرق الكبير بين درجات الحرارة المرتفعة جداً في النهار، والمنخفضة نسبياً خلال فترة الليل. هذا التفاوت الذي يؤدي تعرض المبنى له باستمرار إلى اختلال في الخواص الطبيعية والميكانيكية لطبقة السطح الخارجي، وهو ما يتسبب في حدوث تشققات بها، وتصدعات وشروخ في هيكل المبنى.
إن العزل الحراري للمبنى هو تطوير لما كانت عليه العمارة القديمة من انتقائية في مواد البناء. فقد كانت جدران المنازل تبنى أساساً من طبقات سميكة من الطين المعروف بمقاومته العالية لنفاذ الحرارة، وكانت الأسقف المدعمة بالأخشاب، تتغطي كذلك بطبقات من الطين، لمنع حرارة الشمس من الدخول للمبنى عن طريق الأسقف والجدران. وإن كنا الآن لن نستطيع الاستغناء عن مواد البناء الحديثة التي تجمع الحرارة وتخزنها داخل المنزل، إلا أن عزلها حرارياً يسمح لمبانينا بالاستفادة من ميزاتها، في الوقت نفسه الذي يحد فيه من قصورها في الطريقة التي تتعامل بها مع حرارة الشمس.
وتتعدد الأسباب التي تقف خلف حاجتنا لعمارة جديدة متوافقة مع خصائص بيئتها ومناخها. وإذا كانت الأسباب التي تتعلق بالبيئة وبالاقتصاد هي أوضح هذه الأسباب، إلا أن الأمر يتعدى في حقيقته فكرة الحفاظ على البيئة، أو حفظ الموارد الاقتصادية التي ستصبح محدودة في يوم ما بالتأكيد. فحاجتنا اليوم لعمارة تتفق معنا، وتوفر لنا راحة العقل والجسد والحواس والروح، هي حاجة تمتد جذورها إلى مابعد هذه الأسباب «العملية». فمنذ أن عرف الإنسان معنى كلمة «البناء»، وهو يبني ما يعبر عنه.. عن فكره، وحاجاته، وتصوره لعلاقته بالعالم من حوله، مهما اختلفت خصائص حضارته، ومهما اختلف الحيز الذي يشغله على ظهر الأرض. أما اليوم فيرى المختصون ونرى معهم، أننا نعيش في مباني لا تفهمنا، صممناها من دون أن نفهمها. يقول المفكر والمؤرخ المعماري جيمس واينس إن القرن العشرين بدأ بمعماريين يستمدون إلهامهم من النهضة الصناعية التي تفجرت أمام أعينهم، فأصبح كل منهم يرى المبنى وكأنه آلة، ويسعى في تصميمه إلى أن تحاكي مبانيه رمز ذلك العصر.. المحرك. لكن إذا تفهمنا أن يكون المحرك مصدر إلهام معماريي عصر الإمبراطوريات الصناعية، فإن كونه مصدر إلهام مستمر لنا حتى الآن في عصر المعلومات والتكنولوجيا النظيفة والوعي البيئي، هو أمر عصي تماماً على الفهم.
تطبيق العزل الحراري
في المنزل السعودي
لقد مَّر أكثر من عقدين من الزمن على صدور الأمر السامي رقم 7/905/م في 12/4/ 1405هـ (6/3/1984م) الذي ينص على وجوب المحافظة على الطاقة الكهربائية وترشيد الاستهلاك باستخدام العزل الحراري في المباني التي سيتم إنشاؤها مستقبلاً لمرافق الدولة. كانت مباني القطاع العام هي المقصودة بهذا القرار، وقد قطعت شوطاً طويلاً في طريق تنفيذه، حتى أصبح العزل الحراري الكامل والصحيح في وقتنا الحالي من المسلمات لدى القطاع الحكومي. أما بالنسبة للقطاع الخاص فمازالت معظم مبانينا عامة، والسكنية منها خاصة، تشيد بدون عزل حراري.
يتطلب الأمر تضافر جهود عدد من الجهات الحكومية المعنية بالأمر، سواء أكان ذلك عن طريق إصدار القوانين أو اتخاذ إجراءات عملية تمثل حافزاً للمواطنين على تطبيق نظام العزل الحراري في منازلهم. ويشمل ذلك تخفيض تعرفة استهلاك الكهرباء للمباني المطبق بها العزل الحراري الكامل، وألا يطبق عليها نظام تعرفة شرائح الاستهلاك المتصاعد الحالي، أو رفع تعرفة استهلاك الكهرباء للمباني غير المطبق بها العزل الحراري الكامل.
كذلك لابد لوزارة الشؤون البلدية والقروية من إصدار نظام يضمن تنفيذ العزل الحراري الكامل للمباني السكنية، وذلك عن طريق عدم اعتماد أي مخطط لأي مبنى سكني لا يتوافر به العزل الحراري لكامل أجزاء الغلاف الخارجي للمبنى، وإلزام المكتب المصمم بتقديم ما يفيد بقيام المالك بتنفيذ ما يتعلق بذلك في المخططات المعتمدة. وكذلك عدم توصيل خدمات الماء والكهرباء لأي مسكن لا يقدم تقريراً موقعاً من المكتب المصمم يفيد الالتزام بالعزل الحراري.
فقد بات من الممكن اليوم التأكد من عزل أي مبنى حرارياً عن طريق استخدام كاميرات تعمل بالأشعة تحت الحمراء لقياس مدى تسرب الحرارة إلى داخل المبنى.
لماذا لم
يتطور التكييف؟
حتى أواخر القرن التاسع عشر، كان التحكم في خصائص الهواء مقصوراً على معالجة حرارته باستخدام وسائل بسيطة لرفعها أو خفضها. كانت المراوح تستخدم للتهوية، ولكنها لم تكن مفيدة في كل الأحوال. وكان استخدام الثلج هو الطريقة الوحيدة للتبريد. فكان الثلج يُصنع في المصانع المحلية، قرب مواقع استهلاكه، لأن وسائل نقله بعيداً من دون أن يذوب لم تكن متوافرة. وبالرغم من أن استخدامه الأساسي كان تبريد الطعام وحفظه من الفساد، إلا أنه كان دليلاً مبكراً على إمكانية «تصنيع البرد» باستخدام الآلات. لكن الأمر لم يصبح ممكناً قبل العام 1901م، حين قدم المهندس الأمريكي ويليس هافيلاند كاريير أول تصميم لجهاز التكييف كما نعرفه الآن.
استخدم كاريير نظرياته وخبرته العملية لتصميم جهاز يعتمد على سحب الهواء عبر مصافٍ، ثم تمريره على ملفات تحتوي على مواد مبردة. بعدها يتم توجيه الهواء البارد قليل الرطوبة إلى داخل الغرف، بينما يتم طرد الهواء الساخن للخارج.
وعلى الرغم من أن التعريف العام للتكييف كجهاز يستخدم لضبط الهواء بالتحكم في حرارته ورطوبته، لم يتغير منذ اختراعه وحتى أيامنا الحالية، إلا أن تكييف اليوم يوفر لمستخدمه مجموعة أخرى من المزايا. فبالإضافة إلى توفير آلية لضبط حرارة الهواء ورطوبته إلى المعايير المناسبة والمريحة، يتيح التكييف طريقة للتحكم في هذه الآلية بحسب رغبة المستخدم. ويكون هذا التحكم تحكماً دقيقاً وتفصيلياً، في المقدار وكذلك في المدة الزمنية التي تعمل خلالها. وبالنسبة لاستهلاك الطاقة فإن تكييف اليوم يتعامل بكفاءة أعلى مع الكهرباء، ويقدم ميزات أكبر في ما بتعلق بتكاليفه سواء أكانت تكاليف الشراء أو التركيبات أو تكاليف التشغيل والصيانة. كذلك فإن جمال الشكل و«عصريته» ليست ميزة هامشية، فالشيء المؤكد هو أنه أحد العوامل الهامة في اتخاذنا قرار شراء التكييف، وتفضيل إحدى الماركات على الأخرى.
يحاول تكييف اليوم أن يكون صديقاً للبيئة، فلا يستخدم مواد سامة في عملية التبريد، وتنخفض فيه معدلات انبعاث غازات البيت الزجاجي الضارة لأقل ما يمكن.
لكن تكييف اليوم مع كل ما يقدمه لنا، يبدو واقفاً في آخر الصف فيما يتعلق بالتطور التكنولوجي الذي يمس كل ملامح حياتنا المعاصرة. تكييف اليوم مازال آلة إنتاج للضجيج.. مازلنا نشعر بالارتياح والدهشة حين نوقفه عن العمل، فنكتشف في ظل الهدوء الذي ساد فجأة، حجم الضوضاء المزعجة التي كانت تحيطنا وقت عمله. تكييف اليوم مازال «جسماً غريباً» يفرض وجوده في كل غرف منازلنا. صحيح أنه أصبح أصغر حجماً، وأكثر أناقة وانسيابية، لكنه مازال هناك. يشغل حيزاً من جدران الغرفة، كان من الممكن أن يكون محفوظاً لعمل فني أو مرآة، أو قطعة أثاث أجمل من هذا «الصندوق» وأكثر عملية منه.
والغريب أن جهاز التكييف لم يبتعد خطوات كثيرة عن المبدأ القديم الذي يكون الدافع فيه إلى الابتكار هو حل المشكلات. فحتى في أكثر صوره عصرية، مازال التكييف يتبع مبدأ «الحاجة أصل الاختراع»، بينما يتبع التقدم التكنولوجي الآن مبدأ الاختراع الذي يخلق حاجات جديدة.. حاجات جديدة لمستويات أعلى من الراحة والرفاهية والوفرة والسهولة في حياتنا.
لماذا لم يصبح التكييف في منازلنا وحدات صغيرة متصلة، تتم زراعتها وسط هيكل المنزل، ويصلنا هواؤها البارد المريح عبر قنوات، أو فتحات خفية في السقوف والجدران؟ لماذا لم يصبح نظاماً أكثر كفاءة، يقوم بتوزيع الهواء بطريقة متجانسة في كل أرجاء الغرفة، فلا نضطر للجلوس «في حماه» في الأيام الحارة، ويخرج منه الهواء منساباً، وليس مندفعاً في وجوهنا كما يفعل الآن؟ أو لماذا لم يصبح نظاماً «أذكى» يعرف احتياجات أهل المنزل من درجات الحرارة والرطوبة للهواء، عبر أجهزة قياس دقيقة. أو حتى لماذا لم يصبح نظاماً أكثر رفاهية، يقدم الهواء لغرف المنزل محملاً بعطور، يختار صاحبه نوعها حسب ذوقه وحالته؟
يقول الخبراء إن الأمر يصبح أكثر تعقيداً حين يتعلق بالتكييف، عنه في حالة الأجهزة الأخرى التي نستخدمها في منازلنا. فأداء التكييف لا يعتمد فقط على الأداء الميكانيكي لأجزائه المختلفة، وإنما يعتمد وبالقدر نفسه على هندسة النظام ككل التي تترتب بواسطتها الأجزاء الميكانيكية المختلفة، بالإضافة إلى القنوات والأنابيب والوصلات ومخارج ومداخل الهواء وغير ذلك من لواحق. وبالتالي فإن تقديم أنظمة تكييف متطورة، يحتاج إلى أكثر من التطوير في الآلات المستخدمة لتركيبه. إذ أنه من الضروري أن يصل هذا التطوير إلى الطريقة التي ترتبط بها هذه الآلات لتكوين نظام التبريد بأجزائه ومراحله المختلفة. وتطوير الآلات وحدها لن يساهم بالكثير في تطوير التكييف، فحتى مع استخدام أحدث الأجهزة وأفضلها، فإن النظام ضعيف التصميم، سيستمر في تحقيق نتائج غير مرضية.
ربما يحمل هذا التفسير قدراً كبيراً من المعقولية، لكنه لا يقدم لنا الإجابة الكاملة. إذ أن الأمر يظل محيراً حين نجد أن التكنولوجيا التي نجحت في تصميم نظام لنقل المعلومات عبر كل أنحاء الكرة الأرضية، عاجزة عن تصميم نظام فعال ومريح لنقل الهواء البارد بين غرف منازلنا.