نهر عظيم في الصحراء؟
يَتداولُ البعض أنَّ نهراً عظيماً كان يجري في الربع الخالي في غرب الصحراء!، فهل يمكن أن يكون الأمر صحيحاً؟
تُعد منطقة الربع الخالي واحدة من أكثر المناطق حرارةً وجفافاً في العالم، وبالتالي، فإن لا أحد سيلوم من لم يصدِّق هذه الرواية. ولكن خرائط شبه الجزيرة العربية تُظهر نهرين كبيرين يجريان في صحراء الربع الخالي، يجري أحدهما شمالاً نحو الخليج العربي والآخر يجري جنوباً نحو البحر الأحمر. ومع أنَّ هذه الخريطة رُسمت في القرن الخامس عشر، حين كان من المؤكد عدم وجود مثل هذين النهرين في هذا القرن، إلا أنَّ رَسْمَها استند إلى وصف بطليموس للعالَم حوالي العام 150 ميلادي، أي إنَّ الوصفَ يَعكسُ حالَ شبه الجزيرة العربية قبل حوالي 2000 عام.
والدليل الآخر هو أنَّ المُستكشفين، وجدوا في عمق الصحراء عدداً من المواقعِ لبحيراتٍ جافةٍ يَعودُ تاريخها إلى ما بين 7000 و13000 سنة مضت. وكذلك وجدوا بالقرب من هذه المواقع عظامَ غزلان وماعز بري وماشية أخرى بقرون طويلة، وجميعها حيوانات لم يشاهدها أحد في الصحراء خلال الذاكرة المُعاشة. وهذا يؤكد أن الصحراء الجافة حالياً كانت قبل آلاف السنين مُبتَلّة بشكل كبير وفيها مياه وفيها حيوانات غير صحراوية!
وربما ما هو أكثر إقناعاً لنا، هو ذلك الأثر الخفيف جداً لبقايا نهر أظهرته صور أقمار صناعية لهذه المنطقة. ووجود سبخة مطي التي هي منبسط ملحي يمتد لمئات الكيلومترات في غرب صحراء شبه جزيرة العرب يمكن أن يُعد من الدلائل المهمة الأخرى. والسبخة رخوة جداً ولا يمكن المشي عليها لأنها مغطاة بقشرة ملحية، ولو حاول الإنسان أو الحيوان المشي عليها لغاصوا تحت رمالها، إلا أنه توجد بعض المسالك والدروب البدائية التي يعرف أبناء المنطقة أسرارها فيمرون منها بسهولة وسلام. ويُظن أن السبخة كانت قديماً منطقة مبلولة وفيها مياه بسبب مرور نهر فيها.
وتدعم دراسات معاهد الطقس الآراء أعلاه، فهي تُخبرنا أن طقس شبه الجزيرة العربية من النوع الذي يتأرجح تناوباً بين فترات مبلولة وفترات جافة، وهو الآن في طور جفاف، بينما كان قبل 5000 عام أكثر اعتدالاً من الآن، وشبيهاً بطقس شرق إفريقيا حالياً. وفيه كمية أمطار تكفي لديمومةِ وجودِ بحيراتٍ ولنمو عُشْبٍ يكفي لدعم وجود حياة برية لحيوانات يلاحقها الناس لاصطيادها.
الدكتورة ليلى صالح العلي
الشارقة – الإمارات العربية المتحدة
أهميّة التنظير
أصبح التنظير السمة السلبيّة التي ننعت بها من يعود بأصل المسألة إلى أساسها النظري أو وضعها الافتراضي. فيتدرّج من مستواها إلى مراحل الأحداث بغرض القياس عليها في سبيل استنتاج ما كان صائباً وما كان خاطئاً، وما كان يجب عمله وما يجب تفاديه. ننتقد نحن هذه النوعيّة من الأشخاص لأنهم لا يطبّقون شيئاً على أرض الواقع، أو هذا ما نحسبه.
لا أزعم أنّني أعلم من غيري، إلّا أنني مؤمنٌ بأهميّة التنظير في كل مسألة. لأنها كما أعتقد المرحلة الأولى والأساس المتأصّل في الحل. يعقب التنظير التخطيط لآليّة الحل، وما يمكن عمله أو لا، وما يمكن تفاديه أو لا حسبما نُظِّر له. ويعقب ذلك مرحلة التطبيق التي مع الأسف لا نؤمن بما قبلها. أكثر أنواع التنظير ظلماً هو التنظير الاجتماعي أو العلني. فالمفكّر هنا يضع فكرته للعلن ليشاركه غيره مسألة تقليبها عوضاً عن حبسها في عقلٍ واحد في سبيل تحقيق الحل المرجو. وكل ما سيلقاه هو اللوم والانتقاد. بل الأعظم أن هذا يكون من قِبل مَنْ يُنظّر لأجلهم! ولعل ما أقوله الآن ليس إلّا تنظيراً خالصاً، أرى فيه أهميّة التنظير، وفي حال شارك المنظّرون أفكارهم، لا يجب على القرَّاء محاربتهم.
إياد سليمان السليمان
الظهران