ملف العدد

الجسر

  • 1Malaf-2
  • 1Malaf-3
  • 1Malaf-4
  • 1Malaf-5
  • 1Malaf-6
  • 1Malaf-7
  • 1Malaf-9
  • 1Malaf-10
  • 1Malaf-11
  • 1Malaf-12
  • 1Malaf-13
  • 1Malaf-15
  • 1Malaf-16
  • 1Malaf-17
  • 1Malaf-19
  • 1Malaf-20
  • 1Malaf-21
  • 1Malaf-22
  • 1Malaf-23
  • 1Malaf-24
  • 1Malaf-25
  • 1Malaf-26
  • 1Malaf-27
  • 1Malaf-28
  • 1Malaf-29
  • 1Malaf-30
  • 1Malaf-31
  • 1Malaf-32
  • 1Malaf-33
  • 1Malaf-34
  • 1Malaf-35
  • 1Malaf-36
  • 1Malaf-37
  • 1Malaf-38
  • 1Malaf-39
  • 1Malaf-42
  • 1Malaf-43
  • 1Malaf-44
  • 1Malaf-45
  • 1Malaf-46
  • 1Malaf-47
  • 1Malaf-51
  • 1Malaf-52
  • 1Malaf-53
  • 1Malaf-54

يعبرون الجسر فـي الصبح خفافاً …
أضلعي امتدت لهم .. جسراً وطيد
من كهوف الشرق، من مستنقع الشرق
إلى الشرق الجديد!
من قصيـدة نهر الرماد
للشاعر خليل حاوي

انضم أخيراً إلى جسور المملكة جسر جديد خلاب هو جسر وادي لبن قرب مدينة الرياض (الغلاف). وهو جسر تخاله طائرين مندفعين إلى أعالي السماء..
فأي سحرٍ يمثله الجسر، أي جسر؟ هذا القوس الممتد أبداً بين نقطتين.. الحاضر دوماً كي تعبره إلى مواقع تعذرت عليك من قبل؟ يحملك من هنا إلى هناك وكأنه ينقلك على راحتيه، من بر أمان إلى بر أمان آخر. وحين تعبر الجسر، لا يفارقك الشعور بالخطر، فأنت تقف على الـ (فراغ) وعلى الأرض في آنٍ واحد. إنهما إحساسان متناقضان لا يفترقان ولا يفارقانك حتى تصل: خوف المتحسب من القدر واطمئنان الواثق بفن البناء. فلنعبر معاً جسراً.. يليه جسر.

في البداية يكون الجسر مشروع بناء مسخر لأداء مهمة عملية، فهو مطالب بالمتانة والصمود والتحمل. ولذا، فهو ابن الدراسات العلمية والحسابات الباردة. ولكن… منذ بداية رسم الخطوط الأولى للجسر، أي جسر، يظهر جمال الشكل في كفة ميزان موازية لكفة أخرى تحمل الحسابات الباردة. وبعض السر يكمن في أن قوة الجسر أو قدرته على التحمل لا تأتي من متانة المواد المستخدمة في البناء، بل أيضاً في انسياب خطوطه.

القوس الشاعري المنساب من أشهر هذه الخطوط. تكرار الأقواس في الجسور الطويلة يوجد إيقاعاً هندسياً، أو قل موسيقياً، يزداد وضوحاً في تناقضه مع وعورة الطبيعة إذا كان هذا الجسر فوق وادٍ صخري مثلاً. ويتناغم هذا الإيقاع المتكرر تماماً مع صفحة الماء وإيقاع تكسر الضوء عليه أو على أمواجه. الأمر نفسه ينطبق على تكرار حبال الصلب في الجسور المحمولة، التي تتجمع وتنفرد في خطوط مستقيمة ومنحنية في إيقاع متكرر يزرع في النفس شعوراً مزدوجاً بين تحدي قدرات الفرد منا على تحقيق إنجاز مماثل وحميمية الأشكال المألوفة في النسيج أو خيوط العنكبوت…

حتى القرن التاسع عشر كانت الزخرفة جزءاً
لا يتجزأ من مشروع بناء أي جسر، ولا سيّما تلك التي كانت تقام على الأنهار في المدن. وبعضها كان مبالغاً في زخرفته وتجميله حتى أنه استدعى الاستعانة بأعمال كبار الفنانين ونحاتي الحجر، كما في عصر النهضة الأوروبية.

في العصر الحديث غابت الزخرفة الفنية المضافة بشكل مصطنع إلى الجسر لتحل محلها رشاقة خطوطه العامة وانسيابها، ذلك لأن الصناعة الحديثة وفَّرت مواداً جديدة أدق وأقل حجماً وأكثر تحملاً من الحجر الصخري أو الخشب أو باقي المواد القديمة، فازدادت خطوط الجسور الحديثة رقة، وفتحاته اتساعاً، وظهرت أنماط حديثة من الجسور، مثل الجسور المعلقة التي ما كان يمكنها أن تظهر قبل تطور صناعة الصلب.

وسواء أكانت هذه الجسور قديمة أم حديثة، وبعيدة جداً عن الغاية الأساسية من إنشائها، فإنها تحولت بمرور الوقت بشخصيتها الفنية والمعمارية إلى معالم حضارية دامغة تَسِمُ هذه المدينة أو تلك بسمتها.

من دون جسورها التاريخية لا يمكن للعاصمة الفرنسية باريس أن تُكوِّن نفسها. ومن أشهر بطاقات البريد في بريطانيا تلك التي تظهر “جسر البرج”. ولا يستطيع المرء أن يأتي على ذكر مدينة سان فرنسيسكو الأميركية من دون أن يخطر بباله جسرها الأحمر المعروف باسم “البوابة الذهبية”.

المفارقة، أن كبار المهندسين والمعماريين الذين بنوا أجمل جسور العالم لم يحظوا بشهرة تماثل شهرة منجزاتهم. وهناك حكاية تُروى في هذا الصدد مفادها أنه خلال افتتاح جسر “فيرازانو” في نيويورك نسي رئيس الاحتفال أن يذكر اسم أوتمار أمان باني الجسر المذكور وأحد أشهر مصممي الجسور في القرن العشرين .

جسر البوابة الذهبية
وهو من أكبر الجسور المعلقة في العالم يربط شبه جزيرة سان فرانسيسكو بشمال كاليفورنيا. يبلغ طول هذا الجسر 7272 متراً ويعتمد على برجين يحمل كل منهما كابلين من الفولاذ بقطر 39 سنتيمتراً. وتتدلى من الكابلين مجموعة أخرى من الكابلات العامودية تحمل أرض الجسر، وهو من تصميم جوزف ب. شتراوس، وتم افتتاحه في
72 مايو 7391م.

جسر التنهُّدات
من أشهر جسور البندقية رغم قصره النسبي. يصل هذا الجسر ما بين قصر الدوق والسجن، وسمي بذلك، لأن المسجونين كانوا يعبرونه إلى حيث المحكمة وتنفيذ الأحكام فكأنه ممر بين الحياة والموت. صممه المهندس المعماري الإيطالي أنطونيو كونتينو سنة 0651م، وأُكمل بناؤه سنة 0061م. تغنى به الشاعر الإنجليزي اللورد بايرون، ونسج حوله الكاتب الفرنسي الكسندر دوماس رواية تحمل اسمه.

الجسر الجديد
اسمه على عكس حقيقته، فهو أقدم جسر في العاصمة الفرنسية باريس وأكثرها شهرة على الإطلاق. بُدئ العمل في إنشائه سنة 8751م وانتهى سنة 9061م، ليصبح منذ ذلك الحين القلب النابض للحياة الباريسية. يتألف هذا الجسر من اثنتي عشرة قنطرة حجرية، ما من واحدة تماثل الأخرى وتتراوح تدرجاً ما بين نصف الدائري ونصف البيضاوي. وقد تعرض لعمليات ترميم وتجديد عديدة ولا يزال حتى اليوم الأكثر حيوية في باريس.

جسر البوسفور في اسطنبول
من أشهر الجسور ويربط قارتي آسيا وأوروبا فوق مضيق البوسفور. وعندما أنشئ هذا الجسر سنة 3791م كانت فتحته، بين البرجين البالغة حوالي 4701 متراً، أكبر فتحة جسر في أوروبا والرابعة في العالم.

جسر البرج
انتهى بناؤه سنة 4981م، وكان سكان العاصمة البريطانية في انتظاره على أحرّ من الجمر، لأن “جسر لندن” القديم لم يعد قادراً على تحمل زخم الحركة المتزايدة بسبب تنامي الشطر الشرقي من لندن. يحمل هذا الجسر برجان حجريان من الهندسة القوطية المجددة، وقد لقي لدى بنائه استهجاناً من قبل النقاد، ووصفه البعض بأنه “قبيح لدرجة وحشية”. ولكن بمرور الوقت صارت المواقف منه أكثر ليونة. وتحوّل اليوم إلى واحد من أكثر معالم لندن شعبية.

جسر بروكلين في نيويورك
وضع تصميمه الأساسي العبقري جون روبلنغ، وتم تدشينه فعلاً سنة 3881م. ولضخامة مشروعه، أطلق عليه لسنوات اسم الجسر العظيم . إنه من الجسور المعلقة التي تحملها أبراج حجرية، ومن أشهر معالم أميركا على شاطئ الأطلسي، إذ كان هذا الجسر أول ما يشاهده المهاجر من العالم القديم إلى العالم الجديد.

جسر ميناء سيدني
قد لا يكون القوس الحديدي فوق ميناء العاصمة الاسترالية سيدني الأطول في العالم، ولكنه الأشهر بلا شك. تم بناؤه سنة 2391م، وهو يتسع لأربعة مسارب للقطارات، وثمانية للسيارات، إضافة إلى ممرات للمشاة. ويبلغ عرضه المدهش 94 متراً.

من أغرب الجسور في فلورنسا
جسر بونتي (فيكيو) في فلورنسا. وهو في الواقع أكثر من جسر، إذ يضم طريقاً وسوقاً وميداناً عاماً ومساكن، يبلغ طوله نحو 001 متر. وقد صممه كاديو كادي الذي اشتهر كمعماري ورسام في القرن الرابع عشر الميلادي. وفي سنة 4491م دمر الألمان كل جسور فلورنسا ما عدا جسر بونتي فيشايو بأمر شخصي من هتلر..!

الجسر الرابع في اسكتلندا
تحفة الهندسة المعمارية في العصر الفيكتوري، بناه المهندسان بنيامين بايكر وجون فولر كجـزء من سكة الحديد في اســكتلندا. وكان عند تدشينه سنة 0981م أضخم جسر في العالم نظراً لكمية المعدن التي صُنع منها، كما أن الممرات من تحته كانت الأوسع آنذاك (701 أمتار).

الجسر معبر يربط ضفتي نهر أو يعبر فوق عائق طبيعي كالوادي الحاد والوعر، فمنذ القدم فكّر الإنسان في اجتياز العقبات الطبيعية والعبور إلى الطرف الآخر بحثاً عمّا يحتاج إليه هناك. قد تكون هذه العقبة نهراً أو وادياً شديد الانحدار، فكان أن أمدته الطبيعة بالحلول الأولى.
لا بد أن سقوط شجرة على مجرى ماء كان من أول هذه الحلول. ودعم الإنسان هذا الحل بوضع أحجار متفرقة ليعبر عليها. وعندما عرف صناعة الحبال صنع منها جسوراً … وهكذا راح بناء الجسور يتنوع ويتطور من الخشب إلى الحجر ثم المعدن والإسمنت وغيره…

هناك أنواع عديدة من الجسور مثل جسور العوارض، والجسور المعلقة، والجسور المعقودة، والمشدودة، والمسقوفة، والمتحركة، والعائمة. وهناك جسور خاصة بالقطارات، وأخرى لجر المياه، وفوق تقاطع الطرق وبين المباني. وبصفة عامة تتخذ تصاميم الجسور ثلاثة أشكال:

– أفقي التصميم :على شكل خط مستقيم، يربط الجانبين ويرتكز إلى ركيزتين، ويُعتمَد على هذا النمط عندما يكون طول الجسر قصيراً نسبياً.
– الجسر المعلق: ويتكون من الألياف المجدولة أو الأسلاك أو الحديد، ويستند إلى كوابل أو أكتاف من الجانبين، وقد شاع هذا النوع من الجسور في القرن العشرين بسبب تطور صناعة الصلب.
– على هيئة عقود حجر أو أقواس: وقد اعتمد هذا النوع منذ العصر الروماني لعبور القنوات المائية ولجر المياه أيضاً إلى الأماكن القاحلة. ولا تزال بقايا بعض ما بناه الرومان قائمة حتى اليوم في أماكن عديدة في دول حوض المتوسط.

وتتميز العقود من الناحية الإنشائية بأن القوى الداخلية التي تتولد فيها – نتيجة الأحمال الرأسية الواقعة عليها – هي قوى ضاغطة. وييسر هذا استخدام المواد التي تتحمل الضغط، ولا تتحمل الشد في إنشائها مثل الحجر الطبيعي أو الصناعي. ولدى بناء أي جسر، حتى أكثرها بدائية، لا بد لورشة البناء هذه من أن تأخذ في الحسبان أولاً القوى والضغوط التي على الجسر أن يتحملها. وهذه القوى هي في الأساس ثلاث، تسمى “الأحمال “:
– الحمولة الميتة: ويقصد بها وزن الجسر نفسه.
– الحمولة الحية: ويقصد بها حركة العبور التي سيشهدها سطح الجسر وما تمثله من أوزان مختلفة ومتقلبة ثقلاً وخفة.
– ضغوط المحيط: مثل الرياح والمياه وحركتهما.

إلى ذلك تضاف مجموعة مؤثرات لا بد من أخذها في الحسبان، مثل التقلب الحراري وآثاره في تمدد الجسر أو تقلصه. ويصبح هذا المؤثر بالغ الأهمية في الجسور الطويلة نسبياً واحتمالات هبوط الركائز أو غورها في أرض غير مستقرة والهزات الأرضية وما شابه ذلك.

في حرب أكتوبر عام 3791م استخدم الجيش المصري جسوراً عائمة لعبور قناة السويس ومن ثم اخترق خط بارليف. هذا مثال بسيط لدور الجسور في الحرب. وبقدر ما كانت الأنهار والأودية والجبال حصوناً طبيعية، كانت الجسور عامل النصر أو الهزيمة، عامل اختراق لهذه الحصون.
ومنذ القدم ارتبطت أسماء الجسور بالمعارك. ففي خلافة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وقعت معركة الجسر بقيادة أبي عبيدة بن مسعود عام 31 للهجرة، إذ أن المسلمين بعد تقدمهم في بلاد فارس وانتصارهم في معركة النمارق ومعركة السقاطية على الفرس، فوجئوا بالفرس يحشدون كل جيوشهم وكبار قادتهم خلف الجسر. وهُزم المسلمون في تلك المعركة، واستشهد أكثر من 4 آلاف منهم، بين غريق وقتيل بعد ما هدم الفرس الجسر. ولكن المثنى بن حارثة الشيباني تمكن من إعادة نصبه وأنقذ حياة كُثر عبروه.

وفي القرن العشرين لعبت الجسور العائمة دوراً كبيراً في الحرب العالمية الثانية لاستخدامها لعبور الأنهار مؤقتاً. وكانت من أسباب النصر لكونها بوابة غير متوقعة للدخول إلى المناطق المحصنة طبيعياً .. وغالباً ما تركّب بسرعة برص صنادل عائمة اشتهر بصنعها المهندسون العسكريون.

ولكن جسر موستار هو أشهر جسر ارتبط اسمه بالحرب والسلم في العصر الحديث، لأنه بُني للسلم ودمرته الحرب. إذ بناه ضابط تركي على نهر نيرتافا (درينا) فخدم التعايش بين أعراق البوسنة المختلفة أربعمائة عام، إلى أن دُمّر في حرب البوسنة عام 3991م. وزادت شهرته لكونه مسرحاً للرواية المشهورة جسر على نهر درينا ، التي فاز كاتبها إيفو أندريك بجائزة نوبل للآداب.
في سنة 2691م بدأ رجل الأعمال الأمريكي روبرت ماكلوش بإقامة مدينة جديدة تُدعى هافاسو في صحراء أريزونا، ورغب في بناء جسر فوق بحيرة اصطناعية كان يخطط لها في وسط المدينة.

في الوقت نفسه، كان جسر لندن القديم يغوص تدريجياً في نهر التايمز نتيجة وزنه الكبير وتحرك التربة من تحته، فسارع ماكلوش إلى شراء الجسر بمبلغ 000,064,2 دولار سنة 8691م، ولم تكن بحيرته الاصطناعية قد أنشئت آنذاك.

وخلال عملية تفكيك الجسر حجراً حجراً في لندن لإعادة بنائه في هافاسو، والتي استغرقت ثلاث سنوات، تم شقّ قناة من بحيرة هافاسو لتعبر منتصف المدينة ولتمر من تحت الجسر الجديد الذي اكتملت إعادة بنائه سنة 1791م.
في سبتمبر 5891م، وبإشراف الفنانين كريستو وجان كلود، قام ثلاثمائة عامل بتغيير معالم “الجسر الجديد” في باريس من خلال لفه بقماش ذهبي اللون، وتوضيبه بواسطة الحبال. وبقي الجسر “موضباً” لمدة أربعة عشر يوماً. كان هذا من آخر صيحات الفن الحديث في تعامله مع الجسور. ولكن قبل ذلك بكثير كان الجسر حاضراً في الأعمال الفنية الكبرى، فكرمته كموضوع ريشة كبار الفنانين.
وما بين عصر النهضة والقرن التاسع عشر يمكننا أن نرى الجسر في العديد من اللوحات، وكأنه جزء لا يتجزأ من المحيط الطبيعي الذي ينتمي إليه الإنسان. نراه صغيراً جداً في لوحة للرسام الفلامنكي جان فان إيك، وخلف “الموناليزا” في تحفة ليوناردو دي فنشي. ونراه أيضاً بأحجام متفاوتة في لوحات بوتيشيلي ورافائيل وبوسان. وفي المدرسة الرومنطيقية صارت أطلال الجسور الحجرية من الموضوعات البارزة. ومع اتجاه فن الرسم صوب الطبيعة في القرن التاسع عشر وما بعده احتلت الجسور مكانة أوسع فأوسع في رسوم الفنانين. وعلى سبيل المثال فقط، نشير إلى أن رائد الانطباعية كلود مونيه أنشأ في حديقة منزله جسراً خشبياً صغيراً، خلّده في العديد من لوحاته، إضافة إلى ولعه برسم الجسور الأخرى مثل جسر “آرجانتوي”، شأنه في ذلك شأن باقي الانطباعيين الذين شدتهم إلى الجسور لعبة أشكالها الهندسية وتلاعب الضوء في صفحة الماء.

ومن أشهر الجسور التي خلدها الفنانون جسور العاصمة الفرنسية الاثنين والثلاثين، وجسر البرج في لندن، وجسر “ريالتو” في البندقية الذي خلده الرسام الإيطالي كاناليتو في العديد من لوحاته. ويظل جسر بروكلين الأكثر شهرة، لكثرة ما تناوله المصورون والرسامون وخاصة من تيار البوب آرت الذي ظهر وانتعش في نيويورك.
الجسـور
فـي المملكــة

هنالك الكثير من الجسور في المملكة العربية السعودية، من أشهرها، جسر الملك فهد الذي يربط بين البحرين والمنطقة الشرقية. ويعد جسر الملك فهد خطوة مهمة من خطوات التحدي الحضاري، حيث يشهد حركة انتقال حيوية من الاتجاهين على مدار ساعات اليوم.

وتستخدم المملكة الكثير من جسور الطرق لاجتياز العقبات والأودية مثل عقبة وادي شعار.
ويوجد الكثير من الجسور على طريق الطائف حيث المرتفعات العالية. كذلك تبنت حكومة خادم الحرمين الشريفين بناء الكثير من الجسور في مكة المكرمة لربط المناطق المقدسة وتسهيل
حركة الحجاج. ويعتبر جسر شارع الخليج بالرياض أحد الروائع العصرية في مجال الطرق والجسور، بما احتوى عليه من إنشاءات، وما تضمنه من أساليب بالغة الحداثة في التصميم والتنفيذ.

وقد أدى التقدم المستمر في أساليب البناء والخبرات الفنية في مجال التصميم إلى حلول عصر الجسور ذات الفتحات
الطويلة التي استخدمت بالمملكة لعبور المناطق الصخرية المزدوجة، منها على سبيل المثال جسر تقاطع قصر الخليج بالمنطقة الشرقية. ولم يكن بالإمكان كسر حدة العزلة التي تعانيها المناطق المزدحمة بالسكان بين السراة وتهامة إلا باستخدام شبكة من الطرق الجبلية منها مجموعة من الجسور في عقبة وادي ستار وجسور وادي حنيفة ووادي لبن.

جسر الملك فهد
يتكون جسر الملك فهد من ثلاثة مسارات متوازية مع اعتبار المسار الثالث للطوارئ. يبلغ طول الجسر نحو 25 كيلومتراً، ويبدأ من منطقة العزيزية جنوب منطقة الخبر في الجانب السعودي، وفي الجانب البحريني يبدأ الجسر من المنطقة التي تقع إلى الغرب من العاصمة المنامة، وقد أنشئت جزيرة صناعية مزدوجة في عرض البحر مساحتها 000,066 متر مربع، كما تم إنشاء عدة طرق تربط الجسر بشبكة الطرق الداخلية في كل مكان من المملكة العربية السعودية والبحرين بطول 23 كلم إلى مدينة الخبر – الظهران وبطول 31 كيلومتراً حتى مدينة المنامة، وقد اكتمل العمل فيه سنة 6891م.

جسر شارع الخليج
في الرياض
يتألف جسر الخليج من قسم لطرق السيارات بطول 0064م، ويحتوي على جسر من الخرسانة مسبقة الإجهاد بطول 0022م، ونفق تحت الأرض بطول كيلومتر واحد، مما يشكل تقاطعاً ذا ثلاثة مناسيب يحتوي على ما يلزم من جسور علوية وطرق منحدرة، وطرق للخدمة، وأقواس، وممرات للمشاة، وشبكات للصرف الصحي والإنارة والحدائق والمزروعات. ويتكون هيكل الجسر من أرضية ذات ثلاثة أبعاد وأعماق مختلفة، ودعائم يبعد كل منها عن بعضه البعض 201 م، مع قوس رئيسي طوله 031م. ويتألف الجسر من 0221 قطعة يصل وزن بعضها إلى مائة وأربعين طناً، ولكل منها تصميم خاص بحيث
لا توجد بينها قطعتان متماثلتان، مع مراعاة تطابق نهاية كل جزء من الجزء المجاور باستعمال مادة
“أبوكسي” اللاصقة، وشد
الأجزاء إلى بعضها بواسطة كابلات ذات ضغط عال مسبقة الإجهاد.

جسر وادي حنيفة ووادي لبن:
يحمل هذان الجسران العاليان الطريق السريع الذي يربط بين الرياض ومكة المكرمة بعرض ستة مسارات بين واديين عريضين سحيقين من جنوب غرب الرياض.
ويبلغ عرض وادي حنيفـــة حوالي 007م وعمقـــه 55م، كما يبلغ عــرض وادي لبن حــوالي 0021م وعرضــه 09م.

جسور جدة الجميلة
أنشئت في جدة جسور خشبية رائعة فوق الطرق الرئيسية لعبور المشاة. وهي جسور معلقة على أقواس خشبية ضخمة، وأغلبها على طريقي المدينة المنورة ومكة المكرمة حيث الشوارع عريضة والمارة كثر.

جسر السينما
من أشهر الأفلام التي ظهر فيها الجسر فيلم جسر من بعيد وتدور أحداثه حوله رواية أثناء الحرب العالمية الثانية، سنة 4491م، إذ يدمّرجسر في أرنهايم في هولندا، ليقطع إمداد العدو النازي.
وهناك تحفة ديفيد لين جسر على نهر كواي عن عدد من أسرى الحرب البريطانيين يحاولون أن يشيدوا جسراً ، على الرغم من علمهم بأن العدو سيستخدمه في نقل المؤن والعتاد. واشتهر في هذا الفيلم وليم جولدن وسير أليك جينس. وتلاه فيلم لمن تدق الأجراس رائعة أرنست همنجواي، التي تحكي عن مهمة بالغة الخطورة لتفجير أحد الجسور أثناء الحرب الأهلية الإسبانية.

هناك أيضاً فيلم جسور على توكوراي . الذي دارت أحداثه أثناء الحرب الكورية، عن طيار تتجاذبه مشاعر متضاربه أثناء تكليفه مهمة تدمير جسر محصّن.

وثمة قصص حب أيضاً كان مسرحها الجسر . ومن أشهرها جسر واترك ثم جسور ماديسون كاونتي وبطولته لكلنت إستوود وميريل ستريب في عام 5991م. والجسر، رمز للعبور إلى المجهول، استخدم في فيلم إنها حياة طيبة وبطولته لجيمس ستيوارت، وتدور قصته حول جورج بيلي، وهو مواطن مفلس يهم بالقفز من أحد الجسور. ونذكر هنا بعض الأفلام التي استخدمت الجسور فيها كمعالم تاريخية:
باثـــان 3491م، جســر الطــــريق الراجـــع 5691م، الولـــد والجســـر 9591م، الـ 93 خطوة 5391م، جسر راماجن 9591م، جسر واترلو 1391م، المجموعة المتوحشة 9691م. جسور ماديسون كاونتي ، جسر سان لوي راي 4491م، جسر بروكلين 1891م، سر من بعيد 7791م، معبر كاسندرا 6791م، جسر نهر كوكو – راي 4591م.

جسر المغنى
حظي الجسر بحضور كبير في الأغنية الغربية عموماً، فهو مكان مثير للتأمل وللمشاعر، حوله يلتهب الخيال وعبره وأسفله يكون الجلوس، وبين طرفيه ينقسم العالم، وعلى سياجه تُذرف الدموع وتحته يُنثر الماضي وفوق سمائه تبدأ حياة جديدة…
حمّلت الأغنية الغربية الجسر كل أفراحها وأحزانها وجعلته رمزاً يتجاوز المكان والزمان… وكم من أغنية كان الجسر موضوعها أو مكان قصتها، أو حتى جزءاً من لقطاتها المصورّة. وكم من مغن غنى عليه أو غنى عنه. وكم من أغنية حملت اسمه! … ولا ننسى أن الاحتفاء الأكبر بالجسر حوته موسيقى وأغاني الجاز … فأي اعتراف بالرمز والمعنى هذا؟
أنظر إلى أسماء هذه الأغاني:

The Other Bridge Bridge to a Legacy
The Natural Bridge Bridge of Sight
Behind the Bridge Burning Bridges
Script of the Bridge Bridge to the Unseen
Echo Bridge Bridge to the Northern Lights
وهناك جسور تدين بشهرتها العالمية إلى الأغنية مثل جسر (أفينيون) في فرنسا. وعندنا، في الشرق، تشاء ظروفنا أن يرتبط الجسر بهمومنا الوطنية. ولعل أهم ما كتب فيه كان ما وضعه الأخوان رحباني وغنته فيروز العام 9691م بعنوان “جسر العودة”، وأرقّ منه “يا جسراً خشبياً”، أو ما لحّنه فلمون وهبي لفيروز “على جسر اللوزية”.
والقصيدتان الأوليان تدوران حول “جسر اللنبي” الذي كان المعبر الوحيد بين الأراضي المحتلة في فلسطين والضفة الشرقية لنهر الأردن. وتقول:
يا جسراً خشبياً يسبح فوق النهر
ضحك الفجر وحيا وصحت قمم الدهر
لونك فرح الماء وبك العطر يجن
أخشابك أفياء تحت الخطو تئن
وبصمت وصفاء ينطلق الأردن
يزرع في الأوداء مواسمه القدسية

الجسور العربية
اتخذ بناء الجسور في المدن العربية الواقعة على ضفاف الأنهار منحىً بالغ الأهمية بدءاً من القرن التاسع عشر، بسبب نموها المتسارع.

ومن أشهر الجسور التي بنيت آنذاك جسر قصر النيل في القاهرة، الذي أنشأه الخديوي إسماعيل في إطار إعادة تخطيط عام للعاصمة المصرية وتحديثها. الأمر نفسه ينطبق على العديد من الجسور التي بُنيت آنذاك في العديد من العواصم العربية مثل بغداد التي يخترقها نهر دجلة، والخرطوم الواقعة على نهر النيل.

وفي قلب العاصمة السورية دمشق تقاطع طرق حيوية يُعرف حتى اليوم باسم جسر فيكتوريا. ويعتقد البعض أن الجسر الحديث القائم هناك هو الذي يحمل هذا الاسم ولكن الواقع أن جسر فيكتوريا هو الطريق الذي يبدو عادياً جداً تحت الجسر الحديث.
ففي أواخر القرن التاسع عشر استعدت دمشق لاستقبال ملكة بريطانيا فيكتوريا. وبنت لهذه الغاية فندقاً خاصاً (مكان فندق سمير أميس حالياً) وقبالته جسراً. ولكن فيكتوريا لم تأت. وبمرور الوقت تمت تغطية نهر بردى في أماكن كثيرة، فاندمج الجسر بغطاء النهر، وتمت تغطيته بالأسفلت. فضاعت معالمه، ولم يبق منه غير الاسم.

الجسر في اللغة
دخل الجسر لغتنا العربية مرادفاً لكلمة علاقة . فكثيراً ما نسمع عن مد الجسور بين فلان وفلان أي نسج علاقة وفتح باب اتصال بين الطرفين. أما نسف الجسور فيعني قطع علاقة كانت قائمة بين طرفين.

ويستعمل الجسر أيضاً للتشبيه. فيقول العامة في معرض حديثهم عن الشاب الوسيم وطويل القامة إنه مثل الجسر ، وقد يكون مرد التشبيه عرض المنكبين، أوتقوس الظهر إلى الخلف الذي يظهر بوضوح أكبر للمشاهد قصير القامة.

وللكثيرين من فرنسيين وغيرهم استعمالهم المجازي الخاص لكلمة الجسر. فعندما يقول أحدهم: أنه سيعمل جسراً ، فهذا يعني أنه يربط عطلة نهاية الأسبوع مثلاً بيوم عطلة يقع بعد يوم أو يومين من العمل، فيأخذ من تلقاء نفسه بوساطة هذا الجسر عطلة لمدة خمسة أيام!!

كتب في الجسـور
1- “بناة الجسور”
من تأليف مارتن بيرس، وريتشارد جوبسون اللذين يتحدثّان عن الجسور بصفتها من أعظم الإنجازات العمرانية التي حققها الإنسان. ويتقدم استعراض الجسور نص يُشير إلى دور الجسور في التحولات الاجتماعية والتاريخية التي حصلت في أوروبا وأمريكا خلال القرن العشرين وما قبله. مزيّنٌ بثلاثمائة وثمانين صورة، وصادر عن دار ويلي- أكاديمي، إنجلترا.

2- جسور غيّرت العالم
صادر عن دار بريستيل العالمية. يتناول 05 جسراً يرى المؤلف برنارد غراف أنها الأهم في العالم، ويمتاز بجمال الصور، وحسن اختيار الجسور.

3- “جسـور”
ثلاثة آلاف سنة من تحدي الطبيعة
كتاب رائع يروي تطوّر الجسور منذ أقدمها وأكثرها بدائية إلى أحدث ما توصلت إلىه تقنيات بناء الجسور في العصر الحديث. من تأليف دايفيد براون، وتوزيع دار أوكتوبوس في لندن.

4- “الجسـور”
تحف معمارية
من تأليف البريطاني ليونيل براون ومنشورات دار توتري نيويورك. يختلف هذا الكتاب عن الآخر في أنه يعتمد على الصور الفوتوغرافية الملوّنة، ويتوسع أكثر من الكتاب الآخر في موضوع الجسور الحديثة، من دون أن يغفل في صفحاته الأولى الحديث عن عدد محدود من الجسور التاريخية. يقع هذا الكتاب في 08 صفحة، وهو متوفر في المكتبات العربية.

5- “جســـور”
من أجمل ما كتب حول هذا الموضوع. تتناول فيه المؤلفة جوديت دوبريه خمسين جسراً من أشهر جسور العالم. يقع هذا الكتاب في 821 صفحة، خصت المؤلفة كل جسر بصفحتين، ويتضمن صوراً فوتوغرافية قديمة وحديثة بالأسود والأبيض، ويتميز بإخراج لافت للنظر. فمقاييس الكتاب تبلغ 91 سم عرضاً و64 سم طولاً. ويفرد المخرج بعض الصور على صفحتين فيصل طول الصورة الواحدة إلى حوالي المتر.! وكمقدمة يتضمن الكتاب مطولة مع فرانك أو. جيري، وهو أحد أشهر المهندسين المعماريين في العالم اليوم. الكتاب صدر بالإنجليزية عن دار النشر الألمانية كونمان سنة 8991م. وهو متوفر في المكتبات العربية.

وبالوصول إلى طرفه الآخر، نستودع الجسر الذي نراه تحفة فنية، وإنجازاً هندسياً وعمرانياً وموضوعاً لأعمال فنية، ولكن وقبل كل شيء نصرّ على التطلع إليه كواحدة من أقدم وأقوى وسائل الاتصال والتقارب بين الناس والشعوب.

أضف تعليق

التعليقات