أقدم مخطوطة في علوم العربية
عُثر مؤخراً في مكتبة الأزهر على مخطوطة نفيسة بعنوان «الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها» لمؤلفها أبو الحسين أحمد ابن فارس بن زكريا الرازي، الذي يرجع أصله إلى «همذان»، وتخرج على يديه مئات من الأدباء البارزين منهم بديع الزمان الهمذاني والصاحب ابن عباد، وغيرهم.
ألَّف ابن فارس، المتوفى عام 395 هجرية، أكثر من خمسين كتاباً نُشِر حوالي ثلثها، ولا يزال أكثرها مخطوطاً حتى اليوم في حاجة إلى تحقيق ونشر. وقد قام الدكتور رمضان عبدالتواب، العميد السابق لكلية الآداب جامعة عين شمس المصرية، بتحقيق بعض مخطوطات ابن فارس مثل مخطوط «الفرق» الذي نُشر عام 1982م، كما أعدَّ دراسة نقدية لمخطوطة «فقه اللغة».
اعترف ابن فارس في مقدمة هذا المخطوط بأنه لم يأتِ بجديد من عنده، حيث يقول: «الذي جمعناه في مؤلفنا هذا مفرَّق في مؤلفات العلماء المتقدمين، ولنا فيه اختصار مبسط أو بسط مختصر أو شرح مشكل أو جمع متفرق».
وتُعد مخطوطة «الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها» أول كتاب من كتب التراث يحمل عبارات عصرية.. فقد حملت عبارة «فقه اللغة» وهي من العبارات الشائعة في عصرنا الحالي، والمعروف أن كلمة «فقه» في اللغة العربية تعني «الفهم»، مما يؤكد أن ابن فارس أراد بكتابه هذا فهم أسرار اللغة العربية، وطرق العرب في التعبير، كما أراد إبراز عقيدة رسخت في وجدانه وهي أن القرآن الكريم لا يختلف عن لغة العرب، فبلسانهم نزل هذا الكتاب المبين وبطريقة العرب في التعبير عبَّر عن قضايا الدين الإسلامي الحنيف.
والمخطوطة في مجملها تعالج موضوعات شتى، بعضها موضوعات تهم دارسي اللغة العربية وفقهها بدرجة كبيرة، وبعضها موضوعات خاصة بالصرف والنحو والأصوات، كما تناول ابن فارس «الخط العربي» وأول من كتب به، وله رأي قاله بكل وضوح وهو: أن اللغة العربية وخطها كانا هكذا منذ أن خلق الله الأرض ومَنْ عليها، بخلاف جميع لغات الأرض وخطوطها التي خضعت للتغيير والتبديل، كما أنها تحيا وتندثر وتنقرض، وأن اللغة العربية مفضلة على سائر اللغات العالمية.
محمد عبد الشافي القوصي
القاهرة، مصر
قراءة جديدة في مقولة قديمة
من أفضل العبارات التي يعجبني تماسكها في المبنى والمعنى هي المقولة الشهيرة التي تعلمناها في الصغر، وظلت تلازمنا في مختلف مراحل حياتنا. فمنا من أدرك قيمتها وحرص على العمل بحكمتها، ومنا من نحرته الدنيا فأهمل أحد شقيها أو كلاهما، وهذه المقولة هي «العقل السليم في الجسم السليم».
الجمال في هذه المقولة هو الطابع الشرطي المبطن فيها، استعمال أدوات الشرط المعروفة، ثم صفة السلامة المشتركة التي تحيلنا إلى قضيتين، لأن لها أهمية قصوى في الدول المتقدمة وحتى الدول السائرة في طريق النمو وهما الرعاية الصحية والاهتمام بالتعليم، فهما بحق يعكسان الوجه الحضاري للمجتمع، وإهمال أحدهما مظهر تخلف.
والحقيقة أن العلاقة الشرطية في المقولة المذكورة تقابلها علاقة جدلية في ميدان التطبيق العملي. فالجسم السليم أي الخالي من الأمراض أو ربما الرشيق أو القوي والمفتول العضلات لا يعني بالضرورة أن صاحبه ذكي أو ذو قدرات عقلية خارقة. فليس كل ماردٍ عملاقٍ عبقري ما لم يحصل على قدر من التعليم النوعي. وكذلك المتعلمون النابغون الأذكياء الذين من المفروض أن يحسنوا في الحياة صنعاً، قد لا يعيشون طويلاً لإفادة البشرية وفق قدراتهم، إذا أهملت صحتهم، وفتك بهم المرض.
المنظومة الصحية والتربوية مترابطتان بل متداخلتان، فالمعلم طبيب للعقل ومهندس وصفة غذائه، والطبيب راسم منهج العلاج والوقاية أي ضمان السلامة الجسدية والنفسية والعقلية، وبذلك يلتقي التعليم والطب في أجمل سيمفونية مهنية لأنبل الأهداف وهو «رقي الإنسان» وهذا هو الاستثمار الحقيقي.
إن ضياع حق المواطن في منظومة تربوية تضعه وكل أبناء جيله وأولاده من بعده بل وأحفاده في أولوياتها، هو مخاطرة بمصير أجيال فقدوا حاضرهم قبل أن يضيع مستقبلهم.
والتهاون بصحة المريض ورعايته، الذي يتمنى زيارة كل بقاع الدنيا سوى المستشفى التي لا متعة في التردد عليها، تمثل إهانة بالغة بل وتهديداً لحقه في الحياة.
صبحة بغورة
الجزائر