خلال الأسبوع الأخير من شهر فبراير 2014م، عاش مجتمع التقنية والاقتصاد أوقاتاً عصيبة، حين انهار مؤشر البورصة الخاص بعملة افتراضية لا تصدرها دولة محددة، ولا يتم تداولها يدوياً كما المال الذي نعرفه.. بل تُستخدم عبر الإنترنت في الفضاء السايبري. هذه العملة، واسمها «بيتكوين» ،(BitCoin)تعرضت بورصتها لعملية اختراق متعمد من قبل قراصنة الإنترنت أدت إلى خسارة ما يعادل 500 مليون دولار من هذه العملة. ومع ذلك، يعتقد كثيرون أن هذا المنتج الجديد قد تعرض لنكسة عابرة، ولن يلبث أن يعود أقوى مما كان. لأن الحاجة المستقبلية له أقوى من أن تهزها خسائر تقدر بنصف المليار دولار!
ما البيتكوين BitCoin؟
يُعتقد على نطاق واسع أن نظام البيتكوين قد بدأ في عام 2009م من قبل شخص اسمه «ساتوشي ناكاموتو»، كنظام مالي يعتمد على أجهزة الحاسوب الشخصية التي تحمل برنامج البيتكوين وتتصل بشبكة الإنترنت. وعلى الرغم من أن ناكوموتو هذا لم يتم تأكيد وجوده كشخص أو ككيان وهمي للآن، إلا أن فكرة البيتكوين حققت نجاحاً غير مسبوق كعملة إلكترونية، على الأقل من ناحية صيتها الذي وصل إلى حد أن عدداً من الدول حاول أن يصدر تشريعات لتقنين نظام البيتكوين أو منعه كليةً. مع العلم أن أول ماكينة لصرف عملة البيتكوين قد تم تشغيلها في فانكوفر الكندية عام 2013م.
كيف يعمل البيتكوين؟
يمكن القول إن نظام البيتكوين في صيغته الحالية يحمل بذرة فنائه، إذا ما قورن بالعملات العادية. فعدم وجود هيئة مركزية لصك العملة ولضمان موثوقية التحويلات البنكية يعني سقوط نظام العملة العادية. ومع هذا، استطاع نظام البيتكوين أن يتغلب على هذه المشكلات بحلول تقنية ذكية حقاً.
فعندما يقوم شخص بتحويل مبلغ من البيتكوين من محفظته الإلكترونية إلى محفظة شخص آخر، يتم تسجيل هذه العملية كصفقة. وما يلفت الانتباه في نظام البيتكوين أن الصفقة تحمل رقماً متسلسلاً فريداً خاصاً بها، ورقماً متسلسلاً آخر يدل على الصفقة التي سبقتها. فمثلاً، لنقل إن أحمد يريد أن يدفع لعمر مبلغ 3 بيتكوينات مقابل سلعة معينة، فما يحدث هو أن يتم تحويل هذا المبلغ من محفظة أحمد إلى محفظة عمر، ويتم تسجيل عملية التحويل هذه كصفقة قيمتها 3 بيتكوينات. وبعد ذلك قام عمر بتحويل 3 بيتكوينات لمحفظة مهند، هنا أيضاً سيتم تسجيل هذه العملية كصفقة، وما هو مثير للاهتمام أن هذه الصفقة الأخيرة التي بين مهند وعمر تحمل عنوان الصفقة التي بين عمر وأحمد، وبالتالي فإن الصفقة التي بين عمر وأحمد تحمل عنوان صفقة سبقتها وهي الصفقة التي حصل من خلالها أحمد على الثلاثة بيتكوينات الخاصة به.
وهكذا فإن كل صفقة تتم في نظام البيتكوين يتم التحقق من صحتها من خلال تتبع سلسلة الصفقات إلى أول صفقة تمت في نظام البيتكوين على الإطلاق. وبهذه الطريقة يضمن نظام البيتكوين عدم إيجاد أي عملة جديدة بطريقة مزورة، وهكذا يكون عدد البيتكوينات في العالم معروفاً ومحدداً.
يبقى أن نتحدث عن جزء حيوي وأساسي من نظام البيتكوين وهو عملية إصدار العملة. وللحديث عن هذا الجزء لابد أن نعرف أن سلسلة الصفقات يتم تجميعها في قطع ،(Blocks)ويتم إصدار قطعة كل 10 دقائق تقريباً، وكل قطعة كما في الصفقات، مرتبطة بالقطعة التي سبقتها، فسلسلة القطع تحكي قصة كل صفقة تمت على نظام البيتكوين منذ بدايته.
والذكاء في هذا النظام أن إضافة قطعة جديدة على سلسلة القطع الموجودة يقوم به أحد الأجهزة المتصلة على شبكة البيتكوين. ولكي يتمكن جهاز ما من إضافة قطعة على سلسلة القطع القائمة، على الجهاز أن يحُل معضلة رياضية صعبة تتطلب عدداً ضخماً من مرات التخمين. ولأن عدداً ضخماً من أجهزة الكمبيوتر متصل بشبكة البيتكوين، يتمكن أحد هذه الحواسيب من تخمين الجواب الصحيح. وتستغرق هذه العملية في المتوسط حوالي 10 دقائق، وتنتج عملية إضافة قطعة جديدة عدداً من عملات البيتكوين الجديدة، التي تكون من نصيب الحاسوب الذي أضاف القطعة الأخيرة.
ماذا يعني نجاح البيتكوين للاقتصاد العالمي؟
إن نجاح عملة البيتكوين سيعني تغييراً مهولاً في النظام الاقتصادي. فكون هذه العملة غير مركزية، يعني أنها لا تخضع لسيطرة الحكومات. وهذا قد يمهد لتغييرات سياسية واجتماعية حادة. ولكن يبقى أن ندرك أن العملة ليست إلا رمزاً لا يملك قيمة بذاته، وانتشار عملة لا مركزية كالبيتكوين يعني انهيار الأنظمة المالية المعتمدة على المال لا على سلع حقيقية. ومن يدري؟ فربما تكون البيتكوين بداية عصر الأناركية الاقتصادية!