المثلّث… من أبسط الأشكال الهندسية التي حرّكت مخيلة البشر منذ فجر الحضارة.
درسه علماء الرياضيات، فأنشأوا المعادلات، وخطّوا الخطوط، وقسَّموا الزوايا ووضعوا القوانين.
ولكن المثلث تفلَّت من أيدي علماء الرياضيات، ليفرض حضوره على كافة أوجه الحضارة الإنسانية وإبداعاتها المختلفة، بدءاً بالأساطير وصولاً إلى فن العمارة القديمة والحديثة مروراً بالفلسفة والآداب والفنون والتصنيف والتسمية.
فأية أسرار يكتنزها المثلث البسيط بين أضلاعه الثلاثة؟
فريق القافلة يستطلع في هذا الملف ماهية هذا الشكل الهندسي، وإشعاعه بكل ما في الإشعاع من تطبيقات وانعكاسات وتأثيرات على مختلف أوجه المعارف والمنجزات الإنسانية.
المثلّث واحد من الأشكال الهندسية الأساسية، يتألف من ثلاثة أضلاع تشكِّل بالتقائها ببعضها ثلاث زوايا. هذا هو تحديده الهندسي البسيط.
ولكن، بلغة أخرى، يمكننا أن نقول إنه حيثما كانت هناك ثلاث نقاط ليست على خط مستقيم، فإنها تشكِّل مثلثاً محدَّد المسطح. وبإبدال النقاط الهندسية بمعناها النظري الدقيق، بأشياء أخرى، يمكننا أن نحصل على مثلثات من ألف نوع ونوع في كافة حقول المعارف والمعطيات النظرية والذهنية منها والمادية الملموسة أيضاً.
ثلاثة أضلع وثلاث زوايا (وبالتالي ثلاث قمم).. تحتِّم علينا البدء بتناول العدد ثلاثة، لعلَّ فيه ما يساعد على تفسير بعض الغموض الذي يلف كثرة التطبيقات التي يحظى بها المثلث في كل ما من حولنا
.
مع العدد 3 أولاً
يمثل العدد 3 بداية «الكثير»، أي أقلّه. فالواحد والاثنان قليلان. أما ثلاثة فكثير. ولعل اللغة العربية هي خير معبِّر عن هذا الفرق. فالعدد 1 هو مفرد وله قواعده الخاصة به، وللعدد 2 قواعده اللغوية الخاصة به (المثنَّى). أما مع العدد 3 فتتبدَّل قواعد اللغة لتبدأ صيغة الجمع الخاصة بكثير.
في علم المسطحات، لا يمكن تحديد أية مساحة دون ثلاث نقاط على الأقل. ولا يمكن قياس أي حجم من دون معرفة ثلاثة أطوال: الطول والعرض والارتفاع. و«البُعد الثالث» هو ما يضفي على المسطح حجماً وعمقاً.
وبسبب مرتبته هذه في الإشارة إلى «أقل الكثير»، يحضر العدد 3 في أشياء لا حصر لها ولا صلة بينها. بدءاً بعدد الآلهة الوثنية عند البابليين، وصولاً إلى التأكيد في لغة العامة اليوم عندما نسمع أحدهم يكرر كلمة ثلاث مرات توكيداً وإصراراً، مثل «كفى، كفى، كفى..» أو «لا، لا، لا..»، إضافة إلى اعتماد العدد 3 في اختزال تصنيف أمور وأشياء كثيرة مختلفة.
من أبسط ما في اللغة إلى الفلسفة
ففي اللغة العربية مثلاً تتألف الجملة الفعلية البسيطة من ثلاث كلمات: فعل وفاعل ومفعول به.
وفي السياسة تنقسم بعض الحكومات إلى مستويات ثلاث: الحكومة المحلية، حكومة المقاطعة أو الولاية، ثم الحكومة الاتحادية كما هو الحال في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا والهند وغيرها. وفي أنظمة سياسية أخرى تتوزَّع السلطات إلى ثلاث فئات: السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية. حتى في الاتحاد السوفياتي السابق الذي قام على صيغة سياسية خاصة به، نراه قد حكم منذ العام 1953م، بما عُرف عالمياً باسم «الترويكا» التي كانت تضم القيادات السياسية الثلاث الأعلى في البلاد.
وفي فلسفة التاريخ، وهي الفلسفة التي تحاول أن تفسِّر أسباب ما يحدث من تطور في تاريخ الشعوب، يحتل العدد ثلاثة (أو المثلث) مكانة الصدارة في أكثر من نظرية فلسفية.
فالمؤرِّخون يقسِّمون تاريخ كل حضارة على حدة على ثلاث مراحل: التخلف والنهضة والانحطاط. وفي فكر مؤسس علم الاجتماع عبدالرحمن بن خلدون مثلاً، فإن توالي العصبيات على الحكم إنما يحدث في القاعدة العامة، كل ثلاثة أجيال. وقد فسَّر قوله هذا في بعض نصوص «المقدمة»، حيث عزا ظهور العصبيات وتلاشيها إلى الشدة التي يحتاجها الجيل الأول ليتمكن من الحكم، ولكن ما يتبع ذلك لاحقاً من رخاء يؤدي إلى الترهل وتراخي قبضة الحُكم ومن ثم زوال العصبية.
مثلث النار
«مثلث النار» هو الاسم الذي يُطلق على العناصر الثلاثة الضرورية لإشعال النار. وهذه العناصر هي الحرارة والوقود وعامل أكسدة (غالباً الأوكسجين). فما من اشتعال أو حريق يمكن أن يحدث إلا بتوافر هذه العناصر مجتمعة. كما أن إطفاء النار لا يتطلب سوى إلغاء عنصر واحد من هذه العناصر الثلاثة. فمن دون حرارة، لا يمكن للنار أن تستمر مشتعلة. ونجاح الإطفاء بالماء يعود إلى أن تبخره يمتص حيزاً كبيراً من الحرارة المرتفعة، فتنخفض بسرعة إلى مستويات غير كافية لاستمرار الحريق.
ومن دون الوقود ينطفئ الحريق. ويمكن عزل الوقود بطرق كيميائية وميكانيكية ويدوية. ومن الأمثلة على ذلك مثلاً «الحرائق المسيطر عليها» في إطفاء حرائق الغابات. حيث يقوم الإطفائيون بإحراق مساحات محدودة عند أطراف الحريق الكبير لمنع تقدم النار باتجاه الأماكن المأهولة مثلاً.
ومن دون عامل أكسدة (الأوكسجين) لا يمكن للنار أن تندلع أساساً ولا أن تستمر. وبتخفيض كثافة الأوكسجين في الجو تخفت النار تدريجاً. ويمكن عزل الأوكسجين عن الوقود بعناصر عديدة مثل ثاني أوكسيد الكربون (الموجود في المطافئ) أو ببطانيات الإطفاء.
المثلث في الهندسة
المعروف أن مجموع الزوايا الثلاث الداخلية في المثلّث، هو 180 درجة، لا تزيد ولا تنقص. فإذا زادت زاوية من الزوايا، نقصت حصة الزاويتين الأخريين ليبقى المجموع 180 درجة.
ومن المثلّثات ما له ضلعان متساويان، وتكون له بالضرورة زاويتان متساويتان أيضاً. وثمة مثلّث متساوي الأضلاع الثلاثة، وله خصائص يمتاز بها هندسياً على المثلّثات الأخرى. ومنها أن زواياه الثلاث متساوية. وإذا كان لمثلّث زاوية قائمة، سُمّي المثلّث القائم. وللمثلّث القائم خصائص هندسية أيضاً يعرفها المهندسون ودارسو علم الهندسة في المدارس الثانوية. وعلى هذا المثلّث القائم، أنشأ محمد بن موسى الخوارزمي علم المثلّثات، المسمى باللغات الأوروبية: لوغاريتم. والكلمة محرّفة من اسم الخوارزمي. وهذا العلم يدرس علاقة الزوايا بالمسافات، وعليه يستند علم المساحة في الأعمال الهندسية والبناء وشق الطرق وإقامة السدود وما إلى ذلك.
لمحبي الرياضة الذهنية
مثلث بيتاغوراس العجيب
منذ أكثر من 2500 سنة حدث اكتشاف عجيب يتعلّق بالمثلثات. صاحب الاكتشاف، كان اسمه بيتاغوراس، العالم الإغريقي.
فقد أثبت فيما يسمّى «نظرية بيتاغوراس»، أن المثلّث، حين تكون إحدى زواياه قائمة (أي من 90 درجة، ويسمّى حينئذ مثلثاً قائماً)، وحين نرسم ثلاثة مربعات أضلاعها هي أضلاع المثلث الثلاثة، فإن مساحة أكبر المربعات، تساوي مجموع مساحة المربعين الآخرين.
لننظر في الرسم: المربع A B C، حيث الزاوية القائمة هي الزاوية A، وحيث الوتر، أي الضلع المقابل للزاوية القائمة هو الضلع B C. فتكون المساحة التي ضلعها B C، مساوية لمجموع المساحتين للمربعين اللذين ضلعاهما: A B، وA C.
لنرسم مثلثاً قائماً على سبيل المثال، طول وتره 5 سنتمترات، وطول ضلعيه الآخرين 4 سنتمترات و3 سنتمترات على التوالي. ولنرسم مربعات ثلاثة، على الأضلاع الثلاثة. ماذا نجد؟
مساحة مربع الوتر (5 سنتم) تساوي: 5×5 = 25 سنتمتراً مربعاً
مساحة مربع الضلع الكبير (4 سنتم):4×4 = 16 سنتمتراً مربعاً
مساحة مربع الضلع الصغير (3 سنتم):3×3 = 9 سنتمترات مربعة
ونلاحظ أن مجموع المربعين الصغيرين، يساوي 25 سنتمتراً مربعاً أي مساحة المربع الأكبر.
يقول المؤرخون، إن هذه النظرية كانت معروفة لدى البابليين والفراعنة وقدامى الصينيين، لكن بيتاغوراس أثبت النظرية بالتحليل الهندسي.
ولكن ما فائدة هذه النظرية؟
إذا كان المثلث قائماً، وكنا نعرف طولي اثنين من أضلاعه الثلاثة، فيمكننا أن نحسب طول الضلع الثالث. فلنأخذ مثالاً على هذا:
المثلث A B C، زاويته القائمة هي A. وطول الضلع A B هو 5 سنتمترات، والضلع A C هو 12 سنتمتراً، فكم يبلغ طول الوتر؟
تربيع الوتر =
(5×5) + (12×12) = 25 + 144 = 169
طول الوتر = الجذر التربيعي من 169 = 13 سنتم.
ويعرف المهندسون والرياضيون كم مرة يستعينون بهذه النظرية، من أجل حل مسائلهم الهندسية بالحساب. والمعروف أيضاً أن علم اللوغاريتم، الذي أنشأه العالم الكبير الخوارزمي، يستند في الأصل إلى المثلثات القائمة. واللوغاريتم تكاد تستحيل فوائده العلمية على الحصر والإحصاء في الهندسة والمساحة وعلوم الفضاء والطيران.
الدلتا
الـ «دلتا» هي رابع حرف في الأبجدية اليونانية ويُرسم على شكل مثلث متساوي الضلعين قمته إلى الأعلى. ومصدر هذا الحرف هو الحرف الفينيقي «داليت» الذي يُرسم على صورة مثلث أيضاً قمته إلى اليسار، ويستخدم هذا الحرف بشكل خاص كرمز في الرياضيات والعلوم للإشارة إلى التغيرات القليلة جداً. إضافة إلى استخدامات عديدة ومختلفة تصل إلى الكتابة الاختزالية في المحاكم حيث يشير هذا المثلث إلى «الدفاع».
الدلتا النهرية
وفي الجغرافيا يُطلق اسم «الدلتا» على الأرض التي تكون غالباً مثلثة الشكل عند مصبات الأنهار الكبيرة.
والواقع أن هذا الاسم أطلق أولاً على دلتا النيل، حيث ينقسم هذا النهر إلى فرعين قبل أن يصب في البحر الأبيض المتوسط. ومن ثم صار يُطلق على مصبات نهرية ليست مثلثة بالوضوح الذي يميِّز دلتا النيل.
وتتشكَّل الدلتا عادة عبر ملايين السنين من ترسب الطمي الذي يحمله النهر عندما يهدأ جريانه بفعل وصوله إلى البحر. وأحياناً تكون هناك أكثر من دلتا واحدة عند المصب، كما هو الحال في مصب نهر المسيسيبي في أمريكا، أو في بنغلاديش التي تتشكَّل منطقتها الساحلية الكبيرة من مجموعة هائلة من «الدلتا». ومن أشهر الدلتا في العالم إضافة إلى النيل، دلتا نهر النيجر في إفريقيا ودلتا الميكونغ في شرق آسيا.
المثلث في فن العمارة
من أهرامات مصر إلى برج خليفة
ترتبط الهندسة الإقليدية وفنون العمارة بصلة قُربى متينة إلى درجة أن الثانية تسمَّى أيضاً الهندسة المعمارية. وإن بدا لوهلة أن المربع والمستطيل هما الشكلان الهندسيان الأكثر حضوراً في فنون البناء، فإن التدقيق، ولو قليلاً، يؤكد فوراً أن المثلث حاضر بقوة في هذا المجال، ولطالما لعب دوراً عجزت عنه الأشكال الهندسية الأخرى.
ظهر المثلث في فن العمارة قبل كثير من العناصر المعمارية الشائعة مثل القوس والقبة والأسطوانة. ومعظم المثلثات في البناء هي إما متساوية الأضلاع أو متساوية الضلعين، لأن تناسقها يساعد على توزيع عادل لثقل مادة المبنى على القاعدة العريضة.
الأهرامات المصرية
تشكِّل أهرام الجيزة واحداً من أقدم الأمثلة على عبقرية استخدام المثلث في البناء، فهذه الأهرامات لا تزال في بعض جوانب بنائها لغزاً يحير العلماء ومصدر فرضيات عديدة. ولكن المؤكد فيها هو جدوى استخدام المثلث.
فلو أخذنا الهرم الأكبر، هرم خوفو، وهو الوحيد الباقي من عجائب الدنيا السبع القديمة، والذي ظل لنحو ألف وأربعمائة سنة أعلى مبنى في العالم (كان ارتفاعه عند بنائه 146.5 متر، أما الآن فيبلغ 137 متراً)، لوجدنا أنه يتكون من نحو 1,300,000 كتلة صخرية يراوح 
وزن الواحدة منها ما بين 2.5 و15 طن. ومثل هذا الحمل الهائل كان يتطلب حلاً لكي يتوزع بشكل متساوٍ على الأساس.
في هرم خوفو، كما في باقي الأهرامات الكبرى المجاورة له، تشكلت الواجهات الأربع من أربعة مثلثات متساوية الأضلاع، شيِّدت فوق قاعدة مربعة، فإضافة إلى أن معظم الوزن يكون في القاعدة ويأخذ في التقلص كلما ارتفع البنيان، فإن المثلثات الثقيلة تسند بعضها بالتساوي والتناسق، بسبب ارتفاعها بزاوية 60 درجة عن سطح القاعدة. وهذا ما منح الأهرامات قدرتها على مغالبة الزمن لأكثر من أربعة آلاف سنة، حتى أن محاولات هدم الأهرامات قديماً للاستفادة من حجارتها باءت كلها بالفشل، كما حصل أيام العزيز عثمان، ابن صلاح الدين، الذي اقتصرت آثار جهوده على إلحاق أضرارٍ طفيفة بهرم منقرع.
المثلثات الذهبية
في دول عديدة من العالم يطلق اسم «المثلث الذهبي» على منطقة أو أحياء من مدينة لاعتبارات عديدة لا شيء مشترك بينها غير الثراء.ففي فرنسا، مثلاً، كان اسم المثلث الذهبي يُطلق على منطقة من باريس تحدها ثلاثة شوارع رئيسة هي الشانزليزيه وجادة مونتان، وجادة جورج الخامس، حيث تتجمع أفخر الفنادق والتجارات وأغلى الخدمات. ولكن الاسم انتقل في العقدين الماضيين إلى جزء من الضاحية الباريسية (الإيفلي)، بسبب إقامة كبار الأثرياء من سياسيين ومديري شركات ونجوم الفن فيها.
أما في جنوب شرق آسيا، فيُطلق اسم «المثلث الذهبي» على منطقة تبلغ مساحتها نحو 950,000 كيلومتر مربع وتضم زوايا حدودية من ميانمار (بورما سابقاً) وتايلند واللاوس، وذلك بسبب زراعة الأفيون الرائجة فيها منذ عشرينيات القرن الماضي. ويعود إطلاق اسم «المثلث» على هذه المنطقة لأن حدودها هي فعلاً شبه مثلثة، يرسمها التقاء نهري الميكونغ ورواك.وفي الهند يطلق اسم المثلث الذهبي على المدن الثلاث التي تستقطب العدد الأكبر من السياح، وهي نيودلهي وجايبور وأغرا (حيث يوجد تاج محل). فبسبب قربها النسبي من بعضها البعض، ووقوعها كلها في شمال غرب البلاد، فإن السياحة إلى واحدة منها تحفز السياحة إلى المدينتين الأخريين.وفي عدد من الولايات والمدن الأمريكية توجد «مثلثات ذهبية»، إما بسبب تجمع الأثرياء فيها، وإما بسبب كونها مصدراً للثراء، كما هو حال واحد في كاليفورنيا يشير إلى منطقة غنية بالذهب، أو آخر في تكساس يضم آبار نفط.
في الحضارتين اليونانية والرومانية
إ
نْ انتصر المصريون في أهراماتهم الكبرى للمثلث المتساوي الأضلاع، ففي النوبة والسودان عدد من الأهرامات الصغيرة التي بُنيت بمثلثات متساوية الضلعين. ولكن كان على هذا النمط الثاني من المثلثات أن ينتظر الحضارة اليونانية (ومن ثم الرومانية) ليصبح جزءاً أساسياً من عناصر العمارة فيهما.
فالصورة النمطية للمعبد اليوناني والروماني، وحتى أي مبنى ضخم شيّد للمنفعة العامة، تُظهر واجهة من أعمدة مرصوفة إلى جانب بعضها يعلوها مثلث متساوي الضلعين، غالباً ما كان يُزخرف بمنحوتات ذات صلة بدور المبنى أو وظيفته (البارثينون في أثينا، والبانتيون في روما مثلاً). والمثلث في هذا النمط الكلاسيكي من البناء الأوروبي هو ضرورة لأمرين: جمع الأعمدة إلى بعضها بحمل موزَّع بالتساوي عليها، وأيضاً ليشكِّل الواجهة الأنيقة للسقف الذي يكون في بعض الأحيان مؤلفاً من سطحين مائلين يسندان بعضهما، بحيث يكون مقطعهما مثلثاً.
ولاحقاً، وطوال القرون الوسطى وحتى عصرنا هذا، فإن الأسقف المائلة بدرجات وأنماط مختلفة، وتشترك كلها فيما بينها بأن مقاطعها هي مثلثات، أثبتت جدواها في البلدان الشمالية على صعيد التخلص بسرعة من مياه الأمطار والثلوج، وصارت عنصراً شبه ثابت من عناصر العمارة التقليدية خاصة في المناطق الماطرة أو المثلجة أكثر من غيرها.
وشهد القرن الثامن عشر والتاسع عشر عودة إلى استيحاء العمارة اليونانية والرومانية عرفت باسم النيوكلاسيكية، فبُنيت صروح كبرى في أوروبا وأمريكا على هذا الطراز الذي تختصر صورة واجهته بأعمدة يعلوها مثلث، من مباني ساحة الكونكورد في باريس إلى مبنى الكابيتول في واشنطن مروراً بقصر باكنغهام في إنجلترا.
في الهياكل المعدنية
وشهد فن العمارة في القرن التاسع عشر دفعاً كبيراً إلى الأمام بتطوير هندسة البناء بالحديد.
صحيح أن الهياكل الحديدية كانت قد ظهرت في مطلع ذلك القرن، إذ تم تدشين «جسر الفنون» عام 1804م. ولكن هذا الجسر المؤلف من تسعة أقواس كان ضعيفاً، وخاصاً بالمشاة فقط. وكان على الهندسة بالحديد أن تنتظر غوستاف إيفل باني برج إيفل الشهير لتؤكد جدواها والآفاق التي يمكن أن تصل إليها.
إن من يتطلع إلى برج إيفل يشاهد هيكلاً معدنياً يقوم على أربعة أقواس، حتى أن حوافه تبدو بدورها أقواساً تلتقي عن قمته. ولكن الواقع هو أن إيفل حلَّ مشكلة الوزن الثقيل، بتقسيم المربعات في الهيكل إلى مثلثات داخلية. وهذه المثلثات هي التي تحمل وزن ما فوقها وتوزعه على المثلثات التي تحتها. أما الأقواس الأربعة الكبرى في الدور الأول من هذا البرج، فقد أضيفت إليه لاحقاً لاعتبارات تزيينية وجمالية فقط. أي أن لا دور هندسياً لها.
وبسرعة تطوّر استخدام الهياكل المعدنية المصنوعة من مثلثات ثلاثية الأبعاد، أي بناء المثلثات بشكل أهرام متلاصقة ذوات قواعد مثلثة، بحيث تشكِّل واجهة كل هرم قاعدة لهرم مشاب. وأثبتت هذه الهياكل جدواها لخفتها من جهة، ولقدرتها على حمل أثقال كبيرة فوقها. فشاع استعمالها في البناء مثل مركز جورج بومبيدو الثقافي في باريس، وأيضاً في المعدات الصناعية، حيث الأوزان تشكِّل تحديات كبيرة مثل أعمدة الرافعات الثقيلة وما شابه.
المستحيلات الثلاثة
في التراث الأدبي العربي أن المستحيلات ثلاثة، هي الغول والعنقاء والخِلّ الوفي، يقولون هذا للدلالة على قلة الوفاء وندرته بين الناس، وذلك من باب المبالغة لإيضاح الصورة، لأن الوفاء موجود فعلاً.
وأصل القول بيتان من الشعر:
لمّا رأيتُ بني الزّمانِ وما بِهِم
خـلٌ وفـيٌ للشدائدِ أصطفـي
فعـلـمتُ أن المستحيـلَ ثلاثــةٌ
الغولُ والعنقاءُ والخلُّ الوفي
ويُضرَب المثلُ في الغول والعنقاء، للإشارة إلى الشيء الوهمي الذي لا وجود له. وكانت العرب تزعم أن الغول من الجن، تتغوّل لها وتتلوّن، فتُضِلّها عن الطريق. وقد نسجوا في هذا من الخرافات الشيء الكثير. وحتى وقت قريب كان بعض المربين العرب يُرهبون الأطفال بتخويفهم من الغول الذي سيظهر لهم إذا أساءوا العمل.
أما العنقاء، ففي التراث الشعبي، أنها طائر عظيم كان في عهد الملك سليمان، وقيل إن العنقاء كانت في الحجاز تخطف الأطفال، فدعا عليها أحد الأنبياء، فاختفت. ويزعمون أيضاً أن هذا الطائر كان يموت ثم يقوم من رماده بعد ألف عام. وبذلك ضُرب به المثل في الشيء الذي ينقضي زمناً طويلاً ثم يعود إلى الظهور من جديد.
ولذا حين يرفض أحدهم أن يصدق خبراً أو أمراً ما، فنسمعه يقول: هذا رابع المستحيلات.
في ناطحات السحاب
ثمة فرضية تحظى بموافقة معظم المهندسين في العالم، وتقول إنه إذا تقرر بناء ناطحة سحاب من خمسمائة طبقة، فيجب على قاعدتها وهيكلها أن يكونا مثلثي الشكل، لأن المثلث وحده يمكنه أن يقاوم ضغوط المؤثرات العديدة وأخطرها الرياح والوزن الكبير.
إن هذه النظرية لم تحظَ بتطبيق عملي يؤكدها. ولكننا نعرف ما يشبهها ويدعم صحتها: برج خليفة في إمارة دبي الذي دُشِّن عام 2010م.
إن الارتفاع الشاهق لهذا البرج المسنن في أعلاه وأناقة مظهره، غالباً ما يشتتان الذهن عن مخطط أساسه: المثلث. فالتمعن في شكله الخارجي يظهر أنه مؤلف من ثلاث مجموعات من الأبراج المتلاصقة حول محور في وسطها. وبالتطلع إلى مخطط الأساس نلحظ أنه يقوم على مثلث متساوي الأضلاع، ينطلق البناء من كل زاوية من زواياه الثلاث باتجاه وسطه. فإذا هبَّت رياح قوية باتجاه زاوية المثلث مثلاً، تتكفَّل هذه الزاوية بشق الضغط إلى قسمين وبالتالي إضعافه. وإذا كانت الرياح باتجاه ضلع المثلث (واجهة المبنى)، يتولى الهيكل القائم عند الزاوية الخلفية إسناد الواجهة المقابلة له في مواجهة الضغط.
وفي العمارة النجدية
ولعل المثل الأقرب إلينا حول حضور المثلث في فنون البناء هو ما نراه في العمارة التقليدية في نجد.
ففي هذا النمط من العمارة الذي لم يواجه ضغوطاً تستدعي استخدام المثلثات في تصاميم الأسس أو الهياكل أو الأسقف، نجد المثلثات حاضرة بقوة، إما للتهوية وإما للتزيين. وحتى استخدام مثلثات التهوية يبدو عليها من تراصفها إما في خطوط وإما في جمعها وفق تنظيم مثلث بدوره، أنها أوليت عناية خاصة لتكون عنصراً تزيينياً وتجريدياً ملائماً لهذا الطراز المحلي بما فيه من مقاييس واعتبارات.
ويمكننا أن نلحظ وجود هذه المثلثات بصيغ أنيقة جديدة في العمارة النجدية المحدثة، كما هو الحال في المباني التي شيّدت على الطراز التقليدي حول ساحة الكندي في حي السفارات في الرياض.
في الفنون والآداب
يُسمَّى: ثلاثية
يمكن للباحث على شبكة الإنترنت عن العدد ثلاثة في الآداب والفنون أن يجد سيلاً لا ينقطع من العناوين والأسماء، تبدأ بالشهير منها مثل رواية الفرنسي ألكسندر دوماس «الفرسان الثلاثة» وتمر بالأخوات برونتي الثلاث: شارلوت وإميلي وآن، اللواتي يعتبرن من أعلام الأدب الإنجليزي في القرن التاسع عشر برواياتهن الثلاث: مرتفعات وذرنغ، وجاين إير، ونزيل قاعة ويلدفيل، ولا تنتهي بواحدة من أشهر حكايات الأدب الشعبي النرويجي «التيوس الثلاثة» أو بالمسرح الفكاهي الأمريكي حيث ظهر «البلهاء الثلاثة» عام 1930م، واستمروا في إضحاك العالم على الخشبة وعلى شاشات السينما والتلفزيون حتى عام 1973م. ولذا، فإننا سنحصر الحديث هنا عن واحد من أرقى أشكال حضور العدد ثلاثة (أو المثلث) في الفنون والآداب، ونعني بذلك: «الثلاثيات».
«الثلاثية» هي التسمية التي تُطلق على مجموعة من ثلاثة أعمال أدبية أو فنية يمكن النظر إليها وكأنها عمل واحد أو ثلاثة أعمال منفصلة في الوقت عينه. وهي تكون عادة من الأعمال الكبيرة أو البارزة من بين أعمال الفنان أو الأديب.
في الأدب
الثلاثيات في الأدب عريقة جداً. فالملحمة الهندية «مهابهاراتا» مؤلفة من ثلاثة أقسام. وفي المسرح الإغريقي كانت الثلاثيات المسرحية شائعة، وإن لم يصلنا منها غير واحدة هي الثلاثية «الأوريستية».
وفي عصر النهضة الأوروبية، تُعد ثلاثية الشاعر دانته الليغياري: «الجنة» و«الجحيم» و«المطهر»، من أشهر الثلاثيات التي صارت كلاسيكية. وفي الأدب العربي المعاصر، كثيرون كتبوا ثلاثيات تُعد أضخم أعمالهم، مثل «ثلاثية غرناطة» لرضوى عاشور، المؤلفة من «غرناطة» و«مريمة» و«الرحيل». وثلاثية أحلام مستغانمي: «ذاكرة الجسد» و«فوضى الحواس» و«عابر سبيل». غير أن أشهر الثلاثيات في الأدب العربي المعاصر هي بلا شك ثلاثية القاهرة لنجيب محفوظ التي استحقت جائزة نوبل للآداب.
تتألف هذه الثلاثية من الروايات الثلاث: «بين القصرين» و«قصر الشوق» و«السكرية». وقد كتبها محفوظ في عامي 1956 و1957م. وهي تروي مجتمعة قصة أحمد عبدالجواد وابنه كمال من الطفولة حتى المراهقة والشباب ثم سن الرشد. وتتحدث عن شوارع حقيقية في القاهرة، تمثل البيئة التي عاش فيها محفوظ نفسه. ولما كانت الثلاثية تروي قصة كمال في سنوات عمره المتعاقبة، فإن محفوظ كان كمن يروي أحد جوانب تاريخ القاهرة من عهد سعد زغلول حتى خمسينيات القرن العشرين.
مثلثات قطرب
هي دراسة لغوية دلالية للمفردات التي تتفق في البناء الصرفي من حيث ترتيب الحروف، وتختلف حركاتها. وسميت مثلثات لأنها تجمع كل ثلاث كلمات في مجموعة، تتغير معانيها حسب حركاتها.
وضع هذه الدراسة أبو علي محمد بن المستنير المسمى قطرب فسميت باسمه، وألف فيها كتاباً، اشتمل على اثنتين وثلاثين مفردة مثلّثة حيث بدأ بمجموعة (الغَمْرُ، الغِمْرُ، الغُمْرُ)، وانتهى بمجموعة (الصَّلُّ، الصِّلُّ، الصُّلُّ).
وكان قطرب أول من ألف في هذا المجال، وتبعه غيره كالبطليوسي والخطيب والبلنسي بمؤلفات فاقته من حيث عدد الكلمات المدروسة وتنوعها. وقد عرضها بطريقته الخاصة، إذ رتبها ترتيبا تصاعديا بدءًا من أخفّ الحركات، وهي الفتحة وانتهاء بأثقلها وهي الضمة، ثم يستشهد على المفردة بأحد الشواهد من القرآن والحديث والأشعار.
ولم يتبع قطرب الترتيب الأبجدي أو التصنيف الموضوعي في مثلثاته، لكنه رتبها تصاعديًا حسب الحركات بدءًا من أخفّ الحركات، وهي الفتحة وانتهاء بأثقلها وهي الضمة، ويورد في كل مثلث استشهادا من القرآن الكريم والحديث الشريف والأشعار وكلام العرب. ومنها على سبيل المثال:
الغَمْرُ والغِمْرُ والغُمْرُ،
فأمّا الغَمْرُ فالماء الكثير،
وأمّا الغِمْرُ فالحقد في الصدر.
وأمّا الغُمْر فهو الرجل الذي لم يجرّب الأمور، الضعيف في حالاته.
بتصرف عن موسوعة ويكيبيديا
وفي الفن التشكيلي
خلال العام الماضي 2013م بيعت في دار «كريستيز» للمزادات العلنية ثلاثية للفنان فرانسيس بيكون، تتألف من ثلاث لوحات تمثل صديقه الرسَّام لوسيان فرويد في ثلاث وضعيات مختلفة، بمبلغ 142 مليون دولار، وهو رقم قياسي لم يصل إليه أي عمل فني من القرن العشرين. اللوحات الثلاث هي ثلاثية متكاملة بالفعل. فهي بالمقاسات نفسها، وبالألوان نفسها وتمثل الشخص نفسه بالأسلوب نفسه.
والثلاثيات في الفن التشكيلي هي في الأصل ذات منشأ ديني في أوروبا، ظهرت في النصف الأول من القرن الخامس عشر، وظلت كذلك طوال قرنين من الزمن، ثم كادت أن تندثر، إلى أن أحياها الفن المعاصر مجدداً، في الرسم والنحت والتصوير الفوتوغرافي على حد سواء.
وفي الفنون على اختلافها
من أواخر ما أنشدته أم كلثوم وما لحنه الموسيقار رياض السنباطي في عام 1971م، «الثلاثية المقدسة». وهي قصيدة ثلاثية التركيب تروي عن المساجد الكبرى في الإسلام: المسجد الحرام في مكة المكرمة، والمسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة، والمسجد الأقصى في القدس الشريف. ومن أشهر الأعمال الموسيقية الغربية المعاصرة «ثلاثية برلين» التي كتبها ديفيد بوي في المدينة الألمانية نفسها.
أما في السينما، فمن أشهر الثلاثيات «ثلاثية العرَّاب» لفرانسيس فورد كوبولا. وثلاثية «الألوان الثلاثة» لكريستوف كيسلوفسكي، التي تغوص في معاني ثلاثية رموز الثورة الفرنسية: الحرية والمساواة والأخوة. وهناك أيضاً «ثلاثية نيويورك» لبول أوستر، وغيرها.
شروط الثلاثية
ثمة أعمال كثيرة يُطلق عليها اسم «ثلاثية» ولكنها ليست في الواقع كذلك. ومنها على سبيل المثال رواية «سيد الخاتم» التي تحوَّلت مؤخراً إلى فِلم سينمائي شهير. فصحيح أن هذه الرواية صدرت أولاً في ثلاثة مجلدات، ولكن ذلك لم يكن بسبب طبيعة تركيبتها، بل بسبب نقص الورق عندما طُبعت لأول مرة خلال الحرب العالمية الثانية. فلكي يكون عملاً ما «ثلاثية» يجب أن يكون هناك رابط واضح بين شخصياتها ومجريات أحداثها، أو طبيعة موضوعها الذي يجب أن يكون واحداً.
ثلاثيات ومثلثات من كل نوع
في النظر إلى العالم ومكوناته المختلفة حاول المفكرون والحكماء والأدباء تأطير هذه المكونات واختزالها إلى فئات معدودة. وهنا يحضر العدد ثلاثة أكثر من غيره بشكل واضح، وكأن الحكمة والاختزال هي في صياغة «مثلثات» من كل أمر أو شيء يمكنه أن يخطر على البال. وفي بحثنا على صفحات الأقوال الشهيرة التي ورد فيها العدد ثلاثة على موقع واحد على الإنترنت هو ،(brainyquote) وجدنا أن مجموع هذه الأقوال يبلغ 40 صفحة!
في تصنيف الناس والقيم
هناك من اختزل أنواع البشر وسلوكياتهم بثلاث فئات فقط، مثل أفلاطون الذي يقول: «هناك ثلاث فئات من الرجال: محبو الحكمة ومحبو الشرف ومحبو الربح». وفي مكان آخر يقول الفيلسوف اليوناني نفسه: «إن السلوك الإنساني ينبع من ثلاثة مصادر: الرغبة والانفعال والمعرفة». أما بنجامين فرانكلين، الذي كان من الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية، فقد اختلف في تقسيمه لأنواع البشر عن أفلاطون ما عدا في اعتماده العدد ثلاثة، فقال: «كل الجنس البشري مقسَّم إلى ثلاث طبقات: غير القابلين للتحرك، والقابلون للتحرك، والذين يتحركون».
والكاتب الإيطالي مكيافيللي توقف بدوره أمام الذكاء الإنساني، فرأى أن «هناك ثلاثة أنماط من الذكاء: أولها هو الذي يفهم الأمور مباشرة، وثانيها هو الذي يُقدِّر قيمة ما يستطيع الآخرون فهمه، وثالثها لا يفهم الأمور مباشرة ولا يُقدِّر قيمة فهمها، الأول ممتاز والثاني جيد، والثالث لا قيمة له».
ومن الصفات الحميدة التي يجب أن يتمتع بها الإنسان، وجد الفيلسوف الصيني كونفوشيوس «ثلاث صفات تحظى بإجماع البشرية على أنها فضائل أخلاقية، وهي: الحكمة والرحمة والشجاعة». أما لكي يسعد الإنسان في حياته وفق ما يقوله جوزف أديسون، «فلا بدّ له من ثلاثة أشياء: شيء يعمل به، وشيء يحبه، وشيء يحلم به».
التجارة المثلثة
«التجارة المثلثة» تعبير قديم يشير إلى التبادل التجاري بين ثلاثة مرافئ أو ثلاث مناطق. ويظهر هذا النمط من التجارة عندما تنتج منطقة ما سلعاً غير مطلوبة في المنطقة التي تأتي منها معظم وارداتها فتصدرها إلى منطقة ثالثة تحتاج هذه السلع، إلى أن تقوم هذه الأخيرة بتصدير احتياجات المنطقة الثانية بحيث يتحقق توازن التبادل التجاري.
تاريخياً، ومنذ القرن السابع عشر، كان المحيط الأطلسي المحور الرئيس للتجارة المثلثة. ومن الأمثلة عليه أن السفن الأمريكية حتى القرن التاسع عشر كانت تنقل منتجات محلية إلى كوبا، ومن كوبا تنقل السكر والبُن إلى روسيا ودول البلطيق، ومن هذه الأخيرة كانت تعود بالتحديد إلى نيو إنغلند.
وفي صيغتها الإلكترونية
ويبدو أن التجارة الإلكترونية التي نمت بشكل سريع خلال العقدين الماضيين، تفتح آفاقاً واسعة أمام التجارة المثلثة. وتتوقع بعض التقارير أن تلعب دوراً بالغ التأثير على التجارة العالمية ورفع معدلات النمو في البلدان النامية إذا ما أحسنت التعامل مع هذا النمط من التجارة، فسهولة الاتصالات الفورية التي توفرها الإنترنت بين كافة أصقاع العالم، تفتح أسواقاً مباشرة وغير مباشرة بين المنتجين والتجار والمستهلكين أينما كان، وتسمح بالاطلاع الدائم على الحاجات الآنية في هذه المنطقة أو تلك، ومصادر السلع التي تلبي هذه الاحتياجات، بما يعزز التبادل الخطي والمثلث أكثر من أي وقت مضى.
وفي الثقافة
وحول الثقافة والحضارة يختصر جون راسكين تراث الشعوب العظيمة بقوله: «الأمم العظيمة تسجِّل سِيَرها في ثلاثة كتب: كتاب أفعالها وكتاب أقوالها وكتاب فنونها». وفي المعرفة يقول بنجامين ديزرائيلي: «كثير من المشاهدة وكثير من المعاناة وكثير من الدراسة هي أعمدة التعلم الثلاثة». وبتضييق المجال أكثر وصولاً إلى الكتابة، يقول أحدهم: «هناك ثلاث قواعد مختلفة لكل من التفكير والقراءة والتحدث. الكتابة تخلطها كلها».
أما الروائي سومرست موم فلخص نظرته إلى حرية الإبداع الروائي بقوله: «توجد ثلاث قواعد لكتابة الرواية ولكن مع الأسف لا أحد يعرف ما هي».
والاقتصاد
وفي حديثه عن عمله في اليابان وتفسيره للنجاح الذي حققه في تطوير شركة «نيسان» لصناعة السيارات، قال رئيسها كارلوس غصن: «لا يمكنك أن تطبِّق تغييراً في اليابان إلا إذا تمكنت من تفسير ثلاثة أمور بوضوح وهي: لماذا تحتاج إلى هذا التغيير، وكيف ستنجز هذا التغيير، وأي مستقبل ينتظر هذا التغيير».
وواحد من الأقوال الأكثر مدعاة للتفكير والتحليل في مجال الاقتصاد، هو ما جاء على لسان الوزيرة الأمريكية هيلاري كلينتون خلال حملتها الانتخابية عندما قالت: «إني أتطلع إلى الاقتصاد العالمي كمثلث معكوس يستقر على نقطة واحدة هي المستهلك الأمريكي. وإذا لم يتمكن هذا المستهلك من امتلاك المداخيل الكافية للحفاظ على نمط حياة يخلق مزيداً من الفرص جيلاً بعد جيل، فإن الأمر سيء للعالم بأسره».
وللطرفة الذكية أيضاً
ونجد العدد ثلاثة أيضاً في أقوال تكمن قيمتها الأولى في طرفتها. مثل قول الممثل الكوميدي نورمان ويزدوم: «عندما تتقدم في السن تتبدل في حياتك ثلاثة أشياء: أولها الذاكرة التي تضعف، والاثنان الباقيان.. نسيتهما».
وفي السخرية من كثرة الذين يدعون الخبرة في هذا المجال أو ذاك، قال أحدهم: «الخبير هو شخص يصيب في ثلاث توقعات متتالية».
وتقول الأمريكية ريتا ماي براون: «تقول إحصاءات وزارة الصحة إن واحداً من كل أربعة أمريكيين يعاني من مشكلات عقلية. فكِّر بأفضل ثلاثة من أصدقائك، فإذا بدو لك طبيعيين، فمعنى ذلك أنك أنت الرابع..!».
والكاتب أورسون وايلز الذي كان يشكو من الشراهة قال مرة: «بلَّغني الطبيب أن عليَّ التوقف عن إعداد العشاء لأربعة أشخاص، إلا إذا كان هناك فعلاً ثلاثة مدعوين».
أما الممثلة الكوميدية إيلاين بوسلر فتقول فيما يشبه اللعبة الذكية: «وضعت على باب بيتي ستة أقفال، ثلاثة منها تقفل بالاتجاه المعاكس للثلاثة الأخرى. ولذا، مهما حاول اللص أن يفتح الأقفال الستة، فإنه يقوم في الواقع بإقفال ثلاثة منها».
مثلث برمودا
مجرد خيال حتى يثبت العكس
يسمّى أيضاً: مثلّث إبليس. في سنة 2009م، ظهر فلم سينمائي عنوانه: مثلث ،(Triangle) كتب قصته وأخرجه كريستوفر سميث. ويحكي الفلم قصة سفينة واجه ركابها جواً عاصفاً، فانتقلوا إلى سفينة أخرى للنجاة بأنفسهم، ليواجهوا مشكلة أكبر: إنه مثلث الرعب. فما هي قصة هذا المثلث، وما سبب علاقته بالرعب؟
بدأت قصة مثلث الرعب برمودا في 16 سبتمبر 1950م، بمقالة لإدوارد فان وينكل جونز، في وكالة أنباء أسوشييتدبرس، تحدثت عن حوادث اختفاء غامضة في منطقة برمودا، وهي مثلث في المحيط الأطلسي، على الجانب الجنوبي الشرقي من الولايات المتحدة، يمتد بين شاطئ ميامي قبالة ولاية فلوريدا، وسان خوان في بورتوريكو، وجزيرة برمودا.
هذه المساحة الشاسعة في المحيط، تراوح مساحتها بين نصف مليون ميل مربع ومليون ونصف مليون ميل مربع، أي أنها تراوح بين ثلاث مرات مساحة ألمانيا (المتحدة بالطبع) وعشر مرات هذه المساحة تقريباً، وفق تقديرات متفاوتة لامتداد المثلث. بعد سنتين، نشرت مجلة «فيت» مقالة قصيرة لجورج إكس. ساند، عنوانها: سر بحري عند بابنا الخلفي، روى فيها ساند اختفاء عدد من الطائرات والسفن، منها اختفاء السرب ،19وهو سرب من 5 طائرات قاذفة للبحرية الأمريكية، من طراز «أفنجر»، كانت في مهمة تدريبية. وكان ساند أول من حدد المثلث الذي وقعت في حدوده حادثة الاختفاء. ويروي ألن إيكرت، في مقالة كتبها سنة 1962م عن هذه الحادثة، أن قائد السرب سُمع باللاسلكي وهو يقول: «إننا ندخل مياهاً بيضاء، لا شيء يبدو على ما يرام، لا نعرف أين نحن، المياه خضراء، ليست بيضاء».
وأوحت المقالات التي تناولت الحادثة أن أمراً غامضاً يفوق الطبيعة قد وقع. في فبراير 1964م، كتب فنسنت غاديس، في مجلة «أرغوزي» مقالة عنوانها: مثلث برمودا القاتل، قال فيها إن اختفاء السرب ،19وحوادث اختفاء أخرى، هي جزء من أحداث غامضة تقع في منطقة المثلث. وقد حوّل غاديس في السنة التالية، مقالته إلى كتاب جعل عنوانه: آفاق غير مرئية. ثم تبع هذا سلسلة من الكتب في موضوع مثلث برمودا وحوادثه القاتلة الغامضة.
نقض قصة المثلث
… حتى ظهر سنة 1975م كتاب ينقض قصة مثلث الرعب، وهو لكاتبه لورنس دافيد كوش، مسؤول المكتبة في جامعة ولاية أريزونا، وعنوان الكتاب:«حل سر مثلث برمودا» .(The Bermuda Triangle Mystery: Solved)كشف بحث كوش عدداً من مواقع غير دقيقة، وغير موثقة، في الروايات عن المثلث، وعدداً من المبالغات غير الصحيحة. وتحدث عن حوادث اختفاء سفن وطائرات كثيرة حدثت في مواقع أخرى من العالم، على النحو الذي يجعل منطقة مثلث برمودا، منطقة غير استثنائية في الكوارث البحرية والجوية. ورصد كوش حوادث نُسبت للمثلث، مع أنها حدثت خارجه. وقد استند في بحثه إلى روايات الصحف عن الحوادث، في زمن وقوعها. واستنتج ما يلي:
– 
أن عدد السفن والطائرات التي فُقدت في منطقة المثلث ليس مرتفعاً ارتفاعاً استثنائياً.
– أن منطقة المثلث منطقة عواصف مدارية واستوائية، وهي إذن أكثر تعريضاً للحوادث من المناطق الأخرى، بطبيعة الحال.
– أن بعض الذين كتبوا عن حوادث «غامضة» في المثلث، كثيراً ما أغفلوا وقوع الحوادث أثناء عواصف وأعاصير، وصوروا الأمور وكأن الحوادث تقع في أوضاع ساكنة ومستقرة.
– أن عدد الحوادث بولغ فيه بأساليب مختلفة، منها ذكر حوادث اختفاء سفن، وعدم ذكر أخبار عودتها إلى المرافئ سالمة، بعد الاختفاء.
– من المبالغات أيضاً، أن حوادث اختفاء سفن معينة، لم تحصل قط.
– ذكر بعض كتاب «مثلث الرعب» أن طائرة سقطت في المحيط سنة 1937م، أمام أنظار شهود عيانٍ قبالة شاطئ دايتونا، في فلوريدا. وبعد التدقيق في صحف ذلك الزمن تبين أن القصة مختلقة.
وخلص كوش إلى أن قصة مثلث برمودا هي أسطورة ابتدعها بعض الكتَّاب، عمداً أو عن غير عمد، لأن الناس يحبون قصص الرعب الغامضة. وقال إن من ينكرون قصة المثلث المرعبة، ليس عليهم أن يثبتوا بطلانها، بل على من يدّعون صحة هذه القصة أن يثبتوا أنهم يقولون الحقيقة.
