حياتنا اليوم

الناس والثقافة
انظروا إليها .. بحسٍّ حـر

  • Arts-01

يبحث الناس عن أعمال فنية لمنازلهم ولغرف جلوسهم وطعامهم، لكن قلة منهم يمتلكون الشجاعة الكافية لارتياد صالة للرسم – الجاليري – وإتخاذ قرار اقتناء لوحة ودفع ثمنها.

فلماذا يتردد الناس أمام هذه الدعوة المجانية لنزهة بين أعمال الفن الجميلة ؟ ولماذا نجد الكثيرين منهم حائرين في أمر اللوحة التي يرغبون في امتلاكها ثم يلجؤون إلى صديق “عارف” لنجدتهم من حيرتهم في فن ليس كباقي الفنون، الشعر أو الموسيقى أو غيرهما.

لقد تعرض فن اللوحة، إذا جازت التسمية، في العصر الحديث إلى تقلب مفاجئ جعل بينه وبين الناس مسافة. وأسهم في هذه الإشكالية طرفان: جاليريات الرسم وتجاره من جهة، وتيارات الفن المعاصر والفنانون من جهة أخرى. أما صالات العرض وتجاره فقد أسروا الفن ضمن أجواء مخصصة للصفوة المقتدرة. وأصبحت صالة الفن (الجاليري) حكراً على هذه الصفوة
لا يتجرأ على دخولها سوى من في محفظتـه ما يكــفي لاقتنــاء لوحات مبالغ بأسعارها. وكم من مار بريء يقف أمام الجاليري الأنيق يتفحص اللوحات المعلقة عن بعد ثم يكمل طريقه مسرعاً.

أما الفن المعاصر فقد غيّر مفهوم اللوحة بسرعة شديدة وبمعزل عن الناس، وهذا ما جعلهم عاجزين عن مجاراتها، فاللوحة التي كانت في نظر الناس أشجاراً وزهوراً ووجوهاً جميلة أصبحت مجموعة من الأشكال الغامضة يصعب التعرف عليها. والمسافة تضاعفت حين طُرحت هذه اللوحة بأنها تحمل معاني بعيدة عن المتذوق:”أيها الواقف أمام لوحتي هل تفهم رسالتي، لا بل هل تفهم لغزي؟”هذا السؤال أصبح في نظر المشاهد أشبه بالامتحان الصعب وأبعد الناس عن اللوحات وألغازها. وبقدر ما خسر الناس في أن يكون لهم فن ، خسر الفن (فن اللوحة) في أن يكون له جمهور بالمعنى الحقيقي والواسع للكلمة. من هنا أصبحت الدعوة لمعرض لوحات في جاليري تحمل في طياتها تخوفين:
الأول: الظهور بمظهر من ليس لديه القدرة على التذوق وفهم الفن، والثاني: من ليس لديه الاستعداد للشراء !

لكن الفن بحاجة للناس والناس بحاجة للفن، والمطلوب شجاعة من الطرفين. وإذا كان الفنان يحتاج دائماً إلى الشجاعة الفنية للحكم على أعماله بحس سليم، فالمطلوب اليوم من الناس أيضاً امتلاك الشجاعة الفنية للنظر إلى اللوحة بحس حر كمجرد أشكال وألوان. ودخولها إلى النفس هو في النهاية المقياس الأول والأخير للاختيار، فاللوحات – واقعية كانت أم تجريدية – يجب أن تحاسب بالمنظار نفسه، أن تكون جذابة للنظر، تدفع إلى التأمل فيها وتشبع النفس والروح.

اتركوا اللوحة تدخل إلى النفس (أو لا تدخل) دون تحدي الفهم. الحكم على الفن للحس أولاً، للعين
لا للعقل، وللتأمل لا للتحليل، وللبصر قبل البصيرة.

أضف تعليق

التعليقات