وجهان لعملة واحدة
إبراهيم عبدالباقي – صحفي مصري
الرواية والكتاب وجهان لعملة واحدة. إنهما طرفا معادلة لا يستقيم الحال بأحدهما دون الآخر، وذلك عند مَن يقرأ ومَن يسعى إلى إدراك ما يدور حوله.
فمن تجربتي، أعتقد أن الرواية عالم رحب يضعك في قالب الحكاية، تقرأ وتفهم وتتوقّع وتفسّر بمفردك؛ تُسقط أحكامك على أبطالها تبرّر وتدافع وتهاجم وتضع الحلول؛ وحتى النهايات أحياناً؛ وفق خيال رحب حرَّكه فيك كاتبها، لتخرج بنفسك بالمغزى وتسقطه على واقعك أحياناً أو تبحث عنه أحياناً أخرى.
أما الكتاب؛ سواء أكان علمياً أو فكرياً؛ فهو بمنزلة المعادلة والنظرية والقانون؛ وضعه الكاتب بعد تجارب لا تنقصها الأرقام والحقائق. إذاً فأنت مُلزم الآن بترك أفق الخيال الرحب الذي وضعك فيه كاتب الرواية والنزول إلى أرض الواقع وفق معادلات وأرقام وأدلَّة. فالرواية تصنع الخيال ليأتي الكتاب بالعلم والقانون ويكمّل الصورة، فكم من اختراع بدأ بخيال وانتهى بواقع.
بقي أن أقول إن الرواية عالم افتراضي، نعيش فيه لبعض الوقت لنستلهم العِبر من أبطالها ونسعى للتغيير للأفضل وفق مضمونها، أما الكتاب فيظل معلومات وخبرات وقوانين ليست مجالاً للرأي والرد فقط. إنه الحقيقة، والمطلوب أن تقرأها وتعتقد بها حتى يأتي العلم بجديد يثبت العكس.
الكتاب أكثر تخصصاً، ولكن الرواية تثري أيضاً
مشاعل الغامدي – باحثة دكتوراة
غالباً ما تُبنى الرواية على فكرٍ واحدٍ هو فكر صاحبها الذي قد يتفق أو يختلف مع فكر القارئ. وهو أمر طاغٍ على الرواية من وجهة نظري ويصعب تجاوزه. فالرواية القائمة على آراء شخصية مرتبطة بتجارب فردية غالباً، ممزوجة ببعض المعلومات التي تتأثر باهتمامات الكاتب وظروفه وحياته، مقارنة بالكتب التي تُبنى في معظمها على علوم متفق على كثير من تفاصيلها، علمٌ مؤصل بعيد عن الخيالات.
ثم إن الكتاب أكثر تخصصاً من الرواية، وتحصيل المنفعة العلمية من قراءته أكبر، لأنه يتناول موضوعات تدور في فلك واحد. وهذا ما يجعل جمهوره أقل، على عكس الرواية الجذابة بقدرتها على إثارة الفضول في معظم الأحيان.
لكن، وللإنصاف، فإن الرواية تثري القارئ أيضاً، وتجعله يتعرَّف على واقع لم يعايشه في حياته اليومية. فاختلاف البيئات والعصور والثقافات يفتح عالماً جديداً للقارئ، ومجالاً جديداً ليقارن ويحلل ويناقش. فالرواية تعطي التوازن للباحث، والكتب تعطي الثقافة للهاوي. ولكل ذلك، تفعل الرواية ما لا يفعله الكتاب، لكنها لا تغني عنه.
المدرِّس العملي والمدرِّس النظري
غزوان الحسن – إعلامي سوري مقيم في السعودية
في بدايات قراءتي، توقفت مراراً سائلاً نفسي ومستشيراً عقلي بعد إنهاء كل رواية عن الفائدة التي عادت عليّ بها، وكانت فوائد لا تحصى.. ولكن هل سأجد عدداً مشابهاً من الفوائد في الكتاب؟
ربما أكبر وأفضل، وأوضح الفوارق بين الرواية والكتاب هي نفسها الفوارق بين المدرِّس العملي والمدرِّس النظري.
فأيهما أفضل؟ مدرِّس يتحدَّث عن عظمة الأهرام المصرية ويشير إلى صورتها في الكتاب أمامك، أم مدرّس يأخذك في رحلة إلى الأهرام، تحت الشمس، ويتسلَّق معك الأحجار، وتستكشفان الغرف، ويبهرك بالأسرار أمام عينيك؟؟
الكتاب يعطيك الخلاصة في كل موضوع. ويتحدث الكاتب من منطلق البحث والاستقصاء – وهذا صحيح – فإن ما يكتبه هو الصحيح وعليك أن تلتزم به ما دمت تثق في الكاتب. أما في الرواية فإن الكاتب لا يضع لك حدوداً أو إطاراً معيناً.
بل إنه يترك لك التصور والتخيل واقتراح مئات الحلول قبل أن يضع الحل الذي يراه هو مناسباً في النهاية. وربما لا يفعل هذا، فيترك لك «النهاية مفتوحة» كما يقولون، تضعها أنت كما تحلو لك.
ما أجمل أن تقرأ
عبدالرحمن العنبري – مشرف علاقات
الروايات في أغلبها إنسانية، تتناول حياة الإنسان وتصرفاته وردود أفعاله. لكن إذا كنت لا تعترف إلا بالمعلومات المحدَّدة والعلوم، فأود تذكيرك بأن خيال بعض الكتَّاب الذي ذهب بعيداً في رواياتهم قد وصل إلى مصطلحات أضيفت بعدها إلى العلوم الأخرى.
ولعل أوضح وأكبر مثال على ذلك هو مصطلح «الفكر المزدوج» الذي أضيف إلى علم النفس، والمصطلح الذي أضيف إلى السياسة وهو مصطلح «الدول الشمولية» أو «الأوريلية» نسبة إلى صاحبها وهو الكاتب «جورج أورويل» الذي ذكرهما في روايته العظيمة «1984».
ولكن، في المجمل، ما أجمل أن تقرأ.. فقط أن تقرأ، وتتبادل الحديث الفكري بينك وبين الصفحات التي سطرها الكاتب الذي – بدوره – جمع ما فيها من معلومات وخبرات فنقاها، وصفَاها ووضعها في أجمل شكل استطاعه، لتوضع بين يديك. تفهم منها على قدر فهمك، فلا تستعلي عليك لضيق أفقك نسبياً، ولا تقلل من شأنك إذا كنت مخالف الرأي، فقط تقرأ وتكمل أحجية الفكر بين الكاتب والكتاب.. وأنت.